خاص : كتبت – نشوى الحفني :
طال الصمت الحكومي العراقي، تجاه الهجمات الجوية على قواعد “الحشد الشعبي” بـ”العراق”، الكثير من الشكوك، في الوقت الذي تشير فيه أصابع الاتهام؛ بل تأكيدات بأن “إسرائيل” هي من تقوم بهذه الهجمات، حيث أنها انتقلت من شن الهجمات على المواقع الإيرانية بـ”سوريا” إلى شنها على الأذرع الإيرانية في “العراق”، إلا أن الصمت الحكومي أخذ العديد من التفسيرات؛ كان على رأسها وجود علاقات سرية بين “العراق” و”إسرائيل”، فأولى ذلك اهتمام الصحف الإسرائيلية والأجنبية.
وتحت عنوان: “إسرائيل تغازل وتقصف العراق”، قالت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية، في تقرير لها، إنه: “في الوقت الذي تهاجم فيه تل أبيب، دولة العراق، فإنها تبعث برسائل صداقة أيضًا إلى الأخيرة، والسؤال: هل تتبع إسرائيل سياسة مزودجة مع بغداد ؟”.
وتابعت: “الأيام الماضية أتضح أن تل أبيب لا تشن هجماتها ضد سوريا فقط؛ وإنما ضد العراق أيضًا؛ والهدف ليس جيش الأخير أو حكومته، وإنما طهران، فالإيرانيون يخفون في عدد من القواعد بأنحاء البلاد، صواريخ من شأنها الوصول إلى مئات الكيلومترات في قلب إسرائيل، وهو نفس الخطر الذي كان يهدد تل أبيب، عام 1991، في ظل استهداف نظام الرئيس العراقي، صدام حسين، للأخيرة، لكن هذه المرة أصبحت الصواريخ أكثر فتكًا وتدميرًا”.
وأوضحت (يديعوت أحرونوت): “خطورة تلك الصواريخ هي أنها لن تقصف إسرائيل بيد رئيس دولة مثل، صدام، أو خلفائه الحاليين، وإنما بيد طرف ثالث يسيطر على دولة مجاورة ويستغلها لتحقيق أهدافه، ألا وهو الإيرانيون، الآن وأمام أعيننا هناك حرب تدور بين طهران وتل أبيب، وهذه المعركة وصلت إلى ذروتها في تلك الأيام، الحديث لا يدور عن اشتباك بين سلاحي مدرعات لدولتين مختلفتين، دبابة أمام دبابة، كما عرفنا في الماضي مع مصر على سبيل المثال، ليس الهدف هو السيطرة على أراضي وإنما القضاء على الآخر”.
وواصلت: “المعركة الجديدة تديرها إيران من عدة مناطق ضد إسرائيل، من غزة وبيروت وودمشق وبغداد وطهران، في المقابل تل أبيب لا تقف بمفردها أمام الخطر الإيراني، معها في نفس المعسكر أصدقاء من المنطقة يشعرون بنفس هذا التهديد؛ من بينهم مصر والسعودية، اللاتي يقدمن مساهدات بقدر الإمكان في هذه الحرب التي تتسم بالطابع الإقليمي المعاصر”.
بغداد أسيرة عند الإيرانيين..
أكدت (يديعوت أحرونوت) على أن: “بغداد باتت أسيرة وضحية لسيطرة الإيرانيين، لكن وضعها يختلف عن سوريا، صحيح أن حكومتها تواجه تحديات تتمثل في الوجود الإيراني والإرهاب والجهاد والفساد المحلي، إلا أن طريقة الحكم هناك ديمقراطية، هذه هي الدولة العربية الأولى التي تحاول تجاهل ماضيها القمعي وبناء مجتمع مدني حر، ويرجع الفضل إلى واشنطن في هذا التغيير الذي بدأ منذ 16 عامًا مع الإطاحة بصدام حسين”.
لافتة إلى أن: “تل أبيب تعرف هذا الوضع الجديد، ورغم أنها قصفت العراق مؤخرًا؛ إلا أنها وبشكل متواز تبعث برسائل دبلوماسية من أجل التصادق مع العراق، وفي العام الماضي كانت هناك رسائل إسرائيلية للشعب العراقي، وبيانات رسمية أصدرتها خارجيتنا تعبر عن الرغبة في إقامة علاقات وصلات مع هذا الشعب وقيادته”.
ومضت: “تل أبيب تتحدث مع العراقيين في كل مناسبة؛ أحيانًا تبعث بتعازيها الحارة للعراقيين إثر العمليات الإرهابية التي تشهدها بلدهم، أو تهنأهم في أعقاب إعلانات منظمة اليونسكو المتعلقة بالأماكن الأثرية في بلاد الرافدين”.
مبادرة لم تفعلها إسرائيل من قبل..
مشيرة إلى أن: “ما تفعله تل أبيب هو مسعى فريد من نوعه، لم تبادر به إسرائيل من قبل، ألا وهو محاولة الإقتراب من عاصمة عربية كثيرًا ما اعتبرناها دولة معادية؛ من المأمول أن تتصاعد العلاقات بين الجانبين خلال الفترة المقبلة، ومنذ عدة سنوات يتحدث الآلاف من الطرفين، الإسرائيليون والعراقيون، مع بعضهم البعض، خاصة على الشبكات الاجتماعية؛ بل وفي بعض الأحيان يجتمعون في دولة ثالثة”.
وقالت الصحيفة العبرية: “هذا النهج يعتمد على عنصرين مهمين، الأول هوعلاقة العراق باليهود الذين عاشوا على أرضه، والثاني هو أن العراقيون يعيدون بناء بلدهم، سعيًا وراء النموذج الغربي، في هذه المرحلة، لا أحد يتوقع اتفاق سلام رسمي يُسن بين بغداد وتل أبيب؛ مثل ما تم توقيعه مع مصر والأردن، وفي العالم الجديد، يمكن إقامة علاقات وصلات مع دول عربية حتى بدون معاهدة سلام، كما هو الحال مع العلاقات (الإسرائيلية-المغربية)”.
وذكرت: “هناك من سيرى تناقضًا في الأمر؛ حيث تقصف إسرائيل العراق بالصواريخ، وتبعث إليها برسائل السلام في نفس الوقت، الحقيقة أنه لا يوجد أي تناقض؛ فالرسائل الإيجابية موجهة للعراقيين، بينما الأسلحة مصوبة ضد الإيرانيين، بغداد لا تريد حربًا مع تل أبيب، هي بصدد بناء الدولة وتسعى لإيجاد حلفاء”.
هل يصبح جبهة للحرب أم حليف خفي ؟
من جهتها؛ قالت صحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية؛ إن: “صمت العراق، بعد الهجمات الأخيرة التي استهدفت مواقع لميليشيات موالية لإيران في صلاح الدين وديالى، يترك مجالًا للتكهن بشأن علاقات بغداد مع إسرائيل”.
وفي مقال بالصحيفة العبرية، نشر أمس الأول، تساءل الكاتب، “زيفي بارئيل”، فيما لو أصبح العراق “جبهة إسرائيلية جديدة في الحرب ضد التهديدات الإيرانية، أم أنه حليف خفي لن يشارك مباشرة في محاربة إيران، ولكنه سيغض الطرف عن الجهود الخارجية الرامية لمحاربة إيران داخل أراضيه ؟”.
وأضاف “بارئيل”: “حتى لو لم تكن هناك إجابة واضحة على هذين السؤالين، فإن دبلوماسيون أوروبيون كشفوا مؤخرًا عن عقد اجتماعات سرية بين مسؤولون إسرائيليون وعراقيون؛ بعضها جرت داخل إسرائيل”.
مشيرًا الصحافي الإسرائيلي إلى أن موقعًا إيرانيًا مقربًا من السلطات يدعى، (فرونت بيغ)، نشر مقالًا، الأسبوع الماضي، تحت عنوان: “صمت بغداد على الغارات الإسرائيلية على الأراضي العراقية يثير الدهشة”..
وقال “بارئيل” إن: “حوالي 80 من أعضاء البرلمان العراقي لديهم نفس الشعور، وحثوا الحكومة على إدانة الواقعة، أو على الأقل الرد بطريقة أو بأخرى، على الهجومين اللذين نُسبا إلى إسرائيل الشهر الماضي”.
تطبيع العلاقات مع إسرائيل..
وأضاف محلل شؤون الشرق الأوسط في جريدة (هاآرتس)؛ أن الصحافيون العراقيون ذكروا رئيس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”، بأنه أقسم على أن “العراق” لن يصبح منصة إطلاق للهجمات على “إيران”. كما استذكروا البيان الأخير لسفير العراق في واشنطن، “فريد ياسين”، الذي قال: “هناك أسباب موضوعية قد تتطلب تطبيع العلاقات مع إسرائيل”.
سيحدث إن عمل كدرع لإيران..
وأضاف “بارئيل”: “ظاهريًا، يجب أن ترسل الهجمات على مخازن الصواريخ الإيرانية، في العراق، رسالة للحكومة العراقية مفادها: إذا لم ينته التغلغل الإيراني العسكري في البلاد فقد تصبح أرضكم مسرحًا لحرب دولية”.
لافتًا إلى أن: “هذا التلميح الثقيل يمكن أن يزدهر أو يتحقق في حال قرر العراق، بسبب الضغوط السياسية الداخلية، العمل كدرع لإيران”.
يشكل تهديدًا على إسرئيل..
كما قالت صحيفة (هاآرتس)، أمس، نقلًا عن مسؤولين في الجيش الإسرائيلي، إن التغلغل العسكري الإيراني في “العراق” يشكل تهديدًا لـ”إسرائيل”، حيث بدأت “إيران” بتعزيز تواجدها هناك بعد الهجمات التي تلقتها في “سوريا”.
وأدت الجهود الإسرائيلية، الرامية لمنع توريد الأسلحة الإيرانية المتطورة إلى “سوريا” أو نقل عناصر الميليشيات، إلى التفكير بطرق تقليدية أخرى من خلال الإعتماد على الميليشيات المحلية التي يصعب على “إسرائيل” مواجهتها.
ويشير تقييم الاستخبارات الإسرائيلية، لعام 2019، إلى أن “إيران”، وعلى الرغم من كل الصعوبات التي تواجهها والتي تحد من وجودها العسكري في “سوريا”؛ إلا أنها لم تتخل عن طموحها في “الهيمنة من خلال إقامة تحالفات تمتد من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان”.
ويقول التقييم، إن: “إيران اضطرت لإعادة حساباتها بالطريقة التي يمكن من خلالها تحقيق رؤيتها الإقليمية.. أدى ذلك إلى الإدراك بأن الوضع المحلي والدولي في العراق يخلق فرصة أفضل تلبي الخطط الإقليمية الإيرانية”.
وبحسب المسؤولين الإسرائيليين، حولت “إيران” نشاطها لنشر أنظمة الصواريخ الخاصة بها إلى “العراق” الذي يصعب على “إسرائيل” استهدافه مقارنة مع “سوريا”.
نفذت غارتين متتاليتين على مواقع لـ”الحشد الشعبي”..
وكانت صحيفة (وول ستريت غورنال) الأميركية، قد رجحت، الخميس الماضي، تنفيذ “إسرائيل” غارتين على مواقع تابعة لميليشيات موالية لـ”إيران” في “العراق”، خلال الأسبوعين الماضيين.
وذكرت الصحيفة الأميركية أن من شبه المؤكد أن هذه ليست الضربة الأولى التي تشنها “إسرائيل” على ميليشيات موالية لـ”إيران” في “العراق”.
ونقلت عن مصادر أمنية أميركية قولها؛ إن “إسرائيل” استهدفت، في حزيران/يونيو 2018، منشأة كانت تضم أعضاء من ميليشيا “كتائب حزب الله” و”الحرس الثوري” الإيراني؛ بالقرب من منطقة “البوكمال”، جنوب غرب “سوريا”، بالقرب من الحدود العراقية.
وتشير الصحيفة إلى أن غارتين جويتين استهدفتا مواقع للميليشيات المرتبطة بالنظام الإيراني في “العراق”، الشهر الماضي.
وتضيف أن أي بلد لم يعلن مسؤوليته عن تنفيذ الغارتين، ولكن هناك أسباب قوية للإعتقاد بأن “إسرائيل” هي من تقف خلفهما.
وتتابع: “إذا كان الأمر كذلك، فستكون هذه أول غارات جوية تنفذها إسرائيل في العراق منذ تدمير مفاعل تموز النووي، في عام 1981”.
الصحيفة الأميركية قالت؛ إن الغارات الأولى وقعت، في 19 تموز/يوليو الماضي، واستهدفت قاعدة للميليشيات بالقرب من بلدة “آمرلي” في محافظة “صلاح الدين”، شمال “بغداد”.
أما الغارة الثانية، فنفذت بعد ثلاثة أيام واستهدفت معسكر “أشرف”، وهو قاعدة عسكرية أميركية سابقة في محافظة “ديالى” العراقية.
وتضيف أن الموقعين المستهدفين يخضعان لسيطرة “منظمة بدر”، وهي حزب سياسي يمتلك جناحًا عسكريًا ولديه صلات واضحة مع “إيران”.
وكانت قيادات أمنية في “ديالى” قد نفت الأنباء التي تشير إلى استهداف معسكر “أشرف سابقًا”، الذي يقع في ناحية “العظيم” النائية المحاذية لمحافظة “صلاح الدين”، شمال “ديالى”.