في ظل التجاذبات السياسية العراقية مبادرة “الحزام والطريق” تعود للواجهة من جديد .. فهل ترى النور قريبًا ؟

في ظل التجاذبات السياسية العراقية مبادرة “الحزام والطريق” تعود للواجهة من جديد .. فهل ترى النور قريبًا ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

بات “العراق” في حاجة ماسة إلى التنمية الحقيقية وسط استشراء الفساد والتأزم السياسي والوضع المحتقن الذي يحول دون تقدمه، وهو ما دفع النائب المستقل في البرلمان العراقي؛ “صلاح التميمي”، إلى الإعلان عن تبنَيه مع مجموعة نواب مستقلين حملة توقيع نيابية لاستفادة “العراق” من “طريق الحرير”.

وفي السياق ذاته؛ قالت صحيفة (فايننشال تايمز) البريطانية، في تقرير لها أن “العراق” بات المستفيدَ الأكبر من “مبادرة الحزام والطريق”؛ التي أطلقها، “شي جين بينغ”، حيث تسعى “الصين” لملء الفراغ الذي خلَّفه انسحاب “الولايات المتحدة” من الحرب؛ التي أزهقت مئات الآلاف من الأرواح وكلّفت دافعي الضرائب الأميركيين تريليونات الدولارات.

حيث أبرمت “بكين” عقود بناء جديدة بقيمة: 10.5 مليار دولار بـ”العراق”؛ في عام 2021، في إطار “تحول قوي” في نشاطها بالشرق الأوسط؛ رغم تراجع الاستثمارات الصينية في الخارج بشكل عام.

“الصين” بدأت ممارسة نفوذها مع التراجع الأميركي في المنطقة..

إذ بدأت “الصين” في تعزيز مكانتها بالمنطقة في العام نفسه الذي أنهى فيه الرئيس؛ “جو بايدن”، رسميًا مهمة القتال الأميركية في “العراق”، واستعادت (طالبان) السيطرة على “أفغانستان” بعد انسحاب قوات “التحالف الدولي” الفوضوي.

يُشار إلى أن “بكين” تعتمد على الشرق الأوسط في معظم وارداتها من الطاقة، وفي المقابل تسعى الدول العربية للاستفادة من التكنولوجيا الصينية وتوسيع العلاقات التجارية مع صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والعلاقات بين “بكين” و”بغداد” تحديدًا تعززت في السنوات الأخيرة.

تعميق العلاقات مع كل أعداء وأصدقاء “واشنطن”..

وتتوافق مع (فاينانشيال تايمز) رؤية صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية، التي تقول فيها أن “الصين” تعمل على استغلال: “الفراغ” الذي تركته “الولايات المتحدة” في الشرق الأوسط، بعد خفض “واشنطن” تواجدها في المنطقة، بعدما أنهكتها الحروب هناك على مدار سنوات.

وأشارت الصحيفة إلى أن “الولايات المتحدة” أصبحت تُركز على التحديات التي تفرضها عليها “الصين”، بدلاً من التواجد المُركز في الشرق الأوسط. لكن “بكين” بدا أنها تستغل ذلك الانسحاب الأميركي، لتعزيز تواجدها في الشرق الأوسط وتوسيع علاقاتها مع دول المنطقة، من خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتعاون في مجال التكنولوجيا والأمن.

وذكر التقرير؛ الذي نشرته (نيويورك تايمز)، أنه خلال شهر كانون ثان/يناير الماضي، زار “الصين”: 05 مسؤولين كبار من دول عربية غنية بـ”النفط”، لمناقشة التعاون في مجال الطاقة والبنية التحتية. كما تعهد وزير الخارجية التركي؛ “مولود غاويش أوغلو”، بالقضاء على: “التقارير الإعلامية التي تستهدف الصين” في وسائل الإعلام التركية، وضغط وزير الخارجية الإيراني لإحراز تقدم في استثمار: 400 مليار دولار وعدت “الصين” بلاده به.

ورأت الصحيفة الأميركية أنه في الوقت الذي تسعى فيه “الولايات المتحدة”، المنهكة من عقود من الحرب والاضطرابات في الشرق الأوسط، إلى الحد من مشاركتها بالمنطقة، تعمل “الصين” على تعميق علاقاتها مع كل من أصدقاء “واشنطن” وأعدائها في جميع أنحاء المنطقة.

وأوضحت الصحيفة، أنه: “بينما لا تقترب الصين من منافسة النفوذ الواسع للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن دول المنطقة تتطلع بشكل متزايد إلى الصين ليس فقط لشراء نفطها، ولكن لجذب استثمارات صينية في البنية التحتية والتعاون في التكنولوجيا والأمن، وهو اتجاه قالت الصحيفة إنه يمكن أن يتسارع مع انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة”.

وبالنسبة لـ”بكين”، فإن الاضطرابات الأخيرة في الدول المجاورة مثل: “أفغانستان وكازاخستان”، قد عززت رغبتها في تنمية علاقات مستقرة في المنطقة، لاسيما بعد انسحاب الجيش الأميركي من “أفغانستان” بعد 20 عامًا، وكذلك إنتهاء مهمته القتالية في “العراق” رسميًا.

ترحيب بالتوسع الصيني مقابل عدم التدخل في شؤون الدول..

إلى جانب هذا؛ فإن حديث إدارة الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، المتكرر عن “الصين” كأولوية أمنية وطنية قُصوى، ترك العديد من شركائها في الشرق الأوسط يعتقدون أن اهتمام “واشنطن” يكمن في مكان آخر، وفق (نيويورك تايمز).

ورأت الصحيفة الأميركية أن هناك حكومات باتت ترحب بالتوسع الصيني في المنطقة، لا سيّما وأن “بكين” تتبنى سياسة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.

وقال “جداليا أفترمان”، رئيس برنامج سياسة آسيا في معهد “أبا إيبان للدبلوماسية الدولية”؛ في جامعة “رايشمان” في إسرائيل: “هناك شعور في المنطقة بأن الولايات المتحدة في طريقها للخروج بشكل نشط، وهذه فرصة للصين”.

ولفتت الصحيفة إلى أنه: “لطالما كان اهتمام الصين بالشرق الأوسط يتركز على شراء النفط، فهي تشتري ما يقرب من نصف إنتاجها من النفط الخام من الدول العربية، وتتصدر السعودية القائمة، ومن المؤكد أنها بحاجة إلى المزيد من النفط مع استمرار نمو اقتصادها، وهو ثاني أكبر اقتصاد في العالم. لكن في السنوات القلائل الماضية، استثمرت الصين أيضًا في البنية التحتية في المنطقة، وعقدت صفقات لتزويد الدول هناك بالاتصالات والتكنولوجيا العسكرية”.

وتتطلع الشركات الصينية؛ المدعومة من الدولة، إلى الاستثمار في ميناء بحري في “تشابهار” في “إيران”. كما ساعدت في تمويل منطقة صناعية في “ميناء الدقم”؛ بـ”سلطنة عُمان”، وبناء وتشغيل محطة حاويات في “أبوظبي”، بالإضافة إلى ميناءين جديدين في “إسرائيل”.

أهمية منطقة الخليج..

وتعكس مثل هذه التحركات وجهة نظر “بكين” للشرق الأوسط؛ على أنه حاسم لـ”مبادرة الحزام والطريق”، وهي خطة شاملة لبناء بنية تحتية دولية لتسهيل التجارة الصينية.

وقال “جوناثان فولتون”، الزميل الأول غير المقيم لبرامج الشرق الأوسط في “المجلس الأطلسي”، إن “الصين” تأمل في ربط الأسواق وسلاسل التوريد من “المحيط الهندي” إلى “أوراسيا”، مما يجعل منطقة الخليج: “مركزًا مهمًا حقًا”.

وفي تعاملاتها التي تُركز على الأعمال التجارية في المنطقة، لم تواجه “الصين”؛ “الولايات المتحدة”، بشكل مباشر. لكنها غالبًا ما تروج لنفسها كشريك بديل للدول التي تُشكك في نموذج “واشنطن” للتنمية، أو تاريخها من التدخلات السياسية والعسكرية.

وذكر “لي جوفو”، الباحث في معهد “الصين” الدراسات الدولية؛ الذي تشرف عليه “وزارة الخارجية” الصينية؛ أنه: “في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة صعودًا وهبوطًا في سياساتها الداخلية والخارجية، تشعر تلك الدول بأن الصين ليست فقط الدولة الأكثر استقرارًا، لكنها كذلك الأكثر موثوقية”.

مشتري طويل الأجل لـ”النفط”..

وقالت (نيويورك تايمز) إنه بالنسبة لدول الشرق الأوسط، فإن فوائد العلاقة مع “بكين” واضحة، إذ تُعد “الصين” بأن تكون مشتريًا طويل الأجل لـ”النفط” و”الغاز”؛ ومصدرًا محتملاً للاستثمار، “دون التعقيدات السياسية التي ينطوي عليها التعامل مع الولايات المتحدة”.

كما أن: “بكين لا تجد غضاضة في التعامل مع الحكومات التي ترفضها واشنطن. فقد انضمت سوريا لتوها إلى مبادرة الحزام والطريق، وأصبحت إيران تعتمد بشدة على الصين، منذ انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق فيينا، وإعادة فرض العقوبات التي أصابت اقتصادها بالشلل”.

وأوضحت الصحيفة، أن: “الصين هي الشريك التجاري الأكبر للعديد من البلدان في المنطقة، ويتوقعون أن تشتري المزيد من النفط والغاز لأن الولايات المتحدة، التي سعت تحت إدارة بايدن إلى الإبتعاد عن الوقود الأحفوري، تشتري كميات أقل. وفي العام الماضي، تجاوزت التجارة بين الصين ودول الخليج: 200 مليار دولار لأول مرة، وتوسع التعاون ليشمل مجالات جديدة”.

وعلى الرغم من محاولات “الولايات المتحدة” لعرقلة بعض خطوات “الصين” نحو المنطقة، ولاسيما تحديث منشآت البنية التحتية للاتصالات من جانب شركة “هواوي”، إلّا أن بعض الدول العربية أبرمت اتفاقات مع الشركة الصينية العملاقة.

ثالث أكبر شريك في المبادرة في مجال الطاقة..

وأفادت دراسة نشرت؛ أمس الأربعاء، بأن “العراق” كان الهدف الرئيس لمبادرة البنية الأساسية: “الحزام والطريق” الصينية؛ في 2021، إذ تلقى تمويلاً قدره: 10.5 مليار دولار لمشروعات تشمل محطات توليد كهرباء تعمل بـ”النفط” الثقيل.

وإجمالاً بلغت استثمارات “الصين” من خلال الاستثمار والتعاون في: 144 دولة، تشملها المبادرة: 59.5 مليار دولار؛ دون تغيير كبير عن: 60.5 مليار دولار؛ في 2020، وفقًا لتقرير “مركز التمويل الأخضر والتنمية” بجامعة “فودان”؛ في “شنغهاي”.

وقالت الدراسة إن الاستثمارات في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط؛ العام الماضي، زادت بنسبة نحو: 360 بالمئة، والمشروعات الإنشائية بنسبة: 116 بالمئة بالمقارنة بعام 2020.

وتابعت الدراسة أن “العراق”، الذي أنهت فيه “الولايات المتحدة” عملياتها العسكرية العام الماضي، أصبح ثالث أكبر شريك في المبادرة في مشروعات الطاقة؛ منذ عام 2013، بعد “باكستان” و”روسيا”، لكن المسؤولين في “بغداد” حريصون على تأمين استثمارات صينية لتحديث البنية التحتية المتدهورة. إذ تُحجم العديد من الشركات الغربية عن الاستثمار في البلاد.

وتتعاون “الصين” مع “العراق” على بناء “محطة الخيرات” التي تعمل بالوقود الثقيل في محافظة “كربلاء”؛ في “العراق” وفازت شركة “سينوبك” الصينية؛ بعقد تطوير “حقل المنصورية” العراقي لـ”الغاز الطبيعي” قرب الحدود مع “إيران”. ويتعاون البلدان كذلك لبناء مطار ومحطة طاقة شمسية ومشروعات أخرى.

وأطلقت “الصين”؛ “مبادرة الحزام والطريق”، في عام 2013؛ لتعزيز الروابط التجارية مع بقية العالم، وأنفقت الكثير على تطوير البنية الأساسية في عشرات الدول على مستوى العالم.

لكن منتقدين يقولون إن التمويل الذي تقدمه “الصين” عادة ما يكون غير مرغوب فيه؛ ويفتقر للشفافية ويجعل بعض الدول الأكثر فقرًا؛ خاصة في “إفريقيا”، معتمدة على “الصين” عن طريق الديون.

يُذكر أنه في كانون أول/ديسمبر 2021، وقع “العراق” اتفاقية مع شركتي: “Power Construction Corporation” و”Sinotech” الصينيتين؛ لبناء: 1000 مدرسة ستُمول من المنتجات النفطية.

يلعب الدور الحاسم في عملية تسريع التبادل التجاري..

تعليقًا على تلك الخطوات البرلمانية، يقول الخبير المالي والاقتصادي؛ الدكتور “صفوان قصي”: “إن العراق يمتلك موقع مميز على مستوى الكرة الأرضية، ويستطيع أن يلعب الدور الحاسم في عملية تسريع التبادل التجاري في مشروع ربط القارات الثلاث: آسيا وأوروبا وإفريقيا، وحاليًا يجري استثمار في ميناء الفاو الكبير الذي يحتاج إلى بنى تحتية، لذلك انفتح العراق على المملكة العربية السعودية باعتبارها بوابة لقارة إفريقيا، وهناك مبادرة تركية لربط ميناء الفاو بالاتحاد الأوروبي عبر تركيا، وبذلك يستطيع العراق خفض تكاليف النقل الدولية، كما يمتلك العراق الوقود الذي يسد حاجة الصين والهند، اللتان تسعيان إلى ديمومة العلاقات مع العراق”.

مضيفًا “قصي”؛ أن: “هناك مصالح داخلية وإقليمية ودولية تتعارض مع مشروع طريق الحرير، فبعض الموانيء قد تتأثر بهذا الطريق المار عبر العراق، إذ ستنخفض إيراداتها بسبب تغيير طريق التجهيز والنقل الدولي، وعلى العراق أن يخلق شراكة مع الدول المتضررة وتعويضها النقص الحاصل بسبب هذا التغيير”.

وأضاف “قصي”: “توجد منظومة دولية ماضية بهذا المشروع العملاق، وإذا لم يلتحق العراق بهذه المنظومة فإنه سيخسر الكثير، منها ملايين فرص العمل، خصوصًا وأنه يحاول أن يصبح ضمن منطقة التجارة العالمية، وهناك شركات متعددة الجنسية تدعم مشروع طريق الحرير، الذي سيوفر تكاليف نقل قليلة فيما لو مر عبر العراق”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة