خاص : ترجمة – آية حسين علي :
مئات غرقوا وآلاف تم تشريدهم ولا تزال الأرقام في زيادة.. هذا هو الوجه الآخر للأزمة السورية، بعيدًا عن الأرض والوطن، و”بشار” و”سوريا”؛ أو حتى (داعش)، ثمة ملايين السوريين لا يزالون يحاولون الوصول إلى جنة “أوروبا”؛ وطلب اللجوء، فقط من أجل الاستمرار على قيد الحياة بكرامة والعيش في استقرار وفي ظل ظروف تراعي الإنسانية والآدمية.
وأصبح اللاجئون السوريين، الذين فروا من الحرب عام 2011، أمام 3 اختيارات هي؛ إما الاستقرار في “لبنان” في ظل ظروف صعبة للغاية، أوالعودة إلى “سورية” مدمرة، أو الهرب إلى “أوروبا”، وفي جميع الأحوال الموت جزءًا من المعادلة.
وبعد الاتفاق الذي وقعه “الاتحاد الأوروبي” و”تركيا”، في آذار/مارس 2016، من أجل وقف تدفق اللاجئين إلى السواحل اليونانية، أغلقت الأبواب في وجه آلاف السوريين لذا لجأوا إلى طريق جديد يسمح لهم بدخول الأراضي الأوروبية من بوابة “قبرص”، يبحرون مسافة 260 كلم على متن قوارب ضعيفة ومتهالكة، يواجهون الموت فيغلبوه أو يقهرهم، في رحلة طويلة تستمر لمدة 16 ساعة.
ثمن الرحلة 870 يورو للبالغ..
قال شاب لبناني، تحت اسم مستعار، “مروان”، لصحيفة (الموندو) الإسبانية، إن طريق الوصول إلى “أوروبا”، من خلال قبرص؛ “اكتشف في صيف 2017، لكن الطلب تكثف عليه خلال 2018″، وقضى “مروان” عدة أيام في السجن بعدما ساعد عدد من السوريين على السفر بطرق غير مشروعة إلى “قبرص”.
وأضاف “مروان” أن: “بعضهم يلجأ إلى طرق غير مشروعة، ويدفعون مبلغ 870 يورو على كل بالغ؛ و87 للطفل، لكن أغلبية اللاجئين يشترون قوارب ويقومون بالرحلة لحسابهم”.
وأشار إلى أنه ساعد 13 من أقاربه وأصدقاءه السوريين على السفر، بعدما جمع 70 ألف دولار منهم جميعًا واشترى لهم قارب باسمه، وتمكنوا جميعًا من الوصول، وبينما كانوا يطلبون اللجوء في قسم شرطة بـ”قبرص”، ألقي القبض عليه وتعرض – حسب تعبيره – إلى ضرب مُبرح في قسم شرطة “طرابلس”.
ورغم أن أعداد اللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى “قبرص” لا تزال ضئيلة، إلا أن هذا الطريق محاط بالمخاطر ويهدد بتكرار مشاهد الموت على السواحل، التي هزت العالم في صيف 2015، عندما خرج آلاف السوريين من السواحل التركية إلى اليونانية في قوارب ضعيفة وغير مهيئة وكان الثمن ضياع حياة كثير منهم.
وأمام تدفق اللاجئين، طالب وزير الداخلية القبرصي، “كونستاسنتينوس بتريديس”، من “الاتحاد الأوروبي” بتقديم المساعدة لبلاده، وخلال الأشهر الـ 8 الأولى من عام 2018، استقبلت الجزيرة 4022 طلب لجوء، أي زيادة قدرها 55% عن العام السابق له.
ألف سوري فروا من لبنان إلى قبرص..
كشف مسؤول في “المخابرات اللبنانية”، رفض ذكر اسمه للصحيفة الإسبانية، أن عدد اللاجئين السوريين الذين فروا من “لبنان” إلى “قبرص” وصل إلى ألف شخص على الأقل، كما اعترضت دوريات السواحل 6 قوارب، وتمكنت القوات المؤقتة التابعة لـ”الأمم المتحدة” من إنقاذ 32 سوري في تشرين أول/أكتوبر الماضي، بعدما قضوا 4 أيام يواجهون الغرق، وفي كانون أول/ديسمبر 2018؛ أعلنت وسائل إعلام محلية عن إنقاذ لاجيء سوري في المياه الإقليمية القبرصية أكد أنه الناجي الوحيد من قارب كان على متنه 7 آخرين؛ خرج من “لبنان”، لكنه غرق بهم في عرض البحر.
مأساة قد تتكرر كثيرًا..
وفي 21 من أيلول/سبتمبر الماضي، توفي طفل سوري، “خالد”، غرقًا، بعد انقلاب القارب الذي استقلته أسرته من أجل الفرار إلى “قبرص”، كان حادثًا أليمًا، ربما سوف يتكرر كثيرًا خلال الأيام المقبلة، لكن موته تسبب في لفت الإنتباه إلى الطريق الجديد الذي إتخذه مئات اللاجئين السوريين من أجل الوصول إلى الأراضي الأوروبية من خلال السواحل القبرصية.
ووقف والداه، “سامر” و”نيفين”، أمام قبر ابنهما، الذي توفي قبل 10 أيام من الاحتفال بعيد مولده الخامس عشر، بأيدي تغطي الأعين الباكية، في مدينة “طرابلس” اللبنانية، وقال “سامر”، (33 عامًا)، للصحيفة الإسبانية إن: “الطفل آلان كردي توفي غرقًا على السواحل التركية، في نفس عمر ابني، لكن المفارقة أن موته هز العالم كله، وموت ابني لم يشغل حتى نصف صفحة في الجرائد”.
وكان موت الطفل السوري، “آلان كردي”، في أيلول/سبتمبر عام 2015، الشرارة التي حمست الدول الأوروبية إلى توقيع اتفاقية الهجرة بين “الاتحاد الأوروبي” و”تركيا”.
بدأت القصة عندما قررت عائلة “نجم” الفرار من “لبنان” إلى “قبرص”، وفي ذلك اليوم، تحرك القارب حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وعلى متنه 39 لاجيء سوري، لكن بحلول الساعة الثانية صباحًا وقعت الكارثة إذ انقلب القارب، وما وقع بعد ذلك يشبه الفوضى في ذاكرة “سامر”، الوحيد الذي كان يستطيع السباحة، لذا حاول إنقاذ أطفال ونساء، وساعدهم على التشبث بسطح القارب كي يبقوا على قيد الحياة، لكنه لم يعثر بعدها على أي أثر لابنه.
وفي خضم المأساة، عبر قارب آخر يحمل 65 سوري آخرين، على بُعد أمتار من قارب عائلة “نجم”، لكنه لم يستجيب لصرخات الإستغاثة طمعًا في الوصول إلى “جنة أوروبا”، وفي هذه الليلة تمكن 150 لاجيء سوري من الوصول إلى السواحل القبرصية، بينما استمرت معاناة عائلة “نجم” حتى الساعة الثامنة صباحًا إذ بصرتهم مجموعة من الصيادين اللبنانيين وتوجهوا لإنقاذهم، ثم أبحر غطاس تحت القارب للعثور على الطفل، “خالد”، فوجد جثته ترقد في سلام بعدما تخلص من الطموح في الوصول إلى “أوروبا”، ووصل إلى ما هو أسمى.