خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة أثارت جدلاً واسعًا بـ”العراق”، حيث كان محل خلاف لدى الأوساط النيابية منذ سنوات، أقرت الحكومة العراقية مشروع “قانون الخدمة الإلزامية”؛ الذي واجه معارضة كبيرة بشأن تفاصيل إلزامه وصلاحيات توقيتاته، بينما اعتبره آخرون وسيلة لقطع الطريق على الاستقطاب الذي تقوم به ميليشيا (الحشد الشعبي)؛ للشباب تحت عناوين طائفية.
وهو ما جعل البلاد تنقسم بين رافض بشدة ومؤيد بقوة للمشروع، الذي غاب عن البلاد، بعد عام 2003؛ إذ تحول أفراد الجيش إلى مجموعة متطوعين بما يُشبه عقود العمل مع “وزارة الدفاع”.
واعتبر رئيس الوزراء العراقي، “مصطفى الكاظمي”، موافقة “مجلس الوزراء” على مشروع إعادة الخدمة العسكرية الإلزامية تكريس لقيم الوطنية للشباب، وقال إن مشروع “صندوق الأجيال” المطروح حاليًا يهدف إلى إنتفاع أبناء العراقيين وأحفادهم من ثرواتهم.
وأعلن المتحدث باسم مجلس الوزراء العراقي وزير الثقافة، “حسن ناظم”، في مؤتمر صحافي عقب إنتهاء جلسة المجلس، يوم الأربعاء؛ أنه تم خلالها إقرار مشروع “قانون التجنيد الإلزامي” في البلاد؛ من حيث المبدأ وإحالته إلى “مجلس النواب” لمناقشته تمهيدًا لإقراره.
وأوضح أنه تم التأكيد، خلال الجلسة الحكومية أيضًا؛ على المضي في تنفيذ مشروع “صندوق الأجيال”.
تكريس القيم الوطنية للشباب..
وعقب ذلك كتب “الكاظمي”، الذي ترأس جلسة الحكومة؛ على حسابه بشبكة التواصل الاجتماعي (تويتر) تغريدة قال فيها: “أنجزنا اليوم ما تعهّدنا به منذ لحظة تسلّمنا المسؤولية أمام شعبنا والتأريخ، بإقرار (خدمة العَلم)، التي ستكرّس القيم الوطنية في أبنائنا، وطرحنا مشروع (صندوق الأجيال)، الذي سيحميهم من الاعتماد الكامل على النفط، ومعًا سنمضي إلى الانتخابات المبكرة وفاءً للوعد. العراق خيارنا الوحيد”.
يعوض الدولة عن الاعتماد على الميليشيات..
ويضع المؤيدون للقانون الجديد مجموعة أفكار حول أهميته، منها أنه: “سيسهم في تلاقي أبناء البلد الواحد من مختلف المحافظات في إطار مؤسسة عسكرية رسمية، مثلما كان يحدث في السابق؛ بدلاً عن عيش أولئك الشباب في كانتونات منعزلة؛ إذ نادرًا ما يلتقي أبناء الجنوب مع أبناء المناطق الغربية والشمالية”.
وهناك من يرى أن: “الخدمة الإلزامية ستعوض الدولة عن الاعتماد على تشكيلات وقوات ميليشياوية غير موثوقة الولاء ولا تطيع القائد العام للجيش”.
بوابة جديدة لعودة الشباب لـ”بيت الطاعة” وغير مجدية اقتصاديًا..
وخلافًا للقناعة التي يُعبر عنها رئيس الوزراء وأعضاء حكومته والمؤيدون لهم حول القانون، فإن اتجاهات عراقية غير قليلة هاجمته بشده، وعدّوه بوابة جديدة: “لعودة شريحة الشباب إلى بيت الطاعة الحكومي”، على غرار ما كان يحدث في ظل “نظام البعث” الديكتاتوري: (1968 – 2003)، حين كان يسوق آلاف الشباب إلى الجيش وتمتد خدمتهم الإلزامية إلى أكثر من: 10 سنوات، وهي المحددة بثلاث سنوات حدًا أعلى، نتيجة حاجته إلى: “الدماء” في حروبه العبثية.
بالإضافة إلى ذلك، يضع الرافضون لـ”قانون التجنيد الإلزامي” قائمة طويلة من الأسباب والاعتراضات حول القانون تصل إلى حد الذرائع الاقتصادية، وفي هذا الاتجاه تقول أستاذة الاقتصاد، “سلام سميسم”: “خطوة غير مجدية اقتصاديًا. إنه هروب إلى الأمام؛ لأن الدولة ستدفع رواتب دون إنتاج مادي، وهذه تكلفة إضافية تُزيد عجز الموازنة؛ لن يقابلها إنتاج، فهو زيادة فجوة الموارد مقابل قلة المعروض السلعي تجاه الطلب عليه، لذا سيُخلف مزيدًا من التضخم والتشوه الهيكلي”.
وتضيف إلى ذلك، “سميسم”، أن هناك من يستبعد قدرة “قانون الخدمة الإلزامي” على تكريس مفهوم الوطنية في بلد منقسم، ويستبعد كثيرون قبول “إقليم كُردستان”، شبه المنفصل، بالقانون. كما يستبعدون قدرة الحكومة العراقية التي تفتقر إلى: “القوة والهيبة”؛ على فرض القانون الذي لطالما مثّل أحد أكبر الكوابيس الاجتماعية بالنسبة للعراقيين، وكانت أعداد كثيرة من الجنود تُقرر الهروب وعدم الإلتحاق بالخدمة العسكرية، حتى في ذروة الرهبة والخوف من نظام “حزب البعث” الحاكم؛ قبل 2003.
لم تبادر بها الحكومات السابقة..
ومن جهته؛ اعتبر عضو “لجنة الأمن والدفاع” البرلمانية عضو قيادة ائتلاف (متحدون-الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية)؛ “محمد الكربولي”، الموافقة: “خطوة مسؤولة لم تُبادر بها الحكومات السابقة”.
وقال في تغريدة على حسابه بموقع (تويتر)؛ أن: “حكومة الكاظمي؛ تفكر بالمستقبل وتؤسس صندوق الأجيال لضمان حياة كريمة للأجيال القادمة وتصوت على قانون الخدمة الإلزامية لانتشال الشباب من الضياع والمخدرات ولتحملهم مهمات الدفاع عن الوطن”.
“بريمر” ألغى التجنيد الإلزامي..
وكانت سلطة الائتلاف المؤقت؛ التي تشكلت بعد غزو “العراق”، في نيسان/إبريل عام 2003، قد ألغت التجنيد الإلزامي بقرار من الحاكم المدني الأميركي للعراق، آنذاك، “بول بريمر”، الذي حل الجيش العراقي ومختلف التشكيلات الأمنية.
ومنذ ذلك الوقت؛ تحول نظام العمل بالجيش إلى التطوع والخدمة غير الإلزامية، لكنه بعد 18 عامًا من ذلك؛ تسعى الحكومة الحالية إلى إعادة العمل بالخدمة العسكرية الإلزامية.
مواد مشروع القانون..
وكانت “وزارة الدفاع” العراقية قد نشرت على موقعها الإلكتروني، في 24 آذار/مارس عام 2016، مسودة لمشروع مقترح للتجنيد الإلزامي؛ طالبة من المهتمين والمختصين والفعاليات السياسية والثقافية تدوين ملاحظاتهم عليه، وهو يضم: 72 مادة.
ويُشير القانون إلى أن خدمة العلم، (التجنيد الإلزامي)، هي الواجبات المترتبة على كل عراقي من الذكور لم يتجاوز عمره الخامسة والأربعين.
وفق أحكام هذا القانون؛ فإن الخدمة الإلزامية هي الخدمة الفعلية التي يقضيها المكلف في الجيش.
ويوضح أنه يُكلف بالخدمة الإلزامية مدة: (18)، ثمانية عشر شهرًا؛ كل من أكمل التاسعة عشرة من عمره ولم يلتحق بالمدارس أو من تركها أو من لم يُكمل الدراسة المتوسطة أو من أكملها دون إن يلتحق بالدراسة الإعدادية أو ما يعادلها أو التحق بها ولم يُكملها بعد إكماله الثالثة والعشرين من عمره وتكون مدة الخدمة 12 شهرًا.
كما ينص على أن تكون مدة الخدمة الإلزامية لكل من تخرج في إحدى الكليات التي لا تقل مدة الدراسة فيها عن أربع سنوات وتسعة أشهر؛ فيما يُعفى من الخدمة الحاصلون على شهادات عليا مثل الماجستير أو الدكتوراه.
وكان التجنيد الإلزامي في “العراق” قد طُبق في ثلاثينيات القرن الماضي، بعد 04 سنوات من تأسيس الجيش العراقي، عام 1921، حتى حُلّ الجيش وألغيت خدمة التجنيد من قبل “بريمر”.
وسبق أن أحيل مشروع قانون الخدمة الإلزامية إلى “مجلس شورى الدولة”، عام 2016، لكنه مازال حبيس أدراجه، حيث يواجه معارضة قوى سياسية بالرغم من الفائدة التي تُعم شريحة الشباب في حال إقراره من خلال خدمتهم في مراكز تدريبية يوزعون بينها بحسب شهاداتهم؛ ما يقلل من نسبة البطالة أيضًا.
صعب تنفيذه على أرض الواقع..
لذلك يرى الباحث العراقي، “حذيفة المشهداني”؛ أن: “الخطوة الأهم تكمن في تنفيذه على أرض الواقع؛ وهو أمر يصعب توقعه بسبب تعارضه مع مصالح الميليشيات التي ستقف في وجهه بكل قوة، وهذا القانون لا يخدم مصالح الأحزاب والميليشيات ورجال الدين والطبقة السياسية الحاكمة”، مؤكدًا أن: “تنفيذه بحاجة إلى نوع من الانضباط الذي اختفى من المجتمع؛ منذ أن سقطت الدولة العراقية وفقدت هيبتها”.
مشيرًا إلى أنه لا يعرف ما إذا كان المشروع الحكومي لإعادة العمل بالخدمة الإلزامية؛ سيضم إغراءات تشجع الشباب على الإلتحاق بالمؤسسة العسكرية، وتسهيل مهمة التطوع من الإلزامي إلى الجيش المحترف، وعدم الإكتفاء بالرهان على الوازع الوطني، الذي يفقد جاذبيته لفائدة البُعد الطائفي والعرقي والمناطقي.
وأكد “المشهداني”؛ أن هذا القانون مهم لبناء الوحدة الوطنية العراقية، ومن يعارضه هم من القوى التي تمتاز بالطائفية أو الولاء لدولة أخرى، لأنه من شأن وجود قانون واضح ومُلزم للجميع أن يقطع الطريق على أيّ مسعى من ميليشيات (الحشد الشعبي) لاعتبار الانتساب إليها بديلاً عن الخدمة الإلزامية.
يقضي على جميع المظاهر الطائفية والمذهبية..
بدوره؛ أكد “إبراهيم حبيب”، السياسي المستقل ورئيس النادي العراقي: إن “إعادة الخدمة الإلزامية للجيش العراقي من شأنها أن تُحيي الأمل في النفوس ببناء جيش عراقي يعلو بنيانه باسم العراق بعيدًا عن الطائفية والمذهبية”، معتبرًا: “أن نجاح هذه الخطوة الحكومية سيعني أن جميع مظاهر الطائفية والأقليات العنصرية والمذهبية، كـ (الحشد الشعبي)؛ وما شابهها من مظاهر التسلح خارج المؤسسة العسكرية سينتفي وجودها، وستفتح أمام جميع الشباب العراقيين فرصة التفرغ للخدمة العسكرية للمتطوعين والإلتحاق بالجيش العراقي المهني والاستغناء عن الانتماء إلى ميليشيات طائفية مسلحة تُكرس في مضامينها العداء لبعضها البعض وانحيازها إلى طائفة دون أخرى”.