خاص : كتبت – هانم التمساح :
أثار قرار “البرلمان العراقي”، المثير للجدل، بإخراج القوات الأميركية، النزاع مرة أخرى بين القوى السياسية السُنية والشيعة في “العراق”، وتبادل كلا الطرفين اتهامات العمالة للخارج وعاد الحديث مجددًا عن انشاء إقليم سُني، كأحد الردود على “تفرد الشيعة” في إجراء (سحب القوات)؛ وهو قرار قد يُكلف البلاد تبعات أمنية واقتصادية، بحسب منتقديه؛ كما يضمن مزيد من الهيمنة الشيعية.
وكانت فكرة الأقاليم في المناطق السُنية، وخصوصًا في “الموصل”، قد طُرحت بعد انسحاب القوات الأميركية، نهاية 2011، من “العراق”، وتوجيه اتهامات لحكومة “نوري المالكي”، حينها، بتجاهل أحوال تلك المدن.
اتهامات للسُنة بالسعي للتقسيم..
وسربت مصادر شيعية، قبل أيام، أنباء عن اجتماع للقوى السُنية في منزل رئيس جبهة (الإنقاذ والتنمية)، “أسامة النجيفي”، (نفته الجبهة بعد ذلك)، طرح فيه تبني فكرة الإقليم السُني.
وتعتقد أطراف شيعية، أن “الإقليم السُني” فكرة وراءها أجندة أجنبية تهدف إلى تقسيم “العراق”، في خطة مشابهة لما عُرف، قبل سنوات، بـ”مشروع بايدن”، نسبة لنائب الرئيس الأميركي السابق؛ الذي دعا إلى تقسيم “العراق” إلى 3 أقاليم: “سُنية، وشيعية، وكُردية”.
ويرى رجال الطبقة السياسية الشيعة؛ أن محافظات الشمال تُعرقل أي مساعي لإخراج القوات الأميركية من “العراق”، متهمين الجانب السُني بالعمالة للغرب والخضوع له؛ مع التصدي لما أسموه بمشروع “محور المقاومة”.
بدوره؛ يقول النائب الشيعي، “عامر الفائز”، أن: “العراق لن يتعرض إلى تهديدات في حال انسحبت القوات الأميركية”، معتبرًا أن ربط تلك التهديدات بفكرة الإقليم “غير دقيقة”.
وأضاف “الفائز” – وهو نائب أعلن انسحابه من كتلة (الفتح) وتحالف (البناء) قبل أيام – في تصريحات صحافية: “لم يتعرض أحد للسُنة، في الأعوام بين 2011 و2014″، في إشارة إلى السنوات التي كانت فيها القوات الأميركية قد انسحبت من البلاد؛ قبل أن تعود مرة أخرى على إثر ظهور (داعش).
واعتبر “الفائز”، وهو نائب عن “البصرة” التي كانت قد دعت، في وقت سابق، إلى إنشاء إقليم، أن جزءًا من دعوات الفيدرالية السُنية هي: “تنفيذ لأجندات خارجية لتقسيم العراق”.
سياسيون سُنة يردون : التقسيم غير ممكن فنيًا وسياسيًا !
ويقول قادة سُنة أن الدعوة للأقاليم، رغم إنها غير ممكنة فنيًا وسياسيًا – بحسب وصفهم – إلا إنها تبدو كـ”تحذير” للقوى الشيعية بالتفكير مرة أخرى بعواقب “طرد الأميركان”، وقد تلحقها – في حال تجاهل الأخير تلك التحذيرات – خطوات تصعيدية جديدة.
ويقول النائب عن تحالف (القوى)، “يحيى المحمدي”، في تصريحات صحافية؛ إن فكرة إنشاء الإقليم السُني: “هي آراء شخصية ولم تُطرح بشكل رسمي”.
وأوضح “المحمدي”، أن الدعوات جاءت كرد فعل على “تفرد الشيعة” في القرارات المصيرية، ومنها إخراج القوات الأميركية.
ويؤكد النائب عن “الأنبار”؛ أن إنشاء الأقاليم هو “حق دستوري”، لكنه يقول إن: “أغلب القوى السُنية متمسكة بوحدة العراق؛ ولا تدعم طرح الفكرة في الوقت الحالي”.
ويقول “أثيل النجيفي”، وهو محافظ “نينوى” السابق؛ وأكثر الداعين إلى فكرة الإقليم، بـنه لم يدع إلى “إقليم مذهبي؛ وإنما لإقليم إداري لرفع مستوى المحافظات”، معتبرًا أن (الإقليم المذهبي) سيفتح باب “الصراع الطائفي”.
ويشير “النجيفي” إلى أن: “الأقاليم المذهبية لن تنجح ولا تقيم دولة المواطنة التي نسعى إليها”، مشيرًا إلى رفضه طرح فكرة الأقاليم الآن: “لعدم التشويش على الحراك الشعبي الذي يجري في البلاد”.
ويوضح القيادي في جبهة (الإنقاذ)، بأن محافظة مثل “نينوى”؛ تضم طوائف وقوميات مختلفة لا يمكن أن تنضم إلى “إقليم مذهبي”.
ويتابع “النجيفي” قائلًا: إن تشكيل الإقليم يحتاج إلى “قدرات اقتصادية وأمنية وسياسية غير متوفرة الآن”، مشيرًا إلى أن المحافظات السُنية ما زالت معتمدة على الحكومة الاتحادية في “الجانب الاقتصادي وتأمين الحماية، كما لا توجد حوارات سياسية أو بنية اجتماعية مؤيدة للأقاليم الآن.
ويعتبر القيادي السُني، أن الدعوة إلى إقليم سُني، “رغم عدم جديتها”، هي واحدة من أساليب الاعتراض على قرار سحب القوات الأميركية من “العراق”، مشيرًا إلى أن ذلك القرار “سيُعرض العراق إلى عقوبات اقتصادية ومآسي قادمة”.
ويضيف “النجيفي”؛ أن: “القوى السُنية بدأت الآن بتحذير الجهات الداعية إلى إخراج القوات الأجنبية لمراجعة قرارها والعودة إلى رشدهم”، مبينًا أن الخطوة الثانية، إذا لم يستمع الشيعة إلى التحذير، ستكون “دعم إجراء انتخابات مبكرة بإشراف الأمم المتحدة”.
وقالت جبهة “النجيفي، إن المطالبات المتكررة بإقامة الأقاليم، حق دستوري وقانوني، أما ما يُشاع حول الدعوة إلى تشكيل إقليم سُني، فإن الجبهة تؤكد أنها لم تطرح هذا الأمر على الإطلاق.
وأضافت الجبهة، في بيان، أن ما جرى في جلسة “مجلس النواب”، حول إخراج القوات الأجنبية؛ “يُمثل نهجًا جديدًا قوامه ضرب اللحمة الوطنية ومحاولة الإنفراد بإتخاذ قرارات تؤثر على الشعب كله”.
وأوضح البيان؛ أن: “هذا النهج الخطير سيترك عواقب وخيمة؛ منها تفتيت البلد لصالح أجندات لا تمثل إرادة الشعب، وعلى العقلاء تدارك ذلك حفاظًا على الوحدة الوطنية التي تعرضت إلى تهديد جدي”.
“الحلبوسي” يرفض الاتهامات..
من جانبه؛ وجه رئيس مجلس النواب، “محمد الحلبوسي”، أحد المتهمين بإثارة الإقليم السُني، رسالة شديدة اللهجة إلى من أسماهم بـ”الخَرِفين”.
وقال “الحلبوسي”، في تدوينة على (توتير)، مساء الأحد: “رسالتي إلى مخلفات العملية السياسية من (الخَرِفين) … لا تزاودوا على المؤمنين بوحدة العراق وشعبه، الذين يملكون من الوطنية ما لا تملكونه”.
وأضاف “الحلبوسي”: “لا تحاولوا أن تجدوا لأنفسكم (شأنًا) بتصريحاتكم ورسائلكم، فلم يبقَ لكم قدر سوى روائح فشلكم التي أزكمت أنوف الشعب”.
ولم يفهم من هي الجهة المقصودة في “تغريدة الحلبوسي”، إلا أن “يحيى المحمدي”، النائب عن تحالف (القوى العراقية)؛ الذي يقوده “الحلبوسي”، اعتبر أن كلام الأخير، رسالة تبريء السُنة من تهمة التقسيم.
وكانت جهات شيعية قد شنت مؤخرًا، هجمة على “الحلبوسي”؛ على إثر كلامه في جلسة البرلمان، التي كانت مخصصة للتصويت على قرار انسحاب القوات الأجنبية من “العراق”.
ودعا “الحلبوسي”، القوى الشيعية، حينها، إلى “التأني” في إتخاذ القرار. وقال: “قد نأخذ قرار سريع لا نستطيع التراجع عنه بعد ساعة واحدة”.
وخرجت الجلسة بإلزام حكومة تصريف الأعمال بإخراج القوات الأميركية، وسط مقاطعة القوى السُنية والكُردية.
الهدف من الغزو الأميركي.. تقسيم العراق..
وتعود فكرة التقسيم إلى سنوات بعيدة، قبل الغزو الأميركي لـ”العراق”، 2003، لكنها كانت تجد من يتصدى لها، وكانت تجد عراقًا قويًا موحدًا، وذكرت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية؛ أن أحد أهداف غزو “العراق” إقتطاع المحافظات السُنية وضمها إلى “الأردن”، ثم عاد لتكرار الأمر نفسه الخبير الإسرائيلي لشؤون الإرهاب، “إيهود سبرينزاك”، في حديث للتليفزيون الروسي، في 24 تشرين ثان/نوفمبر 2002، الذي قال إن مشروع تشكيل “المملكة الهاشمية المتحدة” يقف وراءه “ديك تشينيبول” و”ولفوفبتز”.
وعند احتلال “العراق”، عام 2003، من قِبل “الولايات المتحدة”، قامت بإلغاء دستوره المؤقت المعدل لعام 1970، والذي أقرَّ لأول مرة في تاريخ “العراق” مبدأ الحكم الذاتي كأساس لشكل الدولة العراقية، أعلن “بول بريمر”، عام 2004؛ قانون إدارة الدولة المؤقت كبديل للدستور، و”بريمر”؛ هو الحاكم المدني الأميركي الأول لـ”العراق”، كان يرأس ما عُرِف بسلطة التحالف المؤقتة، التي تولّت حكم “العراق” منذ الاحتلال وعُينت ما عُرِف بـ”مجلس الحكم الانتقالي”، المكون من 25 شخصية عراقية، تم اختيارهم حسب محاصصات عرقية ومذهبية طائفية، وإن كانت كفاءتهم أقل أو منعدمة، ثم أحيل “قانون إدارة الدولة” المؤقت لهذا المجلس لكي يعلنه كدستور مؤقت للبلاد.
وبموجب هذا القانون، أُعلنت المحافظات الكُردية الثلاثة، في شمال “العراق”، ككتلة سياسية وإدارية واحدة لا يجوز المساس بها، (هي بالأساس كانت كذلك بموجب قانون الحكم الذاتي، الذي أُعلن في عام 1974). ثم أقر القانون نفسه مبدأ “الفيدرالية” كأساس لشكل الدولة العراقية الجديدة؛ من دون الرجوع إلى الشعب العراقي واستفتائه في ذلك، كما ألزم مشرعي الدستور الدائم القادم بتثبيت هذا المبدأ. بالإضافة إلى مواد أخرى تمنح سلطات الإقليم صلاحيات واسعة تتجاوز سلطات السلطة المركزية، مع حق الإقليم بالمطالبة بما أسماه القانون بالمناطق المتنازع عليها، من غير أن يسميها، ليجعل منها أساسًا لخلافات دائمة لا تنتهي.
وبالفعل فإن الدستور الدائم، الذي صيغ في غضون ثلاثة أشهر، أقر كل هذه الأمور. بالإضافة إلى ذلك فإنه نص في متنه على عدم جواز إلغاء أو المساس بالمواد التي وردت في “قانون إدارة الدولة” المُلغى؛ والتي تمنح “أقاليم كُردستان” صلاحيات وإمتدادات واسعة، واعتبارها سارية المفعول في ظل الدستور الدائم، (المادة 143). كل هذه المواد ومواد أخرى إضافية، مكّنت إدارة “إقليم كُردستان” من التمتع بصلاحيات أكبر من الصلاحيات “الفيدرالية” لدولة مركزية ضعيفة لا تتمكن بحكم كوابح الدستور من تقليص صلاحيات الإقليم التابع لها. فمثلاً أُقرّ لـ”إقليم كُردستان” نسبة 17% من موازنة الدولة المركزية، كما تُركت مسألة استثمار الثروات المعدنية، (النفط)، في الإقليم مبهمة وتخضع للقوانين والتشريعات الصادرة عنه، وتكون له، حسب نص الدستور، الأولوية في حال التنازع مع السلطة الاتحادية، (المركزية). كما أن السلطة المركزية مُلزمة بدفع تكاليف قوات الإقليم، (البشمركة)، من الخزينة المركزية، إضافة إلى منح الإقليم الحق في إمتلاك ممثليات له في الخارج وضمن السفارات العراقية.
المهم في هذا الأمر؛ أن هذه الصيغة لم تحصل على موافقة أو إجماع اللجنة التي أعدت الدستور، والتي كانت مهمتها بالأساس مناقشة وإقرار ما تضمنه “قانون الإدارة” المؤقت مع بعض الإضافات البسيطة.
وعندما عُرض الدستور على الاستفتاء الشعبي، (والذي إشتُرِط لإقراره موافقة المحافظات العراقية جميعًا عليه، ويُعد لاغيًا في حالة رفضه من ثلاث محافظات)، رفضته رسميًّا، حسب النتائج التي أعلنتها الهيئة العليا للانتخابات، محافظتان، (الأنبار وصلاح الدين)، علاوة على أن المعارضة أدعت بأن هناك محافظات أخرى مثل: “نينوى وديالى والمثنى وذي قار والقادسية”؛ قد صوتت ضده. وفي الحقيقة، فقد أُعلِن رسميًّا أن نسبة الأصوات الرافضة للمسودة في “نينوى”، (الموصل)، بلغت 55% من الأصوات، إلا أن السلطة المركزية اعتبرت أن هذه النسبة لا تُشكّل ثلثي الأصوات المطلوبة لرفض الدستور. علمًا بأن البيانات الأولية عن الرافضين للدستور في “نينوى”، أكدت أن النسبة الرافضة هي أكثر من ذلك بكثير، إضافة إلى أنه جرى تأخير إعلان النتائج مما حدا بالمعترضين إلى التشكيك بالفرز والنتائج.
وهكذا أُعلن الدستور وأُقرّ مبدأ “الفيدرالية” لـ”كُردستان العراق”، مع إعطاء المحافظات الأخرى، باستثناء “بغداد” و”كركوك”، الحق في أن تُشكِّل فيدرالية خاصة بها، سواء لوحدها أو بالاتفاق فيما بين مجموعة منها. وهكذا زرع الدستور الدائم بذور مشكلة تهدد بالانقسام؛ إن لم نقل بأنه أصبح أداة للانقسام وللاختلاف بدلاً من أن يكون أداة لتوحيد “العراق” والعراقيين.
بعد فترة وجيزة من إقرار الدستور، بدأت التناقضات والاختلافات تظهر بين السلطة المركزية وسلطة “إقليم كُردستان العراق”؛ حيث قامت سلطة الإقليم بكتابة وإقرار دستور للإقليم تجاوز في صلاحياته سلطات المركز. وبما أن أي تناقض بين الدستور الدائم وأي دستور أو قوانين محلية يُحسَم لصالح الإقليم وقوانينه، (المادة 115 والمادة 121 ثانيًا)، فإن السلطة المركزية بقيت عاجزة أمام إنفراد الإقليم في إتخاذ ما يناسبه من قرارات دون الرجوع للسلطة المركزية.
وهكذا فلقد ثارت مشاكل كبيرة، خاصة بشأن إمتدادات سلطات ونفوذ الإقليم وتمتعه باستثمار موارده الطبيعية ليس في الإقليم فقط، وإنما في مناطق أخرى خارجه أسماها الدستور، (مناطق متنازع عليها)، وبالتالي اعتبرتها حكومة الإقليم مناطق يحق لها التصرف فيها بحرية. وهكذا ظل “إقليم كُردستان العراق” يتمتع بإمتيازات وواردات حُرِمت منها المحافظات الأخرى، ناهيك عن معاناة هذه المحافظات من هيمنة السلطة المركزية وأحزابها المتنفذة ومن إنعدام الأمن الذي كان واضحًا أنه يسود “إقليم كُردستان”. يُضاف إلى ذلك أن السياسة المركزية قد صاحبها فساد كبير وهائل وسوء إدارة جعل أغلب البلاد تعيش حالة من عدم الاستقرار وعدم توفر الخدمات.
إزاء تزايد هذه المشاكل وعجز الحكومة عن تطوير المحافظات، وفي ظل التشرذم الطائفي الذي يشهده “العراق” والمصحوب بتشرذم سياسي وإخفاق في تشكيل الحكومة؛ استمر لمدة سنة تقريبًا بعد انتخابات 2010، علاوة على العديد من الانشقاقات والخلافات الحادة بين الأطراف التي اتفقت على تشكيلها، والطريقة المجحفة والاستفزازية التي تعاملت بها السلطة المركزية مع المحافظات والكوادر العلمية التي تنتمي إلى طائفة غير التي تنتمي لها الأحزاب السياسية الحاكمة، إضافة إلى المقارنة بين فقر هذه المحافظات المادي مع البحبوحة التي يتمتع بها “إقليم كُردستان”، بدأت المطالبة بتشكيل أقاليم أخرى على غرار “إقليم كُردستان” تتصاعد في أغلب المحافظات.
كما دعمت هذه الرغبة، الخلافاتُ السياسية الكبيرة بين السياسيين العراقيين المشاركين في العملية السياسية، وخاصة أولئك الذين شعروا بأنهم مهمشون من قِبل رئيس الوزراء العراقي، “نوري المالكي”. واللافت للنظر أن أولى هذه المحافظات المطالبة بالفيدرالية كانت هي نفسها التي صوتت ضد الدستور ورفضت الفيدرالية، وكذلك الأمر مع الشخصيات السياسية التي دعمت مطالب هذه المحافظات، والتي كانت قد رفضت مبدأ “الفيدرالية” على أساس أنه سيؤدي إلى تمزيق “العراق”. وأصبح كل من يطالب بـ”الفيدرالية” يدعي أنه يفعل ذلك – وهو محق – وفق الدستور الدائم، الذي أقر ذلك بل وسهّله في المادة (119). في حين أن السلطة المركزية، الممثلة للأحزاب السياسية الدينية، التي رحبت بـ”الفيدرالية” وروجت للتصويت لصالح الدستور الدائم، الذي يقرها ويحصنها، وتغافلت عن المشاكل المستقبلية التي قد تثيرها مواده التي لم تُدرَس بعناية، إنطلقت تعارض هذه الفكرة وتحاربها بشراسة.
أميركا كرست للإنفصال ثم عادت لتحذر منه.. لماذا ؟
وربما من المفيد التذكير هنا؛ بأن الإدارة الأميركية، التي روجت للفكرة وتحدثت في فترة ما عن ضرورة تقسيم “العراق” إلى أقاليم ثلاثة: “كُردي وسُني وشيعي”، كحل أمثل للمشاكل العراقية، (التي خلقها التدخل الأميركي طبعًا)، بدأت تبدي تحفظها على مثل هذه المشاريع، لا بل وصل الأمر بها إلى تحذير قادة “إقليم كُردستان” من مغبة الإنفصال عن السلطة المركزية؛ ونصحتهم بضرورة حل مشاكلهم مع السلطة الاتحادية عبر الحوار والنقاش !
ويظهر من متابعة المطالبات المتصاعدة للفيدراليات المتعددة أن أسبابها اختلفت من محافظة لأخرى؛ ففي المحافظات الجنوبية، (البصرة وميسان وذي قار وغيرها)، والتي تسكنها أغلبية ينتمي أبناؤها إلى نفس الطائفة التي ينتمي اليها الائتلاف الحاكم، كانت الأسباب هي الشكوى من الإهمال وعدم منح هذه المحافظات التخصيصات المالية المطلوبة لتطويرها. أما في المحافظات الغربية، (الأنبار وصلاح الدين)، والتي تسكنها غالبية تختلف طائفيًّا مع الائتلاف الحاكم، فإن الأسباب تمثلت في إصرار الحكومة على معاملتهم إما كتابعين للنظام السابق أو المبالغة في تطبيق قوانين مكافحة “الإرهاب وإجتثاث البعث”، (قانون المسائلة والعدالة)، على أبنائها. في حين أن أسباب مطالبة المحافظات القريبة من “إقليم كُردستان”، (ديالى وكركوك ونينوى)، كانت بسبب الشكوى من هيمنة الأحزاب والقوات الكُردية عليها بدعوى أنها مناطق متنازع عليها.
هذا المخطط هو ما ترجم بعدها في الدستور العراقي بدعم أميركي، الذي منح حق تقرير المصير للأكراد وحق تشكيل الأقاليم غير الإدارية في إطار “دولة فيدرالية”، لتستكمل حلقات المشروع بعدها بموافقة “الكونغرس” الأميركي وإقرار “مجلس الشيوخ”، في 2007، لخطة غير مُلزمة لتقسيم “العراق” إلى ثلاثة أقاليم، قدمها السيناتور، “جو بايدن”، الذي كان وقتها يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في “مجلس الشيوخ”.
إنجاح انتفاضة الشباب هو الحل والمخرج..
ووسط كل هذه النفعية للطبقة السياسية اللاهثة خلف مصالحها والتابعة لقوى إقليمية ودولية، سواء كان قادة السُنة المدافعون عن استمرار الاحتلال أو قادة الشيعة الذين حولوا “العراق” إلى مرتع لـ”إيران” تابع يشبه المسخ فى هويته ومكانته ويجعل المواطن العراقي فى ذيل الاهتمامات.. أو قادة الكُرد اللاهثين خلف دعاوى تبدو قومية، لكن باطنها تنفيذ مخطط خارجي مدفوعين من أعماقهم بإغراءات السلطة والمنصب وإن كان لدويلة صغيرة.. كل هؤلاء مجتمعين خرج ضدهم شباب يؤمن بوحدة “العراق” واستقلاله وسيادته وتساوي مواطنيه أمام دستور عادل لا يفرق بين الطوائف ويساوي الجميع في الحقوق والواجبات؛ وأن تكون الأولوية لكون المواطن عراقيًا بغص النظر عن دينه أو مذهبه أو عرقه، وهو ما أغضب أصحاب المصالح والمنتفعين من نظام المحاصصة والطائفية والتقسيم ومن يديرهم من الخارج، سواء “أميركا” أو “إيران”.
نعود لنؤكد أن إنقاذ “العراق”؛ من مخطط التقسيم والإقتتال، حله السحري موجود في تنفيذ مطالب الشباب المنتفض الذي أثبت أنه أكثر وعيًا ووطنية وحرصًا على وحدة “العراق” من الزعامات الزائفة.. فهل يسمح المتصارعون بإنجاح الثورة ؟.. هذا هو التحدي الأكبر.