وكالات- كتابات:
كشف الجناح الجمهوري في “مجلس النواب” الأميركي؛ عن عزمه استدعاء شخصيات سياسية بارزة من الحزبين؛ (الجمهوري والديمقراطي)، ممن شغلوا مناصب رفيعة ضمن حملة التحقيقات بقضية “جيفري إبستين”.
وتضم قائمة المطلوبين للإدلاء بشهاداتهم؛ كلًّا من الرئيس الأسبق “بيل كلينتون”، وزوجته وزيرة الخارجية السابقة؛ “هيلاري كلينتون”، ووزير العدل في عهد الرئيس “باراك أوباما”، ومدير “مكتب التحقيقات الفيدرالي” السابق، إلى جانب وزيري “العدل” السابقين في إدارة “دونالد ترمب” الأولى، ووزير سابق من إدارة الرئيس “جو بايدن”.
جاء هذا التحول اللافت في موقف “مجلس النواب”؛ في أعقاب ضغوط كبيرة يتعرض لها الجمهوريون من قواعدهم الانتخابية، وكذلك من نواب حركة (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى)، التي تُعدّ القاعدة السياسية الأولى للرئيس؛ “دونالد ترمب”.
وقد أبدت هذه القاعدة انزعاجها من مواقف “ترمب” نفسه تجاه هذه القضية، بعدما حاول مرارًا التقليل من أهميتها وحجمها، رغم تأثيرها المحتمل في حظوظ الجمهوريين السياسية في الانتخابات النصفية في العام المقبل.
وتُظهر قائمة الاستدعاءات التي أصدرها المجلس؛ أسماء شخصيات لكلّ منها صلة معروفة بهذه القضية، فالرئيس الأسبق؛ “بيل كلينتون”، مثلًا، يُقال إنه زار جزيرة “جيفري إبستين” أكثر من مرة، واستقل طائرته الخاصة مرة واحدة على الأقل ضمن نشاطاته الخيرية.
ووفقًا لوسائل إعلام أميركية، فقد ورد اسمه في أكثر من مناسبة ضمن التحقيقات المرتبطة بالقضية، لكن استدعاءه للإدلاء بشهادته أمام “الكونغرس” يُعدّ سابقة في تاريخ الرؤساء الأميركيين السابقين.
أما وزير العدل الأسبق في عهد الرئيس باراك أوباما؛ “إريك هولدر”، فإن استدعاءه يرتبط بالمرحلة المبكرة من التحقيقات التي انطلقت في عهد “أوباما”، حيث يعتقد النواب الجمهوريون، أن من الضروري الاستماع إلى جميع وزراء “العدل” الذين تعاملوا مع الملف منذ بدايته.
الأمر ذاته ينطبق على مدير “مكتب التحقيقات الفيدرالي” السابق؛ “جيمس كومي”، حيث يرى الجمهوريون أن فترة إدارته للمكتب شهدت مراحل مفصلية في القضية، ويُرجح أن لديه معلومات مفيدة حول مسار التحقيقات آنذاك.
ومن بين الشخصيات البارزة الأخرى على قائمة الاستدعاءات، وزير العدل الأسبق في إدارة “ترمب” الأولى؛ “بيل بار”، الذي دخل في خلاف مع “ترمب” في نهاية ولايته، بعدما رفض تبّني مزاعم التزوير في انتخابات عام 2020؛ ما أدى إلى إقالته من منصبه.
يُطلب من وزير العدل الأسبق في إدارة ترمب؛ “بيل بار”، الإدلاء بشهادته نظرًا لأن العام الأخير من خدمته شهد حادثة وفاة “جيفري إبستين”، داخل زنزانته في سجن “مانهاتن”؛ بولاية “نيويورك”.
أما آخر الأسماء المدرجة على قائمة الاستدعاءات؛ فهو وزير العدل في الإدارة السابقة؛ “ميريك غارلاند”، باعتباره أحد المدعين العامين الذين تعاملوا مع هذه القضية من خارج الإدارة الحالية، التي لم يمض على وجودها في العاصمة “واشنطن” سوى بضعة أشهر.
كما يعتقد الجمهوريون أن الاستماع إلى شهادات هذه الشخصيات البارزة، التي تولت مناصب رفيعة في فترات مختلفة ومن مستويات متباينة، سيساعد المشرعين في “الكونغرس” على تكوين صورة أوضح لمسار التحقيقات، وفهم الكثير من الخيوط الغامضة في هذه القضية.
ووفقًاً لتصريحات صحافية؛ فقد أفاد مطّلعون على خفايا الحزب (الجمهوري)، بأن الهدف من تحرك نواب الحزب في “مجلس النواب” هو منع الديمقراطيين من استغلال الأزمة الراهنة وتحويلها إلى ورقة سياسية ضد الجمهوريين.
لكن هذا التحرك من الجمهوريين، والذي اعتُبر محاولة لإحراج الديمقراطيين الذين سعوا لاستثمار القضية سياسيًا على مدار الأسابيع الماضية، اصطدم بتشّكيك واسع من الديمقراطيين في نوايا خصومهم وشفافية تحركاتهم.
كما تمتد انتقادات الديمقراطيين إلى طريقة تعاطي إدارة “ترمب” مع القضية نفسها، إذ يرون أن تلك الإدارة لم تقدّم تفسيرًا مقنعًا لتراجعها عن التزامات سابقة كانت تعهّدت فيها بالكشف عن جميع الوثائق المتعلقة بالملف فور وصولها إلى “البيت الأبيض”.
ودائمًا ما حاول “ترمب”، التقليل من شأن القضية، بنفي أي صلة شخصية له بها، وتحويل النقاش نحو الرئيس الأسبق؛ “بيل كلينتون”، الذي كانت تربطه علاقة مع “جيفري إبستين” في مراحل سابقة من حياتهما في “نيويورك”.
غير أن محاولات “ترمب” للتنصل من القضية لم تنجح في إبعاد الأضواء عنه، خاصة بعد أن نشرت شبكة (سي. إن. إن) صورًا تجمعه بـ”إبستين” في مناسبات اجتماعية، بينها حفل زفافه من السيدة الأولى؛ “ميلانيا ترمب”، ما عزّز قناعة البعض بوجود صلة ما لا يمكن إنكارها.
واستغل الديمقراطيون هذه التطورات، وحرصوا على إبقاء القضية في قلب الجدل السياسي طوال موسم الصيف الحالي، مدعومين باهتمام شعبي واسع.
وبدؤوا في الضغط على الجمهوريين في مجلسي “النواب والشيوخ” للتعامل مع الملف بجدية، وبدعم من أنصار “ترمب” أنفسهم، الذين يُطالبون بالذهاب إلى أقصى حد في كشف تفاصيل القضية للرأي العام.
يبدو أن الرئيس “ترمب” يُفضّل إبعاد القضية عن واجهة الجدل السياسي لأسبابٍ لم تتضح بعد، وإن اضطر للتعامل معها، فيرغب أن يكون التركيز على أسماء أخرى غيره.
في المقابل، يسعى الديمقراطيون إلى الذهاب في هذه القضية إلى أقصى مدى، ويدفعون نحو كشف كل ما يمكن كشفه قانونيًّا، بما في ذلك شهادات محمية بموجب قوانين الخصوصية والسرية، كما يؤيدون استدعاء شخصيات مرتبطة بشكل مباشر بالقضية، من بينها: “غيسلين ماكسويل”، صديقة “إبستين”، التي تقضي حاليًّا عقوبة بالسجن لمدة عشرين عامًا.
ويعتقد الديمقراطيون أن القضية تمثل فرصة لكشف فشل إدارة “ترمب” في الالتزام بالشفافية التي وعدت بها، ولا سيّما في ملف “أخلاقي-قانوني-إنساني” يتعلّق بالاتجار بالبشر، وتورطت فيه شخصيات نافذة استغلت نفوذها المالي والسياسي لعقود.
كما يرى الديمقراطيون أن القضية قد تغيّر ملامح المشهد السياسي الأميركي، وتُلقي بالمسؤولية على الإدارة الحالية التي باتت مطالَبة بتحقيق مطالب المشرعين والجمهور، بمن فيهم أنصار “ترمب”، في الكشف الكامل عن القضية. ويؤكدون أن على كل من كان طرفًا أو على صلة بالقضية تحمّل تبعات ما جرى، أمام الرأي العام.