خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يومًا بعد يوم والعجز الحكومي يفرض نفسه في “العراق” لعدم قدرته على إحتواء التظاهرات وتلبية مطالب المحتجين، الأمر الذي جعل الجانبين يلجأون إلى العنف كوسيلة للحصول على الهدف أو كرد فعل لما يحدث، ففي الوقت الذي أعربت فيه “مفوضية حقوق الإنسان”، أمس، عن قلقها البالغ وأسفها الشديد لقيام عدد من المتظاهرين باستخدام القوة ضد القوات الأمنية في “ساحة الوثبة” بـ”بغداد”، وهو ما سبقه تعرض المتظاهرون العراقيون إلى كل وسائل القمع من جانب السلطات العراقية والميليشيات المسلحة، الموالية لـ”إيران”، لإنهاء احتجاجاتهم من القتل والاختطاف والرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 600 متظاهر و30 ألف مصاب؛ فضلًا عن المختطفين وجميع وسائل الإرهاب ضد المتظاهرين والنشطاء ووسائل الإعلام. كشف زعيم (ائتلاف الوطنية) في مجلس النواب، “إياد علاوي”، عن الشروع بتدويل قضية قمع المحتجين في “العراق”.
وقال “علاوي” إن: “لجنة من المحامين بدأت بإعداد قوائم بأسماء الذين شاركوا في تلك الجرائم من أجل تقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية”.
مجلس الأمن طالب بتحقيق..
وعلى ما يبدو أن هذا الإجراء جاء تلبية لطلب “مجلس الأمن الدولي”، السلطات العراقية، بإجراء تحقيقات بشأن أعمال العنف والقمع التي يتعرض لها المتظاهرون في البلاد، أواخر كانون أول/ديسمبر الماضي، حيث قال المجلس في بيان: “أعرب أعضاء مجلس الأمن عن قلقهم البالغ إزاء مقتل متظاهرين، وكذلك بشأن عمليات القتل والتشويه والاعتقالات التعسفية للمتظاهرين العزل”.
وأعرب المجلس عن: “قلقه حيال تورط جماعات مسلحة في عمليات قتل واستهداف المتظاهرين” في “العراق”، مطالبًا السلطات بالتحقيق.
تبادل العنف بين المتظاهرين والقوات الأمنية..
في السياق ذاته؛ قالت المفوضية في بيان، أمس، إن: “فرق رصد المفوضية العليا لحقوق الإنسان تواصل مراقبتها لساحات التظاهر في بغداد وباقي المحافظات”.
وأضافت: “وثقنا حصول عدد من حالات العنف والإعتداء على القوات الأمنية من بعض المتظاهرين غير السلميين باستخدام القنابل الحارقة، المولتوف، وكذلك استخدام الأسلحة النارية والقنابل اليدوية تجاه القوات الأمنية، يومي 9 و10 من الشهر الجاري، في ساحة الوثبة في محافظة بغداد مما تسبب بإصابة منتسبين عدد (2) منهم بإصابات مختلفة مما يُعد إنتهاك صارخًا لحقوق الإنسان وتجاوزًا لحدود التظاهر السلمي”.
وطالبت المفوضية: “القوات الأمنية والمتظاهرين إلى المزيد من التعاون والتنسيق وفرز المسيئين الذين يحاولون حرف التظاهرات عن سلميتها و البقاء في الأماكن المحددة للتظاهر ومنع الإحتكاك مع القوات الأمنية ومنع التجاوز على المحال والمباني التجارية في المنطقة”.
ودعت المنظمة في بيانها: “المتظاهرين السلميين بالتعاون مع القوات الأمنية لحماية الممتلكات العامة والخاصة والتأكيد على القوات الأمنية بالحفاظ على حياة المتظاهرين وحماية ساحة التظاهر والاعتصام السلمي”.
وقتل 543 شخصًا على الأقل، منذ بداية التظاهرات المناهضة للسلطة في “العراق”، في الأول من تشرين أول/أكتوبر الماضي، حسبما أفادت “مفوضية حقوق الإنسان، الجمعة، حيث أوضحت أن بين القتلى 276 في “بغداد” وحدها. كما أوضحت أن بين القتلى 17 من عناصر الأمن.
وتقول مصادر طبية إن عدد المصابين بلغ نحو 30 ألفًا منذ بداية التظاهرات، بينهم آلاف أصيبوا بطلقات نارية، علمًا أنّ الحكومة تتّهم مسلّحين مجهولين بالوقوف وراء عمليات إطلاق النار.
ويوجّه المتظاهرون، من جهتهم، أصابع الاتهام لقوات الأمن ومقاتلي الجماعات المسلحة المختلفة والعناصر التابعة لأحزاب سياسية.
اتهام الجماعات المسلحة..
وكانت “الأمم المتحدة” قد اتّهمت جماعات مسلّحة بالوقوف خلف حملات الاغتيال والخطف والتهديد ضد الناشطين، في محاولة لقمع تحرّكات غير مسبوقة في “العراق”، الذي يحتل المرتبة 16 على لائحة أكثر دول العالم فسادًا.
وذكرت المفوضية أنّ عمليات الاغتيال طالت 22 ناشطًا، بينما فقد أثر 72 آخرين يُعتقد أنّ بعضهم لا يزالون محتجزين لدى الجهات التي قامت باعتقالهم.
ووفقًا للتقرير ذاته؛ كانت هناك 2700 عملية توقيف بحق نشطاء، لا يزال 328 منهم قيد الإحتجاز.
إقبال على تدويل قمع المحتجين..
وفي نهاية كانون ثان/يناير الماضي، رأى عضو مفوضية حقوق الإنسان، “علي أكرم البياتي”، أن “العراق” مقبل على تدويل قضية قمع المحتجين بعد بيان الـ 16 دولة، الذي صدر قبل يوم من تصريحه.
وقال “البياتي” في حديث، لـ (بغداد اليوم)، إن: “العراق مقبل على تدويل قضية قمع المحتجين بعد بيان الـ 16 دولة، والأمور سائرة نحو تحقيق هذا الهدف وبتحرك دولي”.
ونبه إلى: “عدم وجود مسائلة وطنية حقيقية لكشف ملف العنف المستخدم ضد المتظاهرين؛ سواء كانت من الحكومة، (كما ثبت في اللجنة التحقيقية التي تشكلت بعد تظاهرات الأول من تشرين أول من العام الماضي)، أو من جهات أخرى”.
وأضاف أن: “أمام صمت الحكومة وعجزها عن القيام بأي خطوة لحماية المواطنين، متظاهرين كانوا أم عاديين، سيفتح المجال أمام تدخل دولي في هذا الملف وبالإمكان أن يُسيَس أيضًا”.
وأشار إلى أن: “ملف حقوق الإنسان ملف دولي ولا حدود له، والعراق لديه تعاهدات أمام المجتمع الدولي في الحفاظ على الحقوق والحريات للمواطن العراقي، بالإضافة إلى كون هذه الحقوق مكفولة في الدستور العراقي أيضًا”.
بيان مشترك من 16 دولة..
وكانت ستة عشر دولة قد أصدروا بيانًا مشتركًا حول التظاهرات في “العراق”.
ووفقًا للبيان، أدان: “سفراء كندا، كرواتيا، الجمهورية التشيكية، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، هنغاريا، إيطاليا، هولندا، النرويج، بولندا، رومانيا، إسبانيا، السويد، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة؛ الاستخدام المفرط والمميت للقوة من قِبل قوات الأمن العراقية والفصائل المسلحة ضد المتظاهرين المسالمين، منذ 24 كانون ثان/ديسمبر، بضمنهم متظاهري بغداد والناصرية والبصرة”، حسب نص البيان.
وأردف البيان: “وعلى الرغم من الضمانات التي قدمتها الحكومة، غير أن قوات الأمن والفصائل المسلحة تواصل استخدام الذخيرة الحية في هذه المواقع مما أدى إلى مقتل وإصابة العديد من المدنيين، في حين يتعرض بعض المحتجين إلى الترويع والاختطاف”، وفقًا لنص البيان.
وتوجه السفراء، وفقًا للبيان، بـ”دعوة الحكومة إلى احترام حريات التجمع والحق في الاحتجاج السلمي، كما هو منصوص عليه في الدستور العراقي”، داعين “جميع المتظاهرين إلى الحفاظ على الطبيعة السلمية للحركة الاحتجاجية”.
ودعا السفراء؛ “الحكومة إلى ضمان إجراء تحقيقات ومسائلة موثوقة فيما يتعلق بأكثر من 500 حالة وفاة وآلاف الجرحى من المحتجين منذ (1 تشرين أول 2019)”.
يخالف معاهدة 48 والإعلان العالمي لحقوق الإنسان..
تعليقًا على ذلك؛ يقول الخبير في القانون الدولي الدكتور “علي التميمي”: “عندما تعجز القوانين الداخلية عن حل المشاكل، عندها يظهر دور الأمم المتحدة، فقتل المتظاهرين يخالف معاهدة 1948 والإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.
وتابع “التميمي” بالقول: “أكثر من 16 دولة أدانت الإنتهاكات التي يتعرض لها المتظاهرون، ومن ضمنها الدول دائمة العضوية، وسوف تبدأ تدرجية قرارات مجلس الأمن بحق العراق”.
وأضاف “التميمي” قائلًا، “يستطيع مجلس الأمن تشكيل محكمة خاصة وإحالة ملف إنتهاكات حقوق الإنسان في العراق إليها، أو يحيل الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، عندها يتم تدويل القضية”.
المظاهرات لن تتوقف..
وسبق وأن صرح “التميمي”، لـ (سبوتنيك)؛ قائلًا أن: “التظاهرات في العراق لن تتوقف، والسبب في ذلك أن أي تظاهرات يسقط فيها ضحايا، خصوصًا إذا كانوا بأعداد كبيرة فإنها تستمر، أضف إلى ذلك أن الأمم المتحدة قد دخلت على خط التظاهرات، وكذلك مجلس حقوق الإنسان، وأيضًا قدمت شكوى من بعض المحامين إلى المحكمة الجنائية الدولية، على أساس أن ما يُرتكب ضد المتظاهرين من أعمال، يُعد جرائم ضد الإنسانية وفقًا لميثاق العهد الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لهذا السبب فإن المظاهرات لن تتوقف وسوف تستمر”.
وتابع “التميمي”: “أن الجرائم التي تُرتكب ضد المتظاهرين السلميين لا تسقط بالتقادم بمضي المدة وفق القانون الدولي، وعندما تم تقديم الشكوى لدى المحكمة الجنائية الدولية، رغم أن العراق لم يوقع على اتفاقية روما الخاصة بتلك المحكمة، فإنها قُدمت ضد رئيس الوزراء السيد، عادل عبدالمهدي، كونه يحمل الجنسية الفرنسية، لأن فرنسا مُنظمة لاتفاقية روما، لذا أعتقد أن مجلس الأمن سوف يدخل هو الآخر على الخط، وربما يُعيد العراق تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، على اعتبار أنه يهدد السلم والأمن الدوليين، وقد نكون أمام إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية عبر مجلس الأمن”.
الكتل السياسية تمارس النفاق السياسي على حساب دماء الشعب..
إلى ذلك، اتهم السياسي المستقل والنائب السابق، “فتاح الشيخ”، بعض الكتل السياسية بدعم، “محمد توفيق علاوي”، في العلن ومطالبته بمناصب وإمتيازات حزبية سرًا؛ “وممارسة النفاق السياسي على حساب دماء الجماهير”، مشككًا في: “قدرة علاوي على تخطي الامتحان لأن أمامه عقبتان؛ وهما عقبة مطالب الجماهير وعقبة تمسك الكتل السياسية بعنجهيتها وفسادها”.
وقال “الشيخ”، لشبكة (رووداو) الإعلامية؛ أن: “حكومة محمد توفيق علاوي تقف في امتحان عسير جدًا ولا بد من تخطي العقبة، وأنا أشك في هذا الامتحان لأن الكتل السياسية التي تطالب بعلاوي كرئيس وزراء مستقل في العلن، تطلب منه ما تريد سرًا من خلال نظام المحاصصة أسوة بالحكومات السابقة وتطالب بالإمتيازات الحزبية، لكنها في العلن تقف مع الجماهير”.
وأضاف: “أشك في قدرة علاوي على تخطي الامتحان لأن أمامه عقبتان وهما عقبة الجماهير وعقبة تمسك الكتل السياسية بعنجهيتها وفسادها، حيث تطالبه بمناصب فيما نحن نحتاج إلى حكومة تهيء للانتخابات المبكرة خلال سنة”.
وتابع: “بعض الكتل تمارس النفاق السياسي على حساب دماء الجماهير العراقية”، مستدركًا: “لا تزال الجماهير تحسن الظن بالسياسيين، ولكن حذاري من الأيام القادمة”.
ومضى بالقول: “ربما سيكون هنالك موقف صعب، لا سيما أن المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية أشارت بوضوح إلى أن الحكومة تمادت بغيِّها وأساءت للشعب العراقي واستخدمت القوة المفرطة وكلما طال أمد التظاهرات كلما أثقلت الحكومة بأسئلة حقوق الإنسان”.
وأشار إلى أنه: “تلبية مطالب الشعب العراقي ستكون حلاً ترقيعيًا لما تبقى من هذه الدورة وإلا ستنهار العملية السياسية وسيفتح باب التدويل على مصراعيه وتتكرر أحداث 9 نيسان 2003، والكل سيحاسب وأولهم الفصائل العسكرية المسلحة التي قتلت الشعب العراقي في التظاهرات والكتل السياسية الفاسدة”.
ولفت إلى أنه: “نحتاج إلى سياسي صريح وصادق، واليوم مطالبة الساسة الكُرد باستحقاقهم قمة المصداقية والموضوعية لدى السياسي لأن هنالك فرق بين أن تمثل شعبك وأن تمثل حزبك، فالأخيرة تعني أن تأخذ من ميزانية الدولة والعقود إلى حزبك وشخصك؛ وفرق بين أن تأتي بهذه الإمتيازات إلى جماهير شعبك، والآن الموقف واضح بالنسبة للأخوة الكُرد والموقف ما يزال غامضًا بالنسبة للكتل السُنية وأكثر غموضًا لدى الكتل الشيعية للأسف”.
تظاهرات رافضة لتشكيل “علاوي” للحكومة..
وقد تصاعدت الاحتجاجات العراقية الرافضة لتكليف “محمد توفيق علاوي” بتشكيل الحكومة الجديدة، إذ خرج آلاف الطلاب بجامعات “كربلاء” في تظاهرة حاشدة.
كما نظّم الآلاف من العراقيين في “ساحة التحرير”، بـ”بغداد”، احتجاجات ومسيرات للتنديد بتكليف الرئيس، “برهم صالح”، لـ”علاوي”.
توافد مئات الطلاب إلى شوارع تؤدي الى “ساحة التحرير” الرمزية، المعقل الرئيس للاحتجاج في “بغداد”، حاملين صورًا لـ”محمد علاوي” وقد رُسمت إشارة الضرب باللون الأحمر على وجهه.
وخوّل معتصمو “التحرير”، “ساحة الحبوبي”، بمحافظة “ذي قار”؛ أن تكون ناطقة باسم متظاهري “العراق”.
ويجري تشكيل الحكومة في “العراق” عبر مفاوضات ماراثونية معقدة تجريها الأحزاب السياسية لتوزيع المناصب الوزارية بما يضمن مصالحها، بالإستناد إلى المقاعد التي تشغلها في البرلمان.