في الذكرى 54 لثورة 14 تموز .. العراقيون مازالوا مختلفين حول وطنية او دكتاتورية عبد الكريم قاسم

في الذكرى 54 لثورة 14 تموز .. العراقيون مازالوا مختلفين حول وطنية او دكتاتورية عبد الكريم قاسم

في الذكرى الرابعة والخمسين لثورة 14 تموز .. العراقيون مازالوا مختلفون حول وطنية او دكتاتورية عبد الكريم قاسم  
 تمر اليوم السبت الرابع عشر من شهر تموز / يوليو ذكرى اسقاط العهد الملكي في العراق واقامة الحكم الجمهوري ، لكن المناسبة على الرغم من المسافات البعيدة للزمن الا انها ما زالت تشكل حدثا مهما عند العراقيين يقرأها كل واحد منهم من وجهة نظر خاصة به ولكن الاختلاف يتضح في القراءات .

خلاف حول الوطنية والدكتاتورية
وما زال العراقيون يختلفون في ثورة 14 تموز / يوليو عام 1958 مثلما يختلفون في شخصية زعيمها عبد الكريم قاسم ، على الرغم من مرور 54 عاما على قيام هذه الثورة التي اسقطت النظام الملكي في العراق . وما زال الناس يتجاذبون اطراف الاحاديث يوميا ويقارنون بين قاسم والذين حكموا العراق بعده على مختلف الاصعدة ، وصارت الاجيال التي لم تر عبد الكريم ولم تعرف عنه الكثير تتجادل هي الاخرى حوله ، فهناك من يراه (بطلا) وتدور حوله اوصاف والقاب كبيرة عديدة ،وهناك من يراه (دكتاتورا) وتدور من حوله صفات يتملكها الذم  ، وهناك من يرى ان ما حدث (ثورة) وهناك من يراها (انقلابا)، وهناك من يعتبرها (رحمة) للشعب ، وهناك من يراها (لعنة) اصابت البلد وما زال يدفع ثمنها ، وتتشابك الاراء وتتصادم وجهات النظر وتتصارع الاحداث بين رواتها ، وفي كل الاحوال .. لا بد من سماع رأيين نقيضين لا ثالث لهما ، الاول: انه البداية لخراب العراق ، ومن تلوه اكملوا المهمة وبجدارة، والثاني : انه اشرف وافضل رئيس حكم العراق الى الان..عبد الكريم قاسم ناصر الفقراء والمساكين والضعفاء.
ففي الوقت الذي يطالب فيه البعض باعتبار يوم 14 تموز / يوليو عيدا وطنيا رسميا للعراق ، تخليدا وتقديرا لزعيمها وانصافا له بعد الغبن الذي لحقه طوال مدة حكم (حزب البعث) ، هناك من يرى انها جريمة نكراء ارتكبها ( ثلة من العسكرين المجرمين ) بقيادة عبدالكريم قاسم ضد العائلة المالكة.. قتلوا النساء والاطفال الابرياء ومثلوا بجثث الضحايا واختلط الدم بالاسفلت .. ، وان عبدالكريم ورفاقه (مجرمون مغرورون) فتحوا بابا جرّ الويلات والدمار للعراق واهله الابرياء، كما ان هناك من يتباكى على العهد الملكي ويعده عهد الديمقراطية والحرية والخير ،وهناك من يهتف بمليون (شكرا) لمن اسهم في القضاء على الملكية واسس للحكم الجمهوري الذي هو حكم الشعب .
ويقول المواطن الحاج عمران حسين : ليس فقط الناس الفقراء يحبون عبد الكريم قاسم ، لا كل الطيبين والذين عاشوا الحرمان وضنك العيش ومرارات الاقطاع وشرور الامراض والفيضانات ، الناس الذين هربوا من مناطق سكناهم الى بغداد بحثا عن العيش، وقد اعطاهم عبد الكريم قاسم فأحبوه ، على الرغم من انه اعطاهم القليل قياسا لغيرهم لكنهم كانوا يرون ان هذا افضل من القهر الذي كانوا يعيشونه ، الناس تحب (الملوكية) وتحترم (شرفهم) ولكن الجوع كافر والحرمان مؤذي والمرض موت ، وخاصة انهم ما شافوا منه الا (الزين) ، كما كانت الناس تكره (الملوكية) لانهم طردوا اليهود من العراق بعد ان حدث الفرهود ولليهود افضال على الناس انذاك فتأثروا بما جرى ، وعندما مات وقتلوه اعداء الشعب كان موته طعنة في قلب الشعب ، والرجل عاش فقيرا ومات فقيرا مثل اي عراقي فقير ، وما زالت الناس تذكره بالخير لانهم عرفوا ان من قتله ظالم ومجرم وهو الذي دمر العراق .
اما المواطن احسان سعد فقال : انا انظر للامر من وجهة نظر قتل ناس ابرياء لم يمنحوا فرصة الخلاص ، واعتقد ان الدم الذي سال عام 1958 هو السبب في كل هذه الدماء التي سالت انهارا على مدى 50 عاما ، فهذه لعنة اولئك المساكين الذي لم يرحمهم الضباط الاحرار ، كما ان عبد الكريم ما كان يفهم في اللعبة السياسية فلذلك عادى من عادى واحب من احب ، فكان اعداؤه كثيرين ، واعتقد انه كان ضعيفا بما فيه الكفاية ليكون حكمه مليئا بالمشاكل ، المهم انا ارى ان ما حدث كان انقلابا بشعا .
ويقول الكاتب احمد شاكر : باستبعادنا الحالة التي شكلها الزعيم عبد الكريم قاسم في ادارته للدولة العراقية فان يجب الاعتراف بان مشروع بناء الدولة العراقية تعرض للانحراف عن مساره بقيام الجمهورية،وهذا المشروع كان يتضمن بناء دولة مؤسساتية تتجاوز الانتماءات القومية والدينية والطائفية واالعشائرية والمناطقية واعتقد بان المتتبع لتركيبة السلطات في العهد الملكي يجد ان الملك خارج عن كل التركيبات والكتل المكونة للعراق ، اما بالنسبة للحكومه فكانت في كل حالات تشكيلها شاملة لجميع الشخصيات السياسية الموجودة على الساحة وبحسب كفاءتها بغض النظر عن انتماءاتها الجهوية .

دعوات لاعتبار يوم اعلان الجمهورية عيدا وطنيا
وفي ذكرى 14 تموز .. فقد انتشرت في وسائل الاعلام العراقية وملأت المواقع الالكترونية منذ ايام حملة – نداء لاعتبار ثورة 14 تموز عيداً وطنياً رسمياً، وقد بعث اهل الحملة برسائل الى رئيس جمهورية العراق جلال طالباني، ورئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس البرلمان أسامة النجيفي ، تطالب باعتبار هذا اليوم عيدا وطنيا ، وقد جاء في النداء : يتهيأ شعبنا العراقي للاحتفال بالذكرى الـ (54) لثورة 14 تموز 1958 المجيدة، التي توجت نضالات الشعب وقواه الوطنية لعقود من الزمن من أجل الاستقلال والسيادة الوطنية. لقد حققت الثورة بالرغم من عمرها القصير الكثير من المنجزات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لصالح شعبنا، ولاسيما الفقراء والكادحين. ولولا اغتيالها بعد أقل من خمس سنوات، في 8 شباط الأسود 1963، لأصبح العراق في مصاف الدول المتقدمة الآن.، وإن الاعتزاز بثورة 14 تموز المجيدة جزء بسيط من الوفاء للثورة وشهدائها الأبرار، شهداء الحركة الوطنية من مدنيين وعسكريين وأولهم الزعيم عبد الكريم قاسم، ولمناضليها الإبطال، ونحن نستعد للاحتفال بهذه المناسبة المجيدة، نطالبكم بــ:أولاً –  اعتبار يوم 14 تموز عيداً وطنياً رسمياً باعتباره يوم ميلاد الجمهورية العراقية. ثانياً –  تسمية الشوارع والجسور والمدارس والأماكن العامة في المدن العراقية بأسماء قادة الثورة وشهدائها ومناضليها الذين استشهدوا في عهد 8 شباط الأسود 1963.ثالثاً – إدخال مادة ثورة 14 تموز 1958 ضمن المناهج الدراسية في المدارس الابتدائية والثانوية إلى جانب ثورة العشرين، وغيرها من نضالات شعبنا في تاريخه الحديث، لتوعية الأجيال.
وهذا المطالبات تضدها وجهات نظر حول ما حدث ، وتعتبر ان اعتبار يوم 14 تموز عيدا وطنيا امر مخزي لانه يمثل (ذكرى مقتل ملك البلاد وخيرة ساستها على يد زمرة من ضباط جيشهم وحفنة من رعاع شعبهم)، ويرى البعض ان من المؤسف ان تكون دماء الضحيا الابرياء عيدا وطنيا يحترمه الناس في ارجاء المعمورة ويقفون له اجلالا .

عد الكريم قاسم .. بين الزعامة والفشل في بناء دولة المؤسسات
ويقول مفيد الجزائري ،عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي لايلاف: ان عبد الكريم قاسم رجل مخلص ونزيه ومحب لوطنه وشعبه، وان منجزات تلك الثورة رغم قصر عمرها الزمني هي دليل على انها ثورة حقيقية هدفها وغايتها النهوض بواقع بلد نحو التقدم والازدهار، فمن الجانب السياسي حققت ثورة 14 تموز الكثير على سبيل المثال لا الحصر اخراج العراق من حلف بغداد والغاء الاتفاقيات غير المتكافئة مع بعض الدول الاجنبية، الغاء القواعد العسكرية الاجنبية الموجودة في قاعدتي الشعيبة والحبانية، تحرير الدينار العراقي من التبعية الاسترلينية، تشريع قانون الاصلاح الزراعي الذي كان حلم الفلاحين، اصدار قانون الاحوال الشخصية، تشريع قوانين للعمال لضمان حقوقهم، ابرام اتفاقيات مهمة في الجانب الاقتصادي مع الدول الاشتراكية لاقامة عدة صناعات ومشاريع ما يزال بعضها قائما الى الان. ويضيف : ان بغداد لم تحظ في تأريخها الطويل بزعيم عشق الفقراء بهذه الصورة واخرجهم من الاكواخ ليسكنهم داخل مدن عصرية.
أما فوزي عبد الرحيم،باحث عراقي فيقول ان الزعيم عبد الكريم قاسم وكعسكري لم يستطع ان يطور او يعمق التجربة السياسية باتجاه بناء مؤسسات دستورية تشرعن الثورة وتحميها واستهوته الزعامة المطلقة فمضى فى سياسات فردية ومزاجية احيانا ولم يعد يطيق اي نقد او نصيحة مما ابعد عنه العديد من المخلصين والكفوئين واتبع سياسة توازن بين اعداء نهجه ومؤيدي سياساته الوطنية ارتدت عليه كما لم يسمح لهؤلاء بحرية العمل الحزبي وقد كان قاسم طوباويا فى فهمه لدوره فى الحياة السياسية والقرارات المهمة التى اتخذتها الثورة والتى افادت جزءا مهما من المجتمع واضرت بشدة بفئات كانت نافذة حيث تصرف كحكم بين الجميع وهو امر ساهم فى اضعافه .
واضاف : ان ثورة 14 تموز 1958 هى حدث جاء تتويجا ونتاجا لكفاح طويل لحركة سياسية واسعة ودؤوبة ارادت الافضل لشعبها ورفضت الاوضاع السائدة وقد كان تغيير الاوضاع مطلبا شعبيا واسعا وملحا وكانت الظروف مهيأة وهذا ما شجع العسكر على القيام بانقلابهم ضد حكم له بعض الشرعية غير ان الخروج الهائل للجماهير الى الشوارع في بغداد خاصة وباقي ارجاء العراق عامة تحت تاثير دعوات الاحزاب الفاعلة انذاك ادى الى النجاح في انهاء النظام الملكي  وتعطيل التحركات المضادة وترهيب مؤيدي النظام القديم بالمصير الاسود الذي لاقاه رموز النظام وهكذا لم يعد سؤال الشرعية مطروحا وقد كان للاشتراك الواسع وغير المسبوق للناس وخصوصا من الطبقات الدنيا بدعم الحركة اثره اللاحق واستحقاقاته في تغيير الاصطفافات داخل قيادة الحركة والدفع باتجاه سياسي معين الامر الذي ادى الى تحول الانقلاب الى ثورة . 
 واذن .. السنوات الطويلة التي مرت لم تنجح في قراءة مقنعة للناس الذين ما زالوا منقسمين حول الثورة / الانقلاب ، وحول زعيمها ، وربما ستستمر الى أمد غير معلوم لاتنفع فيه الوقائع لان العواطف هي الفيصل به .

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة