خاص: كتبت- نشوى الحفني:
أضحت قناة (بنما) مِحورَ جدل سياسي جديد بين تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب؛ “دونالد ترمب”، ورئيس بنما؛ “خوسيه راوول مولينو”، وهو الأمر الذي أعاد إلى الواجهة قضايا السيّادة الوطنية والتحديات الجيوسياسية.
وفي كلمة أمام عدد من أنصاره في ولاية “آريزونا”؛ الأحد الماضي، قال الرئيس الأميركي المنتخب؛ “دونالد ترمب”، إنه لن يترك قناة (بنما) تقع في: “الأيدي الخطأ”، مهددًا باستعادتها ومحذرًا من تأثير صيني محتمل على الممر المائي.
ولا تسيَّطر “الصين” على القناة أو تُديرها. ومع ذلك، فإن إحدى الشركات التابعة لشركة (سي. كيه هاتشينسون هولدنغز)؛ ومقرها “هونغ كونغ”، تُدير ميناءين يقعان على مدخلي القناة من منطقتي “البحر الكاريبي” و”المحيط الهاديء”.
وجاءت تصريحات “ترمب” بعد ساعات من تهديد مشَّابه وجهه إلى “بنما” في منشور على منصة (تروث سوشيال)؛ مساء يوم السبت.
وقال “ترمب”؛ في مؤتمر يوم الأحد: “هل سمع أحدكم من قبل عن قناة (بنما) ؟… لأننا نتعرض للخداع عند قناة بنما مثلما يجري خداعنا في كل مكان في العالم”.
تحول الدبلوماسية الأميركية..
وكانت تصريحات “ترمب” مثالًا نادرًا للغاية لرئيس أميركي يقول إنه يستطيع الضغط على أي دولة ذات سيّادة لتسليم أراضٍ. كما تؤكد هذه التصريحات التحول المتوقع في الدبلوماسية الأميركية في عهد “ترمب”، الذي لم يتردد من قبل في تهديد الحلفاء واستخدام الخطاب العدواني عند التعامل مع النُظراء.
وقال “ترمب”: “الرسوم التي تُفرضها (بنما) سخيفة، غير عادلة بالمرة”. وأضاف: “لقد قُدمت (القناة) إلى بنما وشعب بنما؛ لكن بشروط. يتعين عليكم أن تعاملونا بإنصاف لكنهم لم يفعلوا ذلك”. وتابع قائلًا: “إذا لم يتم اتباع المباديء الأخلاقية والقانونية لهذه البادرة الكريمة، فإننا سنُطالب بإعادة قناة (بنما) إلينا بالكامل، وعلى وجه السرعة ودون أدنى شك”.
“بنما” ترفض وتؤكد سيّادتها..
رفض رئيس بنما؛ “خوسيه راؤول مولينو”، تهديد “ترمب” باستعادة السيّطرة على القناة. ومن دون أن يذكر “ترمب” بالاسم، قال “مولينو” في مقطع فيديو على منصة (إكس) إن: “القناة لا تسيَّطر عليها الصين أو المجموعة الأوروبية أو الولايات المتحدة أو أي قوة أخرى، لا بشكلٍ مباشر ولا بشكلٍ غير مباشر. وبصفتي بنميًّا، أرفض بشدة أي تعبير يشوه هذه الحقيقة”.
وطالب الرئيس البنمي: بـ”احترام” بلاده، مؤكدًا أن: “كل متر مربع من قناة (بنما) والمناطق المتاخمة لها هو ملك لبنما وسيظل تابعًا لها”. وأضاف أن: “سيّادة بلدنا واستقلاله أمر غير قابل للتفاوض”.
ورُغم تصريحات “ترمب”؛ أمل “مولينو” بأن تربطه: “علاقة جيدة ومحترمة” مع الإدارة الأميركية الجديدة، لمعالجة موضوعات مثل الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات.
كما لجأ العديد من السياسيين في “بنما”، منهم أعضاء المعارضة، إلى وسائل التواصل الاجتماعي لانتقاد تصريحات “ترمب”.
ويُمثل الممر المائي الذي يسمح بعبور ما يصل إلى (14) ألف سفينة سنويًا: (2.5) بالمئة من التجارة العالمية المنقولة بحرًا وهو أمر بالغ الأهمية لواردات “الولايات المتحدة” من السيارات والسلع التجارية القادمة من “آسيا” ولصادرات “الولايات المتحدة” من السلع، ومنها “الغاز الطبيعي المسَّال”.
ما هي قناة “بنما” ؟
قناة (بنما) هي ممر مائي اصطناعي طوله: (82) كيلومترًا يربط بين المحيطين “الهاديء” و”الأطلسي” عبر (بنما)، مما يوفر للسفن آلاف الأميال والسفر لأسابيع حول الطرف الجنوبي لـ”أميركا الجنوبية”؛ الذي يتعرض لأجواء عاصفة وجليدية.
الرحلة التي تقطعها السفن المتجهة من “لوس أنغلوس” إلى “نيويورك” عبر القناة أقصر بنحو: (08) آلاف ميل (أو ما يُعادل: 22 يومًا)، مقارنة بالسفر عبر مضيق (ماجلان) قبالة “تييرا ديل فويغو”، وهو أرخبيل في أقصى جنوب “أميركا اللاتينية”.
تنقل القناة السفن عبر بحيرة “جاتون”، التي ترتفع نحو: (26) مترًا فوق مستوى سطح البحر، عبر سلسلة من الأهوسة المائية.
يتطلب عبور كل سفينة نحو: (200) مليون لتر من المياه العذبة.
بناء القناة..
بدأ المستعمرون الإسبان دراسة إنشاء قناة بين المحيطين تقطع المضيق عند أضيق نقطة به في جنوب “أميركا الوسطى” في وقتٍ مبكر من ثلاثينيات القرن السادس عشر، لكن لم يحدث ذلك إلا في 1878م عندما وقّعت “كولومبيا”، التي كانت تعتبر “بنما” مقاطعة تابعة لها آنذاك، اتفاقية امتياز مع مهندسين فرنسيين.
لم تنجح الجهود الفرنسية في نهاية المطاف وأفلست الشركة التي تأسست لغرض إنشاء قناة عبر “بنما”؛ في 1899م، بعد أن فقد نحو: (22) ألف عامل حياتهم في المشروع، وكثير منهم بسبب الأمراض والحوادث.
سّعت “الولايات المتحدة”؛ في 1903م، إلى الحصول من “كولومبيا” على امتياز دائم للقناة. غير أن “كولومبيا” رفضت الاقتراح. وردًا على ذلك، دعمت “الولايات المتحدة” استقلال “بنما”، الذي أُعلن في 03 تشرين ثان/نوفمبر من العام نفسه.
بعد (03) أيام، وقّع سفير “بنما” في “واشنطن” اتفاقية تمنح “الولايات المتحدة” حقوق بناء القناة وإدارتها إلى أجلٍ غير مسَّمى.
دفعت “الولايات المتحدة”؛ لـ”بنما”، (10) ملايين دولار ثم؛ (250) ألف دولار سنويًا مقابل تلك الحقوق.
ندّد العديد من البنميين بالاتفاقية واعتبروها انتهاكًا للسيّادة.
شُيدت القناة إلى حدٍ بعيد باستخدام عمال من منطقة “الكاريبي” وبنميين من أصل إفريقي.
افتُتحت القناة أخيرًا في 1914م؛ بعد أن لقى أكثر من (05) آلاف عامل حتفهم في أعمال الإنشاءات.
تسليم القناة إلى “بنما”..
خلال القرن العشرين؛ تفاقم التوتر بين “الولايات المتحدة” و”بنما” وسط احتجاجات متزايدة على سيطرة “واشنطن” على القناة، ولا سيّما بعد أزمة (قناة السويس) في 1956م، حينما توقفت الخطط البريطانية والفرنسية لغزو “مصر” عقب تأميم القناة بعد ضغوط أميركية.
وفي 1977م، وقّع الرئيس؛ “جيمي كارتر”، معاهدة مع الزعيم العسكري البنمي؛ “عمر توريخوس”، منحت “بنما” سيّطرة حرة على القناة وضمنت الحياد الدائم للممر المائي.
ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 31 كانون أول/ديسمبر 1999. ومنذ ذلك الحين، تُدير القناة “هيئة قناة بنما”؛ التابعة للحكومة، ولا تزال مصدر دخل رئيسًا لـ”بنما”.
التطورات الأخيرة..
ساهم تغيَّر المناخ في زيادة حالات الجفاف التي أثرت على مستويات المياه في البحيرات التي تغذي القناة، مما أجبر سلطة القناة على الحد من عمليات العبور لتحقيق التوازن مع احتياجات البنميين من المياه.