وكالات – كتابات :
فور وصوله إلى السلطة؛ في آب/أغسطس 2021، وعد الرئيس الإيراني المحافظ؛ “إبراهيم رئيسي”، الشعب الإيراني، بإصلاح أحواله المعيشية من خلال خطة حكومته التي تهتم بتحسين الاقتصاد قبل كل شيء، كما وعد شعبه بأنه لن يجعل الاقتصاد الإيراني مرهونًا بنتائج المفاوضات النووية في “فيينا”؛ بين “طهران” و”واشنطن”، والتي تهدف إلى إحياء “الاتفاق النووي” الإيراني لعام 2015، أو ما يُعرف رسميًا: بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”.
لم يمر على “إبراهيم رئيسي”؛ عام واحد على وجوده في السلطة حتى خرج الإيرانيون في مظاهرات حاشدة للاحتجاج على حكومته ومطالبته بالاستقالة، على أثر إعلان الحكومة الإيرانية الثالثة عشرة لما أطلق عليه: “خطة إصلاح الدعم”.
ما الذي حدث ؟
في أول يوم من أيام “عيد الفطر”؛ الموافق 02 آيار/مايو 2022، انتشرت كالنار في الهشيم أخبار تُفيد بأن الحكومة الإيرانية رفعت أسعار “الدقيق الفاخر”، أي المستخدم في صناعة الخبز الفرنسي، والمعجنات، والبسكويت. لكن على ما يبدو أن الجماهير كانت مشغولة بقضاء عطلة “عيد الفطر”، إلا في محافظة “خوزستان” الجنوبية، والتي تُعد واحدة من أفقر محافظات “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، وتقطنها الأقلية العربية السُنية، فخرج المحتجون من مدن “خوزستان” للاعتراض على زيادة أسعار “الدقيق والقمح”.
في المدن الكبرى، وبالتحديد في العاصمة الإيرانية؛ “طهران”، حاول الأئمة في صلاة “عيد الفطر” التخفيف من حدة الأخبار المنتشرة بشأن رفع الحكومة لأسعار “القمح والدقيق”، بزعم أن الحكومة الحالية برئاسة؛ “إبراهيم رئيسي”، قد عانت قبل اتخاذ هذا القرار الذي سيصب مع نهاية الأمر في الاقتصاد الإيراني.
مرت حوالي 10 أيام، ثم عادت الحكومة الإيرانية لتُلقي بمفاجأة أخرى اتسع مداها. ففي يوم 12 آيار/مايو 2022، أعلنت الحكومة الإيرانية المحافظة عن: “خطة إصلاح الدعم”، وزيادة أسعار أربع سلع غذائية أساسية: “البيض، الدواجن، زيوت الطهي، ومنتجات الألبان”، فلم يجد الإيرانيون شيئًا أمامهم إلا النزول للشوارع، سواء لتخزين المواد الغذائية المشمولة في خطة زيادة الأسعار أو التظاهر.
Tonight, Wednesday, May 11,
Protests in Dezful, Southern #Iran
Protester chant: Them Mullahs must get lost#IranProtests #خوزستان #دزفول pic.twitter.com/EGoXlLRvnB— ???????????????? ???????????????????????? ✌️ (@ManaBahram) May 11, 2022
في هذه الأثناء؛ انتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي الناطقة بالفارسية، تُظهر مئات من المواطنين المكتظين أمام المتاجر، والأسواق في مختلف المدن الإيرانية، يتشابكون من أجل الفوز بالمنتجات الغذائية الأربعة التي جرى رفع سعرها بين ليلة وضحاها.
وفي الوقت نفسه جرى تداول مقاطع فيديو أخرى، تُفيد بزيادة حجم الاحتجاجات في محافظة “خوزستان”، وامتدادها إلى مدن كبرى أخرى في “الجمهورية الإسلامية”، مثل: “شهر كُرد، فارسان، ودزفول”.
تقول “فرشته حميدي”؛ (27 عامًا)، التي تعيش في أحد أحياء “طهران”، وتعمل معلمة في مدرسة ابتدائية: “بعد أن شاهدنا إعلان زيادة الأسعار على التلفاز، هرعت أنا، ووالدتي إلى السوبر ماركت القريب من منزلنا. وجدت طابور طويلًا من الناس أمام بوابة المتجر، بعد: 15 دقيقة من انتظار الناس أمام بوابة السوبرماركت، بدأت الاشتباكات بين الواقفين والتزاحم للدخول، بعد حوالي ساعة من الوقوف استطعت أنا ووالدتي الدخول، لكننا لم نجد حتى زجاجة حليب واحدة”.
تصف “فرشتة حميدي”؛ ما رأته في ذلك اليوم بمشاعر غاضبة، فتقول لـ (الغارديان) البريطانية: “كان المشهد حزينًا، أخبرتني أمي أن في أيام الحرب لم تكن الأمور مثل اليوم”، في إشارة إلى الحرب “العراقية-الإيرانية”، في الثمانينيات، والتي استمرت لثماني سنوات.
پایانهی آزادی تهران امروز یکشنبه الان تجمع اعتراضی#اعتراضات_سراسری pic.twitter.com/Du38xNBaRH
— +۱۵۰۰تصویر (@1500tasvir) May 16, 2022
بالعودة إلى زيادة أسعار السلع الغذائية الأربعة الأساسية في “إيران”، يقول الخبير الاقتصادي الإيراني؛ “آلبرت بغزيان”: “بعض السلع زاد سعرها: 10 أضعاف دفعة واحدة، زجاجة زيت عباد الشمس الصغيرة وصل سعرها إلى: 26 ألف تومان؛ (أي ما يُعادل: 02 دولار أميركي)، كيس المعكرونة بحجم كيلوغرام واحد ارتفع سعره بنسبة: 55% إن وجدت في الأساس”.
تُجدر الإشارة هنا إلى أنه بعد إعلان الحكومة عن زيادة أسعار “الدقيق والقمح”، ورفع الدعم الحكومي عنهما، تضاعفت أسعار “المعكرونة” بنسبة: 100%، و”الأرز” بنسبة: 130%، ووصلت “البطاطس” إلى: 167%، مع الأخذ في الاعتبار أن “الأرز” و”المعكرونة” من المكونات الأساسية في المطبخ الإيراني.
الحكومة الإيرانية في مرمى النيران..
فور إعلان حكومة “إبراهيم رئيسي”؛ عن خطة إصلاح الدعم، وما ترتب عليها من زيادات هائلة في أسعار السلع الغذائية الأساسية، وخروج المواطنين الإيرانيين للشوارع للاحتجاج على قرارات الحكومة؛ تعرضت إدارة “إبراهيم رئيسي” لوابل من الانتقادات.
بطبيعة الأمر كان من المتوقع دفاع الأصوليين ووسائل الإعلام التابعة لهم عن القرارات الاقتصادية لحكومة حليفهم، فعلى سبيل المثال دعمت وكالة أنباء (تسنيم)؛ المقربة من (الحرس الثوري) الإيراني، “خطة إصلاح الدعم”؛ لحكومة “إبراهيم رئيسي”، فيما صرح عدد من رجال الدين وأئمة المساجد المعينين بشكل مباشر من الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله “علي خامنئي”، إن السبب وراء اتخاذ حكومة “إبراهيم رئيسي”؛ لمثل هذه القرارات الاقتصادية القاسية هي أخطاء الحكومة السابقة، بقيادة الرئيس المعتدل؛ “حسن روحاني”.
لكن في المقابل نشرت العديد من الصحف الإصلاحية والمعتدلة تقارير ومقالات تنتقد قرارات الحكومة الأخيرة برفع أسعار السلع الغذائية الأساسية، على سبيل المثال لا الحصر، نشرت جريدة (جمهوري إسلامي)، المعروفة بميولها المعتدلة، والتي كانت داعمة للرئيس السابق المعتدل؛ “حسن روحاني”، مقالًا يدعو الرئيس؛ “إبراهيم رئيسي”، إلى الاستقالة لعجزه عن الوفاء بوعوده الاقتصادية وحل المشاكل المعيشية للشعب الإيراني.
في حديثه لـ (إنديبدنت)، يرى الصحافي الإيراني الإصلاحي؛ “فريد بهمنش”، أن الدعوات لاستقالة “إبراهيم رئيسي”؛ جاءت من فقدان ثقة الشعب في حكومته، فيقول: “إبراهيم رئيسي؛ وعد الإيرانيين بتحسين الاقتصاد بعيدًا عن الاتفاق النووي، ووضع خطة تتضمن عشرات النقاط لتحسين الأحوال المعيشية للإيرانيين، هذه الوعود أعطت أملًا زائفًا، وإن كان بنسب قليلة للشعب الإيراني، لكن الحكومة منذ انتهاء مدة: الـ 100 يوم الأولى لها، لم تفعل أي شيء لتحقيق هذه الخطة”.
في السياق نفسه؛ يرى الخبير الاقتصادي الإيراني؛ “آلبرت بغزيان”، إن خطة “إبراهيم رئيسي”، لإصلاح الاقتصاد كانت بلا معالم واضحة، فيقول: “من البداية ناقش المحللون الاقتصاديون في إيران غموض الخطة الاقتصادية لإدارة رئيسي، وقلنا مرارًا وتكرارًا ان التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي سيكون عاملًا مهمًا ومؤثرًا لتحسين الاقتصاد، لكن أنصار الرئيس صورته وكأنه يمتلك عصا سحرية لجميع المشاكل، والنتيجة كما نرى الناس في الشوارع”.
لم يقتصر انتقاد القرارات الاقتصادية الأخيرة للحكومة الإيرانية، على وسائل الإعلام الإصلاحية أو المعتدلة، أو حتى الناس العاديين الغاضبين، سواء في الشوارع أو على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن امتد النقد اللاذع إلى “البرلمان الإيراني”، بالرغم من سيطرة الأصوليين والمتشددين عليه، والذين كانوا من أهم داعمي وأنصار الرئيس؛ “إبراهيم رئيسي”.
انتقد “محمد باقر قاليباف”، رئيس “البرلمان الإيراني” الحالي، والرئيس السابق لبلدية “طهران”، وقائد القوات الجوية السابق في (الحرس الثوري) الإيراني، بالاضافة إلى كونه مرشحًا رئاسيًا سابقًا في عدد من الجولات الانتخابية الرئاسية، قرارات حكومة؛ “إبراهيم رئيسي”، قائلًا: “إن الحكومة لم تلتزم بالتوجيهات والقوانين البرلمانية، ولا بقانون الموازنة العامة الجديدة”.
في هذا الصدد يقول عضو اللجنة الاقتصادية في “البرلمان الإيراني”؛ “محمد علي بور”: “كنا قد أبلغنا الحكومة في البرلمان، أنه قبل اتخاذ أي خطوة في رفع الدعم عن الدقيق، يجب منح قسائم الشراء الإلكترونية لمئات الآلاف من الأسر ذات الدخل المنخفض، بجانب قسائم لشراء السلع الغذائية الأساسية بسعر مدعوم، لكن الحكومة اتخذت قرار رفع الأسعار قبل اتخاذ هذه الخطوة”.
مؤامرة خارجية !.. الحكومة الإيرانية تدافع عن نفسها..
بعد إعلان الحكومة الإيرانية عن قرار رفع أسعار السلع الغذائية الأربعة الأساسية، وخفض الدعم الحكومي عن “القمح والدقيق”، خرج وزير الزراعة الإيراني؛ “سيد جواد ساداتي”، ليقول إن السبب وراء هذه القرارات هو مكافحة التهريب، قائلًا: “هناك دولة مجاورة (لم يذكر اسمها)، تواجه نقصًا كبيرًا في إمدادات القمح والدقيق، لذلك يعمل المهربون داخل إيران لتهريب كميات كبيرة من القمح والدقيق من إيران إليها”، وأضاف قائلًا: “للأسف، لم يكن أمامنا سوى رفع الدعم عن القمح والدقيق لمواجهة التهريب”.
وبالطبع ألقى وزير الزراعة الإيراني باللوم أيضًا؛ في ارتفاع أسعار السلع الغذائية في “إيران”، وبالتحديد “القمح والدقيق”، على العملية الروسية العسكرية الخاصة في “أوكرانيا”، قائلًا: “الحرب (الروسية-الأوكرانية) عطلت الكثير من الإمدادات الغذائية، ليس في إيران فقط، ولكن في العالم بأسره”.
جدير بالذكر أن “روسيا” و”أوكرانيا” تُمثلان معًا: 29% من صادرات “القمح” العالمية، و62% من صادرات “زيت عباد الشمس”. الذي شارف على النفاد في العديد من المتاجر الإيرانية.
يقول الصحافي الإيراني الإصلاحي؛ “فريد بهمنش”، للصحيفة البريطانية: “هناك متاجر كبرى في طهران أبلغت؛ بعد حوالي أسبوعين فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا، عن نفاد زيت عباد الشمس في جميع المتاجر، لم يكن لدى الحكومة الإيرانية أية خطة لتأمين السلع المستوردة من أوكرانيا وروسيا، وهذا ما دفع إلى الأزمة الحالية”.
أما فيما يخص حديث وزير الزراعة الإيراني؛ “سيد جواد ساداتي”، عن أن مسألة التهريب كانت الدافع الأساس رفع الحكومة الدعم عن “القمح والدقيق”، وزيادة أسعار العديد من السلع الغذائية الأساسية؛ فيرى السيد “بهمنش”، أن هذه الحجج فارغة قائلًا: “يوميًا هناك عشرات التقارير التي تُفيد باقتراب الحكومة الإيرانية من القضاء على التهريب عبر الحدود، الآن أصبحت الحدود الإيرانية مخترقة، ويجري تهريب أطنان من القمح للدول المجاورة ؟”، وذلك بحسب تصريحه للصحيفة البريطانية.
وفي خضم الشد والجذب بين الجميع في “إيران”؛ على إثر القرارات الاقتصادية للحكومة الإيرانية، لرفع أسعار السلع الغذائية الأساسية، خرج الرئيس الإيراني؛ “إبراهيم رئيسي”، في خطاب موجه للشعب الإيراني قائلًا: إنه “لن يتهرب من اتخاذ القرارات الصعبة التي في النهاية ستحد من الأزمة الاقتصادية في إيران”، داعيًا الناس إلى عدم الذعر والخوف، ووعدهم بأن الأسعار سوف تعود مرة أخرى إلى الاستقرار.
يرى الصحافي الإيراني الإصلاحي؛ “فريد بهمنش”، أن خطاب “إبراهيم رئيسي” الأخير بمثابة: “طمأنة كاذبة للإيرانيين”، فيقول: “اعتاد إبراهيم رئيسي؛ إلقاء اللوم في أية أزمة على الفساد وحكومة سلفه؛ حسن روحاني، مبتعدًا عن إيجاد الحلول الجادة لأزمات الإيرانيين”، مضيفًا: “أقول له أذهب إلى فيينا مرة أخرى، توصل إلى صفقة لإحياء الاتفاق النووي، لكي تفتح المجال أمام السوق الإيراني للاستثمارات الأجنبية وعودة الصادرات النفطية، هذا هو الحل يا سيد رئيسي”.
تُجدر الإشارة هنا إلى توقف المحادثات النووية غير المباشرة بين “واشنطن” و”طهران”، والتي تجري في العاصمة النمساوية؛ “فيينا”، من أجل التوصل لصفقة يكون من شأنها إحياء “الاتفاق النووي” الإيراني لعام 2015 مرة أخرى، وذلك بعد أن سحب الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، بلاده من الصفقة النووية مع “إيران”، وعلى أثر هذا الانسحاب أحادي الجانب من “الولايات المتحدة”، أعادت إدارة “ترامب” فرض جميع العقوبات الاقتصادية ضد “طهران”، والتي كانت مفروضة قبل التوصل إلى “اتفاق نووي”؛ بين “إيران” والقوى العالمية، كما حرمت إدارة “ترامب”؛ “الجمهورية الإسلامية”، من تصدير نفطها، وهو عنصر أساس في الاقتصاد الإيراني.
ومن ضمن التصريحات التي أطلقها الرئيس الإيراني؛ “إبراهيم رئيسي”، لطمانة الإيرانيين، كانت وعدًا بإصدار الحكومة لقسائم شراء إلكترونية خلال الأشهر القادمة، لدعم الأسر منخفضة الدخل، وفي هذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي الإيراني؛ “آلبرت بغزيان”: “إصدار الحكومة لقسائم شراء إلكترونية للأسر الفقيرة ليس حلًا إطلاقًا للأزمة الحالية، بل بالعكس هذا الأمر سيكون جزءًا من تأجيج الأزمة؛ لأنه سيؤدي إلى رفع الأسعار وزيادة التضخم”.
“الموت لرئيسي.. الموت لخامنئي”: المظاهرات تستمر..
بالعودة إلى الاحتجاجات التي خرجت إلى الشوارع، والتي بدأت من محافظة “خوزستان” الجنوبية، وبحسب مقاطع الفيديو المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي الناطقة بالفارسية، فقد امتدت الاحتجاجات إلى حوالي سبع مدن إيرانية كبرى، من بينها العاصمة؛ “طهران”، كما زاد عدد المحتجين في العديد من المدن.

وفي العديد من المقاطع المصورة التي جرى تداولها على الإنترنت، بين الإيرانيين، يظهر بعض المحتجين في مدينة “شهركُرد”، وهم يُحاولون إضرام النيران في مدرسة دينية احتجاجًا على الحكومة، وفي مقاطع مصورة أخرى ندد المتظاهرون بحكومة؛ “إبراهيم رئيسي”، مرددين شعارات: “الموت لخامنئي.. الموت لرئيسي”.
في المقابل؛ تحدث عدد من النشطاء السياسيين الإيرانيين عن استخدام الشرطة الإيرانية للرصاص الحي، وقيام الحكومة الإيرانية بقطع خدمة الإنترنت عن العديد من المدن الكبرى في “إيران”.
يقول أحد العاملين في مجال حقوق الإنسان في “إيران”، مفضلًا عدم ذكر اسمه لمخاوف أمنية: “إلى الآن لم نحصل على أرقام دقيقة للقتلى، لكن بشكل مبدئي لدينا عشرات الإصابات، خاصة في خوزستان وشهر كُرد، وجرى إبلاغنا بعشرات المعتقلين، إثنين منهم في طهران”.
ويُتابع الناشط الحقوقي الإيراني، حديثه قائلًا: “تحدث شهود عيان عن استخدام الشرطة الإيرانية للرصاص في محاولة لتخويف وتفريق المتظاهرين، كما اشتبكت قوات مكافحة الشغب مع متظاهرين كانوا يعترضون على عدم صرف رواتبهم في مدينة طهران، واعتقلت عددًا منهم، وما زال حصر أعداد القتلى والمصابين صعبً إلى الآن، بسبب انقطاع خدمة الإنترنت لفترات طويلة في أجزاء مختلفة من البلاد”.
تُجدر الإشارة هنا إلى أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تلجأ فيه الحكومة الإيرانية إلى قطع خدمة الإنترنت بشكل كامل عن البلاد في حالة الاحتجاجات العارمة، فعلى سبيل المثال جرى قطع خدمات الإنترنت بشكل كامل عن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”؛ لمدة زادت عن أسبوع في تشرين ثان/نوفمبر 2019، بسبب المظاهرات المناهضة لقرارات الحكومة بشأن زيادة أسعار الوقود.
على ضوء الخلفية السابقة تحدث مصدر أمني من شرطة العاصمة؛ “طهران”؛ مفضلًا عدم الكشف عن هويته، عن مخاوف من زيادة حدة الاحتجاجات واتساع نطاقها، فيقول: “بشكل شخصي، أنا غير متفائل بهذه الاحتجاجات، أو قرب نهايتها في المستقبل القريب، هذه المظاهرات عفوية، وغير منسقة، وبلا قيادة، وهذه أخطر أنواع الاحتجاجات؛ لأنها تنتشر بسرعة، وتتحول إلى أعمال شغب بين ليلة وضحاها”.
يُكمل المصدر الأمني السابق، حديثه قائلًا: “أخبرنا المسؤولين في الحكومة أن تقديرنا باستمرار المظاهرات الحالية تشاؤمي، وأننا نتوقع المزيد حتى ولو هدات لبعض الوقت، لكنها ستعود مرة أخرى للانفجار، أتمنى أن تجد الحكومة حلًا لهذه الأزمة في أقرب وقت”.
بالإضافة إلى قلق المسؤول الأمني الإيراني من انتشار المظاهرات واتساعها، يرى “آميد صالحي”، الناشط السياسي المحافظ، وأحد مؤيدي الرئيس؛ “إبراهيم رئيسي”، خطرًا كامنًا في هذه الاحتجاجات، فيقول: “يجب النظر إلى قرارات الحكومة بعين إيجابية، هذا هو الحل الوحيد أمامها لإصلاح أخطاء الحكومة السابقة، لكن هذا لا يمنع أخذ ضيق الناس وغضبهم بعين الاعتبار، يجب الاستماع لهم، غضبهم يُهدد وحدة وأمن الجمهورية الإسلامية”.
هل تعلمت الحكومة الإيرانية الحالية من دروس الماضي ؟
هذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها الإيرانيون إلى الشوارع محتجين على سوء الأحوال المعيشية وزيادة الأسعار؛ ففي نهاية عام 2017 وبداية عام 2018؛ شهدت “إيران” موجة تظاهرات عنيفة احتجاجًا على تدهور الوضع الاقتصادي، وفي تشرين ثان/نوفمبر عام 2019؛ خرج الآلاف غاضبين إلى الشوارع بسبب قرار الحكومة زيادة أسعار البنزين ثلاثة أضعاف دفعة واحدة، وسرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى أعمال شغب وإحراق للمقرات الحكومية؛ مما دفع بقوات الأمن الإيرانية إلى مواجهتها بعنف دامٍ.
جدير بالذكر أنه في مظاهرات تشرين ثان/نوفمبر 2019، والتي تُعد واحدة من أعنف الاحتجاجات في تاريخ “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”؛ خرج الزعيم الأعلى الإيراني؛ آية الله “علي خامنئي”، وأشاد بقرار الحكومة رفع أسعار “البنزين”، بل أكد على أنه شخصيًا أشرف ووافق على القرار، وطلب من المسؤولين الإيرانيين الحفاظ على الأمن والاستقرار في الشارع، أو بعبارة أخرى: “مواجهة الاحتجاجات بشتى الطرق لإنهائها في أسرع وقت”.
الشيء نفسه تقريبًا فعله؛ آية الله “علي خامنئي”، في المظاهرات الحالية، فقال في خطابه أمام تجمع من العمال، في 09 آيار/مايو 2022: إنه “يجب على الشعب والمسؤولين مساعدة الحكومة في تنفيذ قراراتها الاقتصادية الأخيرة”، راجيًا من الله التوفيق لها.
لكن دعم الزعيم الأعلى لـ”الجمهورية الإسلامية”، لقرارات الحكومة سواء الحالية أو السابقة؛ في عام 2019، ليس جديدًا، بل استمرارًا لسياسة العناد التي يتبعها “خامنئي” في مواجهة الاحتجاجات في كل مرة، وهي سياسة ثابتة انتهجها؛ “خامنئي”، طوال 30 عامًا، قضاها في السلطة.

وبحسب هذه السياسة يعتقد الرجل الأقوى في “إيران”، وصاحب السلطة النهائية في جميع القرارات، سواء الداخلية أو الخارجية؛ أن المرونة أمام المحتجين، لا تؤدي لنتائج إيجابية، بل إنها ستدفعهم إلى زيادة مطالبهم، وبدلًا عن الاستماع إلى مطالب الشعب الإيراني، ومحاولة إيجاد حل لأزمته باعتباره أعلى سلطة في البلاد، يجري اللجوء إلى تخوين المتظاهرين، وإلقاء اللوم على: “أعداء البلاد الخارجين والداخلين”، في إشعال الأزمات.
يقول السيد “بهمنش”: “إذا كان المسؤولون في إيران، يُريدون الحفاظ على مناصبهم واستقرار البلاد واستمرار الجمهورية الإسلامية، فلابد أن يتعلموا من دروس الماضي، ويستمعوا لمطالب الشعب، العناد سيؤدي إلى انفجار البركان الخامد في أقرب وقت”.
جدير بالذكر أنه مع استمرار الاحتجاجات المتفرقة في عدد من المدن الإيرانية، بعد رفع الحكومة الإيرانية الأسعار؛ قام الرئيس؛ “إبراهيم رئيسي”، بجولة تفقدية في الأسواق، وجرى نشر صور له وهو يزور متجر في العاصمة؛ “طهران”، في محاولة لطمأنة المواطنين بأن الحكومة تعمل على استقرار الأسعار في أقرب وقت.
وتعليقًا على هذه الزيارة تقول “فريشته حميدي”: “لم يُعد لدينا ثقة في الحكومة، ولا في أي مسؤول في إيران، إنهم يدفعون الناس في مواجهة قاسية مع الحياة”.
فهل تُصبح زيادة الأسعار في “إيران” كرة النار التي ستُحرق الجميع ؟.. أم أن النظام سيستطيع إخمادها ؟