وكالات – كتابات :
نشرت مجلة (فورين بوليسي) تقريرًا للكاتب، “كيث جونسون”؛ يُسلط فيه الضوء على أزمة الطاقة التي شهدها عام 2021، والذي كان من أبرز سماته ارتفاع أسعار الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي والإمدادات المتناقصة وسلسلة من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية المحسوسة في جميع أنحاء العالم.
وقدَّم الكاتب في صدر تقريره؛ إطلالة على بعض ملامح أزمة الطاقة، التي ضربت عام 2021، مثل ارتفاع أسعار الطاقة القياسية في جميع أنحاء “أوروبا”، ومحطات الوقود الفارغة في “المملكة المتحدة”، وانقطاع التيار الكهربائي في “الصين”، وجلسات الاستماع في “الكونغرس”، والبرامج التلفزيونية الساخرة حول أسعار البنزين في “الولايات المتحدة”.
أزمة الطاقة شاملة..
ولفت “جونسون” إلى أن هذا الخريف اتَّسم بأزمة طاقة بدت وكأنها تضرب كل أنواع الوقود: “الفحم، والنفط، والغاز الطبيعي”، حتى مصادر الطاقة المتجددة لم تسلم منها، في كل بلد يمكن تصوره. وكانت التداعيات محسوسة في كل مكان في العالم تقريبًا. وتعرضت الحكومات الأوروبية لانتقادات شديدة مع ارتفاع أسعار “الغاز الطبيعي” و”الكهرباء” ارتفاعًا كبيرًا. وخفَّضت بعض المصانع ساعات العمل، أو أغلقت بالكامل، بينما اضطُّر المستهلكون إلى النزول إلى الشوارع.
وكانت “روسيا” تكتم ضحكتها في وقتٍ كانت تتَوسّل فيه “أوروبا” للحصول على مزيد مِنْ “الغازِ”؛ الذي أمضت “موسكو” سنوات تُحاول التخلُّص منه. وسارع المشرعون الأميركيون، الذين أمضوا فتراتٍ طويلة يتباهون بشأن الهيمنة الأميركية على الطاقة وزيادة صادرات “النفط” و”الغاز”، فجأة للتوقُّف عن فعل ذلك. وأعادت “الصين”، التي أمضت السنوات الخمس الماضية؛ في محاولة إقناع العالم بالتحول إلى: “الطاقة الخضراء”، اكتشاف مزايا “الفحم” الرخيص لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء. وفي غضون ذلك تسبَّبت الاضطرابات في سوق الطاقة في إحداث فوضى في المصانع بجميع أنحاء العالم، وخاصة في “الصين”؛ مما جعل سلسلة التوريد العالمية في مرحلة ما بعد الجائحة تُعاني من نتائج كارثية أكثر فوضوية.
ما وراء الأزمة ؟
وأوضح الكاتب أن سلسلة من الأحداث المؤسفة تضافرت لخلق أزمة طاقة هذا العام. أولًا كان التعافي القوي المفاجيء بعد الانحسار أسوأ ما في الجائحة: انتعش النمو مرةً أخرى في “الولايات المتحدة”، و”أوروبا”، و”الصين”، في حين لم يزل منتجو الطاقة، وأولئك الذين ينقلون البضائع في مختلف أنحاء العالم، تحت قيود الإغلاق، وأدَّى ذلك إلى عدم توافق واضح بين العرض والطلب، مع نتائج يمكن التنبؤ بها. ثم كان الطقس القاسي: موجات البرد القارس التي أدَّت إلى زيادة استهلاك “الغاز الطبيعي”، وركود الرياح الذي أسْكَت مزارع الطاقة الريحية، والفيضانات التي دمَّرت التوقعات المرتبطة بـ”الفحم”، لكن الأمر لم يكن مجرد طقس.
وأضاف “جونسون”؛ أن السياسات الرديئة التي انتهجتها الحكومات وقِصَر النظر لعبا دورًا كبيرًا في تأجيج الأزمة؛ فقد اختارت “أوروبا”، شأنها في ذلك شأن “الولايات المتحدة”، تحرير أسواق الطاقة، واثقة في أن اليد الخفية، (القوى التي تُحرك الأسواق)؛ سوف تتولى ضبط الأمور. وفي “الصين” بالطبع لم تكن يدًا خفية، بل يدًا ثقيلة. وفي كلتا الحالتين كانت النتائج هي ذاتها: عدم التوافق التام بين ما كان يُدفع للمنتجين لإنتاجه، وبين ما كان المستهلكون مستعدين لتحمله.
وفي هذه الأثناء كان التحول للطاقة النظيفة متقدمًا على أي تحول فعلي إلى مصدر آخر للطاقة. ولم يعُد أحد يهتم بالجغرافيا السياسية بعد الآن، وهذا هو السبب في أن “روسيا” لم تزل تملك زمام الأمور، واثقة من معرفتها بأنها تظل صانعة حظوظ الطاقة في “أوروبا”.
وقال الكاتب إن بعض أسباب أزمة الطاقة تنتهي الآن، لكن أغلبها ليست كذلك، داعيًا القاريء للاستمتاع بقراءة بعض أفضل مقالات (فورين بوليسي) حول هذا الموضوع في العام الماضي، والتي سردها على النحو التالي :
أسباب كون أزمة الطاقة الحالية مختلفة..
أشار “جونسون”؛ إلى مقالة كتبها: “غيسون بوردوف”؛ بتاريخ 24 أيلول/سبتمبر، والذي جاء فيها أن الأسواق سيئة في التعامل مع الطاقة، وتكون الأسواق سيئة على نحو خاص عندما تُحاول تغيير مواقعها، مثل التحول فجأة لـ”الطاقة الخضراء”؛ في وقت لم يزل فيه العالم بحاجة إلى كثير من الطاقة التقليدية. ويُشير “غيسون بوردوف”، المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة “كولومبيا”، والمستشار السابق لـ”البيت الأبيض”، إلى أن تغير المناخ والجهود المبذولة للتصدي له أثمرتا مسارًا مؤلمًا على المدى القصير. ويتخلص العالم تدريجيًّا من الوقود الأحفوري، ولكن لا يوجد شيء مُعد لاستخدامه عند الحاجة بعد.
وكتب “بوردوف”: “ولكن بالطريقة نفسها التي كانت بها الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات حاضرة منذ فترة طويلة، ولكن زادت حدتها الآن بسبب تأثيرات المناخ، كذلك فإن قوى السوق كانت موجودة منذ فترة طويلة، ويُعزِّزها الآن كثيرًا تأثيرات تغير المناخ والاستجابات لتلك التأثيرات”.
هل أزمة الطاقة في “أوروبا” لمحة لما ستكون عليه الأزمة في “أميركا” ؟
وانتقل الكاتب إلى مقال آخر كتبته، “بريندا شافير”؛ في 05 تشرين أول/أكتوبر، قائلًا: ترى “بريندا شافير”، الأستاذة في كلية الدراسات العليا البحرية الأميركية وباحثة بارزة في “المجلس الأطلسي”، أن إخفاقات السياسة كامنة وراء أزمة الطاقة؛ ذلك أن حظر الطاقة النووية واختيار أسعار السوق الفورية لـ”الغاز الطبيعي” وتفويض الطاقة المتجددة؛ بغض النظر عن الاقتصاد، كانت جميعها جزءًا من خطة “أوروبا” لتحديث مخطط الطاقة خاصتها. والمشكلة أن “روسيا” في وضعية مُهيمنة، والمستهلكين متحمسون، ولم يرَ العالم بعْد تطبيقًا لما جاء في اتفاقية “باريس للمناخ”.
وتكتب “بريندا”: “تمامًا مثل أوروبا، جعلت إدارة بايدن سياسة الطاقة جزءًا فرعيًّا من سياسة المناخ”.
الأسباب الحقيقية وراء أزمة الطاقة في “الصين”..
ويستعرض “جونسون”؛ جزءًا مما كتبته، “لوري ميليفيرتا”؛ في 07 تشرين أول/أكتوبر، فقد كان من الملائم لـ”الصين”، الدولة الشيوعية اسميًّا، إلقاء اللوم على إخفاقات غير سوقية في مشاكل الطاقة لديها. وأرادت “بكين” طاقة رخيصة لتحفيز النمو، ولم يكن عمال مناجم الفحم على علم.
وكتبت “ميليفيرتا”، المحللة الرئيسة في مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، أن النتيجة كانت إنهيارًا كارثيًّا في مصدر الطاقة الرئيس في “الصين”؛ مما أدَّى إلى سلسلة من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية المحسوسة التي شعر بها الناس في جميع أنحاء العالم.
لغز الطاقة في “الصين” !
وفي المقال الرابع كتبت، “ميليندا ليو”؛ في 05 تشرين ثان/نوفمبر؛ أن جهود “الصين” لفِطَام نفسها عن “الفحم” اصطدمت بحاجز مزعج يتمثل في انقطاع التيار الكهربائي والاضطرابات الشعبية. لذلك عاد الرئيس الصيني، “شي جين بينغ”؛ سريعًا إلى إنتاج “الفحم” الشامل للحفاظ على إزدهار المصانع وتهدئة السكان. والمشكلة، كما كتبت، “ميليندا ليو”؛ مديرة مكتب (نيوزويك)، في “بكين”، أن تلك الممارسة تتعارض تمامًا مع تعهدات “الصين” بالتحول إلى “الطاقة الخضراء”؛ في العقود القليلة القادمة، لكن هناك أسباب وجيهة حتى وإن بدت غريبة.
الشتاء قادم.. وسيكون مجرد لمحة لما بعده..
وختم “جونسون” بمقاله المنشور؛ في 19 تشرين أول/أكتوبر، والذي قال فيه إن المشكلات القصيرة الأجل أتت على الأخضر واليابس في هذا الخريف: الطقس، ونقص “الغاز الطبيعي”، وتخزينه، وغيرها من الأمور. لكن المشكلة الأكبر تكمن في أنه لا يوجد مَنْ يستثمر في “الوقود الأحفوري”؛ مثل “النفط” و”الغاز”، بعد الجائحة وقبل التحول للطاقة النظيفة. وهناك كثير من الجوانب السلبية المروِّعة، مثل التضخم، ونقص التصنيع، والرفوف الفارغة.