خاص : كتبت – نشوى الحفني :
حرب تجارية جديدة بدأتها إدارة الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، مع “فرنسا”؛ وهو ما جعل “أوروبا” تتحد ضد قراراتها بعد أن لوحت “واشنطن” بفرض ضرائب قد تصل إلى 100% على بضائع فرنسية، بسبب قيام “باريس” بفرض ضريبة على عمالقة الإنترنت، اعتبرته “واشنطن” تمييزًا.
المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، “دانيال روزاريو”، قال إن المفوضية هي صاحبة الصلاحيات في ملف التجارة الأوروبي، مؤكدًا أنها سترد على أي ضريبة تفرضها “الولايات المتحدة” على البضائع الفرنسية بكل الوسائل الممكنة، مشيرًا إلى التحرك ضمن أطرِ “منظمة التجارة العالمية”، التي اعتبرها المكان المناسب لحل النزاعات.
تخطيط لفرض ضرائب على الضرائب الأميركية..
وردًا على الخطوة الأميركية تخطط دول أوروبية على رأسها “إيطاليا” لفرض ضرائب على البضائع الأميركية، ما يؤدي إلى استفزاز الطرف الأميركي، وسيضع تلك الدول تحت الضغط. لكنّ المتحدث باسم المفوضية أكد على ضرورة التريث في التعامل مع التهديدات الأميركية التي لم تصل إلى مستوى التنفيذ العملي.
زيادة الرسوم للضعف مقابل فرض الضرائب الرقمية..
وإنطلقت شرارة الأزمة مع تهديدات أطلقتها، كعادتها، إدارة “دونالد ترامب”، مفادها الإعلان عن نيتها بزيادة الرسوم الجمركية للضعف على سلع فرنسية تفوق قيمتها المليارين دولار، وهو الموقف الأميركي الذي لم يأت من فراغ؛ بل كان بمثابة رد فعل على قرار إتخذته “باريس” بفرض ضرائب اعتبرتها واشنطن “تميزية” على كل من “غوغل، آمازون، فيس بوك، وآبل”.
واشنطن تراجعت عن اتفاقيتها..
وهو الأمر الذي جعل وزير الاقتصاد الفرنسي، “برونو لو مير”، يتهم “الولايات المتحدة الأميركية”، يوم الإثنين الماضي، بالتراجع عن اتفاقية كانت تهدف إلى التوصل إلى حل دولي لفرض ضريبة على الشركات الكبرى التي تقدم الخدمات الرقمية.
ومن الممكن أن يشكل تقرير “واشنطن” أساسًا لتدابير مضادة، قد تشمل فرض ضريبة على النبيذ الفرنسي، بحسب تهديد للرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، أوائل العام الجاري، ثم عاد وذكره، أمس الأول، في مؤتمر صحافي مشترك مع أمين عام حلف شمال الأطلسي، (ناتو)، “ينس ستولتنبرغ”، قُبيل قمة الحلف المنعقدة في “لندن”: “فرنسا تفرض ضرائب على شركاتنا … هذه الشركات كانت ضدي ولا مانع عندي من فرض ضرائب عليها، ولكن لو أن أحدًا سيفرض عليها ضرائب يجب أن يكون الولايات المتحدة، ولا أقبل أن تفرضها عليها دولة أجنبية”.
وأضاف الرئيس الأميركي: “نحن نفرض ضرائب على المشروبات الكحولية من فرنسا وعلى بعض منتجاتها، وكذلك على “إيرباص”، (شركة صناعة الطائرات)، ونحن سنكمل بهذا الإتجاه”.
وقال “لو مير”، لإذاعة (فرانس إنتر)؛ إن “الولايات المتحدة” كانت طالبت بحل دولي بشأن الضرائب الرقمية، عبر “منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي”، ولكنها تقول الآن إنها ليست على يقين من أنها تريد هذا.
وأوضح الوزير أنه بدلًا من ذلك، تطالب “واشنطن” حاليًا بفرض عقوبات على “فرنسا” بشأن ضريبة محلية أقرها النواب الفرنسيون، في تموز/يوليو الماضي، بفرض 3% على عائدات الخدمات الرقمية لشركات الإنترنت العملاقة.
سياسات تمييزية..
وتمثل معدلات الضريبة المنخفضة التي تدفعها شركات الإنترنت العملاقة قضية ساخنة.
وتقدر “المفوضية الأوروبية”، الذراع التنفيذية لـ”الاتحاد الأوروبي”، أن شركات الإنترنت تدفع ما بين 8 و9% على الأرباح؛ وأحيانًا أقل مقارنة بنحو 23% للشركات التقليدية.
وأقر “لومير” بأن أغلب، إن لم يكن كل، الشركات الكبيرة التي تطالها الضريبة “الفرنسية-أميركية”.
وتسعى “فرنسا” و”الولايات المتحدة” للوصول إلى اتفاق حول الضريبة الرقمية التي أغضبت إدارة “ترامب”. وقال مكتب الممثل التجاري الأميركي، في بيان أمس الأول: “تتبع فرنسا سياسات تمييزية ضد الشركات الأميركية الرقمية، وعلى ضوء هذه الخطوة قد تفرض الولايات المتحدة رسومًا بنسبة تصل إلى 100 بالمئة على السلع الفرنسية تصل قيمتها إلى 2.4 مليار دولار”.
وكان “البرلمان الفرنسي” قد صوت، في تموز/يوليو الماضي، معتمدًا قانونًا جديدًا يسمح بفرض ضرائب على الشركات الرقمية العملاقة مثل، “فيس بوك” و”آبل” و”آمازون”.
وتعارض “الولايات المتحدة” بقوة هذا القانون؛ لأن معظم الشركات الرقمية العملاقة هي أميركية وتدفع ضرائبها في “الولايات المتحدة”، لكن “فرنسا” تُصرّ على مبدأ “السيادة الضريبية” وحقها بفرض ضرائب على الشركات الأجنبية الناشطة في “فرنسا”.
وبحسب صحيفة (لوموند) الفرنسية، ستطبق الضريبة على حوالي 30 شركة؛ تشمل أيضًا تطبيق (إنستغرام) وشركة “إير. بي. إن. بي” للتأجير وموقع (ميتك) للتعارف.
ومن المتوقع أن تجلب الضريبة مبلغ 400 مليون يورو لخزينة الدولة، عام 2019، ومبلغ 650 مليون يورو، للعام 2020.
وحاولت “فرنسا”، منذ بضعة أشهر، إقناع الدول الأوروبية بإعتماد قانون أوروبي مشترك لفرض ضرائب على الشركات الرقمية العملاقة، إلا أنها فشلت في محاولتها بعد رفض كل من “إيرلندا والسويد والدانمارك وفنلندا”.
لتكوين جبهة موحدة..
تعليقًا على تلك الخطوة، قال نائب رئيس الخبراء الدوليين في باريس، “عواد شمّص”، إن: “الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، استغل أن المفوضية الأوروبية جديدة وستأخذ مهامها قريبًا”، مشيرًا إلى أن: “ردة الفعل الأوروبية، بتنسيق وثيق مع فرنسا، تحاول به أوروبا أن تكون جبهة موحدة لأن الهجوم الأميركي استفزازي وتريد شق الصف بين فرنسا وألمانيا، وهو ما أتبعته باريس التي أنقلب عليها ترامب وأراد فرض ضرائب عليها بسبب موقفها من زيادة أموال حلف شمال الأطلسي”.
ولفت إلى أن: “الاتحاد الأوروبي أخطأ عندما كان عدده 12 دولة وصار 25، ضم لصفوفه دولة ليست بالقوة الكافية لتقف في وجه أميركا”، مشيرًا إلى أن: “الولايات المتحدة في أزمة، خاصة أن أميركا مقبلة على انتخابات، وهذا ما دفع ترامب للتحرك ضد أوروبا”.
وأوضح أن: “الأوروبيين ليسوا متهورين مثل ترامب، حيث إنهم لا يريدون شن هجوم على أميركا بل سيلجأوا إلى منظمة التجارة العالمية؛ ودعوا ترامب للحوار وإيجاد حل وسط”، مؤكدًا على أن: “الأمور لن تسير زيادة عن ذلك كما عودنا ترامب في كل الأزمات السابقة”.
فقدان القطب الجديد يضع أوروبا تحت رحمة أميركا !
من جانبه؛ قال الباحث في العلاقات الدولية، “باسم أبوطبيخ”، إن: “فقدان القطب الجديد، الذي يوازي الولايات المتحدة في القوة وعدم وضعها في محل التفرد بكل القرارات، تبقي القارة الأوروبية تحت رحمة سياسات الإدارة الأميركية، خاصة في التسليح والقوة وهذه تداعيات من جاء بترامب”.
وأشار إلى أن: “مضاعفة تسليح (الناتو) له صلة بهذا الموضوع بمحاولة مضاعفة ميزانيته التي أصبح من البرتوكولات العالمية التي لا قيمة لقرارها”.
وقال إن: “الخلاف بات واضحًا بين الأوروبيين حول مسألة (الناتو)؛ وإنشاء جيش أوروبي ومقعد مجلس الأمن التي تملكه فرنسا من تداعيات هذا الموقف، إضافة إلى تصرفات أعضاء (الناتو)، مثل تركيا، التي ذهبت للعدوان على سوريا دون استشارة (الناتو)؛ والتنقيب في ليبيا الذي يزعج اليونانيين”.