وكالات – كتابات :
نشرت مجلة (ناشيونال إنترست) مقالًا؛ لـ”زاكاري كيك”، مدير التحرير السابق للمجلة الأميركية، حول التاريخ السري لمشروع بناء الأسلحة النووية في “إسرائيل”، موضحًا أن المشروع اعتمد إلى حدٍ كبير في تمويله على تبرعات الأثرياء اليهود.
ويستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه على الرغم من أن “إسرائيل” لا تعترف رسميًّا بأنها تمتلك ترسانة من الأسلحة النووية، فإنه من المعروف جيدًا أنها تمتلك ذلك؛ (على الرغم من الخلاف حول العدد المحدد للرؤوس الحربية التي تمتلكها). ومن المعروف جيدًا أيضًا أن “الولايات المتحدة” عارضت برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي؛ خلال عهد الرئيس الأميركي الأسبق؛ “جون إف. كينيدي”، كما عارضته إدارة الرئيس الأميركي الأسبق؛ “ليندون جونسون”، ولكن بدرجة أقل.
لكن هناك جزءًا من التاريخ غير معروف جيدًا في هذا الصدد، وهو أن كثيرًا من التمويل الذي أُنفِق على برنامج الأسلحة النووية في “إسرائيل” كان مصدره أميركيين عاديين في جهد اضطلع به؛ “إبراهام فاينبرغ”، وهو أميركي بارز عمل مستشارًا غير رسمي لكل من الرئيس؛ “كينيدي”؛ والرئيس “جونسون”.
يُلفت الكاتب إلى أن اهتمام “إسرائيل”؛ بالأسلحة النووية، يعود بالأساس إلى ما أسماه: “نشأة الدولة اليهودية في عام 1948″، في إشارة إلى النكبة الفلسطينية وبداية احتلال “فلسطين”. وكان الزعيم المؤسس للدولة العبرية، “ديفيد بن غوريون”، يُكابد أقصى درجات القلق مما وصفه الكاتب بالعداء المستمر الذي واجهته “إسرائيل” من جانب جيرانها العرب، وهي دول أكبر حجمًا مقارنةً بحجم “إسرائيل”، في إشارة إلى جماعات المقاومة العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
رأى “بن غوريون” أن الأسلحة النووية هي الملاذ الأخير لضمان بقاء الدولة اليهودية، وكانت المشكلة التي واجهها “بن غوريون”؛ وأقرب مستشاريه، هي أن “دولتهم” كانت فقيرة وغير متطورة نسبيًّا؛ (في ذلك الوقت)، ولا تمتلك الموارد التكنولوجية والمادية اللازمة لدعم برنامج أسلحة نووية محلي. وتُمثل أفضل أمل لـ”إسرائيل” في امتلاك أسلحة نووية في العثور على رعاية أجنبية.
“فرنسا” تبحث عن ذريعة للتدخل..
ويُشير الكاتب إلى أنه خلال منتصف الخمسينيات من القرن العشرين على وجه التحديد، كانت سيطرة “فرنسا” على “الجزائر” موضع خلاف متزايد بسبب الثورة المحلية؛ (ثورة التحرير الجزائرية أو حرب الجزائر التي اندلعت في تشرين ثان/نوفمبر 1954)، كانت تتلقى دعمًا كبيرًا من الزعيم المصري الأسبق؛ “جمال عبدالناصر”.
وكانت “فرنسا” تَعُدُّ “الجزائر” جزءًا منها وليست مجرد مستعمرة من مستعمراتها. وردَّت “باريس” على ذلك بطلب المساعدة من “إسرائيل” في توفير معلومات استخباراتية عن الوضع الجزائري مقابل حصول “إسرائيل” على الأسلحة التقليدية الفرنسية. وبرزت الفرصة لتحويل هذا إلى تعاون نووي؛ في عام 1956، عندما طلبت “باريس”؛ من “إسرائيل”، تزويد “فرنسا وبريطانيا” بذريعة للتدخل عسكريًّا في “مصر”، فيما أصبح يُعرف بـ”أزمة قناة السويس”؛ (العدوان الثلاثي على مصر أو حرب 1956).
ويُشير الكاتب إلى أن “بن غوريون” كان لديه تحفظات كبيرة حول مشاركة “إسرائيل” في هذه الخطة. غير أن هذه التحفظات جرى التغلب عليها عندما وافقت “فرنسا” على تزويد “إسرائيل” بمفاعل أبحاث صغير مماثل لمفاعل (EL-3)؛ الذي شيدته “فرنسا” في منطقة “ساكلاي”؛ بضواحي “باريس”.
وبالطبع، سرعان ما فشل غزو السويس بسبب تهديد كل من “الولايات المتحدة” و”الاتحاد السوفياتي”؛ لـ”إسرائيل وفرنسا وبريطانيا” بطرقٍ مختلفة لدفعهم إلى الانسحاب من “مصر”. ولم تكن “فرنسا” قادرة على حماية “إسرائيل” من تهديدات هذه القوى العظمى. لكن قبل الموافقة على الانسحاب، طالبت “إسرائيل”؛ “باريس”، بتعزيز التعاون النووي. ووافقت “فرنسا” على تزويد “إسرائيل” بمفاعل أكبر بكثير لإنتاج (البلوتونيوم)؛ في مدينة “ديمونا”، و(اليورانيوم) الطبيعي لتزويد المفاعل بالوقود ومحطة لإعادة المعالجة – وهو كل ما تحتاجه “إسرائيل” لاستخدام المحطة لإنتاج (البلوتونيوم) لصنع قنبلة باستثناء الماء الثقيل.
المشروع النووي..
وألمح الكاتب إلى أن مساعدات “فرنسا”؛ لـ”إسرائيل”، مثَّلت ضربة موفَّقة للغاية – لم توفر أي دولة من قبل أو منذ ذلك الحين لدولة أخرى مثل هذا القدر الهائل من التكنولوجيا اللازمة لبناء قنبلة نووية. غير أن “إسرائيل” بذلك لم تقطع سوى نصف المسافة للوصول إلى الأسلحة النووية. وكان لا يزال يتعين على “بن غوريون” توفير الأموال اللازمة لدفع ثمن الصفقة النووية لـ”فرنسا”.
ولا يدري أحد كم كانت كُلفة بناء منشآت (ديمونا) النووية، غير أنه من المُرجح أن تكون “إسرائيل” دفعت لـ”فرنسا” ما لا يقل عن: 80 إلى: 100 مليون دولار بأسعار عام 1960. وكان هذا مبلغًا هائلًا من المال بالنسبة لـ”إسرائيل” في ذلك الوقت. وعلاوةً على ذلك، كان “بن غوريون” قلقًا من أنه إذا حوَّل الأموال المخصصة للدفاع إلى المشروع النووي، فإنه يستجلب معارضة الجيش الإسرائيلي، الذي كان يعمل في ذلك الوقت على قدمٍ وساق لبناء جيش تقليدي ليواجه الجيوش العربية في المنطقة.
وبدلًا من ذلك؛ قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي إنشاء صندوق خاص لتمويل الصفقة مع “فرنسا”. ووفق ما وثَّق “مايكل كاربين”؛ (صحافي إسرائيلي اشتهر بالتحقيقات الوثائقية)، في تأريخه الممتاز عن البرنامج النووي الإسرائيلي في كتابه: (القنبلة في القبو)، طلب “بن غوريون” من موظفيه ببساطة: “الاتصال بآبي”، في إشارة إلى؛ “آبي فاينبرغ”. وكان “فاينبرغ” من كبار رجال الأعمال المانحين وزعيمًا يهوديًّا أميركيًّا ذا علاقات وثيقة بالحزب (الديمقراطي) الأميركي. وقبل دخول “أميركا”؛ الحرب العالمية الثانية، كان “فاينبرغ” قد جمع الأموال لمساعدة يهود “أوروبا” على الهجرة إلى “فلسطين”.
وبعد إنتهاء الحرب، ذهب “بن غوريون” إلى أوروبا لمشاهدة معسكرات اعتقال المحرقة النازية. وكذلك ساعد في تهريب الناجين من المحرقة إلى “فلسطين”؛ في وقت فرض فيه البريطانيون حصارًا لمنع الهجرة اليهودية غير الشرعية. وخلال هذا الوقت، أقام روابط دائمة مع عديد من الرجال الذين أصبحوا فيما بعد قادة كبار في دولة الاحتلال. وعند عودته إلى “الولايات المتحدة”، ساعد في الضغط على الرئيس الأميركي الأسبق؛ “هاري ترومان”، للاعتراف بالدولة اليهودية بمجرد إعلان استقلالها. وفي المقابل، ساعد “فاينبرغ” في جمع الأموال لحملة إعادة انتخاب “ترومان”.
معهد “سونيبورن” وصفقة “ديمونا”..
يُضيف الكاتب: وهكذا، كان من الطبيعي أن يتجه “بن غوريون”؛ في تشرين أول/أكتوبر 1958، إلى “فاينبرغ” للمساعدة في جمع الأموال اللازمة لمشروع (ديمونا). وفي الحقيقة، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها “بن غوريون” إلى الزعماء اليهود الأميركيين لجمع أموال للقضايا الإسرائيلية. ولأنه رأى أن “حرب الاستقلال”؛ (المُسمى الإسرائيلي لحرب فلسطين بين عامي: 1947 و1949، التي جرت على أراضي فلسطين تحت الحكم البريطاني)، كانت وشيكة، توجَّه “بن غوريون”؛ في عام 1945، إلى “نيويورك” لجمع الأموال لشراء العتاد لليهود في “فلسطين”، وهو ما نجح فيه بالفعل.
ووفقًا لما يذكره “كاربين”: “في الأوراق السرية للدولة قيد النشأة، سُمِّيَ المليونيرات الأميركيون السبعة عشرة باسم رمزي هو: (معهد سونيبورن)، على اسم مضيفهم؛ (رودلف جي. سونيبورن). وفي السنوات التالية، سيُسهم أعضاء هذا المعهد بملايين الدولارات لشراء الذخائر والآلات ومعدات المستشفيات والأدوية والسفن لنقل اللاجئين إلى فلسطين”.
ويمضي الكاتب إلى أن “فاينبرغ” كان واحدًا من المليونيرات السبعة عشرة الذين شكَّلوا “معهد سونيبورن”. وفي عام 1958؛ لجأ “فاينبرغ” إلى عديد من أعضاء “معهد سونيبورن”، وكذلك إلى عديد من قادة اليهود في “أميركا الشمالية” و”أوروبا”، من أجل جمع الأموال لمشروع (ديمونا) النووي؛ بعد مناشدة “بن غوريون”، في عام 1958. ونجح نجاحًا هائلًا. ومرةً أخرى وفقًا لما يورده “كاربين”: “بدأت الحملة السرية لجمع الأموال في نهاية 1958، واستمرت لمدة عامين. وأسهم نحو: 40 مليونيرًا بمبلغ إجمالي بلغ نحو: 40 مليون دولار”.
ويتساءل الكاتب: ما مدى أهمية مهمة “فاينبرغ” في نجاح المشروع النووي الإسرائيلي ؟.. ويجيب قائلًا: إنه وفقًا لما يورده “كاربين”: “ما لم يكن؛ بن غوريون، متأكدًا من أن؛ فاينبرغ، يُمكنه جمع الملايين المطلوبة للمشروع من يهود العالم، لما كان سيُقدم على الصفقة مع فرنسا. ولم يكن بوسع إسرائيل في الخمسينيات ولا الستينيات من القرن الماضي أن تدفع ثمن التكنولوجيا المتقدمة المستخدمة في مفاعل (ديمونا)، وتبني رادعًا نوويًّا بالاعتماد على مواردها الذاتيةط.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول: غير أن هذا لم يكن نهاية مشاركة “فاينبرغ” في العلاقات “الأميركية-الإسرائيلية”.
وفي الواقع، بعد أن استعاد الديمقراطيون “البيت الأبيض”؛ في انتخابات عام 1960، أصبح “فاينبرغ” مستشارًا غير رسمي لكل من: “جون كينيدي”؛ و”ليندون جونسون”. على سبيل المثال، في عام 1961، قاد “فاينبرغ” الجهود المبذولة لإقناع “بن غوريون” بالسماح بالتفتيش الأميركي على مفاعل (ديمونا).