27 ديسمبر، 2024 2:16 ص

كلام الفنانة “إلهام شاهين” وسطحية التعاطي مع الصراع ضد الصهيونية

كلام الفنانة “إلهام شاهين” وسطحية التعاطي مع الصراع ضد الصهيونية

خاص: بقلم- د. مالك خوري:

ساندت شخصيًا ومازلت أساند الفنانة “إلهام شاهين” في مواقفها الطليعية في ما يتعلق بدعم الدولة العلمانية ورفضها لفرض الوصايات ومختلف أنواع محاكم التفتيش الدينية على المرأة العربية وعلى كل مجتمعاتنا وعلى ثقافتنا. كما أنني ثمنّت عاليًا مواقفها الجريئة والشجاعة في إدانة المؤامرة الداعشية الأصولية الهمجية ضد سورية، والتي كانت مدعومة من دول الخليج وحلف الـ (ناتو).

لكنني تفاجأت بموقفها غير الموفق تجاه ما يحدث اليوم في فلسطين وفي لبنان. إذ شعرت بأن كلامها عن “السلام” وعن طموحها لدولة فلسطينية تعيش جنبًا إلى جنب مع الدولة الصهيونية يُساهم (ربما من حيث لا تدري)؛ في تعميق حالة الضياع التي تعيشها قطاعات واسعة من شعوبنا تجاه واقع الصراع التاريخي مع الكيان الصهيوني. فهكذا كلام يُعيد تدوير أوهام قديمة تجاوزها الزمن وأثبتت فشلها، وهو لا يُساعد مجتمعاتنا التي تُعاني من طغيان الإعلام العربي والأجنبي الذي يكاد يكون مجمعًا على غسل الحقيقة البشعة للوحش الصهيوني الفاشي وممارساته الإجرامية ضد شعوبنا، والمستمرة خصوصًا اليوم في فلسطين ولبنان وسورية.

أنا أفهم أن تُعاني أكثرية واضحة من الفنانين العرب هذه الأيام، وبدرجات متفاوتة، من الغباء أو الانتهازية أو الجهل أو انعدام الثقافة؛ خصوصًا لناحية استيعابهم للقضايا العامة. لكن في موضوع فلسطين والصراع مع الكيان، فمن المفترض أن النقاشات والتجارب على الأرض قد تمخضت عن فائض من الوعي والفهم مما يجعل مثل هؤلاء أكثر تنورًا وجدية في ما يطرحونه. وأنا لا أشك بأن فنانة مخضرمة بحجم “إلهام شاهين”، هي أشجع وأكثر ثقافة ووعيًا من أن تقع في مصيدة تسطيح التعاطي مع قضية بخطورة الصراع الوجودي بين العرب والكيان الفاشي في فلسطين.

منذ معاهدة كامب ديفيد في السبعينيات، ثم اتفاق أوسلو واتفاق “وادي عربة” في التسعينيات، تعهدت إسرائيل للأنظمة العربية بدولة فلسطينية، وقضت بعض شعوبنا عقود بانتظار تحقيق هذا الوعد. شعوبنا أعطت حكامها ما يُقارب من نصف قرنٍ ليجنوا ثمار عبقرياتهم في السياسة والبراجماتية والتفاوض تحت لواء الثقة العمياء بالسيد الأميركي. فماذا كانت النتيجة وأين هي هذه الدولة ؟!

الواقع هو أن الفلسطينيين لم يحصلوا على أكثر من أراض مقطعة الأوصال يُديرها عمدة (أو مختار) فاشل لا حول له ولا قوة ويعمل بكل وقاحة كمخبر وشرطي للاحتلال يُساهم بقمع واضطهاد شعبه. أما إسرائيل فقد دأبت لسنين الآن على التأكيد على أنها ترفض هذه الدولة، بل أنها تعمل على استيطان وضم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.

أما السلام الذي توصلت إليه دولتي مواجهة مع الكيان الصهيوني، فلم ترى شعوب هاتين الدولتين من نتائجه إلا المزيد من الفقر والتبعية للبنك الدولي وأميركا وانهيار الاقتصاد الوطني والجوع والبطالة.

كما شاهدنا خلال هذه الفترة انهيار وتقزيم ما تبقى من حرية وإبداع وإنجازات في مجالات الفنون والثقافة في بلادنا وكيف جرى تلزيمها “بالجُملة والمفرق” بالنهاية لرؤس الأموال الخليجية، والتي تعمل بدورها بالوكالة لمصلحة الصناعات والشركات الترفيهية العابرة للقارات وذات التوجهات الأحادية في تعبيرها عن مصالح الإمبريالية وهيمنتها الثقافية والفنية على شعوبنا.

فما هو المطلوب من هذه الشعوب المقهورة في فلسطين، وفي كل عالمنا العربي من الخليج إلى المحيط ؟!

إن الكلام الأجوف عن السلام والدولتين لا يستقيم مع دولة استيطانية مصطنعة تم إنشاؤها في وسط عالمنا لضمان إبقاء شعوبنا تحت الهيمنة الإمبريالية، وبكل الوسائل. فتقوم هذه الدولة بشن الحروب ضد الفلسطينيين في أراضيهم، وضد كل شعب عربي يرفع رأسه دفاعًا عنهم. وتعمل هذه الدولة وبلا كلل على تشجيع الانقسامات الطائفية والإثنية، وعلى محاولة تمزيق دول المنطقة وتهميش جيوشها وسرقة مواردها وثرواتها ؟!

الدولة الصهيونية لم تخلق في وسطنا لتبني السلام وتسُاهم في بناء رخاء المنطقة وتطور شعوبها، بل لتتكفل بإبقائنا في دوامة لا تنتهي من الحروب والفتن والتخلف.

تسطيح فكرة السلام للأسف وقعت به حتى بعض الأوساط السينمائية الفلسطينية في السنوات الأخيرة؛ بعدما أضحى هدف جذب بعض الدعم من جهات أوروبية وغربية غاية بحد ذاته. فكانت النتيجة ازدياد نوع غريب من السينما التي لا هوية لها. فتبعًا لطبيعتها وارتباطاتها المالية والسياسية بأدوات تمويل غربية أضحى بعض هذه السينما يروج لرؤى “مبسّترة” حول موضوع فلسطين.

وكثرت في السنوات القليلة الماضية الأفلام التي تُشدّد في مضمونها الفكري العام على الطبيعة “الإنسانية” لما يُعاني منه الفلسطينيون على يد الكيان الصهيوني. وبالتالي بدأنا نرى موجة أفلام تُدين الممارسات “الإسرائيلية” تجاه الفلسطينيين كحالات وضعية ومنفصلة يمكن التعامل معها في إطار تحسّينات لأداء الحكومة “الإسرائيلية” في مجال حقوق الإنسان. فتُبرر هكذا أفلام لإيجاد طرق للوصول إلى تسوية باتجاه “تعايش السلمي” بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”.

هذه السينما، كما كلام إلهام شاهين اليوم، يتفادى طرح الصراع في فلسطين أو المنطقة في سياقه السياسي والتاريخي الأشمل والأعمق، خصوصًا لجهة التعاطي مع الصهيونية كحركة كولونيالية استيطانية عنصرية، وعلاقة ذلك بمصالح الاستعمارين القديم والجديد في المنطقة.

كلام “إلهام شاهين” إذا لم يكن في غير محله فحسّب، بل كان كلامًا مفلسًا ويسوق لسردية انهزامية تخطتها المرحلة التي يعيشها الوطن العربي حاليًا.

والخيار اليوم هو إما أن ندعم المقاومة من أجل إعادة الحق لأهلة في فلسطين (وبالتالي تخليص هذه الأمة العربية من الوحش الفاشي وبلطجي الاستعمار  الجاثم على قلوب شعوبنا)، وإما أن نسكت ونمتنع عن طعن مقاومينا في ظهورهم وهم يخوضون المعركة المحقة والعادلة عن كل هذه الأمة المستكينة والخاضعة. فكما يقول المثل: إذا كان الكلام من فضة فان السكوت من ذهب !!

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة