خاص : ترجمة – لميس السيد :
نشرت صحيفة “إندبندنت” البريطاينة مقالاً تحليليلاً للكاتب الكردي “محمد علي”، يروي فيه معاناة الأكراد التي دفعتهم للإستقلال كواحدة من تلك الجماعات التي فرقتها الحرب العالمية الأولى، ويسلط الضوء على خذلان الغرب لهم، وكيف إستقبل قرار الإستقلال بفتور وسط المعارضة الجامحة من دولة الجوار العربية لهذا القرار الذي قد يفشي عدوى إنفصال المجموعات عن الدول الرسمية بين شعوب المنطقة.
يقول الكاتب الكردي أن الشرق الأوسط بدا متحداً ضد الأكراد في عدم منح حق استقلالهم، خوفاً من تعزيز الحركات المؤيدة للاستقلال في “تركيا وإيران”، وذلك من وجهة نظره لا يقل قدراً عن قوى الإستعمار الغربية التي ضربت الشرق الأوسط في الماضي.
ويوضح “محمد علي”، عندما إعتزمت اسكتلندا إجراء تصويت على استقلالها، فإن الأولوية الرئيسة لحكومة المملكة المتحدة لم يكن تجنب حركات الاستقلال في “ويلز وأيرلندا الشمالية” وبدلاً من ذلك، كانت متقبلة لحق الاسكتلنديين في التصويت على استقلالهم، وهذا مبدأ أساس من مبادئ الديمقراطية: “حق الناس في تقرير مصائرهم”.
يعتبر الكاتب أن تصويت الأكراد العراقيون هي حالة مشابهة، تنطلق مجدداً وسط معارضة دول الجوار وإستقبال فاتر من الحكومات الغربية، حيث أدانت “تركيا وإيران” التصويت، ووصفه رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي”، بأنه “تحد للدستور”. وقد بدأت تركيا تدريبات عسكرية على الحدود التركية العراقية المتنازع عليها لبسط عضلاتها على الموقع قبل الاستفتاء.
الأكراد شعب تعود على خيانة أميركا..
لم يكن تأثير الإستفتاء على الدول المجاورة للعراق فقط، بل إمتد تأثيره للأوساط السياسية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من خلال محاولة إسترضاء الحلفاء في المنطقة، حيث زار وزير الدفاع “مايكل فالون” العراق لمحاولة إقناع الأكراد بوقف مشروع الإستفتاء.
لم تتردد الولايات المتحدة ولا المملكة المتحدة في التحالف مع الأكراد خلال الحرب ضد تنظيم “داعش”، ولم يكن هذا مفاجئاً للأكراد، شعباً إعتاد الخيانة، من وجهة نظر الكاتب الكردي، وخاصة من الولايات المتحدة، ويروي أنه في عام 1991، قال “جورج دبليو بوش” لشعب العراق أن ينهض ضد “صدام حسين”، وعندما تمرد الأكراد ضد الديكتاتور العراقي، تخلت الولايات المتحدة عنهم، مما أدى إلى أزمة إنسانية وآلاف الضحايا.
يذكر أن الأكراد، الذين يقدر عدد سكانهم بـ35 مليون نسمة، هم من أكبر مجموعات الأقليات بدون دولة. فرقتهم بريطانيا وفرنسا عمداً عبر أربع دول بعد الحرب العالمية الأولى. والأكراد العراقيون والعرب، هم جماعات عرقية مختلفة عن بعضها، ولكنهم يعتبرون واحداً في إطار اتفاقية “سايكس بيكو”. وقد أشار الرحالة العربي الشهير “ابن بطوطة” إلى تلك الإختلافات أثناء سفره عبر الأراضي الكردية في رحلته إلى بلاد فارس عام 1327.
يؤكد “محمد علي” على أنه كشخص ينتمي لجماعات الأكراد، يعلم جيداً معاناتهم ورحلات النضال التي خاضوا غمارها، ويعي جيداً ما يمرون به، ويروي: “هربنا من نظام صدام القمعي، الذي كان يريد التطهير العرقي للأكراد كجزء من برنامج تعريبه. كل كردي أعرفه يحلم بالسلمية والاستقرار أكثر من حلم الدولة المستقلة. ومع ذلك، أدركنا أن السبيل الوحيد لتحرير أنفسنا من القمع هو الاستقلال”.
“كردستان” استقبلت 1.5 مليون لاجئ عراقي و250 ألف لاجئ سوري..
موضحاً الكاتب الكردي “محمد علي” أن الأكراد وضعوا حجر أساس دولة مستقلة، من خلال إدانة القادة الأكراد للإرهاب وإقامة الجامعات والمطارات والبينة التحتية لدولة تستحق أن تنال السيادة، ويضيف: “بينما جيران كردستان مشغولون ببناء ترسانات أسلحة، فإن الأكراد يستضيفون اللاجئين، حيث إستقبلت كردستان ما يقدر بـ1.5 مليون لاجئ عراقي و250 ألف لاجئ سوري”.
ومن أجل مشروع تحقيق شرق أوسط ناجح وذا إكتفاء ذاتي، يرى الكاتب أنه يجب دعم من يرغبون في إحداث تغيير، حيث استقبلت “كردستان العراق” أكبر عدد من النازحين خارج سوريا، أي ما يمثل 25 في المئة من السكان الأكراد، وهي نسبة كبيرة جداً بالنسبة للبلدان الأخرى التي لم تقبل كبرياتها إستقبال أكثر من مليون لاجيء فقط.
لافتاً إلى أن “كردستان العراق” تغاضى عن تأثير إستقبال أعداد اللاجئين السوريين الضخمة على النظام الصحي والإقتصادي والبيئي والتعليمي، وهي تحتضن دون شروط المسلمين والمسيحيين واليهود والآشوريين والأزيديين والعديد من الأقليات العرقية والدينية معاً في وئام. وقال النائب البريطاني “روبرت هالفون”، خلال زيارته لمدينة السليمانية في كردستان، إنه يرى أن “كردستان” واحدة من أكثر المناطق الإسلامية تقدماً في الشرق الأوسط، حيث أخبر الكاتب الكردي في إحدى المكالمات الهاتفية مشيداً بالتعددية في كردستان العراق؛ “أخبرني أي بلد آخر في الشرق الأوسط لديه حي يهودي ويحافظ عليه”.
وعلاوة على ذلك، تلعب المرأة الكردية دوراً هاماً في المجتمع ولهن أدوار هامة سياسياً وعسكرياً، على عكس جيران الأكراد، حيث تقود “هيرو طالباني”، وهي إمرأة، أحد أكبر الأحزاب السياسية في كردستان. ومن الناحية العسكرية، يقدر أن قوات “البشمركة” الكردية في العراق تبلغ 160 ألفاً، وأن 30 في المئة منهم تقريباً من النساء.
إختتم “محمد علي” مقاله بالمثل القديم، الذي يعكس النضال الذي يواجهه الأكراد على مدى قرون: “الأكراد ليس لديهم أصدقاء إلا الجبال”. إنه حلم كل شعب في تقرير مصيره، ونضال الأكراد حتى إجراء إستفتاء أظهر المشاكل في الشرق الأوسط. إن الأكراد في طليعة التقدم في المنطقة، وينبغي دعمهم على طريقهم إلى الاستقلال، حتى يتمكن كل كردي من الحق في الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة.