19 مارس، 2024 7:44 م
Search
Close this search box.

فساد مستشفيات وتهريب أدوية .. أوجاع العراق تصرخ سرطان الفقر والأمراض المزمنة

Facebook
Twitter
LinkedIn

فيديوهات ساخرة وأخرى مؤلمة تبث على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي تكشف ما آل إليه وضع الصحة في العراق وحال المستشفيات فيه والمرضى.. فالساخر منها يظهر أحد المرضى على سرير المرض بالمستشفى – في فيديو كرتوني يعبر عن واقع كثير من المشافي داخل العراق – وهو يتألم صارخاً “رأسي يؤلمني” ليرد عليه أحد المسؤولين بالمستشفى بالزي الأبيض “انطيني خمسة آلاف”.. فيصرخ المريض ثانية “المغذي خلص”.. فيرد عليه المسؤول بالزي الأبيض بذراعه الممدودة بذات الإجابة “انطيني خمسة آلاف”.. وتستمر صرخات المريض بقوله “صار عندي وجع”.. لتتكرر الإجابة باليد الممتدة “انطيني خمسة آلاف”.. فيصرخ المريض “راح أموت”.. فتصر اليد الممتدة بالزي الأبيض على نفس الرد “انطيني خمسة آلاف”، ليتشاهد الرجل معلناً أنه سيموت، وبالفعل يموت.. ويصور الفيديو الساخر روحه وهي تصعد من جسده لتحلق عالياً فإذا باليد الممتدة تمتد أكثر وأكثر بالزي الأبيض لتمسك الروح بشدة وإحكام وتقول لها “جيب الخمسة آلاف”.

مضحكات.. مبكيات

فيديو كارتوني ساخر، بث على اليوتيوب في عام 2016، لكنه عبر بمنتهى البساطة دون لغة التعقيدات وحرب التصريحات التي يطلقها المسؤولون عن معاناة المرضى في العراق، خاصة من لا يملك منهم مصروفات ونفقات علاجه.. فهل وصل الحال بالمشافي العراقية إلى ترك المرضى يموتون ومنع الأدوية عنهم والمحاليل طالما لا يملكون ما يدفعون؟

الفيديوهات كثيرة تلك التي تكشف إهمالاً وسوء إدارة بمشافي كثيرة بالعراق، إذ أن فيديو آخر يكشف مستشفى يعيش لوقت ليس بالقليل في ظلام حالك وقد تحولت طرقاته إلى ما يشبه السوق الشعبي.

توفير الدواء حق أصيل

إن أحد أهم حقوق المواطنين في أي دولة بالعالم هو الحق الأساسي في العلاج، وأنه على الدولة أن تتكفل بعلاج مرضاها ممن لا يملكون المال اللازم للعلاج، بل وتلتزم الدولة بتوفير الأدوية اللازمة لجميع الحالات المرضية.. فهل يحدث هذا في العراق الآن؟.. هل يوفر العراق جميع احتياجات المرضى غير القادرين من علاج وأدوية أم أن الحكومة العراقية في خضم حربها “التي لا تنتهي” على الإرهاب تنسى مواطنيها المرضى وتتركهم فريسة للمستغلين؟

إن كثير من العراقيين “المرضى” يموتون سنوياً بسبب شح الأدوية وسوء المعاملة والإهمال الذي يتعرضون له، ويكفي أن نعلم أن أهم الأدوية التي وفرها العراق ودعمها وعلى رأسها أدوية السرطان المدعومة، والتي يفترض فيها أن تصل لمرضى السرطان بأقل الأسعار، يتم تهريبها من مخازن وزارة الصحة لتباع في الصيدليات الخاصة بأثمان خيالية ولا يستطيع مرضى السرطان غير القادرين أن يحصلوا عليها.. أين رقابة الحكومة ومتابعتها لأحد أهم عناصر الاهتمام والرعاية للمواطنين.

رواج الأدوية الفاسدة

في المقابل تدخل إلى الأسواق العراقية أدوية مهربة عبر المنافذ الحدودية البرية والبحرية منتهية الصلاحية يعاد تأريخها لبيعها للمرضى وتتسبب في كوارث صحية عدة.. وكان آخر تلك الضبطيات ما تم ضبطه في ميناء البصرة كانون ثان/يناير 2017، من أدوية غير صالحة بثلاث شاحنات.. بينما ذكرت دراسة اقتصادية عراقية أن حجم الأدوية المهربة سنوياً بقيمة مليار و750 مليون دولار عبر المنافذ المختلفة جراء الفساد المستشري في كثير منها، واكتفى رئيس لجنة الصحة “حيدر الساعد” بالتصريح بأنه سيجري تشريع قانون لإقامة مناطق عازلة بين العراق وكل من إيران والكويت لفحص الشحنات.. لكن لماذا تغض السلطات الاتحادية في بغداد البصر عن عمليات التهريب رغم أن المنافذ تحت سلطاتها, إن العراق به 154 مستشفى متنوعة في جميع محافظاته، فضلاً عن مستشفيات إقليم كردستان وعددها 34 مستشفى، بينما يبلغ عدد المستشفيات الأهلية نحو 80 مستشفى أغلبهم في بغداد، بحسب آخر إحصاء في كانون أول/ديسمبر 2016.. لكن كيف هي أوضاع المرضى بالمستشفيات الحكومية؟

مستشفيات تجهيز الموتى

لقد وصفت تقارير إعلامية وصحفية أوضاع المستشفيات العراقية بأنها “أشبه بنقاط عبور للموت” نتيجة الإهمال الشديد وشح الأدوية والمواد المخدرة، ونتيجة لاختفاء الأدوية المدعمة، فقد أصبحت “الثعابين” لدى بعض العراقيين في محافظة كركوك طعاماً لاعتقادهم بقدرتها على معالجة مرض كمرض السرطان الذي يصعب عليهم دفع تكلفة دواءه، إذ يقول بعض المرضى إن الحقنة الواحدة لسرطان الرحم تبلغ 700 دولار، وهو مبلغ لا يستطيع أغلب العراقيين تسديده.

في المقابل يؤكد أطباء بكركوك على أن أدوية السرطان متوفرة في المستشفيات الحكومية وبأسعار مدعومة من الدولة ويمكن للمرضى الحصول عليها بدلًاً من لجوئهم الى طرق غير متوافقة مع الطب الحديث، غير أن الواقع على الأرض ينفي ذلك بحسب روايات لمرضى كثر في العراق.

تسريب أدوية السرطان

ولا ننسى هنا ما كشف عنه، نهاية كانون ثان/يناير عام 2017 بمحافظة الأنبار، وإصدار مذكرة قبض بحق مدير عام صحة المحافظة السابق بتهمة اختفاء أدوية للامراض السرطانية بقيمة 4 ملايين دوﻻر من مستشفى الرمادي العام.

كما جرى اعتقال مدير مستشفى الرمادي على خلفية ملف اختفاء أدوية سرطانية من المستشفى فيما أكد مدير المستشفى  على أن أدوية السرطان مفقودة وليست مسروقة لتبرير موقفه.. لكن كيف لأدوية مرض في غاية الخطورة كالسرطان أن تختفي فجأة وبهذه القيمة؟

أوجاع المستشفيات الحكومية

لا وجه للمقارنة بين المستشفيات الحكومية والخاصة بالعراق، فالحكومية يلجأ إليها الفقراء من لا يملكون المال وتضطرهم ظروف العيش إلى قبول أدوية في أحيان كثيرة غير فعالة كبديل لأدوية يجب صرفها لهم لكن دائماً ما تقول لهم إدارة الصيدليات بالمستشفيات إن أدويتهم الموصوفة لهم غير متوفرة، فضلاً عن الأجهزة المتهالكة والغرف غير المجهزة لاستقبال المرضى وعدد الأسرة غير الكافي لتحمل كثير من المرضى بالعراق.

الكفيل تحتاج لكفيل

بينما بعض المستشفيات الأهلية والخاصة والتي تتبع مؤسسات دينية تستغل المرضى مادياً، ومن ليس لديه ما يدفعه من أموال ترفض استقباله كمستشفى “الكفيل” في كربلاء التي تديرها وتشرف عليها “العتبات المقدسة” في المدينة.. وكيف اصبح هذا المستشفى متعنتاً يرفض استقبال المرضى المحتاجين، اللهم إلا من كانت هناك جهة ما تدعمه كالحشد الشعبي أو أي كفيل يكفله، فلا مكان للفقراء أو البسطاء في مستشفيات ميسوري الحال.

لبنان البديل

لقد تسببت أوضاع المستشفيات في العراق إلى موجة نزوح كبيرة من عراقيين بعائلاتهم لتقلي العلاج في لبنان، إذ تعاني المستشفيات العراقية نقصاً كبيراً في الكادر الطبي والمعدات أيضاً، كذلك دُمِّر الكثير من مؤسسات العراق الطبية، وبالتالي لم تعد تلك المؤسسات قادرة على استيعاب الحالات الطبية التي تحتاج إلى طبابة خاصة، وهو ما يمكن أن توفره مستشفيات لبنان.

وتؤكد دراسات عالمية أن نحو 70% من الكادر الطبي ترك العراق، كما يلجأ العراقيون إلى لبنان بسبب انتشار مرض السرطان في العراق نتيجة “اليورانيوم”، فقد بلغت النسبة في جنوب العراق وحده في أواخر التسعينيات ما يزيد على 100 ألف.

وغالبية العراقيين الوافدين يأتون إلى المستشفيات اللبنانية لإجراء العمليات الجراحية الدقيقة، مثل قسطرة شرايين القلب أو جراحة العظم (ركبة، أوراك)، أو لتلقي العلاجات الكيميائية لمرضى السرطان.

وفي الشق الأخير من العلاجات، يدخل العراقيون – الذي يتوافد منهم نحو 40 ألف سنوياً للعاج بلبنان – إلى المستشفيات وفق نموذجين: إما الدفع النقدي (الكاش)، وهي الفئة الغالبة، وإما عبر عقود واتفاقات مع وزارة الصحة العراقية أو شركات خاصة، لكن بالطبع فقراء العراق ليس لهم لبنان يعالجون فيه.

الأطباء يفرون من العراق

كوارث طبية يعاني منها العراقيون، فالأطباء الأكفاء تركوا العراق ولم يتحملوا أوضاعه الأمنية وآخرون غيروا مهنتهم وضحوا بسنوات دراستهم الطويلة خوفاً على عمرهم من القتل أو الاختطاف لطلب فدية، فضلاً عن الملاحقات العشائرية بحجة التقصير في أداء الواجب المهني مع المرضى.

عجز حكومي

وزارة الصحة العراقية تعلم جيداً ما يواجهه بعض الأطباء، لكنها عاجزة، وتحمل أجهزة الأمن مسؤولية حمايتهم والمؤسسات الطبية من الاعتداء، بينما الداخلية تنحي باللائمة على ما تصفه وضعاً عاماً وشاذاً يمر به العراق غيب هيبة الدولة والقانون، وأن بعض الجرائم التي تقع ضد الأطباء، يكون دافعها الثأر من قبل أقارب بعض المرضى، أو من ميليشيات تستهدف العاملين بقطاع الصحة للحصول على فدية.

في الأخير.. الضحية هو المريض، الذي لا يلقى دواءً مناسباً هو أحوج ما يكون إليه أو مستشفاً يليق به يحقق له الرعاية المطلوبة، وحكومة لا تهتم بأوضاع المرضى طالما أنهم من عامة العراقيين بلا داعم أو مال!

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب