قمة “بايدن” و”شي” الافتراضية .. هل تكتب تاريخًا جديدًا بين أميركا والصين تسطره جائحة “كورونا” ؟

قمة “بايدن” و”شي” الافتراضية .. هل تكتب تاريخًا جديدًا بين أميركا والصين تسطره جائحة “كورونا” ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في لقاء لفت أنظار العالم لدخول الدولتين في صراع دائم وحروب اقتصادية، عقدت قمة افتراضية بين الزعيمين: الأميركي والصيني؛ استمر لساعات، غلفته عبارات المودة؛ إلا أنه لم يخلو من تحذيرات متبادلة أطلقها الجانبان حول القضايا الخلافية، مع التأكيد على مسؤولية الطرفين تجاه العالم.

عقد الرئيس الأميركي، “جو بايدن”؛ ونظيره الصيني، “شي جين بينغ”، صباح أمس الثلاثاء، مؤتمرًا افتراضيًا عبر الفيديو، كان مترقبًا بشدة، وصفته وكالة أنباء “الصين الجديدة”، (شينخوا)، الرسمية عند إنتهاءه بعد ساعات؛ بأنه كان: “صريحًا وبناءً وموضوعيًا ومثمرًا”.

وهو الاجتماع الأول وجهًا لوجه، وإن كان افتراضيًا، للرئيسين منذ تولي، “بايدن”، منصبه، في كانون ثان/يناير الماضي، عدا اتصالاً هاتفيًا كان قد جمع بين الإثنين في السابق. وتأتي المحادثات في عمق توترات متزايدة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.

وخلال اللحظات الأولى من الحوار، حضر عدد قليل من الصحافيين؛ قبل أن يدخل الزعيمان وكبار المسؤولين في محادثات خاصة بحضور مسؤولين كبار من البلدين.

جو إيجابي للمحادثات..

وبحسب ما تداولته وكالات الأنباء العالمية؛ ساد جو إيجابي المحادثات، إذ وصف “شي”، “بايدن”، بأنه: “صديق قديم”؛ وقال إنه يجب على الجانبين تعزيز الاتصالات والتعاون لمواجهة التحديات الكثيرة المطروحة. بينما بدأ الرئيس الأميركي من على طاولة الاجتماعات في “قاعة روزفلت”، بـ”البيت الأبيض”، قائلاً: “ربما ينبغي لي أن أبدأ بشكل رسمي أكثر، رغم أنني وأنت لم نكن رسميين مع بعضنا البعض بهذا الشكل قط”، وارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة؛ بينما ظهر الرئيس الصيني على شاشة كبيرة.

ودعا الجانبان على ضرورة: “الاحترام المتبادل”. ودعا “شي” إلى التعاون والتعايش السلمي بين البلدين، بحسب تلفزيون “الصين” المركزي. وقال إنه يتعين على البلدين: “تحمل مسؤولياتهما الدولية”. بينما ردّ “بايدن” أن للعلاقات الثنائية: “تأثير عميق فيما يبدو لي ليس فقط في البلدين، وإنما بصراحة شديدة في باقي العالم”، وأضاف إنه يجب على الزعيمين ضمان عدم انحراف العلاقات بين البلدين إلى صراع مفتوح.

تباحث النقاط الخلافية..

ولم تغفل المباحثات عن النقاط الخلافية، وعلى رأسها: زيادة الضغط الصيني على “تايوان”، والحرب التجارية الجارية بين البلدين، إلى جانب قضية منشأ جائحة (كوفيد-19)؛ وتوسع ترسانة “بكين” النووية. ناهيك عن ملف حقوق الإنسان في “الصين”، ومعاملة أقلية “الأويغور” والسكان في “التبت”، وقمع الحركة المؤيدة للديمقراطية في “هونغ كونغ”.

وحول “تايوان”، نقلت وسائل إعلام رسمية صينية، عن الرئيس، “شي جين بينغ”؛ عقب الاجتماع، بأنه أبلغ نظيره الأميركي بأن بلاده ستضطر لاتخاذ: “إجراءات حاسمة” إذا تجاوزت القوى المؤيدة لاستقلال “تايوان”: “خطًا أحمرًا”.

في المقابل، أعرب الرئيس الأميركي من جهته عن: “مخاوفه حيال ممارسات، (الصين)، في شينجيانغ والتيبت وهونغ كونغ وحقوق الإنسان بشكل عام”. وأشار إلى أن “الولايات المتحدة” تبقى وفيّة لسياسة: “الصين الواحدة”، مؤكدًا أنه: “يُعارض بشدة” كل محاولة: “أحادية لتغيير الوضع الراهن أو الإخلال بالسلام والاستقرار في مضيق تايوان”، وفق ما جاء في النصّ الذي نُشر بعد الاجتماع الذي استغرق ساعات.

بداية جيدة لتجنب الصراع..

تعليقًا على القمة؛ اعتبر وزير الخارجية الأميركي السابق، “هنري كيسنغر”، أن القمة الافتراضية التي عُقدت بين “بايدن” ونظيره الصيني، “شي”؛ تُمثل: “بداية جيدة لتجنب الصراع بين أكبر اقتصادات العالم”.

وقال الدبلوماسي الشهير والمؤلف المؤثر عبر الفيديو، في منتدى (بلومبيرغ) للاقتصاد الجديد في “سنغافورة”: “يجب الآن أن تتبع هذه القمة مناقشات ملموسة تؤدي باتجاه يُريد كلا الرئيسين متابعته”.

كما أضاف: “نحن عبر ممر جبلي وعلى حافة يمكن من خلالها النظر في كلا الاتجاهين؛ والآن يعتمد الأمر على الاتجاه الذي يتم اختياره”، وفق (بلومبيرغ).

نمط التخفيف من حدة النزاعات..

كذلك قال الدبلوماسي، الذي مهد الطريق لرحلة الرئيس، “ريتشارد نيكسون”، التاريخية إلى “الصين”، عام 1972، إنه يجب على الدول أن تتحرك نحو: “نمط يتم فيه محاولة التخفيف من حدة النزاعات”.

كما أشار إلى أنه يتعين على “الولايات المتحدة” و”الصين” إيجاد سُبل للتعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة مثل: الذكاء الاصطناعي، لافتًا إلى أن السباق بينهما قد يؤدي إلى وقوع حرب سيبرانية.

تعزيز النمو الاقتصادي العالمي..

وفي تعليقات منفصلة بالمنتدى، شدد نائب الرئيس الصيني، “وانغ كيشان”؛ أن على بلاده والعالم العمل معًا لتعزيز النمو الاقتصادي العالمي، متعهدًا بأن: “تواصل بكين الانفتاح أكثر على الاستثمار الأجنبي؛ في وقت ترفع فيه المزيد من الدول حواجز مخاوف الأمن القومي”.

كذلك قال “وانغ”؛ إنه: “لا يمكن للصين أن تتطور بمعزل عن العالم؛ ولا يمكن للعالم أن يتطور بدون الصين”، مؤكدًا: “لن تتردد بكين في تصميمها على تعميق الإصلاح وتوسيع الانفتاح”.

قد يكون للصراع تداعيات هائلة علي العالم..

وقالت صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية؛ إنه على الرغم من أن القمة الافتراضية لم تشهد تحقيق إنجازات، إلا أنها مكنت القوتين العظمتين العالميتين من التواصل حول مجموعة من القضايا الحساسة التى كانت سببًا فى توتر العلاقات بينهما، منها التجارة و”تايوان” وحقوق الإنسان.

ووصف “البيت الأبيض”، المحادثة التي استمرت ثلاث ساعات ونصف؛ بأنها محترمة ومفتوحة وصريحة، إلا أن أيًا من الجانبين لم يقدم تعهدات أو أبتعادًا عن المواقف الحالية. غير أن الصحيفة رأت أن التواصل هو اعتراف بأن الصراع، سواء كان على التجارة أو “بحر الصين” الجنوبي يمكن أن يكون له تداعيات هائلة حول العالم.

إغفال الأولمبياد وعدم منح التأشيرات..

وتقول (واشنطن بوست) إنه على الرغم من أن المحادثات كانت مطولة وتناولت قضايا عديدة، إلا أن موضعين على الأقل لم يتم إثارتهما، بحسب ما ذكر أحد مسؤولي الإدارة الأميركية، الذي رفض الكشف عن هويته؛ أحدهما كان “الأولمبياد الشتوية لعام 2022″؛ التي تستضيفها “بكين”، والثانية عدم منح “الصين” تأشيرات للصحافيين الأميركيين بعد طرد أكثر من: 10 صحافيين أميركيين، العام الماضي، فيما قالت “بكين” أن رد على فرض “واشنطن” قيودًا على صحافييها.

ومن القضايا التي تمت إثارتها خلال القمة: “التجارة”، حيث أكد الرئيس، “بايدن”، على حاجة “الصين” للحفاظ على إلتزاماتها بشراء بضائع إضافية من “الولايات المتحدة”، لكن هذا لم يكن الجزء المهيمن للحوار، وفقًا للمسؤول الأميركي.

وأشارت (واشنطن بوست) إلى أن القمة الافتراضية هي الحوار الثالث المباشر بين الرئيسين منذ تولي “بايدن” الحكم، في كانون ثان/يناير الماضي، وكان الاتصالان السابقان عبر الهاتف، آخرهما في التاسع من أيلول/سبتمبر الماضي. ولم يغادر الرئيس الصينى بلاده منذ بدء جائحة (كورونا).

استهدفت تلطيف الأجواء..

من جهتها؛ قالت وكالة (آسوشيتد برس) الأميركية؛ إن القمة الافتراضية قد استغرقت ثلاث ساعات؛ وخلصت باتفاق بين الزعيمين على الحاجة للتعامل بحذر في الوقت الذي تجد فيه كل دولة في منافسة مشحونة بشكل متزايد.

وفي ظل مواجهة ضغوط محلية، بدا كلاً من: “بايدن” و”شي”، بحسب ما تقول الوكالة، عازمين على تلطيف الأجواء في علاقتهما الأكثر أهمية والمضطربة بشكل متكرر.

وقال “بايدن”، لـ”شي”، في بداية قمتهما الافتراضية: كما قلت من قبل، يبدو لي إنهما مسؤوليتنا كزعيمين لـ”الصين” و”الولايات المتحدة” ضمان أن التنافس بن بلدينا لا يتحول إلى صراع سواء بشكل مقصود أو غير مقصود، فقط منافسة بسيطة وصريحة.

وتوضح (آسوشيتد برس)، إن العلاقات بين “الولايات المتحدة” و”الصين” شهدت توترات منذ وصول “بايدن” إلى “البيت الأبيض” مع؛ انتقادات “واشنطن”، لـ”بكين”، في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية و”تايوان”. بينما انتقد مسؤولون صينيون، “البيت الأبيض”، لتدخله في الشؤون الداخلية لبلادهم.

وتُلفت الوكالة إلى أن “بايدن” الذي يُعاني تراجع شعبيته؛ كان يتطلع إلى إيجاد مقياس للتوازن في القضية الأكثر أهمية في السياسة الخارجية، والمتعلقة بالتنافس مع “الصين”. بينما يواجه “شي” عودة ظهور (كورونا) ونقص الطاقة وأزمة الإسكان التي تلوح في الأفق، والتي يخشى المسؤولون الأميركيون من أن تسبب هزات في الاقتصاد العالمي.

تغير التوجهات الاقتصادية على مستوى العالم..

وكانت الموازين الاقتصادية قد تغيرت بين البلدين خلال العقدين الماضيين، بحيث صار ذلك التغيّر مولدًا أساسيًا للتوجهات الاقتصادية على مستوى العالم.

ويعتبر مراقبون، شهر تشرين أول/أكتوبر من العام 2000، نقطة إنطلاق للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، بعدما وقع الرئيس الأميركي، آنذاك، “بيل كلينتون”؛ على قانون العلاقات “الأميركية-الصينية”، والذي منح “الصين” الحق في امتلاك علاقات تجارية طبيعية ودائمة مع “الولايات المتحدة”، ومهد الطريق أمام موافقة “واشنطن” على دخول “بكين” إلى “منظمة التجارة العالمية”، الأمر الذي حوّل “الصين” إلى قوة صناعية وتجارية عالمية، خلال سنوات قليلة.

فخلال 06 سنوات فقط؛ من توقيع ذلك القانون، صارت “الصين” الشريك التجاري الثاني لـ”الولايات المتحدة”، متفوقة على “المكسيك” نفسها، الشريك التجاري التاريخي لـ”أميركا”.

وفي نفس العام الذي تم توقيع القانون التجاري بين البلدين، كانت “الولايات المتحدة” تُصدّر لـ”الصين” ما يُقدّر بحوالي: 16 مليار دولار سنويًا، وتستورد بضائع بقيمة تزيد عن: 100 مليار دولار.

وقفزت هذه الأرقام بعد عقدين من العلاقات التجارية المفتوحة بين البلدين، لتُصّدر “أميركا” موادًا بقيمة: 124 مليار دولار، بينما وصلت قيمة ما تستورده إلى: 434 مليار دولار.

وساهمت هذه القفزات في تسجيل “الصين” لأسرع وتيرة للنمو الاقتصادي، خلال السنوات العشرين تلك، وحتى عبر التاريخ، إذ بلغ متوسط النمو الاقتصادي الصيني لحوالي: 7 في المئة سنويًا، بينما لم يتجاوز متوسط النمو الاقتصادي الأميركي، خلال تلك السنوات؛ نسبة: 2.5 في المئة.

ولم يعن ذلك أن العوامل الداخلية للاقتصاد الصيني صارت متفوقة على تلك الخاصة بـ”أميركا”، فالناتج المحلي الإجمالي الأميركي ما يزال الأكبر على مستوى العالم، بقيمة تُقدر بحوالي: 19.5 تريليون دولار، بحصة تزيد عن: 24 في المئة من الاقتصاد العالمي، كان نصيب الفرد منها قرابة: 60 ألف دولار سنويًا.

وظلّ الناتج المحلي الإجمالي الصيني بحدود: 12.2 ترليون دولار، شاغلاً فقط: 15 في المئة من الاقتصاد العالمي، وبحصة لا تزيد عن: 8.6 ألف دولار للفرد في العام الواحد.

عقبات أمام الاقتصاد الصيني..

من جهته؛ حدد الباحث الاقتصادي، “سلمان الحسني”؛ في حديث لموقع (سكاي نيوز عربية)؛ العقبات التي تحول دون مواكبة “الصين” للاقتصاد الأميركي، قائلاً: “اعتبارًا من العام 2010؛ صار الاقتصاد الصيني يتجاوز دولاً صناعية كبرى مثل: اليابان وألمانيا، وصارت تتطلع لأن تكون الاقتصاد الأول على مستوى العالم، لأنه خلال هذه السنوات ارتفعت وتغيرت نوعية حاجات قرابة: 1.4 مليار مواطن صيني، صاروا يطالبون بالمزيد من الحقوق وشروط العمل والأجور، وهي قضايا على الاقتصاد الصيني مواجهتها للتمكّن من مواجهة اقتصاديات كبرى لبّت تلك المطالب”.

ويميل ميزان الاستثمار الأجنبي المباشر بين البلدين لصالح “الولايات المتحدة”، فالاستثمار الأميركي في “الصين” بلغ، خلال العام الماضي؛ أكثر من: 123 مليار دولار، بينما وصلت قيمة استثمارات “الصين” في “أميركا”: 38 مليار دولار فقط.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة