17 أبريل، 2024 9:19 ص
Search
Close this search box.

في إيران .. أردت أن أكون محاميًا فأصبحت “عرضحالجي” !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : ترجمة – محمد بناية :

الأول على الفصل والذي أراد أن يمتهن “المحاماة”، هو الآن كاتب عمومي، (عرضحالجي)، على قارعة الطريق.. أنهى الطالب الذكي امتحانات الفرقة الخامسة للمرحلة الابتدائية، حصل على معدل 20 درجة؛ ثم تجرع مرارة الألم حين أغلقت المدرسة أبوابها. لذلك هو يكره ذكرياته القديمة.

وهو يبلغ حاليًا، 55 عامًا، يعيش في قرية “طویقون”؛ التي تبعد عن “تبريز” بمقدار نصف ساعة. وقد أعتاد، “بايرام”، إمضاء نصف ساعة يوميًا في الطريق إلى ميدان “الشهداء” والجلوس أمام مقر المحكمة القديم.

وهو كغيره من كُتاب العموم؛ أعتاد أن يضع دكته في إحدى الأركان ويفتح كتابه، حتى يتثنى لكل المتعاملين مع الإدارة الحكومية الوصول إليه.

تفوق دراسيًا ليصير فلاحًا !

يمرر يده بين خصلات شعره الأبيض، ويقول: “كان التعليم في القرية يقف عند حدود الفرقة الخامسة الابتدائية. حينها كان علينا السفر إلى تبريز لأداء الامتحان النهائي. وبالفعل حضرنا وخضعنا للامتحان.. حصلت على معدل 20 درجة، في حين أن بعض زملائي حصل على معدل 12 درجة فقط؛ وقد أضحى صاحب منصب. كنت أعشق الدراسة لكن ظروف والدي كانت سيئة. أراد مني مساعدته في أعمال الفلاحة. ولم تكن الإمكانات متوفرة كما الآن. وبقيت في القرية وأمتهنت الفلاحة. وانتهت قصة المدرسة بالنسبة لي”.

تمر إحدى الفتيات؛ وتسأل: “سيدي أين المول التجاري ؟”.. بدت الفتاة كأنها مغتربة. والمنطقة سياحية، حيث ينتهي طرف الشارع إلى سوق “تبريز”، بينما يصل الطرف الآخر إلى شارع “تربيت”، (ذكرى عن طريق الحرير)، ومول تجاري ومجموعة متاحف مثل “متحف الصوت” و”متحف صحف أذربيغان” وعدد من المنازل التاريخية، وكأنما يخبرونك أنك نزلت مكانًا جيدًا للتجول.

مدينة تماثيل.. “عرضحالجي”..

وعلى مقربة من مكان جلوس كُتاب العموم يوجد مجسم “عرضحالجي” يضع قلنسوة أذرية. وتكثر مثل هذه التماثيل التاريخية في شارع “تربيت”، ولذلك تُعرف “تبريز” بمدينة التماثيل.

ثم يرشد “بايرام”، الفتاة، إلى عدد من الأسواق، ثم يلتفت إلى، “مريم طالشي”، مراسل صحيفة (إيران) الإيرانية الحكومية، ويضيف: “حسنًا أين كنا ؟.. آه إمتهنت الزراعة في قريتنا، لكن لم يعد لدينا مياه. عملت مع والدي في الفلاحة مدة عشرين عامًا. ثم مرضت وآلمني ظهري لدرجة منعتني من العمل في الفلاحة. بذلت جهدي، لكني أصبحت عاطلاً عن العمل. كنت عضو مجلس القرية؛ ولذلك كنت أراجع الإدارة الحكومية لإنهاء أعمال الناس، ومن هنا بدأت العمل ككاتب عموم”.

متابعًا: “نحن نعاني في القرية المشاكل باستمرار، والمشكلة التي تؤرقنا حاليًا هي المياه. مدوا خط أنابيب لكن يضخون الماء مدة نصف ساعة صباحًا ومساءً. ويتعللون مرة بانفجار الأنبوب ومرة بنظام الحصص المائية. لكن دعينا من ذلك”.

هكذا أصبحت “عرضحالجي” !

يعود العرضحالجي للحديث عن قصة جلوسه أمام مقر المحكمة القديم، ويقول: “ذات يوم جئت إلى هنا وجلست وكتبت لنفسي عريضة ثم جاء أحدهم؛ وقال: أكتب لي عريضة وأعطيك ما تريد في المقابل. ففكرت إنها طريقة جيدة. وكلما جئت للقيام ببعض أعمالي، كنت أكتب العرائض للآخرين وأحصل في المقابل على نفقاتي. والحقيقة خطي جميل. ثم أصبحت هذه مهنتي، وهكذا أصبحت عرضحالحي”.

مرت على “بايرام”، حتى الآن، عشرين سنة وهو يعمل كاتب عموم. يجلس كل يوم، سواءً في الحر أو البرد، بنفس الركن من الشارع الذي كأنما تحول إلى ملتقى كبار السن.. فقد جلس على مسافة أمتار “عرضحالجي” آخر بدا عجوزًا أكثر من “بايرام”، كان يرتدي قميص وبنطال وحذاء قديم.

ثم تستطرد “مريم طالشي” وتساءل: من في الغالب يتعامل معك، وأي نوع من العمل يريدون ؟.. فأجاب “بايرام”: “الناس تراجعني في كل شيء. لأجل البنوك، لجنة الإغاثة، الضرائب، ومجلس الدينية والمحاكم وغيرها. وكل من يراجعونني وزملائي يكون مستواهم العلمي منخفض ومعظمهم جاهل قادمون من الريف. وهم لا يعلمون شيئًا عن تلكم الإدارات. وأنا لأني قمت بذلك مدة سنوات فقد دخلت حقل المشاكل القانونية ومن ثم أكون مرشدهم”.

يحصل “بايرام”، لقاء العريضة، على مبلغ 5 – 10 ألف طومان؛ ويحقق عائد بنهاية اليوم يتراوح بين 30 – 40 ألف طومان. وهو مبلغ ليس جيدًا بما يكفي. فلديه من الأبناء (4) بنتان لم يكملن تعليمهما وتزوجتا وذهبتا، يقول: “لم تكن لدي الإمكانيات لجلب الفتيات إلى المدينة لاستكمال التعليم. لكن الولدان متعلمان وأحدهما حصل على ليسانس وهو عاطل حاليًا. الآخر يدرس القانون”.

ثم يقول في حسرة: “أشعر بالخجل من وضعي المعيشي والجلوس بالشارع. لكم أردت أن أدرس القانون. كنت أتمنى أن أكون محاميًا، لكن هذا ما حدث. لو كان أبي يتمتع بالقدرة والمال. أو لو حتى كان لقريتنا طريق لكنت قدمت إلى المدينة وأكلمت تعليمي”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب