خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة تم من خلالها إرساء القواعد لنفوذ عسكري جديد شمالي “سوريا”، توصل الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، ونظيره الروسي، “فلاديمير بوتين”، إلى اتفاق لتقاسم السيطرة على شمال شرق “سوريا”، أمس الأول، بما يتطلب من المقاتلين الأكراد الإبتعاد عن كامل الحدود (السورية-التركية).
ويسمح الاتفاق لـ”تركيا” بالسيطرة على المناطق، التي دفعتها إلى شن هجومها على “سوريا”، في وقت سابق من هذا الشهر.
وتوصل كل من الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، في مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي، “فلاديمير بوتين”، إلى “اتفاق تاريخي” حول “سوريا” في ختام لقائهما في “سوتشي”، في “روسيا”.
اتفاق تاريخي..
وقال الرئيس التركي، إن القوات الروسية والتركية ستبدأ دوريات مشتركة في “سوريا” على عمق 10 كيلومترات، ووصف ما تم الاتفاق عليه مع نظيره الروسي بـ”اتفاق تاريخي”.
وأضاف “إردوغان”: “اليوم توصلنا مع بوتين إلى اتفاق تاريخي حول مكافحة الإرهاب، وحول الحفاظ على سلامة الأراضي السورية والوحدة السياسية لسوريا، وعلى عودة اللاجئين”.
وتابع أن القوات التركية والروسية ستقومان بدوريات مشتركة في شمال “سوريا”؛ في نطاق عشرة كيلومترات من الحدود، مضيفًا أن “أنقرة” ستعمل أيضًا مع “موسكو” من أجل تأمين عودة اللاجئين السوريين الموجودين حاليًا في “تركيا”.
وقال الرئيس الروسي: إنه “توصل إلى حلول حاسمة مع إردوغان حول سوريا”، كما أشار إلى ضرورة عدم استفادة الإرهابيين من عملية “تركيا” في الشمال السوري، وشدد على تعزيز الحوار بين الحكومة السورية والأكراد.
ولفت “بوتين” إلى أن “إردوغان” شرح له العملية التركية في “سوريا” خلال اجتماعهما في “سوتشي”، وهو ما أدى للتوصل إلى حلول “حاسمة” مع “إردوغان” حول “سوريا”.
الحكومة السورية تقيم 15 مركزًا على الحدود التركية..
ومن ناحيته؛ أوضح وزير الخارجية الروسي، “سيرغي لافروف”، إنه بدءًا من 23 تشرين أول/أكتوبر 2019، ستدخل وحدات من الشرطة العسكرية الروسية لسحب المسلحين الأكراد خلال 150 ساعة.
كما أشار “لافروف” إلى أن “بوتين” و”إردوغان” اتفقا على إمكانية استمرار العملية التركية الحالية في منطقة محدودة، حتى 32 كيلومترًا داخل الحدود السورية، كما أفاد بفرار نحو 500 شخص من المعتقلين في سجون مقاتلي (داعش) في الشمال السوري.
كما ذكرت وكالة (إنترفاكس) للأنباء نقلًا عن “وزارة الدفاع” الروسية، أمس؛ أن الحكومة السورية ستقيم 15 مركزًا على الحدود مع “تركيا”، وذلك في إطار الاتفاق بشأن انسحاب القوات الكُردية.
تحذير روسي للأكراد..
من جهة أخرى؛ قال “الكرملين” إنه في حال لم ينسحب الأكراد من المناطق المتفق عليها بشمالي “سوريا”، ستضطر الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري للانسحاب، وسيواجهون ضربات الجيش التركي.
رفض سوري لأي غزو..
من جانبه؛ أبلغ الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، خلال الاتصال الهاتفي، الرئيس السوري، “بشار الأسد”، حول أحكام المذكرة (الروسية-التركية)، مؤكدًا أن المهمة الرئيسة هي استعادة وحدة الأراضي السورية ومواصلة الجهود المشتركة على المسار السياسي، بما في ذلك العمل في إطار اللجنة الدستورية، كما أكد الرئيس، “بشار الأسد”، خلال الاتصال مع الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، رفضه التام لأي غزو لأراضي “سوريا”، مشيرًا إلى عزم بلاده مواصلة مكافحة احتلال أراضيها.
توقف عملية “نبع السلام”..
إلا أنه على إثر هذا الاتفاق، أعلنت “وزارة الدفاع” التركية بدء الإجراءات المشتركة بين “تركيا” و”روسيا”، اعتبارًا من أمس الأربعاء، في إطار الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الرئيسين، “رجب طيب إردوغان”، والروسي، “فلاديمير بوتين”.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة، “نديدة شبنام أك طوب”، في مؤتمر صحافي في “أنقرة”، إنه لم يعد هناك داع لتنفيذ عملية جديدة في هذه المرحلة خارج نطاق العملية الحالية، في إطار الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع “روسيا”، بدأنا اليوم الإجراءات المشتركة في إطار الاتفاق بين الرئيسين “إردوغان” و”بوتين”.
ترحيب إيراني..
ورحبت “إيران” بالاتفاق واعتبرته خطوة إيجابية نحو استعادة الاستقرار والسلام في هذه المنطقة.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، “عباس موسوي”، إن “إيران” ترحب بأي إجراء للحفاظ على وحدة الأراضي وتعزيز السيادة الوطنية وعودة الاستقرار والسلام في المنطقة، وفي هذا السياق تعتبر الاتفاق بين “جمهورية روسيا الاتحادية” و”الجمهورية التركية”، لإنهاء الاشتباكات في شمال “سوريا”، خطوة إيجابية نحو استعادة الاستقرار والسلام في هذه المنطقة.
وأعرب المتحدث باسم “الخارجية الإيرانية”، عن أمله في أن يؤدي هذا التفاهم إلى تبديد مخاوف “تركيا” الأمنية من جهة؛ ومن جهة أخرى إلى الحفاظ على وحدة أراضي “سوريا” وتعزيز سيادتها الوطنية.
يُذكر أن أمد وقف إطلاق النار، الذي توسطت فيه “واشنطن” لانسحاب المقاتلين الأكراد قرب الحدود السورية في الشمال الشرقي، كان موعد إنتهاؤه، أمس الأول الثلاثاء، حيث قال مسؤول أميركي إن المقاتلين الأكراد أبلغوا “واشنطن” أنهم طبقوا كامل شروط الاتفاق، بينما عرضت “ألمانيا” فكرة جديدة لإنشاء منطقة أمنية تخضع لإشراف دولي.
خطوة في إتجاه عودة الحقوق للدولة السورية..
حول الاتفاق بين الرئيس “بوتين” والرئيس “إردوغان”، يقول عضو مجلس الشعب السوري، “خالد العبود”: “إن هذا اللقاء لم يكن معزولًا عن لقاءات سابقة وعن بنية تحتية تم اللإشتغال عليها خلال الفترة الماضية، كما أن اشتباك الميدان أنجز حالة عسكرية فرضت عناوين بالسياسة، لذلك أستطيع القول أن المسألة كلها ذاهبة بإتجاه عودة الأمور إلى ما كانت عليه، قبل عام 2011، وهو تاريخ العدوان على سوريا، وبمعنى آخر فإن الدولة التركية ستخرج من الأراضي السورية، وستعود الأراضي السورية إلى الجيش العربي السوري، والأميركي خارج هذه الجغرافية، وهناك مشهد واحد سيتم العمل عليه وهو عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب”.
وأضاف “عبود”: “عندما توافق سوريا على مضمون الاتفاق (التركي-الروسي)، هي تدرك جيدًا إلى ما يذهب إليه الروسي وإلى ما تذهب المنطقة أيضًا، لهذا أستطيع الجزم في هذا السياق بأن موافقة سوريا يعني أن تعود الحقوق الوطنية والدستورية كاملة إلى الدولة السورية، كما أن ناتج الميدان ألحق الهزيمة بالأميركي وأداته في الميدان، نستطيع أن نقول إن الأميركي لم يستطع تحقيق أهدافه، لا بد من أن يخرج الأميركي صفر اليدين، بمعنى أن يغادر هذه الجغرافية”.
تبخر أحلام “إردوغان”..
ويتفق معه الخبير العسكري الإستراتيجي، الدكتور “فراس شبول”، قائلًا إن: “الاتفاق (الروسي-التركي) هو انتصار كبير للدولة السورية والحلفاء، وهذا ما طالبت به الدولة السورية منذ بداية الغزو التركي واحتلاله لأراضٍ في الجمهورية العربية السورية، كما يعتبر إمتدادًا للقاءاتٍ سابقة في سوتشي وآستانا، لكن ما يظهره هذا الاتفاق هو تبخر بعض من أحلام إردوغان وتلاشي أوهام الأكراد في الانفصال، والقاسم المشترك في هذا التبخر والتلاشي هو خيانة ترامب للأكراد”.
قد تنضم للجيش السوري..
وحول ما إذا إتخذت التنظيمات الكُردية قرارًا بحل نفسها كتشكيلات عسكرية والإنضمام للجيش السوري، يرى المحلل السياسي الكُردي، “حسن إسماعيل”، أن: “كل شيء ممكن في الحالة الراهنة أمام الخطر المحدق بالحالة الوطنية وبالوجود الكُردي، باعتبار أن الحالة الوطنية هي حالة سورية يمكن أن يحدث ائتلاف مع الحالة الوطنية السورية، ولكن بشروط تضمن الحفاظ على الحالة الكُردية كحالة وطنية بخصوصية قومية كُردية من ثقافة وشعب يعيش على أرض سورية تاريخيًا”.
وأضاف “حسن إسماعيل”: “إن الأكراد لا يبحثون عن تشكيل جيش كُردي مستقل ولا عن دولة كُردية مستقلة، بل هم يبحثون عن الأمن والاستقرار، فالأكراد هم الطرف الوحيد الذي لم يحمل السلاح في وجه الجيش السوري، ولم يكن هناك صراع مسلح بين الأكراد والدولة السورية”.
من جهته؛ يقول المحلل السياسي الروسي، “أندريه أونتيكوف”: “إن الاتفاق بين روسيا وتركيا هو خطوة متقدمة لخفض التوتر في شرق الفرات، ومع تنفيذ هذا الاتفاق بدأت المشاورات بين دمشق والقيادات الكُردية من أجل المصالحة بينهما”.