خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
وصلت العلاقات بين “إيران” و”مصر” فعليًا إلى القطيعة الكاملة، بعد “الثورة الإيرانية”، خاصة بعد اغتيال “أنور السادات”، ورغم وجود اتصالات ومحاولات دبلوماسية متقطعة، لم تُستأنف العلاقات الرسمية بين البلدين. بحسّب ما استهل به “قاسم محب علي”؛ المدير العام السابق لشؤون الشرق الأوسط في “وزارة الخارجية” الإيرانية، مقاله التحليلي المنشور بصحيفة (سازندگى) الإيرانية.
وكانت الخلافات ذات طابع رمزي واعتباري في الغالب، مثل تسميّة أحد شوارع “طهران” باسم: “خالد الإسلامبولي”، ومسألة “مسجد الرفاعي”، حيث دُفن “محمد رضا بهلوي”، إضافة إلى انتقادات “مصر” لبعض السياسات الإقليمية الإيرانية.
دور مصر الإقليمي حاليًا..
مع هذا تظل “مصر” أهم دولة عربية في شمال إفريقيا، ورغم أن دورها القيادي في العالم العربي قد تراجع مقارنة بالماضي، فإنها ما تزال تلعب دورًا محوريًا في ملفات رئيسة مثل عملية السلام في الشرق الأوسط، و”قضية فلسطين وغزة”، والعلاقات مع الغرب، وخاصة “الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”.
وتُعتبر “مصر” حليفًا عسكريًا لـ”الولايات المتحدة”، ما يؤثر بشكلٍ مباشر على حساباتها في علاقتها مع “طهران”. بخلاف تنسيق “مصر” السياسي الملحوظ مع دول الخليج مثل: “السعودية والإمارات”.
مدى أهمية ترميم العلاقات “الإيرانية-المصرية”..
وفي ظل هذا السيّاق؛ يُطرح تساؤل حول إمكانية التعاون بين “إيران” و”مصر” في حال تحسنّت العلاقات، ومدى أهمية هذا التعاون للمصالح الوطنية الإيرانية.
الواقع أن ترميم العلاقات يمكن أن يكون له فوائد كبيرة من الناحية الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية. ذلك أن “مصر”، التي يتجاوز عدد سكانها: (100) مليون نسمة؛ وتمتلك سوقًا ناشئة، يمكن أن تكون شريكًا اقتصاديًا مهمًا لـ”الجمهورية الإيرانية”، كما كانت هناك مجالات للتعاون في الماضي مثل الاستثمار المشترك والشحن البحري.
أهم العقبات..
لكن من أبرز العقبات كانت دومًا تحفظات “مصر” على السياسة الخارجية الإيرانية، خصوصًا تجاه “الولايات المتحدة وإسرائيل”.
كما أن “مصر” تتابع بدقة تأثير استئناف العلاقات مع “إيران” على علاقاتها مع “واشنطن والرياض”.
ومع تحسَّن نسبي في العلاقات “الإيرانية-السعودية”، باتت الظروف أكثر ملاءمة لتفاعل “مصري-إيراني”، رغم استمرار بعض التحديات مثل العقوبات الدولية على “إيران” والتوترات مع “إسرائيل”.
حاليًا، تقتصر العلاقات بين البلدين على مكاتب رعاية المصالح، ورغم المحاولات في عهد الرئيس الراحل؛ “هاشمي رفسنجاني”، والزيارات المتبادلة على مستوى وزراء الخارجية في عهد الرئيس؛ “محمد خاتمي”، لكن لم تُستأنف العلاقات الرسمية بسبب الاعتبارات الرمزية والقلق الاستراتيجي المصري من تبعات هذه العلاقة.
جدير بالذكر أن قطع العلاقات كان بقرار مباشر من آية الله “الخميني”، ردًا على اتفاقية (كامب ديفيد) ما يعني أن أي إعادة للعلاقات تتطلب مبادرة من “إيران”، باعتبارها الطرف الذي بادر بالقطع.
انفراجة نسبية بعد التقارب “الإيراني-السعودي”..
من جهةٍ أخرى؛ كانت “مصر” قد اشترطت في الماضي؛ على “إيران”، وقف تهديداتها تجاه دول عربية مثل: “السعودية والإمارات والبحرين”.
واليوم؛ ومع هدوء التوتر “الإيراني-السعودي” نسبيًا، فقد تكون هذه العقبات أقل تأثيرًا، لكن يبقى أن نرى موقف “القاهرة” العملي.
وبشكلٍ عام؛ فإن إقامة علاقات طبيعية مع دولة مثل “مصر” يُعدّ ضرورة سياسية ودبلوماسية في عالم اليوم، و”مصر” تبقى دولة محورية في العالم العربي، وغياب العلاقة معها يُمثّل فجوة كبيرة في دبلوماسية “إيران” الإقليمية. ويمكن لهذا التقارب أن يفتح آفاقًا اقتصادية وسياحية وثقافية، ويُساعد “إيران” في تحقيق توازن في علاقاتها داخل العالم العربي.
وفي ظل محدودية علاقات “إيران” مع العالم العربي؛ وبخاصة دول الخليج و”العراق”، وغياب التأثير السوري وتدهور الأوضاع في “لبنان”، فإن التعاون مع “مصر”، الدولة ذات الثقل التاريخي والإقليمي، يمكن أن يُعزّز موقع “إيران” الإقليمي.
كما أن تحسيّن العلاقات مع “مصر” قد يفتح الباب أمام “إيران” للانخراط في مبادرات السلام الإقليمية، خاصة في ظل التحركات “السعودية” لتشكيل تحالف دولي يدعم “حل الدولتين” والاعتراف بـ”فلسطين”، وهو ما قد يمنح “إيران” مساحة جديدة للتأثير الإيجابي في المنطقة والعالم.