في ظل الإدارة الأميركية الجديدة .. إلى أين تتجه صراعات وأزمات العالم ؟

في ظل الإدارة الأميركية الجديدة .. إلى أين تتجه صراعات وأزمات العالم ؟

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

تحولات حاسمة ينتظرها العالم مع دخول عام 2025؛ على وقع أزمات وصراعات تمنع استقرار العالم.

وما زالت أصداء الانتخابات الأميركية؛ التي أسفرت عن فوز؛ “دونالد ترمب”، بولاية ثانية، تثَّير الكثير من التساؤلات، ناهيك عن التحولات الأوروبية، وتطورات الصراعات في “أوكرانيا والشرق الأوسط”، وتداعيات الأزمات في “إفريقيا وآسيا”، كعوامل رئيسة تسَّاهم في تشكيل النظام العالمي.

معهد (تشاثام هاوس) الأميركي؛ أعد تقريرًا تحدث عن أبرز القضايا الجيوسياسية التي ستحدَّد ملامح النظام العالمي في السنوات المقبلة، مع التركيز على خيارات القوى الكبرى واستراتيجياتها في مواجهة التحديات المعقدَّة.

“ترمب” بين “بكين” و”موسكو”..

بمجرد تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب؛ “دونالد ترمب”، في العشرين من كانون ثان/يناير 2025، فسيكون عليه اتخاذ خيارات تستّلزم السلطة الكاملة لاتخاذها.

وتأتي على رأس القائمة العلاقات الجيوسياسية المتوترة بين “أميركا وروسيا والصين”.

وفيما يتصل بالعلاقات مع “روسيا”؛ سيكون السؤال هو أي علاقة ينبغي أن تلعبها “أميركا” مع “روسيا” ورئيسها؛ “فلاديمير بوتين”، وسينبَّع الموقف الأميركي بشأن “أوكرانيا” من هذا.

ومن المتوقع أن يدفع “ترمب” إلى التوصل إلى اتفاق الأرض مقابل السلام مع “أوكرانيا”، ولكن لنرى ما إذا كان سيُحاول ـ مثل العديد من الرؤساء في عامهم الأول ـ إعادة ضبط العلاقة مع “روسيا”، إما بالضغط من أجل محادثات الاستقرار الاستراتيجي أو خطة لأمن “أوروبا” تُدمج “روسيا”.

وفي حين أن محادثات ضبط تدفقات الأسلحة لـ”أوكرانيا” ستلقّى ترحيبًا من كثيرين، فمن المتوقع أن يواجه “ترمب” مقاومة إذا حاول إعادة ضبط العلاقة على نحوٍ أكثر طموحًا.

وربما تكون “الصين” هي العلاقة الأقل إلحاحًا، ولكن بالنسبة لـ”أميركا” والاقتصاد العالمي والاستقرار الدولي، فهي العلاقة الأكثر أهمية.

ولكن هل ينفذَّ “ترمب” تهديده بفرض رسوم جمركية إضافية على الواردات الصينية؛ ويميل إلى الدفاع عن “تايوان”، أم أنه سيُحاول عقد صفقة كبُرى تُتيح لـ”الصين” الاستفادة من شراكتها مع “روسيا” لتأمين صفقة في “أوكرانيا”، في مقابل التزام أميركي أقل تجاه “تايوان” ؟.

قد تترك مثل هذه الصفقة العلاقات بين “الصين وروسيا وأميركا” في مكانٍ أفضل، ولكن بثمنٍ باهظ.

ونظرًا للوضع الجيوسياسي الحالي؛ فمن المُرجّح أن يكون أي هدوء عابرًا. وإذا حاول “ترمب” إعادة ترتيب الأمور على هذا النحو الجذري، فإن هذا يُشير إلى تخطي الكثير من الحواجز فيما يتصل بالسياسة الخارجية والسلطة الرئاسية ـ ولن يكون العديد من الأميركيين، بما في ذلك في حزبه، سعداء بذلك.

تشكيل السياسة الأوروبية..

وعن “أوروبا”؛ فمن المؤكد أن انتخابات الـ (بوندستاغ) الألماني، المقررة في الثالث والعشرين من شباط/فبراير، سوف تُشّكل السياسة الأوروبية في عام 2025.

ومن المتوقع أن تُجدد الانتخابات، التي تم تقديم موعدها من أيلول/سبتمبر بعد انهيار الحكومة الائتلافية، الدماء للقيادة السياسية الألمانية.

وانكمش اقتصاد “ألمانيا” ـ وهو الأكبر في “الاتحاد الأوروبي” ـ للعام الثاني على التوالي في عام 2024، ويُعاني العمود الفقري التقليدي لاقتصادها، صناعة السيارات، من صعوبات.

وسيتعين على الحكومة الجديدة أن تواجه هذه القضايا وتوفر زخمًا جديدًا للقيادة في “الاتحاد الأوروبي” ودعمًا أكبر لـ”أوكرانيا”.

ومن المتوقع أن تنشر “المفوضية الأوروبية” الجديدة في وقتٍ مبكر من العام الجديد ورقة بيضاء بشأن الدفاع، في محاولة لتمهيد الطريق نحو نهج أكثر تنسيقًا وتكاملًا للأمن الأوروبي.

ومن جهته؛ يُراقب “حلف شمال الأطلسي”؛ بحذر، جهود “الاتحاد الأوروبي”، لكنه يحتاج إلى العمل معًا لبناء قاعدة صناعية دفاعية أقوى في “أوروبا”، وخاصة في ضوء إعادة انتخاب؛ “دونالد ترمب”، والتزامه المتذبذب بالأمن عبر “الأطلسي”.

كما طورت “المفوضية الأوروبية” مجموعة من أدوات السياسة الاقتصادية والأمنية والصناعية التي تهدف إلى حماية الرخاء داخل “الاتحاد الأوروبي”، وتحفيز النمو الاقتصادي.

ويُشّكل الأمن الاقتصادي أولوية بالنسبة للمفوضية الثانية؛ لـ”أورسولا فون دير لاين”، لذا فمن المُرجّح أن يُضاعف “الاتحاد الأوروبي” جهوده في هذه الاستراتيجية في سعيّه إلى حماية نفسه من آثار التوترات التجارية بين “الولايات المتحدة والصين” مع تولي “ترمب” منصبه مرة أخرى.

الدفاع والأمن..

ورُغم تزايد حدة الصراعات العالمية في الشرق الأوسط و”أوكرانيا والسودان” وغيرها، مع احتمالات امتدادها إلى مناطق أخرى، من المتوقع أن يؤدي استئناف أجندة الرئيس؛ “ترمب”: “أميركا أولًا” في عام 2025؛ إلى تقليص الالتزامات الدفاعية العالمية لـ”الولايات المتحدة”، مما يدفع الحلفاء إلى إعادة النظر في استراتيجياتهم وتعزيز قدراتهم.

وعلى خلفية هذا؛ تواجه “بريطانيا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي” اختبارًا حاسمًا لقُدرتها على تعزيز تعاونها والتكيف مع بيئة أمنية معادية على نحوٍ متزايد.

وبالنسبة لـ”حلف شمال الأطلسي”، يكَّمن التحدي في الحفاظ على تماسك التحالف وسط التحولات المحتملة في السياسة الخارجية الأميركية والانقسام الداخلي بين الدول الأعضاء في “حلف شمال الأطلسي”، وخاصة بشأن دعمها لـ”أوكرانيا”.

وفي عام 2025؛ سيواجه “الاتحاد الأوروبي” تحديات مزدوجة تتمثل في الإصلاح المؤسسي والانتعاش الاقتصادي مع تعزيز استعداده للأزمات.

وتسَّلط التقارير؛ التي نُشرت في عام 2024، من الرئيس الفنلندي السابق؛ “ساولي نينيستو”، ورئيس الوزراء الإيطالي السابق؛ “ماريو دراغي”، الضوء على الحاجة إلى نهج أكثر شمولًا وتعاونًا للأمن الأوروبي.

وهذا من شأنه زيادة الضغوط على البلدان لتعزيز الجاهزية العسكرية والمدنية، وتعزيز القدرة التنافسية وإعادة بناء قاعدتها الصناعية الدفاعية في العام المقبل.

وتتوقع “بريطانيا” دورًا أكثر بروزًا داخل “حلف شمال الأطلسي”، وتُعيّد التركيز أيضًا على تعزيز علاقتها مع “الاتحاد الأوروبي”.

وتهدف مراجعة الدفاع الاستراتيجية المقبلة، والتي من المتوقع أن تصدَّر في أوائل عام 2025، إلى إعادة تموضع القدرات الدفاعية البريطانية من خلال إعطاء الأولوية للابتكار التكنولوجي، وزيادة الاستقلالية، وبناء شراكات إقليمية أكثر تكاملًا.

وفي الوقت نفسه؛ من المُرجّح أن تسعى الحكومة إلى إبرام ميثاق دفاعي بين “المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي” كوسيلة لتعزيز تحالفهما.

الشرق الأوسط.. أمن “إسرائيل” واحتواء “إيران”..

ومن غير المُرجّح أن يهيَّمن إنهاء الصراع في الشرق الأوسط على أجندة السياسة الخارجية لـ”ترمب”؛ في عام 2025.

ومع ذلك؛ فإن الإدارة القادمة سوف تُرسخ استراتيجيتها الإقليمية حول ركيزتين: أمن “إسرائيل” واحتواء “إيران”.

ولقد حافظ “ترمب” على دعمه القوي لـ”إسرائيل” وسيستمر في إعطاء الأولوية لاحتياجاتها الأمنية، حتى لو كان من المتوقع أن يُحثّ حكومة “نتانياهو” على تقليص عملياتها العسكرية في “غزة”؛ بعد وقف إطلاق النار في “لبنان”.

ولن يؤدي هذا النهج إلى أي تسوية سياسية من شأنها أن تُعالج قضية تقرير المصير الفلسطيني أو التي يُمكن أن يزعم “ترمب” أنها انتصار، ولكن من المُرجّح أن يؤدي إلى وقف إطلاق النار الذي ترفضه “إسرائيل”.

كما أشار “ترمب” إلى نيته العودة إلى عقوبات الضغط القصوى التي فرضها على “طهران”؛ في عام 2018، بعد الانسحاب من “الاتفاق النووي” الإيراني.

والهدف المحتمل لهذا النهج ليس دعم تغيير النظام في “طهران”؛ بل فرض مفاوضات جديدة بشأن البرنامج النووي الإيراني ونقل المساعدات العسكرية إلى “روسيا” والجهات الفاعلة غير الحكومية، وفق التقرير.

ولقد قوبل السقوط السريع وغير المتوقع للرئيس السوري؛ “بشار الأسد”، في كانون أول/ديسمبر الماضي، بالاحتفالات داخل البلاد، ورُغم أن التحول السياسي في المستقبل ليس مؤكدًا، فإن سقوط “الأسد” أدى إلى إضعاف موقف “إيران” وجماعات ما يسَّمى بـ (محور المقاومة) في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

وفي غياب المشاركة المنسَّقة والعمليات الدبلوماسية المصاحبة، فمن المُرجّح أن تؤدي هذه الأجندة الضخمة إلى تفاقم دائرة الصراع؛ بدلًا من تشجيع الاستقرار الإقليمي.

“بريطانيا”.. موازنة العلاقات مع “أوروبا وأميركا”..

ومع تولي حكومة حزب (العمال) الجديدة السلطة؛ ستكون أولوية السياسة الخارجية لـ”بريطانيا”، في العام الجديد، هي موازنة العلاقات مع “الولايات المتحدة وأوروبا”.

وسيتم إيلاء المزيد من الاهتمام لدور “بريطانيا”؛ في الأمن الأوروبي مع استمرار الحرب في “أوكرانيا” في عامها الرابع.

وقد تعهدت حكومة “ستارمر” بالفعل؛ بتقديم (03) مليارات جنيه إسترليني سنويًا في شكل دعم عسكري لـ”أوكرانيا”: “طالما استغرق الأمر”، بالإضافة إلى تلبية هدف الإنفاق الدفاعي السنوي لـ”حلف شمال الأطلسي”؛ بنسبة: (2%) من الناتج المحلي الإجمالي، مع تحديد هدف مستقبلي بنسبة: (2.5%)، في حدث مالي مستقبلي.

ولكن إعادة انتخاب “ترمب” قد تضغط على “بريطانيا” للوفاء بهذا الالتزام؛ في وقتٍ أقرب، إذا جعل دعم “الولايات المتحدة”؛ لـ”حلف شمال الأطلسي”، أقل كما هدد.

ويمكن لحكومة حزب (العمال) أن تستغل هذه الفرصة لتوليد روابط أمنية أقوى مع جيرانها الأوروبيين.

وسوف يكون ما إذا كانت هذه الروابط تترجم إلى تعاون اقتصادي أكبر اعتبارًا رئيسًا آخر لـ”بريطانيا” في عام 2025.

وإذا نفذّ “ترمب” خططه المَّعلنة لفرض الرسوم الجمركية على شركاء “الولايات المتحدة” التجاريين، فيجب على “بريطانيا” أن تُفكر إما في إبرام صفقة إعفاء مع “الولايات المتحدة”، أو الانضمام إلى جيرانها الأوروبيين.

وستتلخص مدى قدرة “بريطانيا” على لعب دور نشط في النقاط الساخنة الاستراتيجية الأخرى؛ بما في ذلك منطقة المحيطين “الهندي والهاديء” – حيث يزداد خطر الصراع مع إعادة انتخاب “ترمب” – في السؤال التالي: هل تستطيع البلاد رفع النمو الاقتصادي لدعم نفوذها العالمي ؟

روسيا وأوكرانيا.. عام النجاح أو الفشل..

“إن السياسة الغربية المتمثلة في إبقاء أوكرانيا في الحرب، بدلًا من مساعدتها على الفوز، سوف تدفع البلاد – وبالتالي العالم الغربي – إلى حافة الهزيمة على يد روسيا”، وفق تقرير المعهد الأميركي.

وذكر التقرير أن: “انخفاض المساعدات العسكرية، وروسيا الجريئة، واستمرار غياب القيادة في الغرب يعني أن الأمور سوف تزداد سوءًا بالنسبة لأوكرانيا في عام 2025”.

ومن المُرجّح أن يُصبح الاعتقاد بين القادة الغربيين بأن “أوكرانيا” لا تستطيع الفوز في هذه الحرب أكثر انتشارًا في عام 2025، وسوف يُغذي هذا الاعتقاد حلقة معزَّزة ذاتيًا من الدعم المتناقص والخسائر العسكرية الأكبر.

جنبًا إلى جنب مع إعادة انتخاب؛ “دونالد ترمب”، فإن هذا يعطي الزخم للدفع نحو التوصل إلى اتفاق تسوية. ولكن هذا من شأنه أن يجمّد الصراع بدلًا من حله، ومن المُرجّح أن يؤدي إلى خسائر إقليمية من جانب “كييف”.

الواقع أن الإرهاق الذي يشعر به المانحون الغربيون والانتصار الروسي الجزئي، الذي يُروَّج له باعتباره أفضل نتيجة يمكن تحقيقها، يُشكلان التهديد الأعظم الذي يواجه “أوكرانيا” في عام 2025.

ولكن على الرُغم من التقدم العسكري الذي أحرزته “روسيا” في “أوكرانيا”؛ في الأشهر الأخيرة، فإنها ليست غير قابلة للكسر، وهي تحت ضغط هائل، وخاصة على المستوى المالي.

ويقول خبراء الاقتصاد إن “فلاديمير بوتين”؛ لديه (12) إلى (18) شهرًا فقط لمواصلة هذا المسّار قبل أن يضطر إلى اتخاذ قرارات محلية صعبة.

ومن الأفضل للعالم الغربي ـ أو على الأرجح تحالف من الراغبين ـ أن يُدرك هذه الضغوط وينظر في أفضل السبُل للضغط على “روسيا” في عام 2025.

محاسبة “بوتين” و”نتانياهو”..

وبإصدار مذكرة اعتقال؛ في تشرين ثان/نوفمبر، بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ “بنيامين نتانياهو”، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أصبحت “المحكمة الجنائية الدولية” تمتلك الآن مذكرات اعتقال بحق رئيسين في السلطة؛ بينهما “فلاديمير بوتين” هو الآخر.

وسوف يتحول الاهتمام إلى أي من الدول الأعضاء؛ البالغ عددها: (124) دولة، سوف تنفذَّ قرار “المحكمة” وتقيَّد سفرها في عام 2025.

ومن المتوقع أن يعمل “ترمب” على إضعاف الالتزامات المتعددة الأطراف لـ”الولايات المتحدة” – ويُدين إن لم يكن يتجاهل – مجموعة من المعاهدات الدولية، بما في ذلك “اتفاق باريس للمناخ”.

وسيكون مدى دعم الدول الأخرى والضغط من أجل سيادة القانون الدولي في مواجهة رفض “ترمب” ذا عواقب وخيمة.

وتستمر القضية التي رفعتها “جنوب إفريقيا”؛ أمام “محكمة العدل الدولية”، في عام 2023، والتي تزعم أن تصرفات “إسرائيل” في “غزة” تنتهك التزاماتها بموجب “اتفاقية الإبادة الجماعية”، في العام المقبل مع “إسرائيل” حتى تموز/يوليو، لتقديم ردها الكتابي على الادعاءات.

وسيتم تسليم الرأي الاستشاري لـ”محكمة العدل الدولية”؛ بشأن التزامات الدول المتعلقة بالمناخ في عام 2025.

ولكن من غير الواضح ما إذا كان هذا الرأي سيُساعد في توجيه البلدان نحو عمل مناخي أقوى أو يُمثل مجرد مهرجان للمحامين الدوليين في العالم.

إفريقيا.. بين الفرص والتحولات

أما القارة السمراء؛ فمن المتوقع أن يتزايد صوتها على الساحة العالمية في عام 2025؛ مع تولي “جنوب إفريقيا” رئاسة “الاتحاد الإفريقي”، واستضافة “منتدى مجموعة العشرين” الموسع؛ في تشرين ثان/نوفمبر.

وسينتخب “الاتحاد الإفريقي” رئيسًا جديدًا لمفوضيته؛ في شباط/فبراير، ومنذ أن أصبح عضوًا في “مجموعة العشرين”؛ في عام 2023، فسوف يُشارك أيضًا في المنتدى.

إن التعاون بين “الاتحاد الإفريقي” و”جنوب إفريقيا” يوفر فرصة مهمة لتعزيز الإصلاح المؤسسي وتوسيع نطاق إدماج “إفريقيا” في الحوكمة العالمية.

وسوف تعمل الانتخابات الرئاسية في “مالاوي”؛ في أيلول/سبتمبر، و”تنزانيا وكوت ديفوار”؛ في تشرين أول/أكتوبر، كاختبارات حاسمة للديمقراطية.

وفي عام 2024؛ مثّل تشّكيل حكومة الوحدة الوطنية في “جنوب إفريقيا”؛ وفوز المعارضة في “السنغال وبوتسوانا وموريشيوس” انتصارات مهمة للتعددية الديمقراطية في “إفريقيا”.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت القارة قادرة على البناء على هذه المكاسب ـ ومقاومة العنف الذي أعقب الانتخابات والذي جلب الفوضى إلى “موزمبيق” هذا العام.

ويُهدد إعادة انتخاب “دونالد ترمب”؛ بإضعاف العلاقات بين “الولايات المتحدة” و”إفريقيا”، مع وجود فرصة كبيرة بأن تُقلل الإدارة الجديدة من دعمها لمبادرات الصحة والديمقراطية، وأي مشاريع أخرى لا يُنظر إليها على أنها تجلب فوائد فورية للمصالح الأميركية.

وقد تعمل الشركات الأميركية، المحدودة بالفعل في استثماراتها الإفريقية، على تقليص مشاركتها في بيئة أكثر معاملاتية.

ولكن هذا التراجع يخلق أيضًا فرصًا؛ وقد يُشجع القوى المتوسطة والاقتصادات الناشئة على توسيع نفوذها في “إفريقيا” من خلال زيادة التجارة والاستثمار والشراكات الجديدة.

انفجار الصراعات في “إفريقيا”..

وتحدث تقرير صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية؛ عن انفجار الصراعات في “إفريقيا” دون أن يُلاحظها أحد.

الانفجار غير المسبّوق للصراعات في “إفريقيا” خلق مسارًا من الموت والدمار من “مالي”؛ بالقرب من الحافة الغربية للقارة، وصولًا إلى “الصومال” في “القرن الإفريقي”.

لقد تجددّت الحروب القديمة؛ مثل الانتفاضات في شمال “نيجيريا والصومال” وحرب المليشيات في شرق “الكونغو” بشكل كبير، كما تهز صراعات القوة الجديدة بين النخب العسكرية؛ كما هو الحال في “السودان” فيما تشهد دول “الساحل الغربي” قتالًا بين الفروع الإقليمية لتنظيم (القاعدة) و(داعش) وبين بعضها وبينها وبين الحكومات العسكرية.

ويمتد هذا الممر من الصراع عبر ما يقرب من: (4000) ميل؛ ويشمل حوالي: (10%) من إجمالي مساحة اليابسة في “إفريقيا جنوب الصحراء” الكبرى مما تسبب في معاناة إنسانية هائلة ونزوح جماعي وفظائع ضد المدنيين، فضلًا عن الجوع الشديد في القارة الأفقر على الكوكب.

ومع ذلك؛ طغت الصراعات الأكثر شهرة في “أوكرانيا” و”الشرق الأوسط” على هذه التحولات الجيوسياسية غير العادية في “إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى”، مما أدى إلى انخفاض الاهتمام من قبل صناع السياسات العالميين، خاصة في الغرب، ببرامج المساعدات الإنسانية التي تُعاني من نقص التمويل وبالأسئلة الأساسية حول مستقبل مئات الملايين.

والآن، تشهد “إفريقيا” المزيد من الصراعات مقارنة بأي وقتٍ مضى منذ عام 1946؛ وفقًا للبيانات التي جمعتها جامعة (أوبسالا) في “السويد”، وحللها معهد (أبحاث السلام النرويجي) في “أوسلو”.

28 صراع في 16 دولة..

وخلال هذا العام فقط، حدد الخبراء في المعهدين: (28) صراعًا قائمًا على أساس الدولة في (16) من أصل (54) دولة إفريقية ولا يشمل هذا الإحصاء الصراعات التي لا تنطوي على قوات حكومية، على سبيل المثال بين مجتمعات مختلفة، والتي تضاعف عددها أيضًا منذ عام 2010.

ويقول الخبراء إن العديد من الدول الأكثر تضررًا أصبحت عُرضة للخطر بعد فشلها في الاستقرار على نمط قوي من الحكم بعد الاستقلال.

ولسنوات طويلة، كانت المستعمرات الفرنسية السابقة في منطقة الساحل (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) ديمقراطيات بالاسم فقط، وكانت تتعطل بانتظام بسبب الانقلابات العسكرية.

ولم تتمكن الحكومة المركزية في “الكونغو” من فرض سيطرتها على مناطق شاسعة، مما فتح الباب أمام القادة المحليين والأجانب للتنافس على الموارد والسلطة عن طريق العنف.

وفي “السودان”، اشتعلت الحرب بين أعلى جنرالين بعد الإطاحة؛ بـ”عمر البشير”، في 2019.

وكانت إحدى نقاط التحول في 2011، عندما تدخلت قوات “حلف شمال الأطلسي”؛ الـ (ناتو)، في “ليبيا” لدعم القوات المتمردة التي تُقاتل “معمر القذافي”، وبعد وفاته وانحدار “ليبيا” إلى الفوضى، انتقل آلاف الرجال المسلحين جنوبًا إلى “مالي”، مما أعاد إشعال تمرد الطوارق ضد الحكومة، وهو ما تزامن مع التوسع العالمي للإيديولوجيات المتطرفة التي يُروج لها تنظيم (القاعدة) وتنظيم (داعش).

ومن “مالي”؛ انتشر تمرد المتطرفين عبر الحدود إلى “بوركينا فاسو والنيجر”، حيث طردت المجالس العسكرية الجديدة القوات الفرنسية وغيرها من القوات الغربية واليوم، تُعاني: (86%) من أراضي “بوركينا فاسو” من القتال بين المتطرفين وقوات الدولة.

عدد قياسي للقتلى والنازحين..

ويُعدّ إحصاء القتلى في الصراعات الإفريقية أمرًا صعبًا للغاية، فغالبًا ما يكون وصول الصحافيين ومجموعات الإغاثة إلى الخطوط الأمامية مقيدًا كما أن انقطاع خدمة الهاتف والإنترنت في عدد من المناطق يعقد الجهود وعادة لا يموت الكثير من الناس في القتال نفسه ولكن يموتون من الجوع وانهيار الخدمات الطبية.

وتُشير البيانات إلى أن المدنيين أكثر عرضة للاستهداف المتعمد في الصراعات في “إفريقيا” مقارنة بالعديد من الحروب الأخرى.

كما أدت الصراعات إلى نزوح عدد قياسي من الأفارقة معظمهم داخل بلدانهم والآن أصبحت القارة موطنًا لنحو نصف النازحين داخليًا في العالم، أي حوالي: (32.5) مليون شخص في نهاية 2023. وقد تضاعف هذا الرقم ثلاث مرات في غضون (15) عامًا فقط.

ويعرض النزوح المدنيين، وخاصة النساء والأطفال، للآثار الجانبية للحرب ففي شرق الكونغو الديمقراطية، تشير التقديرات إلى تعرض 80٪ من النساء في مخيمات النازحين للاغتصاب وفي السودان، موطن أول مجاعة مؤكدة في العالم منذ 2017، فإن أكثر الناس جوعًا هم النازحون.

ولم تجذب صراعات أفريقيا تعاطف الغرب مثلما حدث في أوكرانيا ولم تشعل غضبا مثل الذي فجرته حرب غزة ولم يكن هناك حفلات مثل التي أقيمت في ثمانينيات القرن العشرين لدعم المجاعة الإثيوبية أو احتجاجات مثل احتجاجات الإبادة الجماعية في دارفور في أوائل الألفية الثانية أو حملات مثل حملة المطالبة بإعادة طالبات مختطفات في نيجيريا قبل 10 سنوات.

المساعدات الأميركية..

وقد ترجم هذا التراجع في الاهتمام الشعبي إلى ندرة في العمل السياسي لحل حروب أفريقيا أو تخفيف المعاناة وبينما زاد تمويل المساعدات الإنسانية، إلا أنها لم تواكب الاحتياجات المتزايدة.

وتظل الولايات المتحدة الممول الرئيسي للمساعدات الإنسانية في أفريقيا رغم عوامل التشتيت في أوروبا والشرق الأوسط، فساهمت واشنطن بنسبة 47٪ في خطة الاستجابة الطارئة للأمم المتحدة في السودان في عام 2024 ونحو 70٪ من ذلك للكونغو.

في المقابل، خفضت جهات مانحة كبيرة أخرى، مثل ألمانيا والمملكة المتحدة، ميزانيات مساعداتها وسط الأزمة في أوكرانيا والمشكلات الاقتصادية في الداخل ويتوقع العديد من الخبراء تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية والمساعدات الأميركية في ظل الإدارة القادمة للرئيس المنتخب دونالد ترامب.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة