خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
لا تُمانع التيارات السياسية استغلال أي حدث يقع بالساحة السياسية في اصطناع الذرائع والصراعات الجانبية، وآخرها الجدل القائم حول الميل نحو الشرق أو الغرب في ميدان السياسة الخارجية. بحسّب “سيد حسين حسيني”؛ في تقريره المنشور بصحيفة (قدس) الإيرانية.
لكن الحقيقة أنه لا الميل للغرب كان يومًا وصفة لإنقاذ “إيران”، ولا يمكن للشرق أن يوفر البديل. المهم هو اتباع سياسة الموازنة على نحو يُلبّي مصالح “إيران” الوطنية بأفضل طريقة.
وللأسف فالاستقطاب “الشرقي-الغربي”، يدفع أي مبادرة دبلوماسية إلى ميدان تصفية الحسابات الفئوية.
والسؤال: أليس من الأفضل أن يستمر مجال حساس مثل السياسة الخارجية في مسّاره ضمن إطار العقلانية الثورية، لا في دوامة الشعارات ؟
الشرق والغرب أدوات للمصالح الوطنية.. لا معيار اتخاذ القرار..
يقول “محمد عطریانفر”؛ عضو اللجنة المركزية بحزب (كوادر البناء): “وقعت بعض الشخصيات السياسية في جدال اليمين واليسار، والمناقشة حول الميل للشرق أو الغرب، لكن الوصول للإجابة الصحيحة يستدعي الرجوع إلى تاريخ الثورة الإسلامية”.
كان قائد الثورة قد وضع عشية إقامة “الجمهورية الإسلامية”، المبدأ الاستراتيجي: “لا شرقية ولا غربية”، كأساس منطقي وذو معنى عميق للشعب والمسؤولين. وقد سعى المعسكران إلى اخضاع “إيران” لسلطتهما السياسية والاقتصادية، لكن “الجمهورية الإيرانية” التي قامت على مبدأ الاستقلال، أثبتت أن التحفيز أو التهديد من جانب القوى الكبرى لا يمكن أن يُحطم إدارة الشعب الإيراني.
لكن الأوضاع الآن اختلفت عما كانت عليه قبل أربعين عامًا وقد انهارت الكتلة الشرقية و”الاتحاد السوفياتي”؛ الذي كان يومًا صاحب السيادة العالمية، بينما لا تزال الكتلة الغربية بمحورية “الولايات المتحدة” موجودة.
بالوقت نفسه نزلت الميدان بعض القوى الناشئة مثل: “الصين والهند”، ويجب على المشرع الإيرانية الأخذ في الاعتبار لتلك الحقيقة.
والترجمة الحالية لرسالة الثورة واضحة وهي: يجب على “إيران” أن تُعيّد تعريف مفهوم الاستقلال ومبدأ: “لا شرقية ولا غربية”، مع الأوضاع العالمية الجديدة. وهو ما يعني أن بمقدور “الجمهورية الإيرانية” بناء علاقات مع الشرق والغرب، شريطة ألا تؤدي للخضوع للهيمنة.
فالمعيار الأساس هو مصالح الشعب الإيراني؛ فإذا حقق أي ارتباط المصالح الوطنية، فهو مشروع وقابل للمتابعة، وإلا فلا ضرورة لاستمرار هذه العلاقات.
التعاون مع الشرق والغرب مشروط بالمصالح الوطنية..
بدوره؛ يقول “أبو الفضل ظهره وند”، عضو “لحنة الأمن القومي” بالبرلمان: “تمتلك إيران إرادة استراتيجية، بمعنى أنها لن تخضع مطلقًا لأي سلطة لا شرقية ولا غربية”.
بالوقت نفسه هذا لا يعني قطع العلاقات؛ بل تستطيع “إيران” التعاون مع الشرق والغرب بالوقت نفسه، شريطة مراعاة المصالح الوطنية، وألا تؤدي العلاقات للخضوع للهيمنة. فإذا كان التعاون مع العالم الغربي يؤمن المصالح الوطنية، فلا مانع من التعامل مع العالم الغربي، وإلا فلن يُمثل الميل للبحت للشرق أو الغرب حلًا.
كذلك لا يتعارض التعامل البناء مع شعار: “لا شرقية ولا غريبة”، والنموذج البارز على ذلك، هو “الصين”؛ التي تُحافظ على الاستقلال والمصالح الوطنية، رغم الخلافات وحجم التبادل التجاري مع “الولايات المتحدة الأميركية”؛ والذي يتجاوز مبلغ: (600) مليار دولار.
لكن للأسف أعلنت “الولايات المتحدة” وحلفاءها؛ على مدار سنوات، وبخاصة خلال الأيام الأخيرة، العمل على الإطاحة بالنظام الإيراني.
من ثم فإن أهم إنجاز “إيران” هو الاستقلال والإرادة الوطنية التي لم تبعها مطلقًا لأي دولة. والعلاقات مع “روسيا والصين” تثبَّت أن بمقدور الدول المنصفة مراعاة المصالح الإيرانية، والتعاون معنا بشكلٍ متوازن مع المحافظة على استقلال البلاد.
ولكن إذا جاء يوم تنتهك فيه هذه الدول اعتبارات الأمن القومي الإيراني وتسعى للتدخل في شؤوننا الداخلية، فسوف تتعامل معها “إيران” كما تعاملت مع “الولايات المتحدة”.
إشكالية إدراك مفهوم “لا شرقية ولا غربية”..
هذه الحقيقة تبيَّن أن بعض الأطراف الداخلية لم تُدرك بعد مفهوم الشعار الثوري: “لا شرقية، لا غربية”، على نحوٍ صحيح.
فقد ساهمت الضغوط والعراقيل الداخلية، بسبب الميل النظري نحو الغرب، في جعل مسار التعاون الإيراني مع الدول الآسيوية غير متوازن، بل وعرّضت الشعب والبلاد للتهديد.
هذه المسألة استمرت خصوصًا منذ نهاية الحرب وحتى اليوم، وكانت أهداف بعض التيارات هي إبقاء هيمنة الغرب على “إيران”. لذلك يجب على الشعب أن يعرف من هم الأصدقاء الحقيقيون ومن هم الأعداء، وأن الإرادة المستقلة لـ”إيران” ليست قابلة للمساوة.