كابوس جديد يطارد “واشنطن” .. “انقسام الإنترنت” وخروج متعاقب للدول من تحت مظلة “وادي السيليكون” !

كابوس جديد يطارد “واشنطن” .. “انقسام الإنترنت” وخروج متعاقب للدول من تحت مظلة “وادي السيليكون” !

وكالات – كتابات :

نشرت صحيفة (إنديان إكسبرس) تقريرًا للصحافي؛ “براناف موكول”، ومحرر الأعمال الوطنية في الصحيفة؛ “أنيل ساسي”، تحدثا فيه عن فكرة شبكة الإنترنت المقسمة، مزاياها وعيوبها، والدول التي تسعى إلى تقسيمها.

يستهل الكاتبان تقريرهما بالقول: في عام 2011، عندما كان الإنترنت يغرق في مستنقع من اللوائح المفروضة من جميع أنحاء العالم، اقترح “كلايد واين كروز”، الباحث في معهد (كاتو) التحرري، فكرة شبكة الإنترنت المقسمة أو (سبلنترنت)، وتعني: “شبكة إنترنت مقسمة” إلى عوالم متباينة تُسيطر عليها هيئات أو سلطات مختلفة. وكان الاقتراح الأساس هو: الحصول على أكثر من شبكة إنترنت، بدلًا من فرض مزيد من اللوائح والتنظيمات.

وعلى مدى العقدين الماضيين، حدث تقسيم الإنترنت، وإن كان بطرق محدودة. يضرب التقرير على ذلك أمثلة منها: “جدار الحماية العظيم” الصيني؛ الذي يُبقي عمالقة التكنولوجيا الأميركيين بعيدًا، بينما يدعم خدمات الإنترنت المطورة محليًّا، وإقرار “روسيا”؛ عام 2019، قانون الإنترنت السيادي أو ستار الإنترنت الحديدي، الذي مكَّن الدولة من فصل شبكة الإنترنت الخاصة بها عن بقية العالم؛ بحسب وصف الصحيفة الأميركية.

حرب روسيا وأوكرانيا وتقسيم الإنترنت..

ربما كان “كروز” سابقًا لزمانه عندما طرح فكرة (السبلنترنت)، لكن أحداث الأسابيع الأربعة الماضية شكلت أول تحدٍّ للطريقة التي تطور بها الإنترنت إلى نظام من شبكات الكمبيوتر المترابطة، التي تستخدم مجموعة “بروتوكول الإنترنت”؛ (TCP/IP)، للتواصل بين الشبكات والأجهزة.

ومهما كانت الفكرة تبدو بائسة خلال تلك السنوات البعيدة، فإن العملية الروسية العسكرية الخاصة في “أوكرانيا” تبدو محفزًا محتملًا لفكرة الإنترنت المقسمة، فقد أدعى المبعوث الفرنسي للشؤون الرقمية؛ “فنري فيردر”، في مقابلة مع (بلومبيرغ نيوز) مؤخرًا؛ بأن محاولات “موسكو” المتزايدة لفرض الرقابة على الإنترنت، إلى جانب دعوات “أوكرانيا” المتكررة بحجب الاتصال بالإنترنت عن “روسيا”، من الممكن أن تُمثل حافزًا: “لتجزئة الإنترنت” في نهاية المطاف، وتساءل “فيردر”: “هل ستنجو شبكة الإنترنت المجانية والمحايدة ومتعددة الأطراف من هذه الأزمة ؟.. لست متأكدًا من ذلك”؛ بحسب إدعاءه.

الإنترنت عبارة عن شبكة عالمية من الكابلات المادية، وممكن أن تشمل أسلاك الهاتف النحاسية وكابلات التلفزيون وكابلات الألياف الضوئية، إلى جانب الاتصالات اللاسلكية مثل الـ”واي فاي” وشبكتي الجيلين: الرابع (جي4)؛ والثالث (جي3)، التي تستخدم الكابلات المادية لربط المستخدمين والأجهزة بالإنترنت. وترتبط البلدان بخدمات الويب العالمية عبر الكابلات أو العُقَد الموجودة تحت سطح البحر، والتي هي نقاط اتصال تُنقَل من خلالها البيانات من وإلى شبكات اتصالات البلدان الأخرى. ويتصور مفهوم الإنترنت المقسمة العراقيل والأنظمة واللوائح التي تخص نقاط الاتصال هذه.

حاجز الصلاحية..

يطرح الكاتبان الأميركيان هذا التساؤل: هل تستطيع “روسيا” أو “الصين” إنشاء نظام بديل أو موازٍ ببساطة ويكون قابلًا للعمل ؟

هناك بالفعل تجارب تُديرها الحكومة بدأت بالتشكل، في “إيران” على سبيل المثال، أطلقت شركة الاتصالات الإيرانية المملوكة للدولة مشروعًا يحمل اسم: “شبكة المعلومات الوطنية”؛ (NIN)، ويُعرف أيضًا باسم الإنترنت الوطني في “إيران”.

ويعرِّف “المجلس الأعلى للفضاء السيبراني”؛ في “إيران”، شبكة (NIN) بأنها: “شبكة تستند إلى بروتوكول الإنترنت مع مفاتيح وأجهزة توجيه (راوتر)، ومراكز بيانات تتيح طلبات البيانات لتجنب توجيهها من خارج الدولة، وتوفر شبكات إنترنت خاصة وآمنة”.

أما “جدار الحماية العظيم” الصيني؛ والمعروف باسم: “مشروع الدرع الذهبي”، فهو مثال آخر على هذه التجارب. أطلقه قسم الأمن العام في الحكومة الصينية؛ عام 1998، ويُركز هذا المشروع على مراقبة ما يمكن رؤيته عبر شبكة الإنترنت وما لا يمكن رؤيته في “الصين” وفرض رقابة عليه، ويُحسن باستمرار من تقنيات التقييد باستخدام طرق مختلفة، ويمنع الوصول إلى عديد من خدمات الإنترنت الأجنبية، الأمر الذي يخدم عمالقة التكنولوجيا المحليين مثل: (بايدو) على توسيع نطاق وصولهم للمستهلكين.

وهناك أيضًا شركات روسية موازية لـ (بايدو)، مثل: شركة (ياندكس ومايل رو*، ولكن على عكس نظرائهم الصينيين، سُمح للروس بالوصول إلى منصات التكنولوجيا العالمية مثل: (فيس بوك) و(تويتر) و(غوغل)؛ رغم وجود بعض الرقابة.

ولكن في السنوات التي تلت استيلاء “روسيا”؛ على شبه جزيرة “القِرم”، عملت “موسكو” استباقيًّا على مشروع الإنترنت المنفصل، إذ تخطط الدولة لإنشاء (ويكيبيديا) خاصة بها، وأقر المشرعون الروس قانونًا يمنع بيع الهواتف الذكية التي لا تحتوي على البرامج الروسية المثبتة مسبقًا.

وتُطبق عديد من هذه الأحكام والقيود على المنصات الغربية من خلال “قانون الإنترنت السيادي”، الذي سنَّته “موسكو”؛ عام 2019. ويسمح لـ”الدائرة الاتحادية لرقابة الاتصالات وتقنية المعلومات والإعلام”، وهي شركة اتصالات مملوكة للدولة، بتنظيم الوصول إلى الإنترنت في الدولة، وربما قطع إرتباطها مع العالم عبر الإنترنت إذا استدعى الأمر، ومع تشديد العقوبات، قالت “موسكو” إنها قررت حجب (فيس بوك) ردًّا على القيود التي فرضتها على وسائل الإعلام الروسية.

ومن الواضح أن “الهند” أيضًا تعمل على إطار عمل جديد للأمن السيبراني وحوكمة البيانات، بينما تستمر منصات التكنولوجيا في “تسليح” الإنترنت، أثناء الصراع الدائر بين “روسيا” و”أوكرانيا”، ما يُلفت الإنتباه إلى القوة الكاسحة لمنصات التواصل الاجتماعي.

وكانت “الهند” عاكفة؛ خلال السنوات القليلة الماضية، على وضع أسس الإنترنت المنفصل واختباره، ثم مؤخرًا، في العام الماضي، ألقى وزراء الاتحاد والسياسيون من حزب (بهاراتيا غاناتا) الحاكم بثقلهم لدعم تطبيق المدونات الصغيرة “كوو”؛ (KOO)، وقد حدث هذا بموازاة الخلاف الذي دب بين “نيودلهي” و(تويتر).

ما هي مشكلات الإنترنت المقسمة ؟

يُلفت التقرير الأميركي إلى أن الحرب الإلكترونية التي ترعاها الدولة؛ كانت حتى الآن مجرد أحداث متفرقة، وبقي الأمر عند هذا المستوى بفضل التفاعل الدبلوماسي بين الدول وجهود السلطات القضائية في الحفاظ على استمرارية العلاقات السيبرانية، ويمكن للإنترنت المنقسمة أن تُعرقل سير هذه الأعمال.

ووفقًا لـ”فيردر”، فإن أي تحرك نحو شبكة إنترنت مستقلة: “سيكون له عواقب وخيمة”، من بينها: تحفيز البلدان الأخرى على شن هجمات إلكترونية، لأنها ستكون بمعزل عن التأثير في الآخرين.

وقال “فيردر”؛ لـ (بلومبيرغ): “إذا قطعتُ الإنترنت الروسي اليوم، فمن المحتمل أن أقطع الإنترنت الخاص بي أيضًا، لأنه هو نفسه”، مجادلًا حول الطبيعة المشتركة لشبكة الويب العالمية التي تحمي جميع المستخدمين من فقدان هذه الخدمة.

وبالفعل، حذر الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، من أن “روسيا” تُخطط لشن هجمات على البنية التحتية الحيوية، وزعم “بايدن”؛ في مؤتمر صحافي يوم 21 آذار/مارس: “استنادًا إلى المعلومات الاستخباراتية المتطورة، ربما تُخطط روسيا لهجوم إلكتروني ضدنا. إن حجم القدرة السيبرانية الروسية له عواقب وخيمة، تلوح في الأفق”.

نفت “روسيا” من جانبها؛ هذه الاتهامات نفيًا قاطعًا، وقال المتحدث باسم (الكرملين)؛ “دميتري بيسكوف”، يوم الثلاثاء: إن “الاتحاد الروسي، على عكس عديد من الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، لا يُمارس أعمال قطع طرق على مستوى الدولة”.

قضية الإنترنت المقسمة..

جادل “كروز”؛ قبل عقدين من الزمن بأن: “الحرب على المشاعات الرقمية تتطلب مزيدًا من التنظيم؛ وتُضاف إلى أعباء الإنترنت المتدهور والقديم”. وكتب أن الإنترنت المقسمة ستؤدي ليس فقط إلى زيادة الخيارات بل أيضًا إلى حماية حقوق مستخدمي الإنترنت، الذين: “يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على مؤسسة الملكية الخاصة”.

ومن الجدير ملاحظته أيضًا كيف تطور مشروع (البيتكوين)، وهي عُملة مشفرة طُورت في أعقاب الأزمة المالية؛ عام 2008، مع أن المحرك الأساس لها هو عدم الثقة في السلطة المركزية، وبلغ هذا المشروع ذروته مع انتشار “الويب 3.0″، وهو نسخة معاد تخيلها لشبكة الإنترنت، تتسم باللامركزية، وتفتقر إلى الأمان، ولا تخضع للقيود، أو ربما هي شبكة منقسمة أخرى عن شبكة الإنترنت الحالية، بحسب ما يختم الكاتبان.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة