خاص : ترجمة – آية حسين علي :
مر 70 عامًا على تشكيل “حلف شمال الأطلسي”، (ناتو)، عام 1949، إرتبط خلالها بالكثير من الحروب والأزمات السياسية في دول عدة، لعل أبرزها “أفغانستان” و”ليبيا”، بالإضافة إلى بعثة التدريب في “العراق”، التي استمرت منذ 2004 حتى 2011.
أجرت صحيفة (الموندو) الإسبانية، حوارًا مع القائد السابق لقوات “حلف شمال الأطلسي”، (ناتو)، في أوروبا، الأميرال “غيمس ستافريديس”، صرح خلاله بأن الانقسامات السياسية قد تقضي على الحلف؛ إذا لم تتحرك الدول لإنهاءها.
الانقسامات السياسية تهدد أقوى قوة ضاربة بالعالم..
“الموندو” : هل ترى أن (الناتو) يشهد أسوأ فترة له منذ نشأته ؟
“ستافريديس” : بحسب وجهات نظر عديدة؛ يشبه (الناتو) رواية، “شارليز ديكنز”، (قصة مدينتين)، التي تبدأ بجملة “كان أفضل الأزمة.. كان أسوأ العصور”، لم يكن الحلف غنيًا أو يمتلك قوة عسكرية ساحقة مثل الفترة الحالية، إنه التحالف العسكري الأقوى في التاريخ، ويمتلك أعضاءه، البالغ عددهم 29 دولة، 50% من الناتج المحلي العالمي، وبه 3 ملايين عسكري متطوع من الرجال والنساء، ولديه أكثر من 20 ألف طائرة عسكرية، ونحو ألف سفينة حربية، لكنه ضُرِبَ بسلاح الانقسامات السياسية، وباتت أهدافه مظلمة أو غير واضحة بالنسبة إلى الأعضاء.
هل (الناتو) في الأساس عبارة عن تحالف أوروبي شُكِل من أجل تثبيط التهديد الروسي ؟.. أم له أهداف عالمية لمواجهة الإرهاب أو إفريقيا أو إحكام الضغط على “الصين” ؟.. باختصار يُعتبر (الناتو) تشكيلًا أساسيًا ومهمًا، لكن نقطة ضعفه المميتة هي ضعف التماسك السياسي، وهذا هو التحدي المستمر، لقد عشت في هذه الظروف منذ عدة سنوات، إرتبطت بمهماتنا في عدة دول منها “أفغانستان” و”ليبيا” على سبيل المثال.
“بوتين” يسعى للقضاء على “جوهرة تاج” الأمن العالمي !
“الموندو” : على ضوء هذه الخلافات.. هل يمكن أن يبقى (الناتو) الذي نعرفه ؟
“ستافريديس” : بشكل عام؛ سوف يستمر (الناتو).. وأتوقع أن يزيد عدد أعضاؤه، وقد يوقف توسعه عند ضم “مقدونيا الشمالية” على المدى القريب، ليصل عدد الدول الأعضاء إلى 30 دولة، وأرى أنه سوف يركز على ردع “روسيا”، وسوف يصل إلى أعلى درجات التوازن في توزيع النفقات العسكرية بين “الولايات المتحدة” والدول الأخرى، ولا تُعتبر هذه الأمور أفضل الخيارات، وإنما الأرجح.
ويمكن أيضًا أن تؤدي الانقسامات، بين “الولايات المتحدة” و”أوروبا”؛ وتراجع الوحدة بين الدول الأوروبية، إلى القضاء نهائيًا على الحلف، لكن هذا احتمال ضعيف، رغم أنه يُعد الهدف الإستراتيجي للرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، وأحد أسباب محاولاته لعمل فُرقة بين الدول الأوروبية و”واشنطن”، وأعتقد أن “بوتين” سوف يفشل في تحقيق ما يرمي إليه، وأدرك أن من أجل مواجهة ذاك التحدي يجب تعيين قيادات في عدة عواصم أوروبية ومدن أميركية، وإلا سوف نتعرض لخطر خسارة الحلف، الذي يُعد “جوهرة التاج” في نظام الأمن العالمي.
خطوات إنقاذ “الناتو” من الضياع..
“الموندو” : ما هي الإصلاحات العاجلة التي يجب أن يجريها (الناتو) من أجل تحقيق أهدافه ؟
“ستافريديس” : نحتاج إلى عدة خطوات كي يتمكن الحلف من التقدم في الطريق الصحيح؛ الأولى هي تحقيق التوازن في الإنفاق على الدفاع، وهو ما يعني أن ترفع الدول الأوروبية إنفاقها العام في مجال الدفاع حتى يصل إلى 2% من إجمالي الناتج العام، بشكل يتوازن مع نسبة الـ 3.5% التي تقدمها “الولايات المتحدة”.
والثانية هي التعاون مع شركاء على مستوى أوروبي، (السويد وفنلندا والمغر وسويسرا وغيرها)، وعالمي، (كولومبيا والبرازيل واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا وسنغافورا وإسرائيل والسعودية ودول الخليج وغيرها)، وهذا لا يعني إضافة دول جديدة لـ”معاهدة شمال الأطلسي”، وإنما تعزيز العلاقات الموجودة بالفعل؛ والتي تطورت بفضل سلسلة من البعثات المشتركة خلال العقد الأخير.
والخطوة الثالثة هي زيادة تطلعات الحلف بشأن ما يتعلق بالإنترنت ومواجهة “الحروب السيبرانية”، التي تشهد تنوعًا كبيرًا، خاصة من جانب “روسيا”، ويجب أن ندرك أن (الناتو) ليس فقط مؤسسة قوية وقادرة، وإنما أيضًا تستحق الدعم من الرأي العام، لأن القيم التي بُني على أساسها ويدافع عنها؛ هي “الديموقراطية” و”الحرية” و”المساواة بين الجنسين” و”حرية التعبير والصحافة” و”المساواة بين الأعراق”، وبالطبع لا نطبق هذه المباديء بطريقة مثالية، لكنها هي القيم الشرعية التي نؤمن بها ونتشاركها، و(الناتو) موجود للدفاع عنها ولحمايتنا جميعًا.