كتب جميل الناهي : أول مرة في تاريخ بغداد يُعلن عن ذكرى وفاة الإمام محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بعطلة رسمية، وبما أن الطريق إلى ضريح الإمام وجده، يمر عبر محلة الأعظيمة، حيث ضريح الإمام أبي حنيفة النعمان، فالفرصة مؤآتية، لمحاولة أخذ ثأر الإمام من الإمام، فيدخل النجم، كما قدمته فضائية “بلادي” لمالكها إبراهيم الجعفري في لقاء خاص، مثل ما يُقدم نجم رياضي أو فني ذاعت شهرته، يدخل عصبة من السبابيين يجولون في شوارع الأعظمية بصوات خارجة من قمقم الماضي البعيد: “لعن الله عمر”! إنها قنبلة القنابل الكارثية في الحالة العراقية.
في لقاء قناة”بلادي “معه يؤكد الدراجي على حقه بممارسة طقوسه، وعلى الجانب الآخر أن يتقبل هذه الطقوس برحابة صدر، كما هي، أي من أصولها السب واللعن، إنه زمن الحرية. حالة شبية تماماً بما كان يحصل في العهد الصفوي بأصفهان، وهو أن يخرج أحدهم رافعاً صوته بالسب، وعلى السامعين أن يرددوا بعده، وإلا العقوبة تنتظرهم جمعياً. تلك دولة أرادت أن تؤسس هكيلها المذهبي السياسيبما يُخالف، باستفزاز، الدولة العثمانية، أي القضية سياسية بحتة لنيل السلطة.
لكنها تناقلت بالتناسل إلى ذهنية أمثال ثائر الدراجي، لتكون من عنده، وعند الكثيرين غيره، مِن أُصول المذهب، فحالة الثأر التي أعلن عنها في ذلك اليوم، للإمام محمد الجواد على أن قاتله هو الخليفة العباسي، هي امتداد لفترة ثأرية مظلمة، العراق ضحيتها مثلما كان في السابق، فالحرب ين العثمانيين والصفويين كانت على أرضه لعشرات السنوات.
لم يكن ثائر الدراجي، الذي قيل أن القضاء العراقي يطارده، بعد عمله الفاضح والمشجوب من شيعة وسُنة، طبعاًمن النظيفين مِن أغراض سياسة وحزبية، هكذا فكر وخرج بلا تغطية ودعامة ساباً ولاعناً في عِقر دار الطائفة الأخرى الأعظمية، إن لم يكن هناك تدبير وتشجيع وحماية أيضاً. لم تكن القنوات التي قدمته كنجم بريئة من هذا الفعل الشنيع والمعيب، ولا الميلشيات ولا رجال الدين الذين يكذبون على المنابر صباح مساء ويلهجون بالثأر أبرياء منها.
ثائر الدراجي قدم نفسه، على قناة “بلادي” أنه معلم في المدرسة الابتدائية في بغداد! وهنا تقفز قضية أخرى، ألا وهي قضية التربية والتعليم، التي أحد أركانها، أو ركنها الأبرز، المعلم. لنفكر بعمق إزاء هذه القضية بالذات، أي جيل سينشأ في عراق اليوم، وماهو مدى الكراهية في الصدور، عندما تكون الطقوس سباباً وشتائم؟ وعلى لسان معلم المدرسة الابتدائية؟ لكن على ما يبدو، أن الأجواء العامة الطائفية ستخلق المئات من أمثال ثائر الدراجي، فالصور المجسدة لحالة الغضب والإنتقام، والمناسبات، التي تُعطل، الحياة على مدار العام، لا تنتج روح المواطنة ولا تشجع على تعايش مريح.
فإذا دخل المنبر الحسيني، بما فيه من زوائد وخطاب ثأر، إلى المؤسسة العسكرية، وأخذ يتنافس الضباط على القيام بدور الرادود المحمس للجنود، وأن الجامعة لها مواكب خاصة وتغلق أبوابها وتتحول إلى ساحة تمثيل للمناسبة، لا ينبئك الحال إلا أن البئية صارت طاردة للتعايش، وعلى الآخر المختلف أن يفتش عن مكان آخر، أو يخضع لواقع الحال.
لكن الضرر لم يصب الحاضر فقط، إنما أصاب الماضي وهز المقدس نفسه، فالمراقب المحايد سينظر إلى الحسين والأئمة على أنهم شخصوص إنتقام، ويهمهم إعادة انتاج الطائفية بأخطر مراحلها، مثلما كان يجري بين الصفويين والعثمانيين. بينما العراق بحاجة إلى حكومة محايدة وخطاب شفاف منتقى من أنظف حادثات التاريخ، إذا كان لابد من تمثيل التاريخ وإحضاره في الحاضر.
لقد أصبح العراق بيئة لا تنتج ثقافة التسامح فالمتصدر المشهد اليوم ليس المثقف ولا المواطن المحايد طائفياً، إنما تنتج نجومية كنجومية ثائر الدراجي. لقد كان مشهد تسويقه عبر قناة أحد الأدعياء، الذي حذف بهم الموج ليكونوا على تل السلطة في العراق، مريعاً للغاية.