زار قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، أمس مرقد الإمام الحسين في مدينة كربلاء العراقية، برفقة مساعد قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في خطوة قال مراقبون إنها رفعت من مستوى الاحتقان في الساحة السياسة والأوساط الشعبية العراقية.
وتزامن نشر صور قاسم سليماني، وصفته وكالة أنباء فارس، بـ”كبير المستشارين الإيرانيين في العراق”، وهو يتجول في مدينة كربلاء، مع تهديدات أطلقتها ميليشيا بدر ضد السفارات الأجنبية في العراق وتحذيرها من اللعب بالنار. وذكرت الوكالة الإيرانية أنه كان برفقة سليماني، خلال زيارته لمرقد الإمام الحسين وجولته في سوق شعبي في كربلاء، عدد من قيادات الحشد الشعبي، وعلى رأسهم أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي.
وقد أثارت هذه الزيارة تساؤلات في الأوساط السياسية في بغداد عن الهدف من وراء هذه الخطوة، التي تأتي في وقت تسعى فيه الحكومة العراقية إلى تقديم حزم إصلاحية وطمأنة الشارع العراقي، وخصوصا في بغداد وعدد من محافظات الوسط والجنوب ذات الأغلبية السكانية الشيعية. وتشهد هذه المناطق يوميا تظاهرات صاخبة تطالب بإرساء أسس دولة مدنية بعيدا عن الدين ونبذ المحاصصات الطائفية ومحاسبة السياسيين وكبار المسؤولين الفاسدين.
بدروها ذكرت وسائل إعلام عراقية وإيرانية، نقلا عن قيادي في ميليشيات الحشد الشعبي أن قاسم سليماني وصل صباح الجمعة الماضي إلى مدينة كربلاء للقاء عدد من المسؤولين وفي مقدمتهم معتمدي المرجع الديني علي السيستاني، عبدالمهدي الكربلائي وأحمد الصافي.
وفي خضم الجدل الذي أثارته زيارة سليماني للمدينة العراقية، ذات المكانة الخاصة لدى الشيعة، نقلت وكالة العباسية نيوز في بغداد عن تقارير صحفية أن القيادة الإيرانية أوفدت الجنرال قاسم سليماني، الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع رؤساء الأطراف والكتل الشيعية العراقية إلى بغداد في مهمة عمل. ونقلت الوكالة العراقية أن من أبرز أولويات هذه الزيارة منع تقديم رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، الذي زار مؤخرا طهران، إلى القضاء لمحاكمته عن دوره في سقوط مدينة الموصل في العاشر من يونيو 2014 والسعي إلى ترصين التحالف الوطني (الشيعي) والتنسيق بين مكوناته الأساسية واختيار رئيس جديد له وإنهاء الخلافات القائمة بين التيار الصدري والمجلس الأعلى من جهة وحزب الدعوة /جناح المالكي من جهة أخرى.
واعتبرت مصادر عر اقية أن نشر صور الجنرال الإيراني في كربلاء وتزامنها مع تهديدات أطلقها قياديو منظمة بدر، أكبر الميليشيات الشيعية في العراق وأقربها إلى إيران، ضدّ السفارات الأجنبية ببغداد والمقصود بها كلا من السفارتين الأميركية والبريطانية، أثار موجة من التكهنات بشأن توقيتها في يوم واحد والخشية من تداعياتها على المشهد السياسي في مرحلة تشهد فيها البلاد تظاهرات شعبية تدعو إلى الدولة المدنية وإصلاح العملية السياسية وتوسيع الحريات وتوظيف الموارد والثروات الوطنية في خدمة العراقيين وإنهاء المحاصصات الطائفية ومحاكمة المسؤولين الضالعين في الفساد والاختلاسات.
وكان زعيم ميليشيا بدر، هادي العامري، دعا في خطاب بمناسبة احتفال للتيار الصدري، السفارات الأجنبية إلى “عدم التدخل في شؤون العراق والابتعاد عن اللعب بالنار”، على حد قوله، محذرا في الوقت نفسه من مخطط داعشي لاختراق المحافظات الشيعية التي وصفها بأنها “مخزون الحشد الشعبي”، في حين اختار القيادي في الميليشيا ذاتها أبو مرتضى الكربلائي محافظة صلاح الدين السنية ليعلن من بلدة الفتحة أن استمرار العملية السياسية الحالية في العراق مرهون بوجود الحشد الشعبي، في إشارة واضحة إلى رفض فصائل الحشد لتغييرات يسعى رئيس الحكومة، حيدر العبادي، لإجرائها لتعديل مسار العملية السياسية وتلبية مطاليب المتظاهرين بالإصلاح.
ويعتقد مراقبون سياسيون في بغداد أن نشر صور سليماني في كربلاء وصدور تهديدات لقادة ميليشيا بدر في بغداد ومحافظة صلاح الدين رسالة إيرانية لا تقبل التشكيك بأن على العبادي ألا يذهب بعيدا في إصلاحاته؛ فيما ذكر قيادي في الحشد الشعبي أن يكون الهدف من زيارة سليماني إلى كربلاء إبلاغ معتمدي المرجع الشيعي علي السيستاني بضرورة العمل على تهدئة الشارع الشيعي، حيث بدأت جميع محافظات الوسط والجنوب تشهد تظاهرات شعبية، تطالب بمحاكمة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والمسؤولين في الحكومة، بالإضافة إلى حلّ البرلمان.
وقال عبدالباقي، أستاذ العلوم السياسية السابق في جامعة بغداد، إن نشر صور سليماني وتهديدات العامري، يندرجان ضمن رسالة إيرانية واحدة عنوانها الأبرز “لا لتغييرات جذرية في العراق ولا لإصلاحات تقوض العملية السياسية السائدة”. واعتبر أستاذ العلوم السياسية أن زعيم ميليشيا بدر هادي العامري عمد إلى التحذير من اختراق متوقع لداعش في المحافظات الشيعية بهدف تخويف الشارع الشيعي تحسبا لتصاعد الاحتجاجات الشعبية مستقبلا.