خاص – كتابات :
هي أشبه إذاً بلعبة الشطرنج.. الجميع بات يحسب لخطوته المقبلة ألف حساب بعد تلميحات أميركية بأن أول اعتداء سيقع في “كركوك”، المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، ستتولى قواتها الجوية الرد عليه، ما دعاها للتحليق على مدار الساعة لمراقبة الأوضاع على الأرض، في حين طالب محافظ كركوك جميع سكانها إلى حمل السلاح والدفاع عن مدينتهم !
“سليماني” يضع الزهور على ضريح “طالباني” ويأمر بحصار كركوك..
بين هذا وذاك، يسعى كل مسؤول في موقعه إلى استغلال الموقف لصالحه.. فهذا “قاسم سليماني”، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني وأحد أبرز القادة العسكريين في إيران، يُغازل الأكراد التابعين لـ”جلال طالباني” بزيارته لضريح الرئيس الراحل في السليمانية بكردستان محاولاً كسب مؤيديه وأنصاره لصالح وجهة النظر الإيرانية.
لكنه في الوقت نفسه يعطي إشارة البدء بحصار كركوك لاستدراج “البيشمركة” والسيطرة على “مطار كيوان” جنوب كركوك لشن عمليات عسكرية جوية منه، تفادياً للمواجهات البرية التي ربما تتفوق فيها عناصر “البيشمركة”.
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة..
ذاك رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي”، يرى في استفتاء الإقليم على استقلاله وسيره في منهجه نحو الانفصال، قاعدة هامة يرتكز عليها للاستمرار في منصبه دون الحاجة لأي انتخابات؛ إذ إنه في زمن الاضطرابات والتوترات لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وإن وجدت انتخابات فهو رجل يقود معركة !
وساطات معلنة وسرية.. هل تنجح في حقن الدماء ؟
الآن الكرة في منتصف الملعب بين “أربيل” و”بغداد”، من سيضغط على الزناد أو يحرك قطعان الشطرنج، أم إن الوساطات، المعلنة منها والسرية، ستحقن الدماء وتجعل المنطقة تتفادى حرباً أخرى هي في غنى عنها.. يقول قائل ؟
انتهى اجتماع “منتجع دوكان” إذاً بما يدعو للاعتقاد أن المواجهة بين كردستان والحكومة المركزية في بغداد مؤجلة.
ليخرج بيان من 5 نقاط، ينص على استعداد الأكراد للتفاوض، بما يخدم مصلحة أربيل وبغداد، بما يوحي بأن أصل الخلاف هو تضارب المصالح بينهما !
جمع اللقاء، الذي كان عنوانه “بحث أزمة انفصال إقليم كردستان”، قادة الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة “فؤاد معصوم” و”مسعود بارزاني”، كما أجرى رئيس فيلق القدس “قاسم سليماني” محادثات مع قادة أكراد في دوكان.. ولكن بأي صفة ؟
هدوء يتناقض مع العاصفة التي تضرب رياحها أربيل وبغداد..
هدوء “منتجع دوكان” على النقيض تماماً مع العواصف الحالية والمحتملة للأزمة المتصاعدة بين “أربيل” و”بغداد”.. كل يحشد قواته على كركوك وأطرافها، وسط مهلة تبرأت منها بغداد و”الحشد الشعبي”.
كانت أو لم تكن هناك مُهلة، كلام وتصرفات بغداد تقول إن ثمة شيئاً يطبخ بشأن المنطقة المتنازع عليها والغنية بالنفط، وهو ما بدأ بمطالبة قوات “البيشمركة” بالانسحاب إلى حدود التاسع من حزيران/يونيو 2014، أي قبل توسع تنظيم “داعش”، الذي أعقب سقوط الموصل، وهو أمر ترفضه “أربيل” التي عززت وجودها العسكري داخل كركوك وفي محيطها.
الجميع يحشد قواته.. فصل جديد من معارك العراق..
ليبدأ فصل جديد من معركة أخرى فيما يبدو ستجرى على أرض العراق، بتواجد القوات العراقية و”الحشد الشعبي”، على بعد 20 كيلومتراً من المدينة المرشحة لتكون ساحة لأي صراع عسكري قد ينشب بين الإقليم والحكومة المركزية، وهو ما بدأت رياحه تهب بالفعل.
فبغداد تعتبر الزج بتلك الحشود العسكرية، مجرد إعادة انتشار بعد طرد مسلحي تنظيم “داعش”، ولكن كلام رئيس الوزراء “حيدر العبادي” بمثابة تهديد يسبق إعلان حرب.
إذ قال إنه في حال منع “البيشمركة” القوات العراقية من دخول كركوك ومحاولة استهدافها، فإنه سيتم التصرف معها وفقاً لقواعد الاشتباك العسكرية كقوات معادية للقانون والدستور !
ولم يكذب الرجل خبراً، إذ فجأة تصاعد الأمر بمجرد زيارة “سليماني” وكأنه أعطى نقطة البداية لإثبات وضع ما على الأرض وجرعة حشد وتشجيع للقوات العراقية و”الحشد الشعبي” للسيطرة على آبار النفط.
الإعلام العراقي يقول إن القوات بسطت سيطرتها على كركوك و”البيشمركة” تنفي..
فهذا الإعلام العراقي يقول إن القوات العراقية فرضت سيطرتها على مناطق واسعة من كركوك دون مواجهات.. وفي المقابل ينفي الجانب الكردي هذه الأنباء.. فمن نصدق ؟
يقول الكرد إن “قناة العراقية” تلعب حرباً نفسية مع إقليم كردستان والكرد، بينما ذكر مصدر عسكري لوكالة أنباء تركية بأن العملية العسكرية تهدف إلى فرض سيطرة الحكومة الاتحادية على كركوك.. وقالت مصادر من “الحشد الشعبي” إن قوات من صفوفه وقوات مكافحة الإرهاب، “الفرقة التاسعة”، تتوجه إلى كركوك من عدة اتجاهات وأن الهدف ليس السيطرة على كركوك وإنما السيطرة على حقول النفط فيها !
التضارب هو سيد الموقف حتى صباح السادس عشر من تشرين أول..
تضارب حتى لحظة كتابة هذه السطور في الأنباء، واضح بالفعل بين موقف حكومة بغداد والموقف الكردي حيال ما يجري على الأرض في كركوك.
فالقوات العراقية قالت إنها تمكنت من السيطرة على “الحي الصناعي” و”معسكر خالد” جنوب كركوك، ومصادر من “الحشد الشعبي” ذكرت بأن هدف هذه القوات ليس التقدم أو اقتحام مدينة كركوك، إنما الهدف هو السيطرة على حقول وآبار النفط وأيضاً على “قاعدة كيوان الجوية” !
المصادر نفسها قالت إن قوات مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية والجيش والفرقة المدرعة التاسعة من الجيش وصلت إلى “قاعدة كيوان”.
أما “العبادي” فيقول إن هدف هذه القوات هو فرض الأمن والاستقرار على المدينة وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التاسع من حزيران/يونيو عام 2014.
بينما الرواية الكردية تنفي صحة هذا الأمر، وتنفي أن تكون القوات العراقية قد تمكنت من استعادة هذه المناطق !
قصف متبادل والقوات الكردية تحرق 4 عربات عسكرية للقوات العراقية..
تقول مصادر كردية إن الوضع تأزم في كركوك، بداية من قصف قوات العراق بالمدفعية من “منطقة تازة” على قوات “البيشمركة”، فردت عليها قوات “البيشمركة”، ومن ثم توجهت عربات عسكرية تابعة للقوات العراقية من “منطقة تازة” جنوب كركوك باتجاه الطريق الرئيس فقامت القوات الكردية بتدمير 4 عربات عسكرية من هذه القوات، وانسحبت العربات الأخرى إلى “منطقة تازة”، بل وأصبحت الاشتباكات مستمرة بين الجانبين لكن بأسلحة خفيفة.
كركوك الآن تشهد حالة من التأهب بين المواطنين، كما عززت القوات الكردية من تواجدها في كركوك.. إذ وصلت حشود عسكرية من “البيشمركة” من السليمانية تابعة لـ”الحزب الوطني الكردستاني” إلى كركوك، مع الساعات الأولى من السادس عشر من تشرين أول/أكتوبر 2017، فضلاً عن وصول المئات من المتطوعين من كردستان !
“الحشد الشعبي” يحرق منازل عائلات كردية في طوزخورماتو !
لم يقف الموقف العسكري هنا فقط، بل وقعت اشتباكات في “منطقة طوزخورماتو”، المتنازع عليها، والتي تتبع محافظة صلاح الدين، إذ قامت فصائل من “الحشد الشعبي” بإحراق منازل تابعة لعوائل كردية، وهو ما أشعل فتيل الاشتباك بين “الحشد الشعبي” و”البيشمركة”، لتتراجع قوات “الحشد الشعبي” مرة أخرى إلى مسافة نحو 25 كيلومتراً عن “طوزخورماتو”.
فهل بدأت المعركة فعلياً على الأرض بين كردستان وبغداد.. أم أن الأخيرة تجس النبض بعد أن أعطى “قاسم سليماني” أوامره بالتحرك لفرض الأمر الواقع على الأرض ؟
“ترامب” يستدرج طهران وواشنطن لا يعنيها غير النفط !
هل سيظل الموقف الأميركي صامتاً حتى تتورط إيران أكثر وأكثر في الداخل العراقي لإفساح المجال أمام الرئيس “دونالد ترامب” لإيجاد المبررات التي يقدمها إلى الكونغرس لفرض العقوبات على طهران؛ وربما اتخاذ إجراءات أشد قسوة.. أم أن كل ما يعني واشنطن هو ضمان حصتها من النفط بصرف النظر عن من ينازع من ؟!