وكالات – كتابات :
منذ صباح يوم الأربعاء 11 آيار/مايو 2022، ينعي الشارع الفلسطيني والعربي الصحافيّة؛ “شيرين أبوعاقلة”، التي استشهدت وهي تغطي اقتحام جيش الاحتلال لـ”مخيم جنين”. وقد نشر موقع (عربي21) تقريرًا يرصد تحريضات واضحة وصريحة على مؤسسة (الجزيرة) الإعلاميّة وطاقمها، من قِبل موقع (ميمري)، الذي شارك بتأسيسه الجنرال السابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ “يغال كارمون”، وذلك قبل استشهاد؛ “شيرين أبوعاقلة”، الذي لم يوقف حملات التحريض على الفلسطينيين والصحافيين على حدٍ سواء.
إعلام إسرائيل: “اقتلوا” ذاكرة الفلسطينيين الحيّة..
ما بين غضب الشعب الفلسطيني لاستشهاد من نقلت صوتهم للعالم وشكّلت جزءًا من ذاكرتهم الحية، وبين محاولات السلطات الإسرائيليّة التنصّل من مسؤوليتها في الجريمة، اعترفت شبكات إعلاميّة كبرى، مثل (يديعوت أحرونوت)، أنّ نتيجة الفحوصات المخبريّة، حتى لو كانت في صالحهم، فإنّها لن تعوّض الضرر الذي أحدثه استشهاد الصحافيّة؛ “شيرين أبوعاقلة”، لسمعتهم حول العالم.
ذلك ما دفع حركة (الهسبارا)؛ (تعني بالعبرية: “الشرح”، وهي منظمة الدبلوماسيّة الإسرائيليّة للدعاية وللتوضيح عن “إسرائيل” في العالم)، الإسرائيليّة من اللجوء لذراعها اليمنى – أي إعلامها والناشطين في صفوفها – لحقن الجمهور الإسرائيليّ ومحاولة الحفاظ على ماء وجهها أمامهم، ومواراة الجريمة بالتحريض على الشهيدة؛ “شيرين أبوعاقلة”، بدعوى انحياز الشهيدة وانحياز منّصتها – أي شبكة (الجزيرة) الإعلاميّة – لصالح الفلسطينيين ضدّ السرديّة الإسرائيليّة، وباتهام الفلسطينيين بقتلها.
فمثلًا كتب الناشط في حركة (الهسبارا)؛ “يوسف حدّاد”، تغريدة باللغة العربية على حسابه في موقع التواصل الاجتماعيّ؛ (تويتر)، يقول فيها: “شيرين أبوعاقلة؛ صحافية في قناة (الجزيرة)، لم تغطِ الأحداث بموضوعية قط، كانت فلسطينيّة فخورة، ودائمًا كانت حريصة على تقديم جانب واحد من القصّة”. وأضاف في تغريدة أخرى: “منذ موتها يحتقرها المتطرفون في العالم العربي والفلسطيني، ويطلبون من جميع الفلسطينيين عدم تكريمها حتى بعد وفاتها، لماذا ؟ لأنّها مسيحيّة ! نعم نعم بغض النظر عن مدى دعمها للنضال الفلسطيني، ومهما كذبت من أجلهم…”.
لم تدفع (الهسبارا) ناشطيها فحسب، فمنذ أن انتشر خبر استشهاد “شيرين”، وقبل أن تظهر نتائج الفحوصات المخبريّة، غرّد سياسيون إسرائيليون وإعلاميون على صفحاتهم عبر منصّة (تويتر) مناصرين جيش الاحتلال الإسرائيليّ، متّهمين الصحافيّة؛ “شيرين أبوعاقلة”، بالتحريض على “إسرائيل” وتحريف الحقائق.
فمثلًا كتب عضو (الكنيست) اليمينيّ؛ “إيتمار بِن جفير”، في تغريدة له: “حين يُطلق (مخربون) الرصاص على جنودنا في جنين، فعلى الجنود الردّ بأقصى قوّة حتى ولو كان في المنطقة (صحافيو الجزيرة)؛ الذين يتعمدون الوقوف في مرمى النيران لتعطيل عمل الجنود.. وفق التقارير فقد أصيبت برصاص (المخربين)، لكنني على كلّ حال أدعم جنود (جيش الدفاع) الأبطال دعمًا كاملًا”.
كذلك كتب الصحافيّ والمحلل السياسيّ؛ “يوني بِن ميناحِم”، في تغريدة له: “يجب أن نعترف بالحقيقة: شيرين أبوعاقلة؛ كانت صحافيّة مخضرمة ويجب أن نُبدي الأسف على كل صحافيّ يُلقى حتفه في جبهة القتال. لكنّها كانت بوقًا كبيرًا لبروباغندا السلطة الفلسطينيّة في قناة (الجزيرة). لقد روّجت طوال الوقت للسرديّة الكاذبة دون توجيه نقد واحد ويجعلون منها بعد موتها ظاهرة صحافيّة وبطلة لدى الفلسطينيين”.
وفي تغريدة أخرى أضاف: “موت الصحافيّة؛ شيرين أبوعاقلة، في جنين والهجوم التحريضيّ الهائل على إسرائيل نتيجة الحدث سيُحفّز عمليات إرهابيّة قادمة. يوم النكبة أيضًا في الأفق.. كونوا حذرين ومتيقظين، من لديه سلاح فليبقه معه. نحن نواجه حربًا سياديةً على البيت”.
خطر قومي: “الجزيرة” تُحارب “الشاباك” وجيش الاحتلال !
في مقال نُشر في صحيفة (هاآرتس)؛ يوم الخميس 12 آيار/مايو 2022، ذُكر أنّ شبكة (الجزيرة) تُحارب “جهاز الأمن العام” الإسرائيليّ؛ (الشاباك)، وجيش الاحتلال الإسرائيليّ على وعيّ الجمهور، وعلى سيادتهم المطلقة على الحقيقة، إذ عمل الإثنان؛ (الشاباك وجيش الاحتلال)، طوال سنوات على ضمان الهيمنة على تشكيل الوعيّ وانتزاع ثقة الجمهور من المراسلين الصحافيين. لكنّ (الجزيرة) ساهمت في زلزلة هذه السيادة، وأنّه على الرغم من أنّ شبكة (الجزيرة) هي الشبكة العربيّة الأولى التي منحت مساحة على شاشاتها لضبّاط وسياسيين إسرائيليين، إلّا أنّها تُعتبر معادية لـ”إسرائيل”، ومناصرة لـ”فلسطين”، وأنّ كلّ من يعمل بها هو عدوّ لـ”إسرائيل”، على حد تعبيرهم.
بينما لم يكتفِ الصحافيّ الإسرائيليّ؛ “إيدي كوهين”، بالتحريض على صحافيي (الجزيرة)، إنما دعى إلى طردهم خارج البلاد، إذ غرّد على صفحته الشخصيّة في (تويتر)؛ يوم استشهاد “شيرين أبوعاقلة”: “صحافيّة شبكة (الجزيرة) المخضرمة؛ شيرين أبوعاقلة، قُتلت صباح اليوم في جنين. ليس هناك شك بأنّها قُتلت بنيران (الميليشيات) العديدة هناك. تُجهّز لنا شبكة (الجزيرة) أيامًا سوداء. إنّهم يتّهمون جيش الدفاع الإسرائيليّ. رجوت وزير الإعلام؛ يوعاز هندال، أن يمنع الصحافيين من ممارسة المهنة وأن يطردهم. لو أنّه فعل هذا لكان الحدث اليوم مختلفًا”.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يُطالب بها صحافيون وسياسيون إسرائيليون أن يُمنع مراسلو (الجزيرة) من العمل في الداخل الفلسطيني المحتل، بل تُسحب منهم رخص الصحافة؛ ففي عام 2017؛ شُنّت حملة على مراسلي (الجزيرة) في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1948، “إلياس كرّام”، لمنعه من ممارسة مهنته في البلاد جرّاء حديثه في إحدى المقابلات أنّ العمل الصحافيّ في الأراضي المحتلّة هو شكل من أشكال المقاومة.
وقتذاك استغل وزير الإعلام آنذاك؛ “أيوب القرّا”، هذه المطالبة، ووجه طلبًا لمدير مكتب الصحافة العامة في “إسرائيل”؛ من أجل سحب رخص مزاولة الصحافة من كلّ مراسلي مكتب (الجزيرة) في الأراضي المحتلّة، زاعمًا أنّ هذه القناة تُحرّض على العنف؛ مما يُشكل خطرًا على أمن الدولة.
وقد نشر رئيس الحكومة آنذاك؛ “بينيامين نتانياهو”، قبل ذلك بشهرين أنّه ينوي البتّ في إغلاق مكاتب (الجزيرة) بالأراضي المحتلّة عقب اتخاذ: “الأردن” و”السعوديّة” إجراءات مماثلة ضد شبكة التلفزيون القطريّة؛ في إطار المقاطعة العربية للدولة الخليجيّة – أي “قطر” – وأن “إسرائيل” أرادت الاستفادة من “الفترة الذهبية” لإغلاق أنشطة الشبكة القَطريّة في “إسرائيل”، والتي تسببت في تشويه صورتها حول العالم.
العلم الفلسطيني يُثير خوف الاحتلال !
لم يتسمّر الفلسطينيون وحدهم أمام شاشات التلفاز يُشاهدون مراسم أطول جنازة عرفها التاريخ الفلسطيني المعاصر؛ فكل الأنظار من كل الأقطار رافقت آلاف الفلسطينيين الذي قصدوا “المستشفى الفرنسيّ”؛ في حيّ “الشيخ جراح”، منتظرين وداع “شيرين أبوعاقلة” الأخير. توجهت الأنظار، والقلوب، نحو الشباب الفلسطينيين الذين أصرّوا على حمل التابوت الذي ترقد فيه “شيرين”، وأن يسيروا بها مشيًا على الأقدام نحو مثواها الأخير. وسقطت تلك القلوب جميعًا مع هراوات الشرطة الإسرائيليّة على أجساد الشباب العزّل، الذين حموا التابوت من السقوط أكثر من مرّة.
وفي ردّها على الصور وفيديوهات الجنازة التي انتشرت في شبكات الإنترنت؛ نشرت المتحدّثة باسم شرطة الاحتلال للمجتمع العربي بيانًا في مجموعات (واتس آب)، و(تيلغرام)، تزعم به أنّ ما فعلته عناصر الشرطة الإسرائيليّة هو رد على أعمال الشغب والتحريض في ساحة المستشفى، والتي تضمنت إلقاء حجارة على أفراد الشرطة، حسب أقوالهم.
كذلك نشرت منصات إعلاميّة إسرائيليّة، مثل (واينت)، تقارير عن الجنازة تزعم فيها اندلاع مواجهات بين الشباب الفلسطينيين وعناصر الشرطة قبل الجنازة، ورفضهم لنقل الجثمان في سيارة نقل الموتى؛ مما اضطر الشرطة إلى استخدام الوسائل العنيفة. يُزعم كذلك أنّ المشاركين في الجنازة هتفوا هتافات تحريضيّة، ورفعوا أعلام فلسطين، وأزالوا أعلام “إسرائيل”؛ مما استدعى تدخّل قوات الشرطة بحجة النظام.
في مقابلة صحافية للمحلل السياسيّ؛ “محمد مجادلة”، وهو صحافيّ ومدير تحرير (راديو الناس)؛ من فلسطينيي الداخل المحتل، في (قناة 12) الإسرائيليّة، وخلال شرحه عن أهميّة “شيرين” في الوعي الجمعي الفلسطينيّ، وتعقيبًا عمّا حدث في الجنازة؛ قال إنّ عناصر الشرطة حاولوا تفريق المشاركين في جنازة صحافيّة مهمّة، وفلسطينيّة، وغير منحازة، بسبب رفع أعلام فلسطين، وأنّ علم “فلسطين” يُشكل تهديدًا فقط على من لا ثقة له بهويته.
ليقاطعه الصحافي اليميني؛ “عميت سيغل”، بقوله إنّ المشاركين في الجنازة أنزلوا أعلام “إسرائيل”، وأنّه لا يمكن وصف؛ “شيرين أبوعاقلة”، ولا منصتها الإعلاميّة بغير المنحازة، بل إنّ قناة (الجزيرة) هي أكثر القنوات عداءً “لإسرائيل”.