وكالات – كتابات :
تحت عنوان تحذيري؛ يقول: “أميركان.. لا أوفياء وفعلاً أغبياء”، كتب الصحافي والمحلل السياسي المصري، “عماد الدين أديب”، مقال تحليلي لآخر مستجدات الأحداث التي تشهدها المنطقة؛ وخاصة بعد سيطرة حركة (طالبان) على مقاليد حكم “أفغانستان”؛ وتداعيات الانسحاب الأميركي المتسرع من البلاد، على المنطقة الشرق أوسطية، حيث يرى “أديب”: أن “حلفاء واشنطن العرب” في خطر شديد إن لم يقرأوا جيّدًا: “معنى التخلّي الفوضوي الغبي الأداء” للأميركيين عن حليفهم الأفغاني.
بداية لإعادة تشكيل رقعة اللعب..
ويستخلص الكاتب ثلاثة مستجدات من مشهد سقوط العاصمة الأفغانية، “كابول”، بتلك الكيفية التي شاهدها العالم :
01 – إدارة “بايدن”؛ هي استمرار عقائدي لإدارة “أوباما”، ولكن بأداء أكثر سوءًا، وبتنفيذ أكثر إرتباكًا.
02 – مواجهة “الصين” و”روسيا”؛ هي الأولوية الإستراتيجية الكبرى، وليس الشرق الأوسط.
03 – الأقوياء، الذين يمكن الاعتماد عليهم في إدارة ملفات المنطقة، هم: “إسرائيل، تركيا”، وقريبًا: “إيران”؛ بعد “الاتفاق النووي” الجديد.
مقرًا “أديب”؛ بأن: “هذه النتائج إن لم نفهمها هلكنا وانكسرنا، لأنّ إدارة العالم العربي، من الآن فصاعدًا؛ سوف يلزمها الأميركيون إلى قوى غير عربية، هي: تل أبيب وأنقرة وطهران”.
ملء الفراغ الأميركي في المنطقة؛ لن يُعطى لقوى الاعتدال العربي.
معللاً ذلك: فمفهوم “جيلو سوليفان” و”ديفيد” و”ويليام بيرنز” و”ويندي شرماه”، هو الرهان على الأقوياء على الأرض؛ الذين يسيطرون على الفوضى والمصالح والحدود والأراضي، حتى لو كان ذلك من خلال احتلال تركي في: “العراق وسوريا وليبيا”، أو سيطرة إيرانية في: “اليمن والعراق ولبنان”، أو تهديد وعربدة إسرائيليّيْن في المنطقة من: “سوريا” إلى: “لبنان” فـ”إيران”.
ولتحقيق هذه السياسات يراهنون الآن، في “واشنطن”؛ على أدوار: “قطر وتركيا وإثيوبيا”.
ويؤكد “أديب”؛ قائلاً: ولا مانع عند فريق “بايدن” أن يتم استخدام الميليشيات في: “ليبيا” أو “إيران” أو “سوريا”، لمساندة ودعم سياسات: “التلزيم” الآتي لملء فراغ التخلّي الأميركي عن الوجود المباشر في المنطقة.
الرهان على حصان “الإسلام السياسي” مرة أخرى..
مرّة أخرى يُعاد تسويق الرهان على الإسلام السياسي لخلق: “ربيع عربي جديد”، ولكن بتعديلات كبيرة تستفيد من: “الربيع العربي” في جزئه الأول. هكذا يرى الصحافي المصري.
“الربيع العربي-2″؛ سيكون بالرهان على تأهيل وتدريب وتسويق إسلام سياسي بعيد عن سوء الإدارة والتوحّش في الأداء.
مطلوب الآن: “نيو طالبان” و”نيو حرس ثوري” و”نيو حوثيين” و”نيو شيعة” و”نيو إخوان مسلمين” و”نيو نهضة”.
ويعلق: هذا التصوّر الإنتهازي هو قمّة في الجهل بقانون الفعل وردّ الفعل، وحقيقة الأصول الفكرية لتنظيمات الإسلام السياسي وجذورها وهياكلها وموروثها العقدي.
ويشرح “أديب”: مثلاً حركة (طالبان)، التي أُسِّست، سنة 1994، تعتبر حركة “قومية-إسلامية” سُنّية مسلّحة ترفع شعار التطبيق الصارم لمفهومها الخاص بالشريعة تحت اسم: “إمارة أفغانستان الإسلامية”، ويُقدّر عدد قوّاتها المحاربة ما بين: 220 و250 ألفًا من: “المحاربين المسلمين”. وتؤمن حركة (طالبان) بمبدأ الحاكمية لله وحده، متأثّرةً بالمدارس الدينية: “الديوبوندية الأصولية” المتأثّرة بالفهم المتشدّد: لـ”الإسلام”.
دخلت (طالبان) حروبًا متعدّدة، فلم تهدأ منذ تأسيسها، وكانت أولاها الحرب الأهلية الأفغانية: “1992 – 1996″، الحرب الأهلية الطاجيكية: “1992 – 1997″، ثم مرة أخرى الحرب الأهلية: “1997 – 2001″، ثم مواجهة الغزو الأميركي، حتى 2021.
أما فكر (الحرس الثوري) الإيراني؛ فهو فكر مذهبي شيعي يعتمد على مبدأ ولاية الفقيه، وقد اُعتُمد هذا الفكر بشكل رسمي ودستوري، في دستور 1979، حينما طلب، “آية الله الخميني”، إدخال هذا الفكر والمذهب في دستور البلاد المعمول به منذ 41 عامًا حتى الآن.
مثلاً، (الحرس الثوري) هو ذراع الإمام، التي تنفِّذ فكر الإمام الغائب إلى حين عودته، ويعمل من أجل نشر وتصدير الثورة إلى الخارج؛ بحيث يتم إعداد وتهيئة البلاد والعباد لهذه العودة المنتظرة.
تمّت ترجمة هذا الفكر إلى نظام سياسي في دولة تطلق على نفسها: “جمهورية إيران الإسلامية”، وتعتبر أنّ فكر الغرب معادٍ للإسلام، وأنّ “الولايات المتحدة” هي: “الشيطان الأكبر”.
كذلك مثلاً؛ فإن جماعة (الإخوان المسلمين)؛ هي جماعة سُنّية سلفية أسّسها، “حسن البنّا”، وهو شاب خريج كلية دار العلوم في الإسماعيلية، عام 1929، على أساس فكر الطريقة: “الحصافية الصوفية”، التي هي جماعة خرجت، ظاهريًا، في بداية الأمر تدعو إلى مواجهة الفجور والتفرنج والتغريب التي سادت المجتمع المصري بتأثير من الاحتلال، وتزامنت مع بدء تأسيس “الجامعة المصرية”، ووضع دستور 1923، وعودة البعثات الأجنبية المصرية من “باريس”، وظهور الحياة الفنية، وتأسيس الصحافة المطبوعة. ومع الوقت تحوّلت جماعة الإخوان إلى جماعة سياسية ذات تنظيم سري مسلّح، وأصبح لها تنظيم دولي، منذ ذلك الوقت حتى الآن، وله أفرع في: 82 دولة، وتمويل غير محدّد المصادر.
ثلاثتهم، (طالبان والحرس الثوري وجماعة الإخوان)، لديها خطوط اتصال دولية دائمة مع “أميركا”.
وثلاثتهم يُنظر إليهم داخل المؤسسات الأمنية الأميركية على أنّهم: “قوى متشدّدة ذات شعبية فاعلة يمكن الاعتماد عليهم والرهان على قدرتهم في السيطرة على مجتمعاتهم بالتعاون مع أميركا”.
تأملات في انسحاب مريب وسقوط مروع..
يمضي الكاتب المصري في استنباط جذور تحليله للمشهد أنه؛ ظهر هذا الفهم في “الاتفاق النووي” الأول مع “إيران”، وفي التنسيق الحالي مع (طالبان). المذهل أنّ التقويم الموضوعي للخروج الأميركي من “أفغانستان” يؤكّد، بما لا يدعُ مجالاً للشكّ، أنّ هذا لا يمكن أن يكون :
01 – أداء القوة العظمى في العالم.
02 – سياسة دولة كانت تُسيطر وتحتلّ وتُدير بلدًا خارج العصر، مقسّمًا ومهشّمًا جغرافيًا وقبليًا، وضعيفًا اقتصاديًا.
03 – أداءً عسكريًا لدولة تقود حلف الـ (ناتو)، ورائدة في علم اللوجيستيّات العسكرية.
إنّ “ألف باء” الانسحاب العسكري والخروج السياسي من دولة؛ أمرٌ يُدركه أبسط جنرال في أبسط دولة من العالم الثالث. يجب أن يكون الخروج منظّمًا، بحيث يضمن الآتي :
– حصر أعداد القوات والأسلحة والقواعد، ووضع جدول زمني مبرمج لتنظيم الخروج بشكل يضمن أمان وسلامة القوات.
– حصر عدد القوى المحلية، التي تعاونت مع الإدارة الأميركية، وتنظيم أوراق وإجراءات سفرها بعد حصرها حصرًا دقيقًا.
– التأكّد من أنّ السلاح والمعدّات التي تمّ تركها ستكون تحت إدارة وتصرّف واستخدام القوى الحليفة.
– يُضاف إلى ذلك كلّه تأمين الانتقال السياسي، والحصول على ضمانات على أنّ شكل الحكم الجديد قد تمّ الاتفاق على تفاصيله بين حكومة، “أشرف غني”، و(طالبان)، بحيث يحدث انتقال تشاركيّ بالتراضي، وليس بسقوط نظام وتسليم البلاد لـ (طالبان).
ويستطرد الكاتب المصري مستدعيًا ذاكرته: أتذكّر، ولا أنسى، دعوة إفطار مع الرئيس المصري الأسبق، “حسني مبارك”، في شرم الشيخ، عام 2009، حينما قال لي: “يا ابني المتغطي بالأميركان عريان”.