خاص : ترجمة – لميس السيد :
يحاول “الاتحاد الأوروبي” تقديم صورة الجبهة الموحدة للعالم عن نفسه، لكن هناك مجموعة واسعة من القضايا التي تنقسم حولها القارة الأوروبية، منها المساهمة في “إعادة بناء سوريا”، أو بالأحرى؛ مساعدة الرئيس السوري، “بشار الأسد”، على القيام بذلك.
وتقول مجلة (فورين بوليسي) الأميركية؛ أنه على الرغم من أن “الاتحاد الأوروبي” موحد رسميًا وراء سياسة العقوبات ضد “نظام الأسد”، إلا أنه لا تزال هناك دول تنتقد وضع النظام حاليًا في “سوريا”.
وفي حين ترغب “فرنسا” و”ألمانيا” و”المملكة المتحدة” في الحفاظ على موقف صارم ضد “الأسد”، فإن آخرين في دول جنوب وشرق أوروبا، وخاصة الدول ذات الحكومات الشعبوية، يرغبون في تخفيفه.
“الحل هو الأسد”.. من أجل اللاجئين وإعادة الإعمار..
قال دبلوماسيون، من مختلف أنحاء أوروبا، لـ (فورين بوليسي)، إن المجموعة الأخيرة من الدول تنظر إلى العلاقات مع “سوريا” بشكل أساس من خلال عدسة “أزمة اللاجئين”، حيث تعتقد تلك الدول أنه من خلال الإعتراف بـ”الأسد”، ومساعدته في إعادة إعمار بلاده، سيتمكنون من الإسراع بعودة اللاجئين السوريين.
وتتبنى “إيطاليا” موقفًا داعمًا لـ”الأسد” ضد الكيانات السورية، على الأقل وراء الأبواب المغلقة. وبحجة عدم الكشف عن هويته، قال دبلوماسي من جنوب أوروبا، للمجلة الأميركية، إن “إيطاليا” كانت “تعيد تقييم موقفها”، حيث قال: “إذا كنت تريد أن يغادر اللاجئون، فقط قم بإنهاء معاناة النازحين داخليًا، إذا كنت تريد التعامل مع (داعش) في أوروبا؛ فعندئذ تحتاج إلى التعامل مع الحكومة السورية”. وأضاف: “إن الحل مطروح على الطاولة”. “الحل هو الأسد”.
غموض صياغة القرارات يشعل الخلاف داخل الاتحاد الأوروبي..
تخضع سياسة “الاتحاد الأوروبي” الحالية لقرار “الأمم المتحدة” رقم (2254)، الصادر في كانون أول/ديسمبر 2015، والذي يتطلب “الانتقال السياسي” في “سوريا”، وهي جملة ذات صياغة غامضة عمدًا، مما يسمح للدول الغربية التي تعارض “الأسد” مطالبته بالتنحي، في حين أن “روسيا” و”الصين” وغيرهما يفسروا الجملة بأنها مجرد إصلاحات سياسية متفق عليها. والآن بعد أن أصبح واضحًا أن “الأسد” لن يترك السلطة، فإن غموض القرار يشعل خلافات داخل “الاتحاد الأوروبي”.
يقول الدبلوماسي الإيطالي، الذي رفض ذكر اسمه، أن “إيطاليا”، تؤيد القرار، لصالح التخفيف على الحكومة السورية. وعلى الرغم من أنها لم تعترض على فرض عقوبات “الاتحاد الأوروبي” على 11 من رجال الأعمال السوريين وأنصار النظام، في شهر كانون ثان/يناير 2019، ليصل إجمالي الأفراد الذين تم فرض العقوبات عليهم إلى 270 شخصًا، فقد تسعى “روما” قريبًا إلى إلغاء العقوبات عن بعضًا منهم. حالما يتم رفع العقوبات، ستتمكن الشركات الأوروبية من تقديم عروض للمشاريع المتعلقة بإعادة الإعمار.
يمكن لـ”إيطاليا” أن تستخدم حق النقض ضد التجديد السنوي للعقوبات، لكن القيام بذلك بمفردها قد ينطوي على خطر العزلة بين دول الاتحاد.
ويقول الخبراء إنه لا يزال هناك افتراض مفاده أن الدول الأعضاء في “الاتحاد الأوروبي”، حتى في مسائل السياسة الخارجية، تتعرض لضغوط من أجل العمل من خلال التوافق في الآراء. ولكن مع مرور الوقت، من المرجح أن تقوم “إيطاليا” بتأمين المزيد من المؤيدين للتغيير. وبالفعل، هناك إعتقاد سائد بأن “بولندا” و”النمسا” و”هنغاريا” تتعاطف مع فكرة إعادة التعامل مع السلطات السورية.
في إطار ذلك؛ ذكر “غوليان بارنز-داسي”، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية”، إن هذه الدول مدفوعة بعوامل تشمل السياسة الداخلية المرتبطة باللاجئين والروابط مع “موسكو”.
وأضاف: “لا يمكن إنكار حقيقة أن بعض الدول تعترف بحقائق جديدة على الأرض في سوريا، وتعتقد أن أي مكاسب إيجابية من الوضع الحالي ستنطوي حتمًا على نوع من المشاركة مع الحكومة في دمشق”.
“بولندا” تبادر !
في آب/أغسطس 2018، أرسلت “بولندا” نائب وزير الخارجية، “أندريه باليرز”، إلى “دمشق” للاجتماع مع الحكومة السورية. وقد أشادت وكالة الأنباء السورية، (سانا)، بهذه الزيارة. وقالت إن “بولندا” عرضت دفع ثمن دعم 100 أسرة لاجئة سورية تعيش حاليًا في “لبنان”، لتهيئة الظروف لعودتهم.
ووصف “فيصل المقداد”، وزير الخارجية السورية، لـ”باليرز”، موقف “بولندا”، بأنه “واقعي وعقلاني”، وشجب ربط المساعدات بـ”شروط أخرى”.
وتنفي “بولندا” أنها تكسر التوافق في “الاتحاد الأوروبي”، بشأن إعادة الإعمار في “سوريا”. ومع ذلك، فإن لفتتها لحكومة “الأسد” تُعد مؤشرًا واضحًا على إعتقاده بأن إعادة إعمار “سوريا” ستزود اللاجئين بالعودة إلى الوطن وليس بإتجاه الغرب وأوروبا.
أعترف دبلوماسي آخر، من أوروبا الغربية، بأن جميع الدول الأعضاء الـ 28 في “الاتحاد الأوروبي”؛ تدرك أن “الأسد” قد فاز في الحرب بشكل أساس. غير أن “ألمانيا” و”فرنسا” غير راغبة في الإعتراف بذلك علنًا، ومن ثم يطلب منهما تقليل توقعاتهما بشأن ما يعني “الانتقال السياسي”: من ديمقراطية كاملة تعمل على احترام حقوق الإنسان؛ إلى “نظام الأسد” الذي تغير بشكل مقبول نوعًا ما.
وقال الدبلوماسي: “تخشى ألمانيا وفرنسا من أن سياساتها المناهضة للأسد، في سوريا، قد تضعف من قِبل أولئك في الاتحاد الأوروبي الذين يريدون مغادرة اللاجئين والتفكير في دفع تكاليف إعادة البناء، حيث تعتقد هذه البلدان أن المباديء التوجيهية قديمة وتحتاج إلى المراجعة”.
وقال “غيمس موران”، وهو باحث مشارك مرموق في “مركز دراسات السياسة الأوروبية” ودبلوماسي سابق في “الاتحاد الأوروبي”، إن دبلوماسية أوروبا في “سوريا” تركز الآن على إقناع “روسيا”، التي تريد من “الاتحاد الأوروبي” أن تساعد في دفع تكاليف “إعادة إعمار سوريا”، وان تمارس تأثيرها على “الأسد” لجعله يقدم تنازلات سياسية مهمة.
وقال “موران”: “ما يبحث عنه الاتحاد الأوروبي الآن أمل في أن تتمكن روسيا من إقناع الأسد بأن يصبح أكثر شمولية”. “قبل توضيح الشروط للأسد، ستكون هناك حاجة إلى مزيد من المناقشات مع الروس”.