في إفريقيا وآسيا .. “فورين بوليسي”: كيف تزعزع الحرب “الروسية-الأوكرانية” المقبلة الأمن الغذائي العالمي ؟

في إفريقيا وآسيا .. “فورين بوليسي”: كيف تزعزع الحرب “الروسية-الأوكرانية” المقبلة الأمن الغذائي العالمي ؟

وكالات – كتابات :

حَذَّرت مجلة (فورين بوليسي) الأميركية في تحليل للكاتب؛ “أليكس سميث”، محلل الأغذية والزراعة في معهد “بريكثرو”، من مغبة نشوب حرب بين: “روسيا” و”أوكرانيا”؛ وما يمكن أن يُنتج منها من ارتفاع أسعار الغذاء وتأجيج الاضطرابات، خاصة في قارتي: “إفريقيا” و”آسيا”.

يقول الكاتب؛ في مستهل مقاله، إن “أوكرانيا” عُرفت على مدى قرون بأنها سلة غذاء “أوروبا”، وذلك لأنها تضم بعضًا من أكثر الأراضي خصوبة على وجه الأرض. وتُعد صادراتها الزراعية السريعة النمو، كـ”الحبوب والزيوت النباتية” ومجموعة من المنتجات الأخرى، أساسية لغذاء الشعوب في قارتي: “إفريقيا” و”آسيا”.

ويُلفت “سميث”؛ إلى أن قسمًا كبيرًا من أكثر الأراضي الزراعية إنتاجية في “أوكرانيا” يقع في مناطقها الشرقية، وهي بالضبط المناطق الأكثر عرضة للهجوم الروسي المحتمل، وفي حين تُدَق الطبول التي تُنبيء بنشوب حرب بين: “روسيا” و”أوكرانيا” على طول حدود “أوكرانيا”، فإن أحد المخاوف التي لم يُلاحظها أحد نسبيًّا هو مسألة ما الذي يحدث لهذه المناطق، والبلدان في مختلف أنحاء العالم التي تعتمد على “أوكرانيا” في الغذاء، في حالة الهجوم الروسي.

الاعتماد على القمح الأوكراني..

ويوضح الكاتب أن “أوكرانيا” مُصدِّر رئيس لـ”الذرة والشعير والغاودار”، لكن “القمح الأوكراني” هو صاحب التأثير الأكبر في الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، وفي عام 2020، صدرت “أوكرانيا” ما يقرب من: 18 مليون طن متري من “القمح”؛ من إجمالي محصولها البالغ: 24 مليون طن متري، وهو ما يجعلها خامس أكبر مصدر لـ”القمح” في العالم.

وتُعد “الصين” و”الاتحاد الأوروبي” من بين أبرز عملاء “أوكرانيا”، ولكن “القمح الأوكراني” بات من أهم الواردات في دول العالم النامي. وعلى سبيل المثال، جاء نحو نصف “القمح” المستهلك في: “لبنان”؛ من “أوكرانيا”، في عام 2020، وفقًا لبيانات “منظمة الأغذية والزراعة”؛ (الفاو)، ويعتمد “لبنان” اعتمادًا كبيرًا على “القمح الأوكراني”؛ بالنظر إلى أن الخبز ومنتجات الحبوب الأخرى، تُشكِّل 35% من غذاء السكان الأساس.

ومن بين: 14 دولة تعتمد على الواردات الأوكرانية لأكثر من: 10% من استهلاكها من “القمح”، يواجه عدد كبير بالفعل مشكلة انعدام الأمن الغذائي بسبب عدم الاستقرار السياسي المستمر أو العنف المباشر، وعلى سبيل المثال، يستورد: “اليمن” و”ليبيا”: 22% و43% على الترتيب؛ من إجمالي استهلاكهما من “القمح” من “أوكرانيا”.

بدورها استوردت “مصر”، أكبر مستهلك لـ”القمح الأوكراني”، أكثر من: 03 ملايين طن متري؛ في عام 2020، نحو: 14% من إجمالي قمحها، ووفقًا لبيانات (الفاو)، وفرَّت “أوكرانيا” أيضًا: 28% من “القمح” الذي تستهلكه “ماليزيا”، و28% لـ”إندونيسيا”، و21% من “القمح” المستهلك في “بنغلاديش”؛ في عام 2020.

ولكن من المؤسف، بحسب ما يقول “سميث”، أن جزءًا كبيرًا من إنتاج “القمح”؛ في البلاد، يأتي من سلة الخبز التاريخية في شرق “أوكرانيا”، أقاليم “خاركيف” و”دنيبروبتروفسك” و”زابوريزهيا” و”خيرسون”، الواقعة إلى الغرب من “دونيتسك” و”لوهانسك”، والتي تحتلها بالفعل القوات الانفصالية المدعومة من “روسيا”.

مخاطر غذائية محتملة..

ونوَّه الكاتب إلى أنه وفي حال نشوب حرب بين: “روسيا” و”أوكرانيا”، أو تحول الهجوم المحتمل على “أوكرانيا” إلى سيطرة روسية على الأراضي التي أنشأ عليها الانفصاليون؛ المدعومون من “روسيا”، بالفعل جمهورية غير معترف بها دوليًّا، فقد يعني ذلك انخفاضًا حادًّا في إنتاج “القمح” وتراجعًا هائلًا في صادرات “القمح”؛ مع فرار المزارعين من القتال وتدمير البنية التحتية والمعدات والشلل الذي يطول اقتصاد المنطقة.

ويتابع “سميث” قائلًا إن كل مَنْ يُسيطر على الأرض سوف يستخرج ثرواتها في نهاية المطاف، ولكن إذا كان لنا أن نسترشد بما يحدث في الأجزاء الشرقية من “أوكرانيا”؛ التي تُسيطر عليها “روسيا”، فقد يُخيم عدم الاستقرار والشلل على المنطقة ويؤثران تأثيرًا خطيرًا في الإنتاج.

تداعيات غزو “أوكرانيا”.. انعدام الأمن الغذائي..

ويُشدد الكاتب على أن أسعار الأغذية العالمية آخذة بالفعل في الارتفاع؛ إلى جانب أسعار السلع الأساسية الأخرى، محذرًا من أن أي اختلال في تلك المنظومة يُهدد بمزيد من الصدمات في الأسعار مع تدافع البلدان المستوردة للحصول على الإمدادات في سوق ينخفض فيها المعروض، وسوف يتفاقم انعدام الأمن الغذائي في عديد من البلدان النامية التي تعتمد على “أوكرانيا” في قُوتِها الأساس.

وفي البلدان غير المستقرة سياسيًّا مثل: “ليبيا واليمن ولبنان”، قد تؤدي الصدمات الإضافية في أسعار الغذاء والجوع بسهولة إلى تفاقم الوضع المتدهور بالفعل، وفي عديد من البلدان الأخرى أيضًا، قد يؤدي ارتفاع الأسعار وانعدام الأمن الغذائي إلى تأجيج الصراعات وتفاقم التوترات العرقية وزعزعة استقرار الحكومات والتسبب في انتشار العنف عبر الحدود.

ويُحذر “سميث” من الاستخفاف بهذه السيناريوهات، مستحضرًا دوافع انتفاضات “الربيع العربي” – بحسب وجهة نظره – التي لم يمضِ على اندلاعها سوى عقد من الزمان، ذلك أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية كان يُعد الشرارة التي أشعلت فتيل الثورة في: “تونس” و”مصر”.

وفي الآونة الأخيرة، يمكن التأمل في ما حدث في “كازاخستان”؛ للوقوف على مدى السرعة التي يمكن أن يؤدي بها ارتفاع سعر السلعة الأساسية، مثل: “الوقود” في هذه الحالة، إلى الاحتجاجات والعنف، وكذلك، في حالة “كازاخستان” التدخل العسكري الروسي.

وقد تكون مظالم السكان كثيرة ومتراكمة على مدى سنوات عديدة، ولكن غالبًا ما تكون صدمة الأسعار هي التي تُفجِّر الصراعات، ويمكن أن يزيد الجوع من عدم المساواة الذي يُنتج منه التوترات ويؤدي في الوقت ذاته إلى تطرف الحركات السياسية الجماهيرية.

ويُلفت الكاتب إلى أن التدخل الروسي في شؤون الزراعة في “أوكرانيا” ليس بالأمر الجديد؛ فقد أدَّت المجاعة المروِّعة التي تسببت فيها السياسات السوفياتية؛ في “أوكرانيا”، في ثلاثينيات القرن الماضي، المعروفة باسم: “هولودومور”، والتي عَدَّها عديد من المؤرخين إبادة جماعية، إلى مقتل ما بين: 04 ملايين و07 ملايين أوكراني، وفي حين لعبت أسباب مختلفة دورًا في تلك المجاعة، فإنه من الصعب إنكار الصلات بين نظام تسليم حصص الحبوب القاسي الذي فرضته “موسكو” على المزارعين الأوكرانيين، وعمليات التجميع القسري، وترحيل وقتل للمزارعين، والتجويع العِرقي للأوكرانيين، بحسب ما يذكر الكاتب.

روسيا وأوكرانيا: خطوات مُلِحة..

ويضيف “سميث” أن هناك قائمة من الأسباب تدعو إلى وقف الغزو الروسي لـ”أوكرانيا” قبل حدوثه، وينبغي أن يكون؛ (تعطيل توصيل إمدادات الغذاء من دولة من أهم سلال الخبز في العالم)، على رأس تلك القائمة، وإذا كان الغزو أمرًا حتميًّا، فإنه يتعين على الحكومات في جميع أنحاء العالم أن تستعد للاستجابة السريعة لتجنب انعدام الأمن الغذائي والمجاعة المحتملة، بما في ذلك إرسال مساعدات غذائية إلى البلدان المحتاجة والتعجيل بتحويل سلسلة الإمداد لإعادة توجيه الصادرات إلى عملاء “أوكرانيا” الحاليين.

وفي النهاية، يُشدد الكاتب على ضرورة أن تُسهم احتمالية حدوث أزمة غذائية بسبب حرب أوروبية أيضًا في تنشيط أولويات الدول الغربية وتأكيدها، ويجب أن تعمل البلدان المؤثرة على التخفيف من عدم المساواة والحد من الفساد وتحسين التمثيل السياسي، وكل ذلك يُزيد من مرونة المجتمع، وليس فيما يتعلق بالغذاء فحسب، ونظرًا إلى أن خطر تغير المناخ قد وسَّع منظور تفكير العالم ليشمل مستقبل الكوكب بأكمله، فإنه يجب علينا أيضًا توسيع تفكيرنا بشأن الصراع الجيوسياسي، وقد تكون أزمة على مستوى الكوكب وشيكة بالفعل، ولكن من المُرجح أن تنجم تلك الأزمة عن أشياء قديمة قِدم الحضارة الإنسانية نفسها: الحرب والمجاعة والمرض.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة