في عيدها ال1250 بغداد تكافح لاستعادة بعض بريقها التاريخي وسط البؤس والفقر وفقدان الخدمات

في عيدها ال1250 بغداد تكافح لاستعادة بعض بريقها التاريخي وسط البؤس والفقر وفقدان الخدمات

تحتفل بغداد بذكرى مرور 1250 عاما على تأسيسها وهي تكافح لاستعادة بعض من بريق ماض رسخ لها مكانة مرموقة في التاريخ الاسلامي والعربي قبل ان تمحوه صراعات لم تتوقف فيها منذ عقود. وبدأ بناء بغداد على ضفتي نهر دجلة في تموز/يوليو من العام 762 في عهد الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور (714-775) الذي اطلق عليها اسم “مدينة السلام” رغبة منه في التاكيد على انها مدينة لجميع الاعراق والاديان.
ومنذ انشائها، لعبت بغداد دورا محوريا في الحضارتين الاسلامية والعربية. ويقول استاذ التاريخ السياسي في جامعة المستنصرية عصام الفيلي ان بغداد كانت تمثل “المركز الاقتصادي الاكبر للدولة العباسية وقد اتخذت كمنطلق للسيطرة على مناطق اخرى مجاورة بهدف تعزيز النفوذ الاسلامي”.
ويضيف ان “بغداد شهدت نهضة فكرية عن طريق الترجمة التي عادة ما كان يتقنها اليهود والمسيحيون، وتحولت الى قبلة المفكرين والشعراء والعلماء من كل بقاع العالم، ومركز الصناع ومدينة الاعمار”.
ويستدرك “اما بغداد اليوم، وبعد ان كانت بمثابة عاصمة العالم، باتت واحدة من اكثر مدنه بؤسا”.
وشهدت بغداد على مر التاريخ صراعات داخلية وغزوات خارجية بعدما اثارت طمع المتربصين بدورها الريادي في ذلك الوقت.
وسقطت بغداد للمرة الاولى عام 1258 علي ايدي جيش هولاكو المغولي، وفي المرة الثانية عام 1831 على ايدي العثمانيين، وفي عام 1917 على ايدي البريطانيين، ثم قبل تسع سنوات حين اجتاحتها قوات تحالف دولي قادته الولايات المتحدة.
وتعيش بغداد ومنذ الاجتياح عام 2003، على وقع اعمال عنف يومية تشمل الهجمات الانتحارية والمسلحة والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة والاغتيالات التي تنفذها ميليشيات وعصابات مسلحة.
وتبدو العاصمة بسبب اعمال العنف هذه التي قتل فيها عشرات الآلاف منذ سقوط نظام صدام حسين، عبارة عن وعاء اسمنتي كبير حيث تنتشر في شوارعها الحواجز الاسمنتية والاسلاك الشائكة التي تحيط خصوصا بمبانيها الحكومية ومقرات الوزارات والمصارف خوفا من السيارات المفخخة.
وتضفي هذه الجدران الاسمنتية طابعا من الكآبة على العاصمة التي يسكنها نحو ستة ملايين نسمة وتحمل معظم مناطقها ملامح البؤس والافتقار الى الخدمات الاساسية.
وتنتشر النفايات في شوارع بغداد، ويطبع سوء التنظيم والترتيب محالها التجارية التي غالبا ما تحتل بضاعتها الارصفة المقابلة لها، بينما تشكو الطرقات الفرعية من الحفر وقلة الصيانة.
وتتوسط بغداد منطقة محصنة تعرف باسم المنطقة الخضراء وتشمل عددا من الوزارات والابنية الحكومية ويسكنها النواب والوزراء الذين قلما يظهرون في العلن خشية تعرضهم للاغتيال.
وكانت بغداد اعلنت عام 2011 كاسوأ مدينة للعيش في العالم وفقا لاستطلاع دولي، بسبب وضعها الامني ووضع البنى التحتية المتخلفة فيها والظروف المعيشية الصعبة والبائسة.
ويقول الفيلي ان “بغداد اليوم تشبه بغداد الامس من حيث الترف الذي كان يتمتع به الخليفة وعائلته ايام العباسيين، في مقابل بؤس الشعب”.
ويشير الى وجه آخر للشبه يتمثل “ببيع وشراء المناصب مثلما كان يجري في آخر حقبة العباسيين”.
وتعتبر بغداد احد اكثر عواصم العالم فسادا حيث يستشري الفساد في غالبية المؤسسات الحكومية، ويمتد من اصغر المشاريع كاصلاح الطرقات، الى اكبرها وخصوصا تلك المرتبطة بقطاع الكهرباء التي تحصل بغداد نحو ست ساعات منها في اليوم فقط.
ويرى الفيلي ان” بغداد تغيرت جذريا منذ عقود”.
وتوضح ان “سيطرة الدولة على النظام الاقتصادي بعد ثورة 1958، ثم مغامرات النظام السابق والحروب التي خاضها، وفلسفة الدولة الحالية التي تركز على الطائفية، محت بريق بغداد التاريخي”.
وتسعى بغداد منذ الانسحاب العسكري الاميركي من العراق نهاية العام الماضي، الى استعادة بعض من هذا البريق.
واستضافت العاصمة العراقية التي نادرا ما يزورها مسؤولون عرب واجانب، القمة العربية الاخيرة ثم اجتماع ايران مع مجموعة الدول الست المعنية بالملف النووي لطهران.
ورغم ذلك، يقول الكاتب والاعلامي رفعت محمود لفرانس برس ان “مسالة اعادة بغداد الى ما كانت عليه امر صعب ولا يمكن تحقيقه في ظروف كالتي تعيشها المدينة المهملة الآن”. ويضيف “بغداد تحتاج الى ما يمكن ان نطلق عليه المعجزة حتى تستعيد شكلها وموروثها وجزءا من ماضيها على الاقل”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة