خاص : كتبت – نشوى الحفني :
وسط أنباء عن انقلاب عسكري، إندلع إطلاق نار كثيف في “الخرطوم” بعد أن تمرد عناصر من “جهاز المخابرات العامة” السوداني ضد خطة لإعادة هيكلته، مما أدى إلى إغلاق المطار، وأصيب فتى بجروح عندما أطلقت عيارات نارية على قاعدتين تابعتين لـ”جهاز المخابرات العامة”، الذي كان يُعرف سابقًا بـ”جهاز الأمن والمخابرات الوطني” السوداني، وكان مثيرًا للجدل خلال عهد الرئيس السابق، “عمر البشير”.
وذكر شهود عيان أن إطلاق النار إندلع في قاعدة (الرياض)، القريبة من “مطار الخرطوم”، وقاعدة (بحري)، شمال العاصمة، وأغلقت كافة الطرقات المؤدية إلى القاعدتين.
ووصفت الحكومة السودانية الانتقالية، ما حدث، بأنه “تمرد”، فيما وصف جهاز المخابرات العامة، في بيان مقتضب؛ ما يجري بأنه اعتراض من قِبل منسوبي على مقدار المبالغ المستحقة.
لا يمكن وصفه بالانقلاب..
بعد هذه التحركات؛ أوضح “فيصل محمد صالح”، المتحدث باسم الحكومة، أن: “بعض مناطق العاصمة شهدت تمردًا لقوات هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات العامة، حيث خرجت وحدات منها إلى الشوارع وأقامت بعض المتاريس وأطلقت زخات من الرصاص في الهواء”، مضيفًا أن: “بعض الوحدات رفضت المقابل المادي الذي قررته الجهات الرسمية مقابل التسريح واعتبرته أقل مما يجب أن يتلقوه”، وقال: “في هذه الأثناء نرجو من المواطنين الإبتعاد عن هذه المواقع المحددة، وترك الأمر للقوات النظامية لتأمين الموقف”.
وأضاف، خلال لقائه عبر فضائية (سكاي نيوز)؛ إن القوات المسلحة و”قوات الدعم السريع” حاصرت العناصر المتمردة، وبدأت بالتفاوض معهم، موضحًا أن بعض العناصر المتمردة أستسلمت وبعضها ينتشر وسط الأحياء السكنية.
وأضاف “صالح”: “نتعامل، حتى الآن، مع تحركات مطلبية لا تُشكل خطرًا”، لافتًا إلى أنه لا يمكن وصف ما يجري الآن بأنه “انقلاب على السلطة”.
وذكر أطباء مقربون من الحركة الاحتجاجية، التي أطاحت بـ”البشير”؛ أن فتى في الـ 15 من عمره أصيب بجروح من عيارات نارية.
اتهام رئيس المخابرات السابق..
واتهم فريق أول “محمد حمدان دقلو”، الذي يرأس “قوات الدعم السريع”، الرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة؛ بالتخطيط لـ”التمرد”، وقال إن ما حدث هو خطة وضعها، “صلاح قوش”، وعدد من الضباط، محملًا مدير جهاز المخابرات العامة، الفريق أول “أبوبكر دمبلاب”، نتيجة التقصير في معالجة مشكلة منسوبي هيئة العمليات بعد هيكلة جهاز الأمن السابق؛ وقطع بمحاسبة المقصرين في عملهم.
وأشار “حميدتي”، خلال مؤتمر صحافي عقده أمس بمقر إقامته في “غوبا”، عاصمة دولة “جنوب السودان”، إلى توفر معلومات لديهم؛ يسعى من خلالها بعض القيادات العسكرية والسياسية للإطاحة بالحكومة، وتعهد بمحاسبة كل المتورطين فيما حدث، الثلاثاء، بـ”الخرطوم”، حسبما نقلت عنه جريدة (الإنتباهة).
وأوضح أن سبب المشكلة يعود إلى رفض البعض لهيكلة جهاز الأمن وحل هيئة العمليات، وأن هناك بعض الرافضين للهيكلة يسعون لأن تكون هيئة العمليات موجودة لاستخدامها في زعزعة الأوضاع بالبلاد، وكشف عن اتصال قام به، قبل يومين، بمدير جهاز المخابرات العامة، الفريق أول “أبوبكر دمبلاب”، أخبره بأن هناك معلومات مؤكدة تقوم بها أيادي في “المؤتمر الوطني” تسعى لإحداث البلبلة في البلاد.
وكشف “حميدتي” عن اجتماع، عقد أمس الأول الإثنين؛ برئاسة رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن “عبدالفتاح البرهان”، بحضور مدير جهاز المخابرات العامة؛ الذي أكد أن الأوضاع تحت السيطرة.
وأضاف: “سألت مدير جهاز المخابرات العامة؛ لماذا حتى الآن لم يتم إستلام السلاح من منسوبي هيئة العمليات ؟”. وأوضح أن مدير جهاز المخابرات العامة ظل يؤكد أن الأمور تحت السيطرة وأن هذه المشكلة محلولة؛ وأشار إلى أن السلاح الثقيل تم إستلامه قبل فترة، وأعلن عن توفير حوالي (23) مليون دولار عبارة عن مستحقات منسوبي هيئة العمليات، قبل حوالي (20) يوم، ونوه إلى أنها متوفرة بخزينة جهاز المخابرات العامة، وقطع بعدم السماح بالفوضى مجددًا.
وأكد “حميدتي” على أن الأوضاع الآن تحت السيطرة تمامًا، وأشار إلى أن القوات النظامية المختلفة تستلم مقار هيئة العمليات، وقال أنها تنتظر توجيهات القيادة العليا للدولة.
ودعا “حميدتي”، المواطنين، إلى الإبتعاد عن أماكن الأحداث وترك القوات النظامية القيام بدورها كاملًا، وطالب المواطنين، خاصة في ولاية “غرب كردفان”؛ بعدم الإستجابة لدعوات “الزحف الأخضر”؛ التي تم الدعوة لها خلال اليومين المقبلين.
وأضاف لا تنساقوا وراء من يسعون لخداعكم باسم الدين ويتحدثون عن إغلاق القنوات الإسلامية، وأشار إلى أن كافة مطالب أبناء الولاية تجري معالجتها؛ من بينها أوضاع منسوبي “الدفاع الشعبي”، وناشد من أسماهم بالشرفاء من أبناء “السودان”؛ بعدم الإنسياق وراء دعوات “الزحف الأخضر”، التي تم الدعوة لها يومي 18 و26 كانون ثان/يناير المقبلين.
وأوضح أن الحكومة لا تستطيع منع قيام هذه المظاهرات في ظل مناخ الحريات وحق المواطنين في التظاهر. وسمى “حميدتي”، ما يجري، بـ”فرفرة المذبوح من النظام البائد”، وقطع بأنها لن تحقق مخططاتها، وجدد تأكيده بأن هناك بلاغات مدونة في مواجهة بعض من ينتحلون صفة “الدعم السريع”.
فيما دعت “قوى الحرية والتغيير” في “السودان”، السكان، إلى الهدوء وعدم منح فرصة لمن يرغبون في “جر البلاد إلى سفك الدماء”.
الوضع تحت السيطرة..
وأكد رئيس الوزراء، “عبدالله حمدوك”، أن الوضع تحت السيطرة، وكتب على (تويتر): “نطمئن مواطنينا أن الأحداث التي وقعت تحت السيطرة، وهي لن توقف مسيرتنا ولن تتسبب في التراجع عن أهداف الثورة. الموقف الراهن يثبت الحاجة لتأكيد الشراكة الحالية والدفع بها للأمام لتحقيق الأهداف العليا”، وتابع: “نجدد ثقتنا في القوات المسلحة والنظامية وقدرتها على السيطرة على الموقف”.
إغلاق المطار كإجراء إحترازي..
في إطار ذلك؛ أغلقت السلطات السودانية المجال الجوي للبلاد؛ كإجراء إحترازي بعد وقوع إطلاق نار في أحد مقار جهاز المخابرات، وتم القبض على مجموعة من الجنود المتمردين من هيئة العمليات التابعة للاستخبارات، وأشارت المعلومات إلى أنها حالة احتجاج من قِبل بعض منسوبي هيئة العمليات التابعة للجهاز، بسبب عدم رضاهم عن المستحقات التي صرفت لهم، بعد قرار إحالتهم إلى التقاعد ضمن إطار إعادة هيكلة جهاز المخابرات.
وقال البيان؛ إنه سيعمل على تقييم ومعالجة الأحداث وفقًا لمتطلبات الأمن القومي للبلاد، وجاء هذا البيان لينفي ما تم تداوله من أنباء عن وجود حالة تمرد في صفوف القوات التابعة لهيئة العمليات في الاستخبارات في العاصمة السودانية، “الخرطوم”.
رفض إثارة الفوضى وترويع المواطنين..
إلى هذا؛ حث “تجمع المهنيين السودانيين”، وهو المظلة الرئيسة التي تقف وراء حركة الاحتجاج التي أطاحت بالرئيس المخلوع، “عمر البشير”، الناس؛ على البقاء في منازلهم حتى تتم تسوية الاضطرابات، وقال إنه يرفض “أي محاولة لإثارة الفوضى وترويع المواطنين ونشر الأسلحة”، وطالب الدولة بالتدخل الفوري.
ودعا جميع السودانيين والأجانب إلى الإبتعاد عن جميع المناطق العسكرية: “تحسبًا لوقوع اشتباكات مسلحة قد تحدث بسبب التوترات الشديدة”.
يُشار إلى أن هيئة العمليات، (الذراع العسكرية لجهاز الأمن إبان نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير)، تضم نحو 14 ألف جندي، أصدر المجلس العسكري السوداني، في تموز/يوليو الماضي، قرارًا بتبعيتها لـ”قوات الدعم السريع”، ثم سرعان ما صُدر قرار بتبعيتها للجيش وتسريح جزء منها.
وإعادة هيكلة الجهاز كانت أحد المطالب الرئيسة للانتفاضة التي دعت لرحيل، “البشير”. وجاء صرف هؤلاء العاملين من الخدمة في إطار خطة إعادة الهيكلة.
محاولة لإعادة عقارب الساعة للوراء !
تعليقًا على تلك الأحداث؛ قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق لشؤون السودان، “صلاح حليمة”، إن محاولة تمرد عناصر جهاز الأمن والمخابرات السوداني سببها تمتعهم السابق بمكانة خاصة في عهد الرئيس السابق، “عمر البشير”.
وأشار “حليمة” إلى أن: “عددًا كبيرًا من عناصر الجهاز يدينون بالولاء للرئيس السوداني السابق؛ كونهم من عناصر جماعة الإخوان المسلمين، حيث كان الجهاز يتمتع باستقلالية تامة، لكن صلاحياته تقلصت الآن وباتت تخضع للمجلس السيادي”.
وأضاف أنه: “تتم إعادة النظر في الكثير من العناصر المنسوبة للجهاز والتخلص من أي عنصر يُشتبه في إنتمائهم للبشير والنظام السابق؛ ومن ثم جاءت تلك المحاولة المدعومة من أطراف خارجية، والتي تبدو في ظاهرها ذات مطالب مادية ووظيفية، لكنها تخفي محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء”.
ونوه “صلاح حليمة”؛ بأنه لا يتوقع أي نجاح لتلك الحركة مع توارد معلومات عن أن الجيش السوداني يسيطر بشكل كامل على كافة المرافق، مشيرًا إلى أن الأمر يتطلب بعض الوقت للتخلص من تلك العناصر في جهاز الأمن والمخابرات مع وجود دعم خارجي قوي.
من هو “صلاح قوش” المتهم بالانقلاب ؟
الفريق أول “صلاح عبدالله قوش”، ولد في عام 1957، 63 عامًا، وينحدر من قبيلة “الشايقية”، بشمال “السودان”.
تخرج من كلية الهندسة جامعة “الخرطوم”، والتحق بالعمل الاستخباراتي بعد تولي مجلس قيادة “ثورة الإنقاذ” بقيادة، “البشير”، مقاليد الحكم، في عام 1989.
تولى، في عام 2004، منصب مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وأعفاه “البشير” من منصبه، في 2009، ليشغل منصب مستشار “البشير”، قبل أن يقال في 2011، بدعوى التورط في محاولة انقلاب على “البشير” بمساعدة ضباط آخرين.
وفي 2012، حُكم على “قوش” بالسجن بعد إدانته بالتخطيط للانقلاب، لكن أفرج عنه بموجب عفو رئاسي في 2013، وعاد لمنصب مدير المخابرات مرة أخرى بقرار من “البشير”، في آب/أغسطس 2018.
“قوش” ودارفور..
إعترف “قوش”، في مقابلة صحافية؛ بأن الحكومة السودانية تُسلح ميليشيات “الجنجويد”، في “دارفور”؛ وأقر في المقابلة أن هناك إنتهاكات لحقوق الإنسان حدثت في “دارفور”.
وقالت صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية؛ إن اسم “قوش”، المٌلقب بـ”عقل الحكومة السودانية”، تم إدراجه ضمن لائحة قُدمت إلى “مجلس الأمن”، تضم 17 شخصًا؛ يعتبرون من أهم الشخصيات المتهمة بإرتكاب جرائم حرب في “إقليم دارفور” ويعرقلون السلام في الإقليم.
ويتهم “قوش” بمسؤوليته عن اعتقالات تعسفية والتضييق والتعذيب وإنكار حق المعتقلين في محاكمات عادلة.
وفي آب/أغسطس 2019، أدرجت “الولايات المتحدة”، “قوش”، ضمن قائمة الممنوعين من دخول أراضيها، وذلك بسبب ضلوعه في إنتهاكات لحقوق الإنسان.
وقال المتحدث باسم “حركة العدل والمساواة” المسلحة في “دارفور”، “معتصم محمد صالح”، لقناة (الحرة) الأميركية، إن “قوش” متورط في إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في “دارفور” و”جبال النوبة”، وضد الناشطين في “السودان”، لقد أشرف بنفسه على عمليات تعذيب لعشرات الأشخاص شهاداتهم موثقة في الأسافير.
وأكد أن “قوش” ضالع في عمليات فساد مالي وإدراي كبيرة؛ “هذا مجرم من الدرجة الأولى”. على حد تعبيره.
“قوش” والمخابرات الأميركية..
ويربط “قوش”، بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، (سي. آي. إيه)، علاقات وثيقة، ما دفع الوكالة للاعتراض بشدة على إدراج اسم “قوش” ضمن المتهمين بإرتكاب “جرائم حرب” في “دارفور”؛ بسبب تعاونه الأمني مع الأميركيين.
وتعزز التعاون الاستخباراتي بين “السودان” و”الولايات المتحدة”، وخاصة خلال فترة إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، “جورج بوش” الابن، 2001 – 2009.
علاقته بثورة السودان..
اتهمت جماعات حقوقية، “صلاح قوش”، بلعب دور رئيس في قمع الاحتجاجات الشعبية في “السودان”، والتي إنتهت بإعلان استقالته. حيث أعلن المجلس العسكري الانتقالي في “السودان”، في 14 نيسان/أبريل 2019، أن رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني، “صلاح عبدالله محمد صالح”، المعروف باسم، “صلاح قوش”، استقال من منصبه.
ورغم تداول محللين ومراقبين أن “قوش” كان يدعم الثوة السودانية، وهي فكرة أوحت بها قصة الانقلاب الفاشل على “البشير”.
لكن الأمين العام لـ”حزب المؤتمر السوداني”، والقيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير، “خالد عمر”، قال لـ (الشرق الأوسط)؛ إن الحديث عن دور لمدير جهاز الأمن والمخابرات السابق، “صلاح عبدالله قوش”، في الثورة السودانية وعلاقته بقادتها: “كذبة لا أساس لها من الصحة”.
وأضاف: “لا توجد أي صلات مع قوش، وموقف قوى الحرية والتغيير مشهود في مواجهة النظام طوال 30 عامًا، ولا يصح تشويه هذه الصورة بأكاذيب صناعة أبطال الساعة الخامسة والعشرين”.
لكن رئيس المجلس السيادي، “عبدالفتاح البرهان”، قال في حزيران/يونيو الماضي، إن “قوش” كان له دور فعال في ترتيبات إزاحة الرئيس المعزول، “عمر البشير”، والمشاركة في المذكرة التي رفعت إليه من القيادات العسكرية والأمنية، بجانب اتصالاته مع قوى الحرية والتغيير قبل عزل، “البشير”.