22 فبراير، 2025 9:07 م

في ثلاثين يومًا فقط .. “ترمب” يغير بوصلة أميركا الداخلية والخارجية بقراراته

في ثلاثين يومًا فقط .. “ترمب” يغير بوصلة أميركا الداخلية والخارجية بقراراته

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

ثلاثون يومًا فقط انقضت من ولاية الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، امتلأت بالقرارات السريعة التي أثارت الجدل داخليًا وخارجيًا، حيث أصدر العديد من الأوامر التنفيذية، وواجه معارك قضائية، وتعامل مع تحديات اقتصادية، أبرزها التضخم المستمر.

فمنذ تنصيبه في 20 كانون ثان/يناير الماضي؛ عمل “ترمب” بسرعة على تنفيذ سياساته، بما في ذلك فرض تعريفات جمركية جديدة، وبدء مفاوضات مع “روسيا” بشأن عمليتها العسكرية في “أوكرانيا”، والدعوة إلى إنهاء الحرب في “غزة”. كما أتخذ خطوات جذرية داخل الحكومة الفيدرالية، من خلال تجميّد التمويل الفيدرالي وتسريح الآلاف من الموظفين الحكوميين، وفقًا لتقرير في صحيفة (فايننشال تايمز).

توقيع 73 أمر تنفيذي..

وسجل “ترمب” رقمًا قياسيًا في إصدار الأوامر التنفيذية؛ خلال الشهر الأول من ولايته، حيث وقّع (73) أمرًا تنفيذيًا، متجاوزًا عدد الأوامر التي وقّعها أسلافه خلال فترتين رئاسيتين كاملتين. وتنوعت هذه الأوامر بين القضايا الداخلية والخارجية، حيث شملت:

* إنشاء “وزارة كفاءة” الحكومة: وهي هيئة جديدة يُديرها بشكلٍ غير رسمي رجل الأعمال؛ “إيلون ماسك”، رُغم نفي الحكومة أنه يتولى هذا المنصب رسميًا. وقد أدت هذه الإجراءات إلى تسّريح أكثر من (10) آلاف موظف حكومي، رُغم أن بعض عمليات التسّريح تخضع للطعن القانوني.

* محاولة إلغاء حق المواطنة بالولادة: وهو قرار يواجه تحديات قانونية بسبب تعارضه مع الدستور الأميركي، وقد تم حظره من قبل عدة محاكم.

* إصدار أمر تنفيذي حول “استعادة حرية التعبير”: هاجم فيه إدارة “جو بايدن”، متهمًا إياها بفرض رقابة على الخطاب العام.

استمرار ارتفاع معدلات التضخم.. 

ورُغم تعهد “ترمب”؛ خلال حملته الانتخابية، بخفض تكاليف المعيشة، لا تزال معدلات التضخم مرتفعة. فقد أظهرت البيانات أن مؤشر أسعار المسَّتهلكين ارتفع بنسبة (3%)؛ في كانون ثان/يناير الماضي، مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، متجاوزًا الهدف الذي حدّده “الاحتياطي الفيدرالي” عند: (2%).

ويعود جزء من هذا التضخم إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، حيث شهدت أسعار البيض قفزة بنسبة: (15.2%) في الشهر الماضي، وهو أعلى ارتفاع منذ حزيران/يونيو 2015، وذلك بسبب تفشي “إنفلونزا الطيور”؛ الذي أجبر المزارعين على إعدام ملايين الدجاجات.

وهذا الارتفاع في الأسعار أثر سلبًا على شعبية “ترمب”، حيث أظهر استطلاع أجرته (CNN وSSRS)؛ في شباط/فبراير الجاري، أن: (62%) من الأميركيين يعتقدون أن “ترمب” لم يتخذ إجراءات كافية لخفض الأسعار. كما كشف استطلاع آخر أجرته (واشنطن بوست وIpsos)، أن: (53%) من الأميركيين غير راضين عن إدارته للاقتصاد، وهي أعلى نسبة عدم رضا منذ بداية رئاسته الأولى.

فرض رسوم جمركية..

وأعلن “ترمب” عن تعريفات جمركية جديدة تستهدف عدة دول ومنتجات، لكن معظمها لم يدخل حيز التنفيذ بعد. وكان أبرزها فرض رسوم جمركية بنسبة: (25%) على جميع واردات “الصلب والألومنيوم”، والتي ستدخل حيز التنفيذ في 12 آذار/مارس المقبل.

وقد أثارت هذه الرسوم قلق الشركات الأميركية؛ خاصة في قطاعات التصنيع والنفط والغاز، حيث زادت أسعار “الألومنيوم” بشكلٍ ملحوظ بعد الإعلان عنها. ومع ذلك، لم تبُدِ أسواق الأسهم تأثرًا كبيرًا بهذه الإجراءات حتى الآن.

تراجع التأييد الشعبي..

ورُغم أن نسبة تأييد “ترمب” الحالية؛ والتي تبلغ: (49%)، هي الأعلى خلال فترتيه الرئاسيتين، إلا أنها لا تزال أقل مقارنة برؤساء سابقين مثل: “جو بايدن”. وأظهر استطلاع أجرته (FiveThirtyEight)، أن: (47%) من الأميركيين غير راضين عن أدائه.

ولكن سياساته المتعلقة بالهجرة تحظى بدعم نسّبي، حيث أظهر استطلاع (CNN وSSRS)، أن: (55%) من المشاركين يدعمون عمليات الترحيل التي تُنفذها إدارته، أو يرغبون في أن تكون أكثر صرامة.

تراجع عمليات الاعتقال والهجرة..

وشهدت الأيام الأولى من ولاية “ترمب”، موجة من الاعتقالات للمهاجرين غير الشرعيين، حيث نفذّت “وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك”؛ (ICE)، حملة كبرى في 26 كانون ثان/يناير الماضي، أسفرت عن اعتقال قرابة: (1000) شخص في يومٍ واحد.

ولكن في الأسابيع التالية، بدأت هذه الأرقام في التراجع، حيث انخفضت الاعتقالات اليومية إلى (300) فقط في الأسبوع الأول من شباط/فبراير الجاري، وفقًا لتقرير نشرته (NBC News). كما أدى نقص أماكن الاحتجاز إلى الإفراج عن: (461) مهاجرًا كانوا قد اعتقلوا سابقًا.

وعلى الرُغم من ذلك؛ شهدت عمليات العبور غير الشرعي للحدود الجنوبية انخفاضًا حادًا، حيث تراجعت أعداد المهاجرين الذين تم احتجازهم على الحدود “الأميركية-المكسيكية”، إلى (29) ألفًا في كانون ثان/يناير الماضي، وهو أدنى مستوى منذ شباط/فبراير 2021، بعد أن كانت: (47) ألفًا في كانون أول/ديسمبر الماضي.

تغييّر اتجاه السياسة الخارجية..

كما غير الرئيس “ترمب”؛ بشكلٍ كبير اتجاه السياسة الخارجية الأميركية في أربعة أسابيع فقط، مما جعل “الولايات المتحدة” حليفًا أقل موثوقية بعد تراجعه عن الالتزامات العالمية بطرق من شأنها إعادة تشكيل علاقة “أميركا” بالعالم.

وذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) أن مبعوثي؛ “ترمب”، الرئيسيين قُدمًا تنازلات لـ”روسيا” في محادثات السلام التي أذهلت الحلفاء الأوروبيين، تلا ذلك وصف “ترمب” لزعيم “أوكرانيا” بالديكتاتور.

وقام “ترمب” بتفكيك وكالة المساعدات الأميركية الرائدة التي تُقّدم المساعدة للعالم النامي، حيث تهدف “الصين” إلى ترسيخ موطيء قدم.

فيما محت “خطة ترمب” لامتلاك “غزة” وتهجير الفلسطينيين عقودًا من جهود “واشنطن” للتوسط في “حل الدولتين”.

ماذا فعل “ترمب” ؟

ولم يتوقع أحد أن يتعامل “ترمب” مع الشؤون العالمية مثل أسلافه، لكن قِلة من الناس توقعوا أن يتحرك بهذه السرعة لإعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية بعيدًا عن المسّار الذي سلكته منذ عام 1945.

ويقول معظم خبراء السياسة الخارجية إن نظام التحالفات الذي تقوده “أميركا” عزّز من قوة “الولايات المتحدة” منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فمن خلال التعهد بالدفاع عن حلفائها في “أوروبا والشرق الأوسط وآسيا”، تولت “الولايات المتحدة” أكثر من أي دولة أخرى دور الضامن العالمي للتجارة الحرة والاستقرار، وهي المهمة التي شملت أولًا مواجهة “الاتحاد السوفياتي”، ومؤخرًا “الصين”.

وغيّر الرئيس “ترمب”؛ بشكلٍ كبير، اتجاه السياسة الخارجية الأميركية في (04) أسابيع قصيرة، مما جعل “الولايات المتحدة” حليفًا أقل موثوقية وتراجع عن الالتزامات العالمية بطُرق من شأنها أن تُعيّد تشكيل علاقة “أميركا” بالعالم بشكلٍ أساس.

ولكن “ترمب” لديه وجهة نظر مختلفة: فالحلفاء يأخذون أكثر مما يعطون. وبدلًا من الاعتماد على الجيش الأميركي ومظلته النووية لأمنهم، ينبغي للدول الأخرى أن تنُفق المزيد على جيوشها مع توفير الحوافز الاقتصادية للبقاء في حماية “أميركا”، وتتسّم رؤية “ترمب” بالمعاملات التجارية، والفوز والخسّارة في السياسة الخارجية.

تغيَّر المشهد الجيوسياسي..

وقالت “فيكتوريا كوتس”؛ نائبة رئيس الأمن القومي والسياسة الخارجية في مؤسسة (هيريتيغ)، وهي مؤسسة بحثية محافظة: “ليس الأمر أن الرئيس ترمب يتخلى عن نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية. بل إننا لم نُعدّ في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وعلينا أن نقبل أن المشهد الجيوسياسي قد تغيّر”.

وكان نفس النهج هو الذي دفع السياسة الخارجية لـ”ترمب”؛ في ولايته الأولى، ولكن في ولايته الثانية، أضاف عنصرًا جديدًا، حيث اقترح توسيّع حدود “الولايات المتحدة” والاستيلاء على أراضٍ في الخارج من جانب واحد.

وحتى قبل العودة إلى “البيت الأبيض”؛ فكر “ترمب” في استعادة (قناة بنما)، والاستيلاء على (غرينلاند) من “الدنمارك” وجعل “كندا” الولاية رقم (51).

تعميّق شكوك الحلفاء..

وقال الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية؛ “ريتشارد هاس”: “سيكون من الصعب للغاية التراجع عن ما يجري في السياسة الخارجية أو إقناع الحلفاء بأن هذا حدث لن يتكرر أبدًا، كان هذا ممكنًا بعد انتخاب؛ ترمب، ولكن ليس بعد إعادة انتخابه”، وأضاف: “موثوقية أميركا مهدَّدة بشكلٍ خطير، وأدت الأحداث الأخيرة إلى تعميّق شكوك الحلفاء بشأن أميركا بقيادة ترمب”.

وقال “تشاك هيغل”؛ السيناتور الجمهوري السابق ووزير الدفاع في عهد “أوباما”: “ما يحدث هو تحدٍ خطير لأساس النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية”، وأضاف: “لم أشعر قط بمثل هذا القلق بشأن مستقبل هذا البلد والعالم”.

بينما قال “إيفو دالدر”؛ السفير الأميركي لدى حلف الـ (ناتو) في إدارة “أوباما”، إن الميل نحو “روسيا” والابتعاد عن “أوكرانيا” أمر مثَّير، إذ أصبح “بوتين” الآن في وضع ممتاز، حيث لا يتعيّن عليه سوى قول: “نعم”، مع العلم أنه إذا قالت “أوكرانيا”: “لا”، فسوف يُلقي “ترمب” باللوم عليها.

لفت الباحث في معهد (أولويات الدفاع)؛ “دانيال دوبتري”، إلى أن الأخبار في الأسبوع الماضي، دفعت كثيرين للاعتقاد بأن “الولايات المتحدة” كانت على وشك التخلي عن “أوكرانيا”، والتراجع عن دعمها لـ”أوروبا”، والتصالح مع الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”.

وقالت السناتور “جين شاهين”؛ العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بـ”مجلس الشيوخ”، إن تأثير الانسحاب من “نيبال” وأماكن أخرى: “سيؤثر على كيفية رؤية الناس في جميع أنحاء العالم للولايات المتحدة، وإن هذا الانسحاب يترك فراغًا ستكون الصين سعيدة بملئه”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة