14 يوليو، 2025 10:33 م

قطرة عذبة في محيط متلاطم .. التشرينيون والانتخابات العراقية بين برغماتية صبيانية ومقاطعة ثائرة !

قطرة عذبة في محيط متلاطم .. التشرينيون والانتخابات العراقية بين برغماتية صبيانية ومقاطعة ثائرة !

وكالات – كتابات :

مع حلول الذكرى الثانية لما بات يعرف في الأدبيات السياسية العراقية: بـ”انتفاضة تشرين”؛ أجريت الانتخابات البرلمانية المبكرة، البعض قرأ هذا التزامن على أنه تحقيق لمطلب أساس من مطالب المنتفضين في إجراء انتخابات مبكرة للوصول إلى التغيير السياسي عبر اللجوء إلى صناديق الانتخاب، بينما عارض بعض المراقبين هذه القراءة المتفائلة، واعتبروا هذا التوقيت نوعًا من الإلتفاف على الانتفاضة وتفريغها من زخمها الحقيقي وتحويلها إلى مطلب مقتصر على إجراء انتخابات مبكرة من دون تغيير حقيقي في الشروط السياسية الموضوعية لإجراء انتخابات يمكن أن تفرز تغييرًا حقيقيًا يُحقق خرقًا لانسداد الأفق في الواقع السياسي العراقي الرث؛ الذي يُعاني من التعثر منذ ثمانية عشر عامًا.

ماذا تبقى من “تشرين” ؟

عندما أطاحت حركة الاحتجاج الشبابية بحكومة “عادل عبدالمهدي”، في الأول من كانون أول/ديسمبر 2019، كان على رأس مطالب المحتجين؛ تشكيل حكومة تتولى تسيير الدولة لمدة انتقالية يتم فيها العمل تحت ظل إعلان دستوري؛ ليتم حل البرلمان من دون الوقوع في الفراغ الدستوري، ولتتم التهيئة لإجراء انتخابات مبكرة بعد إنتهاء الفترة الانتقالية ثم انتخاب برلمان جديد يتكفل بتعديل الدستور، وسن وتفعيل قانون الانتخابات، وقانون الأحزاب، وضبط السلاح بيد الدولة، ومنع الأحزاب ذات الأجنحة المسلحة من الاشتراك في الحياة السياسية الديمقراطية، وتقديم قتلة المتظاهرين للقضاء، وضبط المال السياسي الفاسد الذي خرب الحياة الديمقراطية في “العراق”؛ عبر القبض على الفاسدين وتقديمهم للعدالة.

وعلى مدى عدة أشهر؛ تم ترشيح عدد من الشخصيات المقربة من الكتلتين الأكبر في البرلمان؛ (سائرون) و(الفتح)، ونتيجة ضغوط الشارع المنتفض وتجاذبات الكتل السياسية لم يُمرر أي من المرشحين؛ حتى آيار/مايو 2020؛ إذ تم التوافق على ترشيح رئيس المخابرات السابق، “مصطفى الكاظمي”؛ ليتسلم إدارة الحكومة، التي اعتبرها البعض حكومة انتقالية – بدون وجود أي إطار دستوري أو قانوني لذلك – وكانت تصريحات “الكاظمي” تسوق الأمر على أنه جاء وحكومته لتحقيق مطالب “تشرين”؛ وأولها تحديد موعد إجراء انتخابات مبكرة بعد سنة، أي في حزيران/يونيو الماضي، لكن ضغوط الكتل السياسية دفعت الموعد إلى: تشرين أول/أكتوبر 2021، وكان البعض يحاول أن يصل بالتأجيل إلى الموعد الرسمي للانتخابات، أي في: آيار/مايو 2022. وكانت عملية انسحاب “مقتدى الصدر”، وتياره الجماهيري، من الانتخابات مؤشرًا باتجاه التأجيل، لكن عودته اللاحقة للمشاركة دفعت باتجاه تنفيذ الانتخابات المبكرة، في تشرين أول/أكتوبر الجاري.

“التشرينيون” وصناديق الانتخاب !

مشهد “التشرينيين” يبدو منقسمًا إلى عدد من الحركات والأحزاب والتنظيمات السياسية، بالإضافة إلى زخم شارع غير مُسيس تنتابه موجات غضب تُخرجه في احتجاجات، في “بغداد” وبعض مدن الجنوب؛ بين الحين والآخر منذ سنتين. لكن يمكن أن نقسّم التعاطي “التشريني” مع الانتخابات إلى قسمين كبيرين؛ هما: المشاركون والمقاطعون. إذ اشتركت في الانتخابات ثمانِ حركات انبثقت من “حراك تشرين”؛ أبرزها: (وعي) و(امتداد) و(نازل آخذ حقي) و(قادمون للتغيير)، وقد وضعت هذه الحركات نفسها تحت خيار شارعها السياسي الذي طالب “التشرينيين” بتأطير حراكهم سياسيًا، وخوض الصراع الانتخابي للحصول على مقاعد في البرلمان يمكن عبرها العمل كمعارضة تحت قبة البرلمان، بالإضافة إلى السعي الجاد لتشريع القوانين، وممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية، والقيام باستجواب الفاسدين والضرب على أيديهم.

وقد صرح “حسين الرماحي”؛ أمين حزب (قادمون للتغيير)، المنبثق من “حراك تشرين”؛ بقوله إن: “تشكيل جبهة للمعارضة فاعلة للمطالبة بالتغيير يجب أن تتم بعد كسب ثقة المواطن العراقي والوصول إلى البرلمان؛ حيث تكون هناك المعارضة، أما قبل الانتخابات أو عدم المشاركة فيها، فهي لا تعني شيئًا ولن تؤثرعلى التمثيل السياسي، ولا على العملية السياسية بشكل عام”.

وأشار تقرير “منظمة حل الأزمات الدولية”، (ICG)، الصادر في تموز/يوليو 2021، والذي تناول موقف “حراك تشرين” من المشاركة في الانتخابات؛ إلى أن: “العراقيين الشباب، الذين شحذوا وعيهم ومهاراتهم السياسية من خلال النشاط في الشارع على مدى العامين الماضيين أو قبل ذلك، باتوا يواجهون الآن تحديًا يتمثل في إيجاد مكانهم في مشهد سياسي تطغى عليه الأحزاب التي رفضوها. بعضهم شق طريقًا براغماتيًا، فقبل بقواعد اللعبة في الوقت الحاضر، رغم العطالة العميقة للنظام؛ أي أنهم باتوا يعتقدون بأن الاحتجاجات لا تستطيع إسقاط النظام؛ وبالتالي ينبغي أن يشاركوا فيه، أو على الأقل الاشتراك في الانتخابات”.

ويضيف التقرير: “آخرون في الحراك الشعبي؛ يُسارعون إلى إدانة أي مبادرة جديدة تقدمها الأحزاب التقليدية. وهكذا فإن الناشطين الذين يميلون نحو السياسة يدرسون ثلاثة مسارات محتملة إلى الأمام: دعم أحزاب مؤسسة حديثًا ومرشحين مستقلين، وحتى القيام بحملات نيابة عنهم؛ أو الإنضمام إلى الأحزاب الأقدم ذات التوجهات الإصلاحية، مثل كتلة (قوى الدولة)؛ أو البقاء في المعارضة خارج البرلمان ومستقلين عن الأحزاب قديمها وحديثها”.

وهنا تُجدر الإشارة إلى نزول بعض الشخصيات المحسوبة على “حراك تشرين”؛ إلى التنافس الانتخابي بصفة: “مستقل”؛ إذ طرح عدد من الناشطين أنفسهم كمرشحين مستقلين في المدن التي شهدت حراكًا احتجاجيًا في وسط وجنوب “العراق”، لكن الكثير من الشكوك شابت هذا الأمر، إذ يتوقع المراقبون أن يتم ضم المرشحين المستقلين إلى الكتل السياسية القديمة لاحقًا تحت قبة البرلمان، سواء بالترغيب أو الترهيب، وبالتالي لن تكون صفة: “المستقل” سوى ورقة مرور يُحاول المرشح استخدامها لتزكيته أمام جمهور ناخبيه وتقديم نفسه على انه غير منتمٍ للأحزاب الفاسدة.

أما القسم الأكبر من “التشرينيين” فهم المنضوون تحت تيار المقاطعين للانتخابات، وتُجدر الإشارة إلى أن هذا التيار يبدو أكبر تحشيدًا، وأكثر تنظيمًا من حالته، في انتخابات 2018، التي شهدت ولادة تيار كبير دعا لمقاطعة الانتخابات، ما أصاب العملية الانتخابية، حينذاك، بحالة واضحة من العزوف عن المشاركة وصلت إلى: 60 في المئة من الناخبين، حسب التصريحات الحكومية، و80 في المئة، حسب بعض المراقبين العراقيين.

ويجب أن نُشير إلى دور: “مؤتمر المعارضة الوطنية”، الذي عُقد منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، في “بغداد”، في تأطير المقاطعة الانتخابية سياسيًا في هذه الدورة. إذ تم عقد المؤتمر ولأول مرة في “بغداد”؛ بمشاركة أربعين كيانًا سياسيًا اجتمعت لتؤطر عملها السياسي الرامي لخلق معارضة سياسية على أرض الواقع، بينها ثمانية أحزاب تشرينية مسجلة في “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” وتعتزم المشاركة في الانتخابات، والباقي تنسيقيات وحركات هدفها مقاطعة الانتخابات، بالإضافة إلى تنسيق عملها مع “قوى تشرين”؛ المشتركة في الانتخابات، لكي يتم العمل على تبني حلول سياسية ضاغطة على الفاعلين السياسيين وأحزابهم المتهمة بتلوث أيديها بدم المتظاهرين ونهب المال العام طوال عقدين من الزمن.

وقال “باسم الشيخ”، الناطق باسم جبهة المعارضة الجديدة؛ إن: “الهدف من إطلاق الجبهة؛ هو مواجهة الفساد والتدخلات الخارجية والتنسيق لتوحيد الجهود والمواقف السياسية والاحتجاجية الرافضة للنهج الخاطيء في إدارة الدولة”، وأضاف أن: “ما نرجوه من تجميع قوى المعارضة ومن المؤتمر؛ هو خلق معارضة شعبية تؤطر العمل الاحتجاجي من جانب، وتحاول أن تُشكل ورقة ضغط فاعلة على إنتاج تغيير حقيقي يصحح المسارات ويغير المنظومة الفاسدة والفاشلة التي لم تستطع أن تقدم شيئًا للشعب العراقي”. وأكد “الشيخ” على أن المؤتمر سعى لتشكيل كتلة مؤثرة قبيل الانتخابات؛ والسعي لخلق جبهة واحدة ومشتركة ما بين الأحزاب التشرينية، (الاحتجاجية)، المشاركة في الانتخابات والتنسيقيات والحركات المنبثقة عن الاحتجاجات، وكذلك خلق ورقة ضغط لتغيير المنظومة التي عجزت عن تقديم أي مُنجز للشعب خلال السنوات الماضية.

ومع ضغوط السلاح المنفلت في “العراق”، وسطوة المال السياسي الفاسد على المشهد الانتخابي، واحتمالية عدم حصول “التشرينيين” سوى على عدد من محدود من مقاعد البرلمان قد لا يتجاوز عدد أصابع اليد، إلا أن ما تحقق يبدو ملموسًا، فإذا نظرنا إلى تعديل قانون الانتخاب من النظام الانتخابي القديم القائم على الصوت المتحوّل والدائرة الانتخابية الكبرى لمصلحة نظام الصوت غير المتحوّل والدائرة الانتخابية الأصغر، واستبدال “مجلس المفوضية العليا للانتخابات”، بقضاة؛ تم ترشيحهم من “مجلس القضاء”، بالرغم من تدخل الأحزاب في اختيارهم، كل ذلك مدعومًا بحراك شعبي رافض ومتربص ويتحين الفرصة لإطلاق موجة جديدة من الاحتجاجات يمكنها أن تطيح الحكومة التوافقية التي قد تفرزها انتخابات، تشرين أول/أكتوبر، كل ذلك الآن أصبح في مدى المتوقع بعد ما حققته “انتفاضة تشرين” من نتائج، وما كسرته من حواجز الخوف بعد أن قدمت أكثر من: 600 ضحية و20 ألف جريح، دماؤهم عبدت طريق التغيير الذي يطمح له الشارع؛ بعد كل ما أصابه من يأس وانسداد أفق الإصلاح.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة