خاص: كتبت- نشوى الحفني:
تحولات متسَّارعة يشهدها “العراق” في بُنية أنظمته المالية مع تزايد الاعتماد على وسائل الدفع الإلكتروني بدلًا من التعاملات النقدية المباشرة.
المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي؛ “مظهر محمد صالح”، كشف أن إعلان “البنك المركزي العراقي” عن توديع الدفع النقدي في جميع المؤسسات الحكومية والمرافق؛ بحلول شهر تموز/يوليو 2026، يُمثّل خطوة استراتيجية نحو بناء اقتصاد رقمي متكامل.
تعزيز الشفافية وتقليل الفساد..
وأوضح “صالح”؛ في تصريح صحافي، أن هذا التحول يهدف إلى تعزيز الشفافية وتقليل الفساد ويُشجع الشمول المالي، مشيرًا إلى أن الانتقال إلى المدفوعات الإلكترونية سيُشكل بداية لعصر جديد من الحداثة المالية في “العراق”.
وأضاف أن السياسة المالية ستسّتفيد بشكلٍ مباشر؛ إذ ستُصبح المدفوعات الحكومية، بما فيها الرواتب والمعاشات والقروض والدعم، بالإضافة إلى تحصيل الرسوم والضرائب، أسرع وأكثر دقة، ما يُعزز سيولة الموازنة العامة وحوكمة الإنفاق.
كما أشار إلى أن هذه الخطوة تُعزز حساب الخزينة الموحد وتُحسّن إدارة التدفقات النقدية، وتُقلل من الاعتماد على الاقتراض الطاريء، فيما تسهّل السياسة النقدية مراقبة حركة الأموال والتحكم في معدلات التضخم والسيّولة.
زيادة عمليات الدفع الإلكتروني..
وكان “البنك المركزي العراقي” قد أعلن؛ العام الماضي، زيادة قياسية في عمليات الدفع الإلكتروني من: (800) مليار دينار إلى تريليوني دينار، فيما بلغت المدفوعات الحكومية نحو: (912) مليار دينار، كما قررت الحكومة حظر الدفع النقدي في المؤسسات الحكومية منذ مطلع تموز/يوليو، مع إطلاق حملات توعية لتشجيع التحول إلى الدفع الإلكتروني والابتعاد عن النقد التقليدي.
“كي كارد” للدفع الإلكتروني..
وكالة (الصحافة المستقلة)؛ تقول إن هذه الخطوة تُمثّل نقلة نوعية في بلدٍ ظلّ لفترة طويلة أسيرًا للسيّولة النقدية، حيث كانت الرواتب الضخمة تُصرف نقدًا بما يُرهق الجهاز المصرفي ويُزيد من المخاطر الأمنية والاقتصادية.
وتوضح الوكالة أنه من بين الشركات التي أسست لهذا التحول؛ برزت (كي كارد) كأول شركة دفع إلكتروني في “العراق”، واضعةً حجر الأساس لتجربة وطنية في مجال التكنولوجيا المالية. انطلقت الشركة بخدمة أساسية هي توطين الرواتب، لكنها تحولت تدريجيًا إلى لاعب رئيس يوفر خدمات دفع وتمويل متعدَّدة.
ورغم التحديات التي واجهت عملها في بيئة صعبة؛ فإن حضور (كي كارد) ساعد على تعزيز ثقة المستخدمين بالخدمات الرقمية، وأتاح الوصول إلى فئات في القرى والأرياف، ما جعل الدفع الإلكتروني جزءًا من الحياة اليومية لشريحة متنامية من العراقيين.
توسع في الخدمات..
وأضافت الوكالة أن التطور لم يتوقف عند إصدار البطاقات؛ بل شمل إدخال خدمات مثل:
التحديث البايومتري لضمان دقة بيانات المستخدم.
أنظمة السُلف الإلكترونية التي توفر سيولة عاجلة.
خدمات التقسيّط في الجامعات والمستشفيات ومحال البيع بالتجزئة.
أجهزة نقاط البيع (POS) المنتشرة في الأسواق والمحلات.
هذه الخدمات عززت من القيمة المضافة لقطاع الدفع الإلكتروني، وربطت المستهلك بشكلٍ أعمق بالنظام المالي الرسمي.
رضا المستخدمين..
مشيرة إلى أن العامل الحاسم في نجاح الدفع الإلكتروني لم يكن عدد البطاقات بقدر ما كان رضا المستخدمين. الموظف أو المتقاعد الذي كان يضطر للانتظار ساعات في طوابير المصارف أصبح قادرًا على استلام راتبه عبر البطاقة بشكلٍ سريع وآمن.
تجربة المستخدم هذه انعكست مباشرة على انتشار الخدمة. فكلما كانت الإجراءات أكثر سلاسة، ارتفعت نسبة الإقبال. ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة في بعض المناطق بسبب ضعف البُنية التحتية للاتصالات أو نقص الوعي المالي.
القطاع الخاص والتوجه الحكومي..
تعميم الدفع الإلكتروني لم يقتصّر على الموظفين الحكوميين. فالحكومة تبنّت سياسة واضحة لنشر أجهزة نقاط البيع في مختلف الأسواق، بما يشمل القطاع الخاص، لتوسيّع قاعدة المستخدمين وتقليل التعامل بالكاش.
شركات الدفع استجابت لهذه السياسة؛ فبدأت بتوفير بطاقات وخدمات تعمل داخل “العراق” وخارجه، وهو ما يمنح المستهلك مرونة أكبر ويضع “العراق” على طريق الاندماج في النظام المالي العالمي.
أرقام وحقائق..
تجاوز عدد بطاقات الدفع الإلكتروني في “العراق”: (12) مليون بطاقة.
آلاف أجهزة نقاط البيع باتت منتشرة في الأسواق.
شريحة واسعة من الجامعات والمؤسسات باتت تعتمد على أنظمة التقسيط الرقمية.
هذه الأرقام تعكس حجم التغيَّر، لكنها في الوقت ذاته تُشير إلى حجم العمل المطلوب لتأمين البُنية التحتية وتحديث التشريعات.
تطبيقات تكنولوجية جديدة..
ومع تزايد الطلب على الحلول الرقمية؛ برزت تطبيقات مثل (سوبر كي)، التي تجمع بين الدفع والتحويل والخدمات الحكومية في منصة واحدة. هذه التطبيقات لا تقتصر على تسهيل المعاملات المالية، بل تقدم نموذجًا عمليًا للتكامل بين القطاعين العام والخاص، عبر خدمات مثل دفع فواتير الماء والكهرباء أو تسدّيد رسوم حكومية إلكترونيًا.
تحديات لا يمكن إغفالها..
رغم هذه النجاحات؛ يواجه القطاع عددًا من التحديات، أبرزها:
ضعف الوعي المالي لدى جزء من المستخدمين، ما يُعرقل الاستفادة الكاملة من الخدمات.
تذبذب خدمات الإنترنت في بعض المناطق، وهو ما يحد من استقرار العمليات.
الحاجة إلى تشريعات أكثر مرونة لمواكبة تطور التكنولوجيا المالية.
منافسة البنوك التقليدية التي لا تزال تُحافظ على جزء من حصتها النقدية.
تُساعد في رسم سياسات اقتصادية أكثر دقة..
ولفتت الوكالة إلى أن نجاح الدفع الإلكتروني لا يقتصر على تسهيل المعاملات فحسّب، بل يمتد ليكون أداة في محاربة الفساد، تقليص التهرب الضريبي، وتعزيز الشمول المالي. البيانات المتولدة عن ملايين المعاملات تُمثّل ثروة يمكن أن تساعد صانعي القرار في رسم سياسات اقتصادية أكثر دقة.
إن تجربة الدفع الإلكتروني في “العراق” تُمثّل قصة نجاح آخذة في التوسع، لكنها لا تزال بحاجة إلى تعزيز البُنية التحتية وتطوير الأطر التشريعية وتكثيف برامج التثقيف المالي. وبين الدور التنظيمي لـ”البنك المركزي”، واستثمارات الشركات المحلية مثل (كي كارد)، وجهود الحكومة في التوسع بالقطاع، يتشّكل مسار واضح نحو اقتصاد رقمي قد يكون من أبرز عناوين التنمية الاقتصادية في “العراق” خلال العقد المقبل.