وكالات – كتابات :
انتحر طفل يبلغ من العمر (12 عامًا)، في منطقة “الصبية”، في ناحية “العكيكة”، جنوب شرق محافظة “ذي قار” .
وقال مصدر أن: “الطفل انتحر شنقًا بواسطة حبل، داخل غرفته دون معرفة الأسباب”.
ولفت إلى أن: “الأجهزة الأمنية فتحت تحقيقًا بالحادث، ونقلت الجثة إلى دائرة الطب العدلي”.
وبصرف النظر عن الملابسات والأسباب التي تدفع تلك الحالات إلى إنهاء حياتها بأيديها، تعددت حالات الانتحار وأمتدت بشكل ملحوظ ومخيف على طول الشرائح العمرية؛ بداية من الشيوخ إلى الصبية والأطفال، حتى خرجت تلك الظاهرة من إطارها كحالات فردية إلى ظاهرة مجتمعية داخل “العراق” اليوم !
زيارة الطبيب النفسي وصمة عار !
قبل شهرين، أبتلعت “دينا”، عشرين حبة إجهاض أشترتها من إحدى الصيدليات في محافظة “الأنبار”، أملاً بأن تنهي تلك الحبات حياتها، لكن والدتها اكتشفت الأمر سريعًا، بعد أن بدأت “دينا”، (وهو اسم مستعار)، بالنزف وفقدان الوعي.
أُنقذت “دينا”، لكنها تقول إنها: “لا تزال تفكر بالانتحار بين الفترة والأخرى”، على الرغم من أنها تعترف أن حالتها تحسنت كثيرًا بعد: “العلاج النفسي”، الذي تخضع له في “بغداد”.
توضح “دينا”: “لا يوجد أطباء نفسيون في الأنبار، وأصلاً الذهاب إلى الطبيب النفسي وصمة عار كبيرة؛ ستجعل حياتي أكثر تعقيدًا”.
الطبيب شخص إصابة “دينا”: بـ”الاكتئاب الحاد”، وهي تتلقى العلاج بشكل مستمر مع حضورها لجلسات أسبوعية.
معلقة: “الطبيب قال لي إن ما أشعر به ليس سخيفًا”، وأن: “المشاعر التي يسخر منها كل من يسمعها؛ هي شائعة بين الكثير من الشباب حاليًا، وتؤدي بالكثير منهم إلى التفكير بالانتحار أو الإقدام عليه”.
وفي المدرسة، لا تمتلك “دينا” الكثير من الصديقات: “يتحدثون بالماكياج والمسلسلات وقصص الحب، أنا لا أحس بأي من هذه الأمور”، مضيفة: “أحب أن يتكلم الجميع عن الموت، فهو الحقيقة الأولى والأهم”.
وحش “الاكتئاب”..
يقول طبيب “دينا”؛ إن: “غطاء المشاعر، سواء كان غضبًا على الأهل أو تجربة عاطفية فاشلة؛ غير مهم كثيرًا، لأن الاكتئاب يحول أي شيء، مهما كان صغيرًا، إلى سبب معقول للتفكير في الانتحار”.
وتواصل “دينا”؛ إنها: “غير سعيدة، لا تضحك، ولا تنام، ولا تأكل جيدًا، كما إن وزنها يؤرقها، لأنها تخاف السمنة”
وفي الحقيقة يبلغ وزن “دينا”، وهي فتاة جميلة للغاية، 55 كيلوغرامًا وطولها 170 سنتمترًا، أي أنها بعيدة تمامًا عن السمنة، لكنها تؤكد: “أكره شكلي جدًا”.
80 % من حالات الانتحار من الفتيات !
ومؤخرًا، إزداد تسجيل حالات الانتحار في “العراق”، ومعظم تلك الحالات هم من: الشباب أقل من 27 سنة، ومعظمها من الفتيات.
ويقول الباحث الاجتماعي العراقي، “محمد الصميدعي”، إن: “العراق سجل نحو 600 حالة انتحار، في 2019، نحو ثمانين بالمئة منها من الفتيات، بحسب أرقام منظمة الصحة العالمية”، بارتفاع عن: 519 حالة انتحار، في 2018، و422 حالة انتحار، في 2017.
وبحسب أرقام بعثة “منظمة الصحة العالمية”؛ فإن: “1112 شخصًا حاولوا الانتحار، وتم إنقاذهم، في العام 2019”.
ويقول “الصميدعي”، إن العام 2020؛ شهد تناقصًا في حالات الانتحار إلى: 375 حالة، لكن: “الرقم مازال مرتفعًا، وهناك في الأقل ضعفا هذا العدد من المحاولات التي لم يبلغ عنها الأهل بسبب القيود الاجتماعية”.
علامات على “المزاج الانتحاري”..
ويورد موقع ( Health ) الصحي الأميركي؛ علامات يجب الإنتباه إليها لمعرفة ما إذا كان الشخص المصاب بالاكتئاب ذو: “مزاج انتحاري”.
والعلامات هي، بحسب الموقع، عدم الاهتمام بالأنشطة المعتادة، وتغيرات في النوم والشهية، (إما بالزيادة أو النقصان)، ومشاعر اليأس والحزن والأرق، وصعوبة في التركيز أو التفكير أو اتخاذ القرارات.
وبحسب “الصميدعي”؛ فإن: “الاكتئاب الشديد؛ هو أحد العلامات التي قد تُنذر بوجود رغبات انتحارية لدى الشخص، وعلى ذويه الإنتباه إليها”.
لكن “الصميدعي”؛ يقول إن الاكتئاب: “ليس بالضرورة مرتبطًا بالانتحار، فالغالبية العظمى من المصابين بالاكتئاب لا يموتون بالانتحار”.
ويقول “سالم”، وهو شاب يبلغ من العمر (25 عامًا)؛ إنه حاول الانتحار، قبل ثلاث سنوات؛ بسبب: “الوضع الاقتصادي”، لكنه يعترف الآن أن: “وضعه الاقتصادي لم يكن سيئًا جدًا، ولكنه فقط لم يكن يحتمل”.
يقول “سالم”: “بدلاً من العمل، فكرت بإنهاء حياتي، وجربت فعلاً أن أفعلها بقطع في يدي، لكن أخي الأكبر أنقذني”.
يعرف “سالم”، بعد سنتين من العلاج النفسي أن: “الاكتئاب قد لا يكون ناجمًا بالضرورة عن الوضع الاقتصادي، وإنما قد يكون تراكمات ذهنية ونفسية وهرمونية عقدت حياته”، كما ينقل عن طبيبه النفسي.
ولم يتحسن وضع “سالم” المادي كثيرًا، في 2021، لكنه يقول: “تعلمت أن أصنع إنجازات صغيرة أفرح بها وتحسن حالتي النفسية، ألعب الرياضة كثيرًا؛ وأنا مواظب على العلاج النفسي، ولا أفكر أبدًا بالانتحار مجددًا، كأنني شخص آخر”.
لكنه يعرف أن الموضوع ليس سهلاً للجميع: “هناك من لا تفيدهم هذه الأمور، أو أنهم حتى غير قادرين على طلب المساعدة، أقول لهم إن الوضع هو دائمًا أفضل مما نحس به، نحتاج فقط لطلب المساعدة”.
ولا يوجد في “العراق”؛ خدمات لمساعدة المقبلين على الانتحار، أو خدمة عامة للدعم النفسي، كما إن الأعراف الاجتماعية ونقص الأطباء النفسيين تُمثل مشكلة أخرى.