خاص : ترجمة – محمد بناية :
سجل الموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية عدد 247 حزب سياسي في إيران. وهو ما يعني في الحقيقة مرور هذه التكتلات السياسية من مصفاة “وزارة الداخلية”؛ وحصلت على تصريح الممارسة السياسية. ومع هذا العدد الكبير، فإن نظرة واحدة على أسماء تلك الأحزاب يتبين ببساطة أن أسماء الكثير منها غير معروف بين عموم الناس؛ بل بين السياسيين أنفسهم.
ومعظمها مجرد “أحزاب انتخابية”، تبدأ نشاطاتها بإقتراب موعد الانتخابات، ثم يطويها النسيان حتى العملية الانتخابية الجديدة. وبمثل هذه الرؤية السائدة بين الأحزاب الإيرانية، يمكن القول إن السبب الرئيس لتلكم المشكلة، كما تقول الكاتبة، “زهرا أحدي”، في صحيفة (المبادرة) الإيرانية؛ المحسوبة على التيار الإصلاحي؛ هو إنعدام ثقافة تشكيل الأحزاب في إيران وتجاهل أهمية استمرار الأنشطة الحزبية من جانب القائمين على هذه الأحزاب. ولا شك أن إنعدام الرقابة والقوانين الفاعلة من العوامل الأخرى في نمو فطر هذه الأحزاب السياسية الصغيرة.
تغيير قوانين الأحزاب..
الأحزاب السياسية أحد الأركان الأساسية في إيران للتحرك بإتجاه الديمقراطية، لكن وجود الأحزاب الضعيفة تزيد من صعوبة تحقيق هذا الهدف. وإستناداً إلى أقوال الخبراء فإن تعدد الأحزاب مؤشر على الديمقراطية والثقافة السياسية في هيكل الدولة، لكن هذا حين تكون هذه الأحزاب ناشطة في “الحوزات السياسية – الاجتماعية”، أو على الأقل وجود رقابة من جانب المؤسسات المعنية، لكن لا توجد أي أخبار عن هذه الرقابة؛ كما أن الكثير من الأحزاب يعدم مثل هذه الإمكانيات.
فالأحزاب الصغيرة في إيران؛ تعدم المكانة الاجتماعية، وعادةً يتم تصنيفها تحت مجموعات التيارين الأساسيين داخل الميدان السياسي الإيراني، “الأصولي والإصلاحي”. فلو لم يكن من المقرر لتلكم الأحزاب السياسية القيام بدور على الساحة السياسية، فلماذا هي موجودة ؟
يقول “داريوش قنبري”، عضو اللجنة المركزية لـ”حزب الديمقراطية”، في حوار مع صحيفة (المبادرة) الإيرانية، حول ظاهرة الأحزاب الكرتونية الصغيرة: “لا جود لأنشطة بعض هذه الأحزاب في المحافظات، والبعض الآخر أيضاً يمكن القول إنه لا يملك مقر في طهران، والأفضل أن تخصص وزارة الداخلية مصفاة لتلك الأحزاب؛ وتضع من الضوابط ما يضمن استمرار حياة هذا النوع من الأحزاب. على سبيل المثال إذا كان عدد أعضاء إحدى هذه الأحزاب أقل من الحد الأدنى وجب تعليق نشاط هذا الحزب”.
الواجب والمحظور..
قبل فترة شاع الحديث عن تغيير قوانين الأحزاب، وسوف يواجه الكثير من الأحزاب السياسية تغييرات جذرية بعد تطبيق تلك القوانين، مع هذا لا توجد أي أخبار حتى الآن عن تفعيل مثل هذه الإصلاحات.
وكان “محمد أمين رضا زاده”، مدير عام القطاع السياسي بوزارة الداخلية، قد طرح هذه القضية، في حوار صحافي نقلته صحيفة (المبادرة)، موضحاً: “يقول القانون الجديد؛ يجب أن يضم الحزب على الأقل 300 عضو من نصف المحافظات الإيرانية، وأن يملك شُعب في ثلثي المحافظات، وأن يعقد مؤتمراته في الحالات المختلفة. وبالنسبة لأحزاب الأقاليم فلابد أن توفق أوضاعها مع القانون الجديد”.
وبالتأكيد للقانون الكثير من المؤيدين والمعارضين. والمعارضون يقولون إن العامل الرئيس للرفض هو رؤيتهم التشاؤمية للقانون.
وفي هذا الصدد؛ يقول “داريوش قنبري”، وهو أحد الموافقين على القانون الجديد، تعليقاً على منطق المعارضين: “لعل السبب أنه لم تحدث أي مساعي في هذا الخصوص حتى الآن، وربما هذا هو سبب الاعتراض على القانون، فالبعض يقول إن وزارة الداخلية والحكومة بصدد تقييد حرية الأحزاب السياسية، وهذا يتنافى مع الحرية السياسية”.
ورغم مخاوف الكثيرين بشأن تعدد الأحزاب السياسية، يرى “قنبري” أن: “العدد الكبير للأحزاب السياسية يقوض مثل هذه المخاوف، والبعض يعتقد أن الكثير من النشطاء السياسيين لا يعرف عن هذه الأحزاب. وبالتالي فهي عديمة المكانة والتأثير. وللأسف تتحول الأحزاب في بلادنا إلى أحزاب شاملة بدلاً من التعاون سوياً، وكل حزب يسعى للإستقلالية، وأتصور أن إيجاد القيود قد يكون أحد الحلول للقضاء على تلك القضية”. وأضاف: “يمكن مراعاة الشروط اللازمة لاستمرار حياة هذه الأحزاب، لكن ثمة مخاوف من مساعي الحكومة والبرلمان لفرض قيود على الأنشطة الحزبية. وهذا لا يتلاءم وروح الدستور. لكن على أرض الواقع فإن عدد الأحزاب الكبير لا يمثل مشكلة. ولكن المشكلة أن هذه الأحزاب عديمة الأداء، وإذا بذلت الأحزاب الجهد المطلوب في هذا الصدد فإنها سوف تهمش بنفسها هذه الأحزاب المجهولة. وفي الوقت الراهن الكثير من هذه الأحزاب مهمش. وعدد الأحزاب الرئيسة في السياسة الإيرانية قليل واستمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى إنضمام الأحزاب تحت لواء الأحزاب الكبيرة”.
الأحزاب وإنعدام الحافز في الدستور..
تناول الدستور الإيراني مسألة الأحزاب السياسية؛ وجاء في المادة (24) منه: “تتمتع الأحزاب والجمعيات والهيئات السياسية والاتحادات المهنية والجمعيات الدينية، سواء أكانت إسلامية أو تتبع إحدى الأقليات الدينية المعترف بها، بالحرية بشرط ألّا تتعارض مع أسس الاستقلال والحرية والوحدة الوطنية والقيم الإسلامية وأساس الجمهورية الإسلامية. ولا يجوز منع أي شخص من الاشتراك فيها، أو إجباره على الاشتراك في إحداها”.
ويعلق “حميد رضا ترقي”، عضو “حزب المؤتلفة”، في حوار مع صحيفة (المبادرة): “ما ورد بالدستور لا يمنع النشاط الحزبي، لكنه لم ينطوي على أي محفزات تحدد مهام وصلاحيات الأحزاب. وعليه إذا كنا نريد الحديث عن وظائف الأحزاب؛ فلابد من إجراء تعديلات على بنود الدستور. صحيح أنه توجد إشارات في القانون الجديد، لكنها غير كاملة. علاوة على ذلك إذا كان من المقرر التركيز على نشاط الأحزاب في مختلف القطاعات؛ مثل تطوير الرؤية السياسية، ورصد أداء الدولة إستناداً للمادة الثامنة من الدستور، وتقديم خطط إدارة البلاد، وتوجيه نواب البرلمان للإنضواء تحت الأحزاب، ومتابعة تطلعات الشعب وإنتقاد السلطة وغير ذلك، فلابد من تخصيص ميزانية للأحزاب وإتخاذ الإجراء القانوني. وإلا فلا يُتوقع من الأحزاب أعمال خاصة”.
وأضاف: “من جهة أخرى، لابد من مناقشة ودارسة عدد الأحزاب الحاصلة على تراخيص، لأن معظم الأحزاب صغيرة وعدد أعضاءها قليل وتنشط فقط في طهران؛ وليس لديها تمثيل في المحافظات. إن عدد الأحزاب الكبيرة في إيران قليل جداً. وعادة ما يتم دمج الأحزاب الصغيرة في الأحزاب الكبيرة، بحيث لا يبقى منها أي أثر. وبالتالي فإن عدد الأحزاب في إيران هزيل لا يمكن الاعتماد عليه”.
من جهته شدد السيد، “كمال سغادي”، على زيادة عدد الأحزاب، وقال لمراسل الصحيفة الإيرانية: “أعضاء بعض الأحزاب محدود جداً؛ وفي الحقيقة تشكل الأسر مع الأصدقاء أحزاب، وهناك في الوقت نفسه الأحزاب الكبيرة التي تقوم بعملها؛ مثل الأصوليين لديهم 18 حزباً تنشط جميعها تحت مسمى “جبهة أتباع نهج الإمام والقائد”. و”حزب المؤتلفة” يتمتع بسابقة 50 عاماً من العمل الحزبي، لكن التحزب في إيران مضر؛ لأننا نكاد نعدم الأحزاب القوية والكبيرة. والدستور الإيراني يتقبل ذلك، فالتحزب أحد ضروريات الديمقراطية. فالدول الديمقراطية تُساس بواسطة الأحزاب”.
علة وجود الأحزاب الصغيرة..
حين نناقش مسألة عدد الأحزاب، يثور سؤال عن أهداف تلك الأحزاب الصغيرة؛ إذا لم تكن لكسب السلطة وممارسة نشاطاتها في الجهاز التنفيذي للدولة، يجيب “قنبري”: “أعضاء هذه الأحزاب يبحثون عن هوية ومكانة عبر هذا الحزب، لكن حين يكون غير مؤثر يتم تهميشه”. وأضاف: “بعض الأحزاب في إيران ناشطة بشكل جيد في إطار المجلس الأعلى للإصلاحيين، وهذا النشاط لا يقتصر على موسم الانتخابات، على سبيل المثال عقدنا، الأسبوع الماضي، مؤتمراً لـ”حزب كوادر البناء” في محافظة “جيلان”، ولسنا في موسم انتخابات حالياً والأوضاع حالياً أفضل والأنشطة متزايدة. لقد كانت الأنشطة الحزبية في السابق تقتصر على موسم الانتخابات، ولكن الأحزاب القوية حالياً تتمرد على هذه الأوضاع وتمارس أنشطتها في غير مواسم الانتخابات، وقد تابعنا تطورات كبيرة في هذا المجال”.
وفي السياق ذاته؛ يقول السيد “كمال سغادي”، أمين عام “المجمع الإسلامي للعمال”: “أعضاء الأحزاب الصغيرة يعتبرونها نوع من النشاط، وينشطون في مواسم الانتخابات، يدعمون قائمة ما، لكن عموماً يكون أداءهم ضعيف حتى في مواسم الانتخابات. وفي إيران يقوم الأمين العام وأعضاء اللجنة المركزية ببعض المشاغل ويشكلون الحزب حتى لا تكون صحائفهم خالية. وبالتالي يجب صف الأحزاب الصغيرة إلى جوار بعضها حتى يتم تشكيل حزب قوي. على كل حال يجب أن تكون الأنشطة على قدر مستوى الحزب”.
تحسن أوضاع الأحزاب مقارنة بالماضي..
يصف، بعض النشطاء السياسيين، الأنشطة الحزبية في إيران عموماً بـ”الضعيفة”، وإن كان بمقدور بعض الأحزاب الدفاع عن أداءها. ويعزو عواقب تشكيل الأحزاب السياسية إلى العوامل الاقتصادية. وعليه وإستناداً إلى أقوال الخبراء، فإن أحد أسباب فشل الأحزاب، في جذب الجماهير، هو إنعدام المكانة الاجتماعية، وللقضاء على هذه المشكلة يتطلب استمرار الجهود، حتى في غير أوقات الانتخابات.
وفي جزء آخر من حديثه إلى صحيفة (المبادرة)، حول أداء “حزب المؤتلفة”، يقول “ترقي”: “لجان هذا الحزب تعمل بشكل مستمر وترصد وتحلل القضايا اليومية. من جهة أخرى، نحن أيضاً ناشطون في الحوزة الحزبية ولدينا اتصالات مع الأحزاب الأخرى. ونحن نعقد فصول تعليمية وعقائدية ونجذب أعضاء جدد ونقدم لهم دورات تدريبية. علاوة على ذلك لدينا صحيفة إلكترونية ودورية أسبوعية. وأمين عام الحزب يعلن مواقفنا بعد مناقشتها في المكتب السياسي. ولدينا كذلك نشاط في الحوزة الدولية ونتواصل عبر اتحاد الأحزاب الآسيوي مع 300 حزب سياسي، وحزبنا كذلك عضو اللجنة المركزية للاتحاد”.
وحول دور الحزب في مساعدة المتضررين من “زلزال كرمان”، قال: “لدينا حالياً “كرفان” موجود بشكل دائم هناك، ونحول المساعدات الشعبية التي جمعناها إلى الجماهير عبر هذا “الكرفان”. وبشكل عام لدينا في مثل هذه الحالات أنشطة حقيقية نستغل فيها مكاتب التمثيل في المحافظات المختلفة”.
وعن “زلزال كرمانشاه”، يقول “سغادي” أيضاً: “بالنسبة للقضايا الاجتماعية أو الكوارث الطبيعية، مثل “زلزال كرمانشاه”، لابد من تواجد الأحزاب وتقديم المساعدات، وأحد المشكلات أن أحزابنا تعدم الهيكل لأن دعاياتها محدودة ولا يمكنك جذب أعضاء جدد عبر الأنشطة الانتخابية فقط”. وأضاف: “نعقد اجتماعات أسبوعية واللجنة المركزية للجمعية الإسلامية للموظفين ناشطة جداً ونتخذ المواقف ونصدر البيانات ولدينا ممثليات في 20 محافظة. وقد عقدنا مؤخراً جمعية عمومية وانتخبنا أعضاء اللجنة المركزية”. وأردف: “نحن الحزب الوحيد الذي يتيح للموظفين في القطاعين الحكومي والخاص، بل والموظفين على المعاش، الحصول على عضوية الحزب، وبحسبة بسيطة يبلغ أعضاء الحزب عدة ملايين. ولدينا قوة وعدد مخاطبين كبير. ولا يوجد بإيران حزب يملك عدد كبير من المخاطبين، وعليه لسنا حزب صغير وليس لدينا منافس حقيقي. صحيح أن ثمة حزب آخر وهو “موظفين نهج الإمام”؛ لكنه تقريبًا أُسري وليس له وجود اللهم إلا من بعض بيانات في مراحل الانتخابات”.
أخيراً فالأحزاب السياسية أحد عوامل التنمية السياسية؛ ويمكنها فضلاً عن خلق المنافسة بين الأحزاب المختلفة، القيام بدور بناء في تدعيم النظام السياسي، لكن هذا الأمر يتطلب وجود أحزاب قوية، وبالتالي فالأمر غير ممكن بإيران في ظل وجود الأحزاب الصغيرة الكثيرة. وعلى الدولة لمعالجة الموضوع تشريع قوانين جديدة، أهمها أنه في حالة عدم وجود رقابة صحيحة قد تزداد أعداد مثل هذه الأحزاب على الصعيد السياسي لإيران.