خاص: كتبت- نشوى الحفني:
ترك “شمس الدين جبار”؛ منفذَّ هجوم “نيو أورليانز”، رسالة إلى عائلته قال فيها: “انضممت إلى (داعش)”، سجّلها في مقطع فيديو أثناء القيادة متوجهًا إلى مكان الهجوم، تحدث فيها عن خططه.
وقال الجندي المخضرم في الجيش الأميركي من “تكساس”: “أردت أن أسجل هذه الرسالة لعائلتي، وأردت أن أعلمكم أنني انضممت إلى (داعش)؛ في وقتٍ سابق من هذا العام”، حسّبما ذكرت شبكة (NBC News).
وأعلنت السلطات الأميركية أن مرتكب الهجوم كان يتبّنى أفكار تنظيم “الدولة الإسلامية”؛ (داعش). وترى صحيفة (الغارديان) البريطانية؛ أن ما يُزيد من فظاعة الهجوم أنه أصبح مألوفًا.
وبحسّب ما جاء في المقال: “الآن أصبحت طريقة الهجوم ـ الاصطدام بسيارة في حشود من الناس ـ والقرار بمهاجمة أولئك الذين يحتفلون في وقتٍ يرتبط بالأًلفة والفرح معروفًا على المستوى الدولي. لقد مرّ أقل من أسبوعين منذ استخدم رجل سيارة لقتل خمسة أشخاص على الأقل، بما في ذلك طفل يبلغ من العمر تسع سنوات، في سوق عيد الميلاد بالقرب من ماغديبورغ في ألمانيا”.
وترى الصحيفة البريطانية؛ أن من بين الأسباب التي تجعل هذا الحدث محزنًا أن الأنشطة العادية، التي لا تتطلب حماية خاصة، أصبحت الآن بحاجة لحماية روتينية، وأن مثل هذه الاحتياطات قد تثبَّت عدم كفايتها.
ذلك الهجوم الذي أودى بحياة (15) شخصًا وإصابة (30) آخرين؛ خلال احتفالات رأس السنة، أشار إلى استمرار قُدرة التنظيم على إلهام الهجمات في الغرب، حتى مع تراجع سيّطرته الجغرافية في مناطق نفوذه، وهو الأمر الذي جعل العديد من دول العالم من “أميركا” إلى “أوروبا” تضع قواتها الأمنية في حالة استنفار أمني خوفًا من المزيد من الهجمات.
عمل إرهابي فردي..
ونقلت (الغارديان)؛ عن “مكتب التحقيقات الفيدرالي” الأميركي، قوله إن هجوم “نيو أورليانز” كان عملًا إرهابيًا، ويُعتقد أن المهاجم، تصرف بمفرده. وقد عُثر على علم تنظيم “الدولة الإسلامية” في الشاحنة التي استخدمها.
وكتبت: “وفي حين تحالف العديد من مرتكبي هجمات الدهس بالسيارات مع تنظيم (داعش)، فإن آخرين كانت لديهم دوافع مختلفة، فقد نشر سائق ماغديبورغ دعاية معادية للإسلام”.
وأشارت الصحيفة إلى تحذيرات من محللين بشأن تصاعد تهديد تنظيم (داعش) للغرب في موسم الأعياد.
خطر مرتفع للإرهاب..
وحذر تقيّيم التهديد لعام 2025؛ الذي أصدرته “وزارة الأمن الداخلي” الأميركية؛ في تشرين أول/أكتوبر الماضي، من أن خطر الإرهاب قد يظل مرتفعًا، مع احتمال تنفيذ: “المجرمين المنفردين والمجموعات الصغيرة” هجمات مع القليل من التحذير أو بدونه. كما أشار إلى أن معظم الهجمات التي تسَّفر عن إصابات جماعية كانت مرتبطة بالمرض العقلي أو مظالم العلاقات الاجتماعية أو العاطفية، وليس الإيديولوجية.
وتفحص السلطات الأميركية أي صلة محتملة بين الهجوم وبين انفجار شاحنة من طراز (تسلا)، محمَّلة بالألعاب النارية وعبوات الغاز، خارج “فندق ترمب” في “لاس فيغاس”؛ في نفس اليوم، ولكن بحلول يوم الخميس لم تجد: “رابطًا نهائيًا”، وفق الصحيفة البريطانية. وأفادت الأنباء بأن سائق تلك السيارة، الذي قُتل في الانفجار، رقيب في عمليات القوات الخاصة الأميركية، لكنه خارج الخدمة.
تزايد المحتوى الإلكتروني المُحرض..
وفي حين لا يزال المَّحققون الأميركيون يبحثون ملابسات تبني هذا الرجل؛ الذي كان جنديًا سابقًا في الجيش، توجهاتٍ متطرفة عنيفة، يُشير مراقبون غربيون إلى تزايد المحتوى الإلكتروني المُحَرِّض والداعم لـ (داعش) بشكلٍ كبير خلال الفترة الماضية، خاصة من جانب الفرع الأكثر قوةً للتنظيم، والمعروف باسم (داعش-خراسان)، الذي يبَّث منشوراته على منصات التواصل الاجتماعي، بلغات متعددة من بينها الإنكليزية.
وقبل الهجوم الأخير في “نيو أورليانز”؛ كان الاعتداء الأكثر دموية، الذي تبناه (داعش)؛ خلال عام 2024، هو ذاك الذي استهدف مركز تسوق في العاصمة الروسية؛ “موسكو”، في آذار/مارس من العام نفسه، وخلَّف ما لا يقل عن: (150) قتيلًا وأكثر من: (500) جريح.
ينشطون في أكثر من 12 دولة..
تكرار وقوع هذه الهجمات الوحشية؛ يُشير إلى أنه على الرُغم من تفكك: “الخلافة المزعومة” لـ (داعش) في كل من “العراق وسورية”، واضطرار عناصره للانتقال نحو مناطق أخرى في “إفريقيا وآسيا” منذ سنوات، فإن أتباعه ومسلحيه والمتعاطفين معه ما زالوا يُمثلون تهديدًا للعالم بأسره، على ضوء بيانات تفيَّد بأنهم ينشطون في أكثر من (12) بلدًا.
كذلك تسَّاور الأوساطَ الأمنية الغربية مخاوف من أن أنصار التنظيم الإرهابي باتوا يميلون الآن لتنفيذ هجمات أقل تعقيدًا ويصعب اكتشافها مسبقًا، مثل اعتداءات الطعن والدهس التي أدت إلى مقتل ما يزيد على: (100) شخص، في دول مثل “الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وإسبانيا”، خلال السنوات القليلة الماضية.
استغلال الفراغ الأمني في “سورية”..
وسبق وأن نشرت شبكة (سي. إن. إن) الإخبارية الأميركية، تصريحات، أعرب مسؤولون أميركيون فيها عن قلقهم من إمكانية استغلال (داعش) أي فراغ أمني قد ينشأ في “سورية” خلال الفترة المقبلة، لإعادة تجميع صفوفه وتوسيع رقعة انتشاره في هذا البلد الذي تضاعفت هجمات التنظيم في أراضيه، ثلاث مرات تقريبًا خلال العام الماضي، مقارنة بمستواها خلال عام 2023.
وفضلًا عن ذلك؛ حذَّر قادةٌ عسكريون أميركيون من أن (داعش) يعُكف حاليًا على وضع خطط لتهريب آلاف من عناصره المحتجزين في “سورية”، ما قد يفتح الباب أمام هؤلاء لإطلاق موجة من الهجمات الإرهابية داخل منطقة “الشرق الأوسط” وخارجها.
ومنحه انهيار نظام “الأسد” المفاجيء فرصة جديدة؛ إذ استولى على مخزونات من الأسلحة والمعدات التي خلفها جيش النظام السوري والميليشيات الموالية له؛ (بحسب الآلة الدعائية الصهيوأميركية وتوابعها الغربية المضللة). ووفقًا لتقارير وخبراء عسكريين، يعمل التنظيم حاليًا على تدريب مجندين جدد وحشد قواته في الصحراء السورية، في محاولة لإحياء مشروعه المتطرف.
شن هجمات أميركية..
وفي خطوة نحو مواجهة هذا التهديد المتجدَّد؛ سارعت القوات الأميركية إلى شن هجمات مكثفة على مواقع التنظيم في “سورية”. غير أن هذا التحرك يأتي تزامنًا مع استعداد (التحالف الدولي) لمواجهة (داعش)؛ الذي تقوده “الولايات المتحدة”، لسّحب قواته من “العراق”، بعد اتفاق بين “واشنطن” و”بغداد” على إنهاء المهمة العسكرية بحلول نهاية أيلول/سبتمبر 2025.
وتبقي الاستراتيجية الأميركية المستقبلية للتعامل مع المتغيَّرات الجديدة غير واضحة المعالم مع تولي الرئيس المنتخب؛ “دونالد ترمب”، مهامه هذا الشهر، وذلك في ضوء مواقفه السابقة المشَّككة في جدوى نشر قوات في الخارج، وأيضًا تصريحاته بأن “الولايات المتحدة” يجب ألا تتدخل في الصراع في “سورية”.
“سورية”.. تحدٍ لإدارة “ترمب”..
مدير مركز (تراينغل) للإرهاب والأمن الداخلي؛ “ديفيد شانزر”، يقول إن “سورية” ستُشّكل: “تحديًا كبيرًا” لإدارة الرئيس المنتخب؛ “دونالد ترمب”، في المرحلة القادمة، موضحًا أن الوجود العسكري الأميركي المحدود في المنطقة نجح في كبح قوة تنظيم (داعش)، محذرًا من أن سّحب هذه القوات قد يؤدي إلى عودة ظهور التنظيم من جديد.
وأشار إلى أن هذا التطور سيُشّكل تهديدًا مباشرًا للحكومة الجديدة في “سورية”؛ وأيضًا في “العراق”، وقد يمتدّ تأثيره إلى داخل “الولايات المتحدة” من خلال هجمات مشَّابهة لما حدث في “نيو أورليانز”.
وعلى ضوء هذه المخاطر؛ يوصّي “شاندرز” بضرورة الإبقاء على قوة عسكرية صغيرة ومستهدفة على الأرض في “سورية”، مؤكدًا أن هذا الوجود العسكري المحدود ضروري لمنع عودة (داعش) وحماية المصالح الأميركية في المنطقة.
ويوضح الخبير الأميركي أن خطر الهجمات بالداخل الأميركي؛ يزداد عندما تكون هذه الجماعات المتطرفة نشطة وناجحة في الخارج، وينخفض عندما يتم قمعها.
ويُلفت إلى أن أفضل استراتيجية للأمن الداخلي تكَّمن في تبّني مكافحة قوية للإرهاب في الخارج، موضحًا أن ذلك يتم بشكلٍ رئيس من خلال دعم الحلفاء المحليين، مع الاحتفاظ بخيار التدخل المباشر عند الضرورة.
وأكد “شانزر” على أهمية وجود استراتيجية شاملة تجمع بين العمل العسكري في الخارج وإجراءات الأمن الداخلي، مشددًا على أن نجاح مكافحة الإرهاب يتطلب: “نهجًا متكاملًا” يأخذ في الاعتبار الترابط بين التهديدات الداخلية والخارجية.
إنهاء التنظيم في 2017..
وفي 2017؛ أعلن “العراق” دحر التنظيم في أراضيه بمسَّاندة من تحالف دولي بقيادة “واشنطن”. ثم اندحر التنظيم المتطرف في “سورية” في العام 2019؛ أمام المقاتلين الأكراد المدعومين من “واشنطن”.
وتنشر “الولايات المتحدة” زُهاء: (2500) جندي في “العراق”، ونحو: (900) في “سورية” المجاورة، في إطار التكتل العسكري الدولي.
وبعد أشهر من المحادثات بين “واشنطن” و”بغداد”؛ بشأن مستقبل التحالف، تم الاتفاق على إنهاء مهامه: “في موعد لا يتجاوز نهاية أيلول/سبتمبر 2025”.
وتنص خطة انتقالية على انسحاب التحالف من قواعد في “العراق”؛ في مرحلة أولى تستمر حتى أيلول/سبتمبر 2025، ثم من “إقليم كُردستان”؛ المتمتع بالحكم الذاتي (شمال)، بحلول أيلول/سبتمبر 2026.
عمليات التنظيم في عامين..
وتراجع نشاط (داعش) بشكلٍ ملحوظ خلال عام 2023، إذ انخفض عدد عملياته العالمية إلى أكثر من النصف؛ ليصل: (838) هجومًا، مقارنة: بـ (1.811) هجومًا في العام الذي سبقه.
وشمل هذا الانخفاض معظم مناطق نفوذه التقليدية؛ إذ تقلصت عملياته في “العراق” من: (401) إلى: (141) هجومًا، وفي “سورية” من: (292) إلى: (112) هجومًا، كما توقفت عملياته تمامًا في “سيناء”، بعد أن كان قد نفذّ: (102) هجومًا في 2022.
وشهد العام الماضي؛ تحولًا في عمل التنظيم الذي استطاع تنفيذ عدة عمليات نوعية كبيرة، أبرزها هجوم “موسكو” وهجوم “كيرمان” في “إيران”؛ في كانون ثان/يناير، الذي أسّفر عن مقتل نحو: (100) شخص، وصولًا إلى هجوم “نيو أورليانز”.
وبحسّب تحليل لمركز (صوفان) للشؤون الأمنية؛ فإن هجمات (داعش) في “سورية”، تضاعفت ثلاث مرات في 2024 مقارنة بالعام الذي سبق، لتصل إلى حوالي: (700).
وأفاد المصدر ذاته؛ بأن عناصر (داعش): “تطوروا في أساليبهم، وزادت قدرتهم على إيقاع الخسائر، وتوسع انتشارهم جغرافيًا”.
ضرورة التركيز على المتطرفين المحليين..
وأشارت دراسة أجرتها مؤسسة أبحاث (نيو أميركا)؛ إلى أنه اعتبارًا من عام 2019: “وُجد أن كل مهاجم قاتل منذ 11 أيلول/سبتمبر؛ كان مواطنًا أو مقيمًا دائمًا في الولايات المتحدة وقت الهجوم”.
من هنا؛ تقول الكاتبة “غابرييلا تيغيدا”، الباحثة المشاركة في مركز (صوفان)، والتي تُركز أبحاثها على الجغرافيا السياسية وقضايا الأمن العالمي، في مقالها بموقع مجلة (نيوزويك) الأميركية، رُغم أن التركيز على التهديدات الخارجية أمر مهم، فإنه ليس بالحل الأول لمكافحة الإرهاب في “الولايات المتحدة”. بل تحتاج الإدارة القادمة أيضًا إلى التركيز على: “المتطرفين العنيّفين المحليين”، الذين أصبحوا متطرفين على أراضي “الولايات المتحدة”.
ونوهت الكاتبة إلى ضرورة أن يكون الهجوم في “نيو أورليانز” بمنزلة إنذار للإدارة القادمة، وأجهزة إنفاذ القانون، ومجتمع الاستخبارات؛ بأن التهديد الذي يُشّكله تنظيم (داعش) ما يزال قائمًا وسوف يزداد خطورة إذا تمكنت الجماعة من إعادة الظهور في الخارج، وتضخيم دعايتها، وجندّت أعضاء جُددًا مستّعدين لارتكاب أعمال إرهابية باسمها.