قاسم سليماني “منزعج” من اصدقائه العراقيين

قاسم سليماني “منزعج” من اصدقائه العراقيين

كتب مشرق عباس: لم تنل زيارة قاسم سليماني زعيم فيلق القدس الإيراني إلى العراق في نهاية شهر ‏آب/أغسطس الماضي، الاهتمام الإعلامي الذي حصدته زيارة وزير الخارجيّة الإيراني محمد ظريف ‏في الثامن من أيلول/سبتمبر الجاري. فالمباحثات التي يعقدها سليماني في العراق تحاط كالعادة بالسريّة ‏والكتمان، خصوصاً أنه يحاول ترتيب الوضع العراقي لمواجهة التطوّرات المحتملة في سوريا‎.

‎  ‎وكان ظريف قد نفى من بغداد نيّة بلاده ضرب المصالح الأميركيّة في العراق كردّ على أي ضربة ‏محتملة إلى سوريا، لكنه لفت في حديث تلفزيوني “أن من يبدأ الحرب على سوريا، لا يمكنه احتوائها ‏أو وضع حدّ لها”.‏
إلى ذلك، كشفت مصادر مطّلعة لـ”المونيتور” عن استياء سليماني من عجز “الأصدقاء العراقيّين” عن ‏توحيد صفوفهم في مواجهة التطوّرات الخطيرة في المنطقة والتي تعتبرها إيران مصيريّة. وأوضحت ‏أن “سليماني هذه المرّة لم يكن مهتماً بالتفاصيل التي حرص في خلال السنوات السابقة على بحثها ‏والتدخّل فيها، سواءً على مستوى إدارة العلاقة ما بين الأحزاب الشيعيّة الفاعلة أو علاقاتها بالأطراف ‏العراقيّة الأخرى”.وكان سليماني قد تسلّم الملف السوري في نطاق مسؤوليّة الأمن القومي الإيراني منذ ‏اندلاع الأزمة في سوريا، ليبدو الملف العراقي ثانوياً ومكمّلاً في هذه المرحلة.‏
وما أزعج سليماني بشكل واضح في خلال زيارته الأخيرة بحسب ما تنقل المصادر المطّلعة نفسها ‏لموقعنا، هو عدم تلمّسه حماسة كافية من قبل القوى الشيعيّة العراقيّة الرئيسيّة لمشروع تتبناه طهران ‏منذ شهور ضمن ترتيباتها الإقليميّة.‏
ويذهب المشروع الإيراني الجديد في العراق في شقّه السياسي بحسب تلك المصادر إلى أن “تسارع ‏القوى الشيعيّة إلى تشكيل جبهة موحّدة لإدارة شؤون العراق في هذه المرحلة وتجنّب الخلافات ‏والصدامات في ما بينها”.‏
وفي الجانب الأمني يدعم سليماني تحولاً جديداً في مسار طبيعة نشاط المليشيات الشيعيّة الرئيسيّة، ‏بحيث ينقلها من المستوى المحلي إلى الإقليمي عبر إيجاد آليات تنسيق وتوحيد ما بين مجموعات مثل ‏‏”عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله العراقيّة” مع “حزب الله” اللبناني وكذلك مع مليشيات ‏سوريّة يتمّ إنشاؤها تحسّباً لتطوّرات الصراع في سوريا، بالإضافة إلى مجموعات في اليمن والبحرَين.‏
وترى هذه المصادر أن التحوّل في المسار الذي يبحث عنه سليماني، تنظر إليه القوى العراقيّة باعتباره ‏تغييراً استراتيجياً كبيراً من المحلّي إلى الإقليمي في نشاط المجموعات السياسيّة وتلك المسلّحة أيضاً.‏
لكن المصادر نفسها تبرّر استياء سليماني من عدم حماسة القوى الشيعيّة العراقيّة لهذا التحوّل في ‏المسار وتشكيكها في جدواه ونتائجه. فلا الأحزاب الشيعيّة الرئيسيّة راغبة بالانغماس في مواجهة ‏إقليميّة كبيرة تكون المليشيات أذرعها العسكريّة، ولا المليشيات العراقيّة قادرة على حشد عدد كبير من ‏الأنصار لمثل هذا الخيار.‏
ومن أسباب تعثّر مشروع سليماني في العراق، ممانعة أبداها بشكل مبكر الزعيم الديني مقتدى الصدر ‏الذي يمتلك “القاعدة” الأكبر من المسلّحين السابقين ضمن جناحه العسكري “جيش المهدي”. فمعظم ‏هؤلاء ما زال مخلصاً لطروحات زعيمه، فيما انشقّ بعضهم للانضمام إلى “العصائب” و”الكتائب”.‏
ولا يبدو أن علاقة وديّة تجمع سليماني بالصدر منذ أكثر من عام، خصوصاً بعد أن أثبت الأخير في ‏منتصف العام 2012 في مذكّرات بعنوان “الهدف النبيل من زيارة إربيل”، حقيقة دوره في ترتيب ‏الأوراق السياسيّة العراقيّة فيما حرص معظم الزعماء الشيعة على نفي مثل هذا الدور لسنوات.‏
لكن القضيّة تتجاوز الحساسيات الشخصيّة. فالصدر يبدو اليوم غير منسجم مع التوجّه الإيراني العام، ‏ليس في رؤيته لطبيعة الحكم في العراق وضرورة الانفتاح على المكوّنات الاجتماعيّة فحسب، بل حتى ‏في التعامل مع الأزمة السوريّة. فهو كان قد تبرأ من كل عراقي يلتحق بالقتال في سوريا، وقد رفع علم ‏الجيش السوري الحرّ إلى جانب علم النظام السوري في أحد الاحتفالات التي رعاها تياره في مدينة ‏واسط في 15 آذار/مارس الماضي وعزا ذلك إلى الوقوف على مسافة واحدة من الجميع على الساحة ‏السوريّة، وهي خطوة انتقدتها بشدّة معظم القوى الشيعيّة الرئيسة.‏
وفي حين يبدو الصدر اليوم أبعد عن تبنّي رؤية سليماني ومطالبه الجديدة، فإن الأطراف الأخرى مثل ‏‏”دولة القانون” و”المجلس الإسلامي الأعلى” لم تقدّم من جهتها بحسب المصادر نفسها “شيكاً على ‏بياض”.‏
وتؤكّد المصادر أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يعتقد أنه يتوجّب على العراق حكومة ‏وشعباً المحافظة على مسافة “مناسبة” من الموقف الإيراني من سوريا، فالانخراط التام في تسويات ‏إقليميّة بالنسبة إليه لن تساعد العراقيّين الذين ينقسمون طائفياً بشكل حاد ويدفعون ثمن النزاعات ‏الإقليميّة على أرضهم. وربما كان ذلك من اأسباب امتعاض سليماني من الحكومة العراقيّة التي ‏تتعرّض إلى ضغوط متواصلة لتسهيل الدعم الإيراني لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.‏
لكن ليس من السهل على أية حال مواجهة أي طرف عراقي لسليماني حتى في داخل العراق، ‏خصوصاً بعد التحوّلات التي أجراها في طبيعة عمل المليشيات المسلّحة لتكون أكثر تنظيماً ولتصبح ‏قادرة على خوض صراعات عبر الحدود.‏
ويبقى أن الأقرب إلى الواقع هو أن الأطراف الشيعيّة العراقيّة التي تخوض بدورها صراعاً سياسياً ‏حول حقّ كل واحد منها في حكم البلاد، ستحاول المناورة في مواقفها واحتواء الضغوط الإيرانية إلى ‏حين حسم الموضوع السوري أو حسم طبيعة الصراع السياسي على الحكم في العراق في انتخابات ‏العام 2014.‏
‎ ‎

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة