21 أغسطس، 2025 10:21 ص

قمة جبل الجليد .. التوترات “الروسية-الإسرائيلية” أعمق من أزمة “الوكالة اليهودية” !

قمة جبل الجليد .. التوترات “الروسية-الإسرائيلية” أعمق من أزمة “الوكالة اليهودية” !

وكالات – كتابات :

بدأت محكمة “باسماني”؛ بالعاصمة الروسية؛ “موسكو”، يوم 28 تموز/يوليو 2022، النظر في دعوى قضائية مقدمة من “وزارة العدل” الروسية بإغلاق وتصفية: “الوكالة اليهودية للهجرة في روسيا” لدعم العلاقات مع اليهود في الشتات؛ لأنها خالفت القوانين المعمول بها في البلاد، وهو ما اعترضت عليه “إسرائيل”؛ ووصفت الدعوى: بـ”المُسّيسة”، وأكدت أن وقف عمل الوكالة سيكون: “كارثة”؛ نظرًا إلى الترابط الوثيق بين المجتمع اليهودي الروسي و”إسرائيل”، بيد أن “موسكو” أكدت استمرار العمل بالدعوى وتنفيذ قرارات القضاء، وسمحت لوفد قضائي إسرائيلي بالحضور إلى “موسكو” لبحث الملف.

وإذا جرى وقف عمل الوكالة؛ فإن ذلك سيؤدي إلى اتساع الخلافات بين “موسكو” و”تل أبيب” بعد تصاعد التوتر بينهما نتيجة الدعم الإسرائيلي لـ”أوكرانيا”؛ ما يؤثر سلبًا على مستقبل العلاقات “الروسية-الإسرائيلية”؛ بحسب ما استهل مركز (إنترريغورنال) للتحليلات الإستراتيجية؛ تحليله.

دوافع روسية..

ثمة دوافع رئيسة ترتبط بمساعي “موسكو” إلى إغلاق “الوكالة اليهودية”؛ داخل “روسيا”، وتتمثل هذه الدوافع فيما يأتي:

01 – تأكيد خرق الوكالة القانون الروسي: بدأت “الوكالة اليهودية” العمل في “روسيا”؛ منذ عام 1989، وهي منظمة تُعنى بضمان العلاقات بين اليهود حول العالم، وتعمل على تهجير اليهود إلى “إسرائيل”.

وبالرغم من وجود الوكالة داخل “روسيا” طوال العقود الماضية، فإن الاعتراض الروسي على عملها بدأ منذ عام 2014؛ عندما سنَّت الحكومة بـ”موسكو” قانونًا ينص على: “حظر الاحتفاظ بمعلومات يجري جمعها عن مواطنين روس في خوادم إلكترونية موجودة خارج روسيا”، وأكدت “موسكو”؛ آنذاك، أنه: “لا داعي لقلق الوكالة اليهودية”، واستمر عملها دون اعتراض، ومنذ عام تقريبًا أكدت “موسكو” أن الوكالة تخرق عن عمد القانون الروسي من خلال جمع معلومات عن المواطنين، وأن هناك حاجة إلى التفاهم معها حول طبيعة عملها.

02 – وقف هجرة اليهود الروس إلى “إسرائيل”: تخشى “موسكو” أن ترتفع معدلات هجرة اليهود الروس إلى “إسرائيل”، لا سيما من ذوي الكفاءات المتميزة والعلماء وأصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال اليهود الذين يُمثلون نسبة كبيرة في المجتمع الروسي ويؤثرون في اقتصاده، وحال هجرتهم إلى “تل أبيب”؛ بمساعدة “الوكالة اليهودية”، فإن ذلك سيؤثر اجتماعيًا واقتصاديًا على “روسيا”، خاصةً بعد فرض “العقوبات الغربية” عليها؛ ففي عام 2021، بحسب تقديرات “الوكالة اليهودية”، مّثل المهاجرون من “روسيا”: 27% من إجمالي اليهود المهاجرين إلى “إسرائيل”.

03 – التأثير على شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي: تولى “يائير لابيد”؛ رئاسة الحكومة الإسرائيلية الحالية، ولا تربطه بـ”موسكو” علاقات جيدة، وقد أوضح  السفير الروسي بتل أبيب؛ “آناتولي فكتوروف”، أن: “بوتين غير راضٍ عن تولي؛ يائير لابيد، رئاسة الحكومة الإسرائيلية، ويَعتبر أن ذلك قد يضر العلاقات الثنائية بين تل أبيب وموسكو”، وهذا يرجع إلى موقف “لابيد” من الحرب بـ”أوكرانيا”؛ ففي نيسان/إبريل الماضي؛ عندما كان وزيرًا للخارجية اتهم “روسيا” بارتكاب: “جرائم حرب بأوكرانيا” وباستهداف: و”مهاجمة المدنيين عمدًا”، ثم بعد توليه منصبه رئيسًا للوزراء قدم مساعدات شتى لـ”كييف”؛ وهو ما دفع “موسكو” إلى الاعتراض بصورة متكررة على مواقف “لابيد”.

وبعد الدعوى القضائية الحالية ضد “الوكالة اليهودية” في “روسيا”، انتقد حزب (الليكود)؛ المُعارِض، برئاسة “بنيامين نتانياهو”، (يوصف بأنه صديق للرئيس الروسي؛ فلاديمير بوتين)، موقف “لابيد”، واتهمه بأنه: “يفقد الخبرة ويتجاهل أهمية روسيا بالنسبة إلى إسرائيل اليوم”؛ لأنها: “الدولة التي تحفظ مصالحنا في سوريا، وهي التي قادت الجهود لإعادة جثامين أسرى ومفقودين إسرائيليين في سوريا، وفتحت أبواب الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، ومن الجنون معاداة روسيا، أو أن نتخذ موقفًا ضدها بأوكرانيا”؛ ولذا فإن تصاعد التوتر بين “موسكو” و”تل أبيب” سيؤدي إلى تراجع شعبية “لابيد” في الانتخابات المبكرة بـ”إسرائيل”؛ التي من المُرجح أن تُجرى قبل نهاية العام، وفي الوقت نفسه سترتفع حظوظ “نتانياهو” لتولي الحكومة المقبلة، وهو يتفهم جيدًا طبيعة العلاقات “الروسية-الإسرائيلية”.

محفزات التأزم..

بالرغم من أن اتهامات مخالفة “الوكالة اليهودية” للقانون الروسي لاحقت الوكالة لسنوات عديدة، بيد أن تحريك “موسكو” الدعوى القضائية ضدها الآن يعكس، بشكل أو بآخر، تصاعد عوامل التوتر بينهما؛ نظرًا إلى متغيرات جيوسياسية إقليمية متداخلة.

وعليه، يمكن القول إن أهم محفزات التوتر بين “روسيا” و”إسرائيل” تتمثل فيما يأتي:

01 – الاستياء الروسي من الدعم الإسرائيلي لـ”أوكرانيا”: اتسم الموقف الإسرائيلي من العملية العسكرية الروسية في “أوكرانيا”؛ منذ بدايتها في 24 شباط/فبراير 2022؛ بالحياد، وعرضت وساطتها في الأزمة، بيد أن “موسكو” رفضت ذلك، وبعد شهرين تقريبًا بدأت “تل أبيب” تنحاز إلى موقف “كييف” وقدمت لها دعمًا ماديًا ودبلوماسيًا ودفاعيًا؛ حيث أرسلت “إسرائيل” أعدادًا محدودة من الخوذات إلى القوات الأوكرانية، وسمحت للرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”، بإلقاء كلمة أمام “مجلس النواب” الإسرائيلي؛ (الكنيست)، واستقبلت “تل أبيب” مئات من المهاجرين الأوكرانيين؛ ما آثار غضب “موسكو”؛ التي اتهمت “إسرائيل”، في أوائل آيار/مايو الماضي، بدعم: “النازيين الجُدد” في “أوكرانيا” وإرسال مرتزقة إلى “كييف” للقتال ضد “روسيا”، ولم تنفِ “تل أبيب” ذلك، ثم اتهمت الأخيرة “موسكو”: بـ”تسيّيس” قضية “الوكالة اليهودية” للرد على الموقف الإسرائيلي من الحرب بـ”أوكرانيا”؛ ما دفع المتحدثة باسم “وزارة الخارجية” الروسية؛ “ماريا زاخاروفا”، إلى نفي ذلك وإلى أن تؤكد يوم 26 تموز/يوليو 2022، أن: “قضية الوكالة اليهودية قانونية بحتة”، وانتقدت: “المواقف غير البناءة لإسرائيل، والسياسة التي تنتهجها في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك موقف تل أبيب من الوضع في أوكرانيا”.

02 – الدعم الروسي لـ”سوريا”: شارك “بوتين” في “قمة طهران”؛ يومي: 19 و20 تموز/يوليو 2022، وهي القمة الرئاسية السابعة ضمن “مسار الآستانة” بين رؤساء: “روسيا وإيران وتركيا”، وتُعد زيارته إلى “طهران” هي الثانية له للخارج منذ بدء العملية العسكرية في “أوكرانيا”؛ ما يؤكد أهمية القمة له، وصدر عنها بيان ختامي: “يُدين الهجمات العسكرية الإسرائيلية على سوريا”، لا سيما قصف “مطار دمشق”، كما أعلن في 26 تموز/يوليو 2022، عن تدريبات عسكرية “روسية-سورية”؛ بـ”طرطوس”، قريبًا من القاعدة البحرية الروسية؛ ما يؤكد الدعم العسكري واللوجستي الروسي لـ”سوريا”؛ ضد الهجمات الإسرائيلية المتكررة عليها.

وقد تصاعد التوتر بين “تل أبيب” و”موسكو”؛ في الملف السوري، بعدما كشف وزير الدفاع الإسرائيلي؛ “بيني غانتس”، عن اعتراض صواريخ (إس-300) الروسية المضادة للطائرات؛ مقاتلات إسرائيلية، خلال تنفيذها هجومًا في “سوريا”؛ قبل شهرين؛ وهذا للمرة الأولى منذ بدء الاستهداف الإسرائيلي لـ”سوريا”؛ حيث كان يتم التنسيق المسبق بين “تل أبيب” و”موسكو”؛ قبل تنفيذ أي عمليات إسرائيلية في العمق السوري لتجنب حدوث أي صدامات بين “موسكو” و”تل أبيب”.

03 – التأييد الروسي لـ”القضية الفلسطينية”: يُثير الموقف الروسي من “القضية الفلسطينية”، الذي يقوم على ضرورة التوصل إلى “حل الدولتين” وأفق إقامة سلام شامل وعادل في المنطقة على حدود 1967 وعاصمتها “القدس الشرقية”، حفيظة “تل أبيب”.

وفي آيار/مايو الماضي؛ استضافت “موسكو” وفدًا من حركة (حماس) الفلسطينية. وأشارت “موسكو” إلى أن: “جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن الوضع الحالي في الأراضي الفلسطينية، يقع على عاتق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين يتهربان بذريعة الأحداث في أوكرانيا، من المشاركة في أنشطة الرباعية الدولية تضم؛ (روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي)، لبحث سُبل دفع عملية السلام والحوار (الفلسطيني-الإسرائيلي)”.

وعليه، يبدو أن “موسكو” تُقدم المزيد من الدعم لـ”القضية الفلسطينية”، للرد على الموقف الإسرائيلي من “كييف”.

04 – التقارب “الأميركي-الإسرائيلي”: قام الرئيس الأميركي؛ “جون بايدن”، بزيارة إلى “إسرائيل”؛ في منتصف تموز/يوليو 2022، لمدة يومين، وجدد فيها تأكيد التحالف الإستراتيجي بين البلدين؛ الذي تبلور في “إعلان القدس”، وتضمن انتقادات ضمنية لـ”روسيا”، ونص على أنه: “تؤكد الولايات المتحدة وإسرائيل مخاوفهما بشأن الهجمات المستمرة ضد أوكرانيا، وإلتزامهما بسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، وتؤكدان أهمية استمرار المساعدة الإنسانية لشعب أوكرانيا”.

وأكد “بايدن”: “عدم ترك الشرق الأوسط ساحة للنفوذين الروسي والصيني”، كما طلب من “لابيد” تكثيف المساعدات العسكرية الإسرائيلية لـ”أوكرانيا”؛ مما يؤدي إلى تصعيد التوترات بين “تل أبيب” و”موسكو”، ويُصّعد حالة الاستقطاب الإقليمي بين كل من “واشنطن” و”موسكو” لجذب دول الشرق الأوسط إلى محورها، خاصةً أن تلك الزيارة أعقبتها مباشرة “قمة طهران”؛ وزيارة “بوتين” إلى “إيران”؛ ما فُسر بأن “إسرائيل” تُصنف في المحور الأميركي وتتخلى عن علاقاتها المتميزة بـ”روسيا”.

05 – الخلافات “الروسية-الإسرائيلية” في ملفات متعددة: تتعدد الملفات التي تشهد تعارض المصالح والرؤى “الروسية-الإسرائيلية”؛ ففي الملف النووي الإيراني تدعم “موسكو”؛ “طهران”، واستئناف المفاوضات للتوصل إلى “اتفاق نووي” جديد أو استكمال السابق، بينما ترى “تل أبيب” ضرورة استخدام الحل العسكري ضد “إيران”، وهو ما ترفضه “موسكو”، كما تدعم “إسرائيل”؛ “أذربيجان”، ضد “آرمينيا”، حليفة “موسكو”، وزودت “باكو” بالأسلحة الأكثر تطورًا وحداثة؛ ومنها: “قنابل عنقودية” خلال حرب “كاراباخ الثانية”، التي انتهت في تشرين ثان/نوفمبر 2020؛ بانتصار “أذربيجان”، كما تتقاطع مصالح “موسكو” و”تل أبيب” كثيرًا في عدد من دول شرق ووسط إفريقيا حول تصدير الأسلحة واستيراد المواد الخام منها؛ ولذا فإن الخلافات بينهما لا تقتصر على الملف الأوكراني أو العلاقات الثنائية فقط.

مسارات مستقبلية..

تلقي التوترات الراهنة بين “موسكو” و”تل أبيب” بظلال كثيفة على مستقبل العلاقات “الروسية-الإسرائيلية”، وهو المستقبل الذي سيظل محكومًا بثلاثة مسارات رئيسة متمثلة فيما يأتي:

01 – احتواء الأزمة المتصاعدة: وظهر ذلك مع سعي الرئيس الإسرائيلي؛ “يتسحاق هرتسوغ”، إلى احتواء الأزمة بين بلاده و”موسكو”، نظرًا إلى علاقاته الجيدة بـ”بوتين”، وطلب من أعضاء حكومته؛ (الصمت وتقليل الحديث، والتعاون مع رئيس الوزراء بثقة تامة)، وربما يتم احتواء الأزمة حال تخفيف حدة الخطاب السياسي للحكومة الإسرائيلية الحالية، ثم يتم بحث التوصل إلى حلٍ وسط فيما يُخص عمل “الوكالة اليهودية” في “روسيا”.

02 – إدارة الخلافات المتعددة: وهذا المسار يقضي بفتح حوار بين “موسكو” و”تل أبيب” لإدارة الخلافات وعوامل توتر العلاقات بينهما، وهو مسار أكثر شمولاً من المسار السابق؛ لأنه لا يقتصر على ملف “الوكالة اليهودية”، بل يتضمن التعامل مع كافة الملفات الخلافية بين الطرفين.

ويكتسب هذا المسار وجاهته من كون قرار وقف عمل “الوكالة اليهودية”؛ هو نتيجة للتوترات القائمة بين الدولتين، وليس سببًا لها؛ حيث يمكن التوصل إلى تكييف قانوني لوضع الوكالة عبر إلزامها بتطبيق القانون الروسي خلال عملها، وهو ما ألمح إليه المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بمطالبته: “بعدم إسقاط الوضع حول عمل الوكالة اليهودية في روسيا على العلاقات بين البلدين”.

03 – التصعيد المتبادل: وهذا التصعيد سيتم حال صدور حكم قضائي نهائي بوقف عمل “الوكالة اليهودية” بـ”روسيا”، وسيتم التصعيد من الجانبين، وربما تنضم “تل أبيب” آنذاك إلى منظومة “العقوبات الغربية” على “موسكو” وتكثف الدعم العسكري لـ”أوكرانيا” وتُعزز تحالفها مع “واشنطن” وتنخرط في مناورات وتدريبات عسكرية مع حلف الـ (ناتو)، بينما يمكن لـ”روسيا” الضغط على “إسرائيل” بعدة ملفات؛ منها تسليم “سوريا” صواريخ (إس-400)؛ التي تُمكنها من صد أي هجوم جوي إسرائيلي، ووقف التنسيق الأمني بين “موسكو” و”تل أبيب” في “سوريا”؛ ما يُعرض الجيش الإسرائيلي لخطر المواجهة مع الجيش السوري والميليشيات الإيرانية بـ”الجولان” السورية المحتلة، وكذا دعم “إيران” وتكثيف التعاون العسكري معها، ويمكن لـ”موسكو” أيضًا تعطيل الهجرة والسفر إلى “إسرائيل”؛ حيث شكل السياح الروس نحو: 10% من إجمالي السياح لـ”تل أبيب”.

خلاصة القول؛ إن الخلاف “الروسي-الإسرائيلي”؛ حول عمل “الوكالة اليهودية”، هو قمة جبل الجليد؛ فخلال السنوات الأخيرة تضاعفت الخلافات بين الطرفين، لا سيما مع تبني “موسكو” بعض السياسات، سواء في “سوريا” أو في العلاقات مع “إيران”، التي نظرت إليها “إسرائيل” باعتبارها تهديدًا لمصالحها وأمنها.

وهكذا بات على “موسكو” و”تل أبيب” معالجة الخلافات الجذرية بينهما لاحتواء أزمة “الوكالة اليهودية”؛ في “روسيا”، والحفاظ على مصالحهما المشتركة في الشرق الأوسط.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة