خاص : كتب – محمد البسفي :
3 – ماذا في جعبة القادم ؟
المتابع لشريط الأخبار العالمية السيارة، حتى ولو بأدنى مستوى من الاهتمام، يجد الأحداث الدولية تتجه لغلق ملفات التوتر وتبريد مناطق الصراع الساخنة، (ولو بشكل مؤقت وإلى حين).. مصالحة خليجية بين محوري “السعودية “، وعضوية: “الإمارات، مصر، البحرين”، و”قطر”، بعضوية: “تركيا”. موافقة “السعودية” المبدئية على الخروج من “اليمن” ووقف الحرب استجابة لتوجه أميركي. وأيضًا مبادرة المملكة المفاجئة للإفراج عن عدد من مسجوني الرأي، (من الفصيل الليبرالي الحقوقي). بالإضافة إلى ملفات أخرى تبدو أكثر سخونة مازالت تراوح مكانها: مثل الملف النووي الإيراني؛ الذي يدور حول نقطة: “من يبدأ بالسلام ؟!”، في الاتفاق النووي، وكذا ملف الكيان الصهيوني؛ الذي يشهد صمت مفاجيء على ما أتخمه من أوراق مازالت مفتوحة النهايات: (مسيرة تطبيع إسرائيلي/عربي، اعتراف بالقدس عاصمة للدولة الإسرائيلية، الاعتراف بهضبة الجولان أراضٍ صهيونية، مشروع صفقة القرن المعلق..).. قبل ذلك تستقبل “مصر”، سيد “البيت الأبيض” الجديد، “جو بايدن”، بقرار موحي وهو إصدار القانون الجديد المنظم للجمعيات والمنظمات غير الحكومية؛ الذي يمنحها (بحذر) بعض المزايا والاستقلالية النسبية في التكوين والممارسة. بجانب قيام “القاهرة” – بدعم مالي سعودي/إماراتي – بإنشاء منصة إعلامية جديدة تتمثل في قناة فضائية جديدة تحمل نفس الاسم: (الشرق)، الذي يعمل من خلاله الصحافي والسياسي المصري، “أيمن نور”، كإعلام معارض ومحرض على سياسات الرئيس، “عبدالفتاح السيسي”، بصبغة إخوانية من “تركيا” وبتمويل قطري.. كل تلك الأحداث تتحرك داخل المشهد العالمي تحت أصابع “يدٍ مُسيطرة” تريد إظهار التهدئة والاستقرار في مناطق ولملفات يمكن ترحيلها إلى هوامش جدول اهتماماتها للتفرغ لما هو أهم.. “التنين الصيني”.. ففي الربع الأول من شهر شباط/فبراير 2021، وبعد أيام معدودة من تسلمه مهام السلطة أعلن “جو بايدن” عودة الولايات المتحدة إلى دورها في “قيادة العالم”، بعدها بساعات ليست بالبعيدة يُعلن “البيت الأبيض” عن تفاصيل (مقتضفة) لاتصال هاتفي جرى بين “بايدن” و”شي جين بينغ”، الرئيس الصيني، لمدة ساعتين كاملتين، وهي مدة طويلة وغير معتادة لمكالمة هاتفية للرئيس الأميركي الجديد، الذي نادرًا ما تمتد المحادثات معه لأكثر من ساعة، حتى تلك التي تجرى وجهًا لوجه.
حول ما دار بينهما، أعلن “البيت الأبيض” أن الرئيس: “شدد على الهواجس الأساسية؛ حيال الممارسات الاقتصادية الإكراهية وغير المنصفة للصين، وحملة القمع في هونغ كونغ، وانتهاكات حقوق الإنسان في إقليم شنيجيانغ، والتمدد المتزايد للنفوذ الصيني في المنطقة، ولا سيما تمدد نفوذها نحو تايوان”، وأضاف أن الرئيسين بحثا جائحة (كوفيد-19)؛ والتغير المناخي؛ وحظر انتشار الأسلحة النووية.
هذا الاتصال أستبقه “بايدن”، بالإعلان عن تشكيل فريق عمل في “وزارة الدفاع” مكلف بملف “الصين”، وأمر بالشروع فورًا في مراجعة للمقاربة الإستراتيجية العسكرية للمخاطر التي تشكلها “بكين”.
وقال “بايدن” إن “وزارة الدفاع”، (البنتاغون)، ستراجع إستراتيجيتها تجاه “الصين”، بالنظر في مجالات حيوية تشمل المخابرات والتكنولوجيا والوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
تحت السطح
ولكن.. رغم كل تلك الأحداث التي تجري على سطح شريط الأخبار العالمية؛ وما توحيه لعين المتابع العابر، تعتمل في العمق أحداث وصراعات واحتدامات أكثر سخونة لحد الإشتعال المكتوم تعكس سرعة وحماس حركة “قوة مُسيطرة” تريد تنفيذ مخططاتها ومأربها بالمنطقة؛ مدفوعة بتأزمها الداخلي ومزالقها الخارجية..
فمع ما يتم الترويج له بشأن المصالحة الخليجية، يجد المتابع لإعلام “جماعة الإخوان المسلمين”، المبثوث من العاصمة التركية، إسطنبول؛ وخاصة لمحتوى قناة (الشرق)، المتحدثة بلسان حال صاحبها، “إيمن نور”، وما يسّوقه من رسالة إخوانية/نيوليبرالية، بدعم محور “تركي-قطري”، يلحظ مدى انزعاج “نور”، بل وفزعه، من المنتج الجديد المتمثل بقناة (الشرق الجديد)؛ التي ظهرت كمنافس له بدعم المحور المقابل “السعودي-الاماراتي-المصري”.. ومصدر فزع “نور” يتجاوز مشاعر الخوف من منتج إعلامي منافس يحمل نفس الاسم أو تشابه العلامة التجارية بإمكانيات أوسع وأغنى، وإنما ترجع حقيقة فزعه من المنافسة على “المصدر الرئيس”؛ والمتمثل في لجان الكونغرس النافذة والأمنية، والداعمة المزمنة لـ”إيمن نور” – منذ البداية – والتي على ما يبدو أن محور (الشرق الجديد) قد نجح في الوصول إليها ومعها لمسافات مرضية ربما يدلل عليها وجود برنامج رئيس للإعلامي المصري المشهور، “باسم يوسف”، على القناة الوليدة، وهو دليل وشخص، “باسم”، ليس بالساهل لمن يعلمون ثقل “يوسف” وسط هذه الدوائر المغلقة.. إنه صراع محاور داخل أجهزة سيدهم الأعلى والأكبر وأمهم الحنون.. في استقبال “جو بايدن” الكفيل الجديد.
على جانب آخر، فوجئت بلاد الرافدين ودول المنطقة بتصعيد تركي مباغت في شمالي العراق بإعلان “النظام الإردوغاني” لبدء عمليته العسكرية، (مخلب النسر-2)، ضد مقاتلي “حزب العمال الكُردستاني” داخل الإقليم العراقي الشمالي المتمتع بالحكم الذاتي، أثناء ذلك كشفت مصادر إعلامية عن مباحثات أميركية وإقليمية لإدارة الحوار بين كُرد “سوريا” و”العراق”، تمهيدًا لإعلان دولة كُردية.
وقال الإعلامي والكاتب السوري، “هيثم العلي”، في تصريحات لوسائل إعلام محلية وعربية؛ إن الحوارات بين أكراد “سوريا” و”العراق” ليست بالجديدة، لكن هذه المرة اخذت طابع آخر بدخول الأميركان على خط الحوارات ومحاولتها تقسيم الأراضي “العراقية-السورية” لتشكيل دولة كُردية.
وأضاف “العلي” أن الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة، “جو بايدن”، تتبنى هذا الأمر وتضغط على حكومة الإدارة المركزية الكُردية في “سوريا”؛ وحكومة الإقليم في “العراق”، للجلوس على طاولة الحوار ورسم صورة الدولة الكُردية الجديدة.
ونوه إلى أن توجيهات إدارة “جو بايدن”؛ تقضي بجمع أكراد “سوريا” وأكراد “العراق” مع قيادات (قسد)، تمهيدًا للإعلان عن الكيان الكُردي الجديد بين “العراق” و”سوريا”.
وهنا.. تثور ريبة المريبون، من أبناء بلاد الرافدين، من القادم إلى “المكتب البيضاوي” في واشنطن، لما بدا يلوح في الأفق من بوادر ما كانوا يتحسّبون له من مصير بلادهم على أيدي، “جوزيف بايدن”، الذي كتب بصحيفة (نيويورك تايمز)، في بداية الألفينيات مقترحًا ومناديًا بتقسيم “العراق” إلى ثلاثة دويلات أو مناطق: (كُردية وسُنية وشيعية)؛ مع الإحتفاظ بالدور المركزي للحكومة البغدادية ضمن تشكيل لدولة فيدرالية على المقاس “الأميركي”.
قبل ذلك، كتب الروائي والأديب العراقي، “أحمد سعداوي”، في وقت سابق: “يوجد من يشعر بالإرتياب من تولِّي بايدن رئاسة أميركا للسنوات الأربع القادمة، فبايدن ليس غريبًا عن العراق وشؤونه، فهو نائب لرئيس سابق، باراك أوباما، لثماني سنوات، وزار العراق والتقى قادته عشرات المرّات، وتحت عينيه وبتنسيق منه مع أوباما جرى الانسحاب الأميركي من العراق، في أواخر 2011، الذي كان فاتحة لمتواليات كارثية انتهت بغزو (داعش) ثلث أراضي العراق في يونيو/حزيران 2014.
“الكثيرون ينظرون إلى هذا الانسحاب على أنه عمل غير مسؤول من إدارة الديمقراطيين، التي كانت تريد التخلّص فقط من تركة بوش، من دون أي ضمانات تكفلها المواثيق الدولية باعتبار أميركا قوّة محتلة، برعاية سلطة مستقرة تحفظ التوازنات الاجتماعية والسياسية في العراق، ولا تؤدي إلى تكوين سلطة استبدادية جديدة.
“كذلك فإن بايدن، بسبب مقالته بنيويورك تايمز في 2006، خلال الإحتراب الأهلي بالعراق، نال سمعة سيئة بين العراقيين بأنه صاحب دعوى تقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات، واستحضر الكثيرون هذه الدعوى خلال حرب داعش، رغم أنه كما يؤكد مراقبون لم يرجع إلى هذه المقالة أو دعوى الفيدرلة بالعراق مرّة أخرى”.
وبعد إنتهاء عمليات (مخلب النسر-2) التركية، بأيام قليلة؛ كشفت مصادر ميدانية مطلعة عن قيام القوات الأميركية بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة لها، في المثلث الحدودي بين: “العراق وسوريا وتركيا”، في منطقة حدودية فاصلة بين العراق وسوريا من جهة “إقليم كُردستان”. وتلك القاعدة تقع ضمن مناطق سيطرة قوات (قسد) الكُردية، وتتبع إداريًا لسوريا، والهدف من إنشائها تسهيل عملية نقل القوات الأميركية المتواجدة في أربيل؛ نظرًا لأن القوات الأميركية تتخذ من قاعدة (الحرير)، في “أربيل”، مقرًا رئيسًا لها.
نفس الأمر حدث مع “المملكة العربية السعودية”، رغم كل ما يروج له الإعلام من بوادر مجافاة بين الإدارة الجديدة لـ”البيت الأبيض” و”آل سعود”، حينما سافر الجنرال المسؤول عن القوات الأميركية في الشرق الأوسط، “فرانك ماكنزي”، بعد أربعة أيام فقط من تولي “بايدن” منصبه، إلى “السعودية” للإعلان عن اتفاقية قاعدة جديدة، توسع التعاون العسكري بين البلدين.
وعلى ما يبدو أنه كما أرادت الولايات المتحدة البدء بالعراق، كـ”نقطة إنطلاق”، لإثبات سطوتها العالمية في إستراتيجية مشروعها العالمي الجديد للهيمنة؛ بعد تحقق إنهيار الاتحاد السوفياتي في صدر التسعينيات؛ واختارت لممارستها ميدانيًا وعملياتيًا داخل الأراضِ العراقية، وقع اختيارها أيضًا على نفس الميدان العراقي لبدء صفحتها الجديدة التي تريدها وتسعى إليها اليوم لعودة “قيادتها” وهمنتها العالمية أملاً في خروجها من تأزمها الآني المزمن..
“لعبة” النظام الأميركي الجديد/القديم .. العريق
فـ”جو بايدن”.. الذي لعب في أوائل الألفينيات، كرئيس للجنة العلاقات الخارجية في “مجلس الشيوخ”، دورًا في الموافقة على التدخل في “العراق”. وعارض قتل “أسامة بن لادن”، زعيم تنظيم (القاعدة)، في ذروة تحشيد واشنطن لدول العالم وراؤها في حربها ضد إرهاب التنظيم في جبال “أفغانستان” ومدن “العراق”.. يستهل عهده بمشهد له ما يوحي بما يعقبه من أحداث وشواهد قد نراها الأيام والسنوات المقبلة على شريط الأنباء العالمية.. في خضم يوم عاصف كان له ما سبقه وتبعه من أيام: “لم يسبق لها مثيل في التاريخ الأميركي”، بحسب وصف العالم أجمع، اختار “جوزيف بايدن” أن يبدأ يوم الأربعاء 20 كانون ثان/يناير 2021، يوم تنصيبه كالرئيس رقم 46 للولايات المتحدة الأميركية، بحضور قُداس بإحدى الكنائس الكاثوليكية بواشنطن، وأصر على حلف اليمين الدستورية لشغل منصبه على “إنجيل العائلة” الضخم.. إنها بداية جديدة لـ”قناع” جديد، “ديني”، لأميركا؛ يأتي بعدما ظهر قبح قناعها الآخر، “التجاري”.. إنها عُملة صدئة لا تملك إلا وجهين أقبح من بعضهما البعض..
.. وهنا يتجلى اللُب “الصلب” للعبة الأميركية في حكم وقيادة العالم، وهي “إستراتيجية جمع المتناقضات”، والمحافظة على كل نقيض في مواجهة نقيضه وحماية وجوده، ليس بغية توازن القوى ولكن لهدف أبعد وأعمق بكثير وهو الحفاظ على مساحات التدخل في الوقت والمكان والظرف المناسبين لتحقيق الأهداف المرسومة مسبقًا كأهداف إستراتيجية لتلك السياسة.. عبر آليات تحقق فضلاً عن التفوق والسيادة الأميركية الدائمين توفر الأهم؛ وهي الأرباح والمكاسب للكارتيلات المؤسسة والمديرة الفعلية لولايات فيدرالية أتحدت في جمهورية واشنطن تلعب دور قوة عظمى لها مفهومها الخاص للاستقرار الدولي (الأميركي الصنع) تنشره دوليًا عبر آليات صلبة: (تدخل عسكري مباشر أو حروب نوعية مناطقية أو تدعيم حروب وكالة…)، وآليات ناعمة: (منظمات حقوقية وإنسانية أو معونات إغاثية أو سياسية أو منح لوجستية نوعية…).
إنها إستراتيجية “الجمع بين المتناقضات والحفاظ على مواقعها التناحرية”: تشجيع نظام الدولة الدينية؛ ونشر نموذج الدولة المدنية عبر أبواقها الثقافية والإعلامية وتنظيماتها الحقوقية.. تدخل في حرب مفتوحة منذ عقود ضد إرهاب التنظيمات الإسلامية المتشددة؛ وتدعم دولاً وأنظمة تموله – عبر كارتيلات شركات السلاح وبيع الخدمات الأمنية متعددة الجنسيات – مثلما حدث في “أفغانستان” سابقًا و”تركيا” و”قطر” حاليًا.. تحارب “إيران” وتحاول الحد من قوتها النووية؛ ولكن لحدود معينة وهو الحفاظ على أذرعها الميليشياوية داخل المنطقة.. تحرص على فرض نموذج اللامركزية في إدارة الدولة على دول المنطقة – ودول العالم الثالث – لتذويب “السيادة الوطنية” عبر خلق كيانات سياسية معارضة لنظام الدولة – الذي تدعمه “واشنطن” في العلن أو على الأقل تهادنه – تتصل بـ”أميركا” والغرب وتصبح قوة ضغط في الداخل ويدًا للاستعمار غير مباشرة من جسد المجتمع السياسي ذاته؛ في حالة “العراق” المتشعب عرقيًا وداخل “مصر” يتمثل في المجتمع المدني كمثال..
يواصل “أحمد سعداوي” في توضيح حالة الاستقطاب الحاد التي وقع فيها المجتمع العراقي ومدى تأثيرها على الانتفاضة الشعبية الضخمة التي هبت في تشرين أول/أكتوبر 2019؛ ومازالت أصدائها ضاربة بأرجاء البلاد، يقول: “أميركا لاعب أساس في الداخل العراقي منذ عقود، يرفعها البعض إلى الستينيات من القرن الماضي، أما العامة من الناس فيعرفون اللمسة المباشرة لليد الأميركية، على الأقل منذ حرب الخليج 1991 وصواريخ التحالف، الذي قادته أميركا، التي دمّرت منشآت البنية التحتية في البلد، ثم العقوبات الاقتصادية الدولية القاسية، وليس انتهاءً بغزو أميركا للعراق في 2003، ثم إرتهان “العملية السياسية” في العراق، بعد ذلك، إلى قوى خارجية تقف أميركا على قائمة أكبرها وأهمها، وعامل استقطاب مع إيران في الصراع على النفوذ والهيمنة، تصاعد بقسوة وشراسة في السنوات الأخيرة.
“ولعل من أخطر لحظات هذا الاستقطاب والصراع تنفيذ إدارة ترامب مطلع هذا العام، (2020)، قرب مطار بغداد لعملية اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني وأعلى الممثلين للسلطة الإيرانية في العراق.
“من يومها والعراق في مشهد جديد أو طور آخر من أطوار التحوّل السياسي لم يهدأ حتى الآن، خصوصًا أن حدث الاغتيال جاء في ذروة احتجاجات تشرين الشعبية الواسعة، التي دفعت – قبل حادث الاغتيال بشهر تقريبًا – إلى استقالة حكومة عادل عبدالمهدي، وهو أول حدث من نوعه منذ 2003، أن يدفع الضغط الشعبي الأطراف السياسية الفاعلة للرضوخ والاستجابة، لا للتأثيرين الإيراني والأميركي هذه المرّة، وإنما لتأثير قوّة ثالثة جديدة (بالنسبة إلى الكثير من السياسيين العراقيين !) اسمها “الشعب”.
متابعًا “سعداوي”: “لا تعترف الميليشيات العراقية المدعومة من إيران بوجود “قوة ثالثة”، وإنما هي مجرد جبهة صراع ثنائية طرفاها إيران وأميركا، وما المتظاهرون إلا عملاء لأميركا حسب زعمهم، على الرغم من أن الكثير من هؤلاء المتظاهرين ومن يؤيدهم من الناشطين والصحافيين والكتّاب قالوا صراحة إنهم يرفضون تأثيرات النفوذين الإيراني والأميركي على حدّ سواء، وإن اغتيال سليماني والمهندس أضرّ كثيرًا بالحراك الاحتجاجي لأنه غيّر بؤرة الاهتمام العالمي والمحلي من التظاهرات إلى تداعيات حادثة الاغتيال.
“… إن ما ينعش وجود الميليشيات التي تتصرّف كدولة موازية تضعف الدولة الرسمية ومؤسساتها؛ هو أن ترى العراق مجرد حلبة صراع مع أميركا، بينما تخفيف الوجود الأميركي وتقليل التدخل في شؤون العراق إلى أدنى حدّ والتعامل معه كدولة مستقلة ذات سيادة؛ سيسحب البساط من تحت أقدام الميليشيات ويتركها في مواجهة الشعب. وهي المواجهة الحقيقية التي يمكن أن تخوضها أي نخبة سياسية أيًا كانت، في سبيل استمرار نفوذها وشعبيتها”.
.. وتتعدد الآليات وأساليب إستراتيجية “الولايات المتحدة” في إحكام سيطرتها وقبضتها الدولية.. إنها إستراتيجية “جمع المتناقضات”.. تمارسها اليوم إدارة البيت الأبيض بوجه “قديس” يحمل بيمناه “كتاب مقدس” ويمُني شعبه وجمهور العالم بتحقيق القيادة العالمية عن طريق آليات ناعمة إنسانية، بعد أن انتهى دور وجه “التاجر”، ولو بشكل مؤقت، ذا الملامح الخشنة الواضحة الصريحة: “من يدفع يحصل على خدمة” !