كرسي الرئيس .. المرض المزمن في أقليم كردستان

كرسي الرئيس .. المرض المزمن في أقليم كردستان

كتب هستيار قادر : البرلمان الكردي صب الزيت على نار الخلافات بين الأطراف حول منصب رئيس الإقليم حينما أنهى القراءة الأولى لأربعة مشاريع قوانين لتعديل قانون رئاسة الإقليم في الثالث والعشرين من حزيران (يونيو) الماضي.
ويهدف كل من الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية في كردستان من مشاريع القوانين تلك إلى تقليص صلاحيات الرئيس وإجباره على قبول شرط مهم هو أن يتم انتخاب الرئيس من البرلمان بدل اختياره في انتخابات عامة ليكون للبرلمان القدرة على محاسبته وعزله وهو مالم يكن في مقدوره في السابق.
الحزب الديمقراطي اعتبر تلك الخطوة “انقلاباً برلمانياً” وانحرافاً عن التوافق الذي شُكلت على أساسه حكومة إقليم كردستان برئاسة نجيرفان بارزاني نائب رئيس الحزب الديمقراطي وبمشاركة معظم الأطراف السياسية، لكن الحزب يسعى إلى بقاء بارزاني رئيسا للإقليم لعامين قادمين وبصلاحياته الحالية حتى انتهاء الدورة الحالية للبرلمان.
الجدل بين الأطراف السياسية حول منصب رئيس الإقليم ليس جديداً فقد كان مصدر خلاف بين الأحزاب المتنافسة منذ التسعينات من القرن الماضي.
ولا يزال السياسي الكوردي محمود عثمان حتى اليوم يستغرب من عدم التمكن من اختيار زعيم للحركة التحررية الكردية عام 1992 وهو منصب يوازي منصب رئيس الإقليم الحالي رغم إن الانتخابات لاختياره جرت تزامناً مع انتخابات برلمان كردستان وكان عثمان أحد المرشحين الأربعة للمنصب.
وتنافس على المنصب آنذاك كل من مسعود بارزاني وجلال طالباني الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني وعثمان عبد العزيز زعيم الحركة الإسلامية بالإضافة إلى محمود عثمان لكن أياً منهم لم يتمكن من الحصول على نسبة أكثر من 50 في المائة من الأصوات كما نص عليه القانون الذي صدر قبل الانتخابات من قبل الجبهة الكردستانية التي كانت تضم ممثلين عن جميع الأطراف السياسية.
وقال محمود عثمان لـ”نقاش” إن “أصوات بارزاني كانت أكثر بقليل من الأصوات التي حصل عليها الطالباني ولكن لم تصل إلى النسبة المطلوبة لذلك تقرر إعادة الانتخابات بعد إسبوعين ثم تم تأجيلها لشهرين لكنها لم تجرِ في نهاية المطاف”.
وانقسمت الأغلبية البرلمانية آنذاك بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي وكانت القرارات تُتخذ قبل وصولها إلى البرلمان عبر الاتفاق عليها بين الأطراف السياسية باستثناء منصب زعيم الحركة التحررية الكردية الذي لم يتمكنوا من حسمه.
ويضيف محمود عثمان “المشكلة كانت بين طالباني وبارزاني حيث لم يكن أحدهما يقبل بالآخر زعيماً حتى وإن أُجريت الجولة الثانية من الانتخابات”.
 ومع اندلاع الحرب الأهلية عام 1994 تعّقدت مشكلة منصب الرئيس، إذ لم يكن الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي اللذان كانا يديران الحكومة مناصفة ويملكان قوات مسلحة يقبلان بسيطرة الطرف المقابل على الكثير من المفاصل ما أدى نهاية في المطاف إلى اندلاع حرب دموية بينهما استمرت حتى توقيع اتفاقية واشنطن عام 1998.
الحرب الأهلية بدورها خلقت نظام الادارتين جغرافياً إذ كان الحزب الديمقراطي يدير المنطقة الصفراء في أربيل ودهوك والاتحاد الوطني يدير المنطقة الخضراء في السليمانية وشكلا حكومتين مختلفتين.
واتخذ منصب رئيس الإقليم خلال مرحلة الإدارتين مساراً آخر حيث بسط الحزب الديمقراطي نفوذه على البرلمان بـأغلبية (67) عضواً ما سمح له بوقف العمل بالقانون الذي أصدرته الجبهة الكردستانية حول الانتخابات وصلاحيات زعيم الحركة التحررية الكردية عام 1992 وبذلك فقد منصب رئيس الإقليم الاطار القانوني.
وقال جعفر الشيخ علي عضو الدورة الأولى لبرلمان كردستان عن كتلة الحزب الديمقراطي لـ”نقاش” حول الموضوع “طلبنا آنذاك عدة مرات من مسعود بارزاني تولي منصب رئيس الإقليم، ولكنه لم يكن يقبل بذلك كما لم يتم منح صلاحياته لرئيس البرلمان أو رئيس الحكومة”.
نظرياً لم يكن بارزاني حينها يقبل بتولي منصب رئيس الإقليم رسمياً، لكنه من الناحية العملية يمتلك أعلى منصب لشخصية إدارية وسياسية في إدارة المنطقة الصفراء التي كان حزبه متنفذاً فيها، وفي المقابل اختلفت المعادلة في لإدارة السليمانية ففي عام 1999 عرّف طالباني نفسه رسمياً كرئيس لإقليم السليمانية.
ويشير فريد أساسرد العضو القيادي في الاتحاد الوطني إلى إن تولي ذلك المنصب من قبل طالباني كان لمدة قصيرة معتمداً على حصوله على غالبية الأصوات في حدود السليمانية أثناء انتخابات عام 1992.
 أساسرد قال لـ”نقاش” إن “المبرر وراء منح طالباني المنصب كان لإصدار عدد من القوانين المهمة آنذاك حيث لم يكن مجلس الوزراء في إدارة السليمانية يملك صلاحية إصدار القوانين”.
الخبير القانوني لطيف الشيخ مصطفى قال لـ”نقاش” إن تولي منصب رئيس الإقليم في السليمانية من قبل طالباني وتعامل بارزاني في أربيل كرئيس كان لإشباع رغبتهما في السلطة وليس بسبب حدوث فراغ قانوني”.
أزمة وجود رئيسين في إقليم كردستان استمرت حتى عام 2005 حيث اتفق الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي كحزبين رئيسيين في الإقليم على أن يتولى بارزاني الرئاسة لولايتين حسب قانون تمت صياغته من البرلمان المشترك فقد انتخب في الاولى من البرلمان وفي الثانية من قبل الشعب.
أما استغناء الاتحاد الوطني عن منصب رئيس الإقليم فلم يكن دون مقابل بل أجبر الحزب الديمقراطي على دعم طالباني لتولي أحد أعلى المناصب في الدولة العراقية وهو منصب رئيس الجمهورية ولاتزال معادلة تقاسم المنصبين بينهما سارية حتى اليوم.
وفي عام 2009 تولى بارزاني منصبه من جديد عبر انتخابات عامة، ومع انتهاء الولاية الرئاسية الثانية في عام 2013 أصبح منصب رئيس الإقليم مصدر خلاف الأطراف من جديد اذ لم يكن بمقدور بارزاني ترشيح نفسه حسب قانون رئاسة الاقليم لعام 2005 وكانت القوى المعارضة سابقاً والمتمثلة بحركة التغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية تعارض توليه المنصب من جديد، ولكن تم تمديد ولاية بارزاني لعامين عن طريق مشروع قانون اقترحه الاتحاد الوطني وتنتهي في العشرين من آب (اغسطس) الجاري، لكن المعادلة السياسية في العلاقات بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي لم تعد كما كانت على الرغم من وجود اتفاق استراتيجي بينهما منذ عام 2007.
موضوع رئيس الإقليم وصلاحياته لم يشغل العلمية السياسية فحسب بل ولّد مشكلات لعملية إعداد أول مشروع لدستور الاقليم الذي تم تشكيل لجنة لاعداده منذ شهرين ويضم ممثلين عن جميع الأطراف السياسية.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة