كتب سرمد الطائي : يقول المعلقون في الشأن الدولي ان هناك “هزات ارتدادية” سنظل نسمعها على مدى أسابيع، نتيجة نشر مذكرات روبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي السابق الذي عمل مع بوش وأوباما، وتولى رعاية الانسحاب العسكري من العراق.
لكن غيتس يقول أشياء أكثر تعلقاً بالعراق وبنوري المالكي تحديداً، خلال جولته التي بدأها منذ أيام، لترويج مذكراته، التي يقول خبراء: إنها ستساعد على فهم أكبر لطريقة صناعة السياسات في المكتب البيضاوي وباقي مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة، كشهادة كبيرة من داخل العقل الأميركي.
في نيويورك توقف الوزير ليشرح أشياء عديدة يبدو أننا سنستمتع بقراءتها، حول العراق، منها قوله: إن نوري المالكي فوت على نفسه وعلى العراقيين، فرصة كبيرة وفرتها أميركا بين ٢٠٠٩ و٢٠١٠، وكان يحسن به أن يتعامل بطريقة تصالحية حينها مع سنة العراق، ليدعم التسويات السياسية والأمنية، التي وفرت أمنا نسبياً معقولاً يومذاك. لكن المالكي حسب غيتس، فعل العكس وراح يبدي عداء حاداً للسنة، ووفر مدخلاً لأسوأ ما حصل لاحقا، ولما نعيشه اليوم من انتعاش جديد لتنظيم القاعدة. من الجيد أن غيتس لم ينس أن القاعدة “استغلت بشكل بالغ القسوة، عداء المالكي الحاد للسنة” في إشارة إلى أجواء الخوف التي خلقها رئيس الوزراء واستثمرتها تنظيمات الموت التي تريد أن تنصب نفسها حامياً لأهل السنة المغضوب عليهم.
غيتس راقب المالكي بدقة وتعامل معه في أكثر اللحظات حراجة، في الأنبار وبغداد بشكل خاص، ولمسبنفسه ثمار الخطة التصالحية التي رعاها قائد الجيوش ديفيد بترايوس، كما واصل الإشراف على الترتيبات النهائية لسحب القوات، ولصفقات التسليح والتعاون العسكري، وكان متحمسا لدفع مليار دولار سنويا كمساعدات عسكرية لحكومة بغداد. أي إنه كان من أبرز الداعمين للمالكي ولمسار التهدئة والاستقرار، الذي كان منصة صعد عليها المالكي سياسيا. لكن وزير دفاع أميركا يعترف بشيء من ذلك الألم الذي ينتابك حين تدرك الاشياء متأخرا، فيقول: “لقد صار المالكي اكثر طائفية مما كنا نتوقع”!
يدلي الوزير الأميركي هنا باعتراف نادر معبراً عن شعور أميركي بالخذلان، من قبل نوري المالكي، وهذا ما كنا نعبر عنه طوال شهور، بأن المالكي اصبح بشكل أو بآخر، عبئاً على السياسة الأميركية، في ملف سوريا وفي التعامل مع التركة التصالحية لأمثال ديفيد بترايوس. بل إن الدكتور أحمد الجلبي يذهب أكثر من ذلك مردداً في أكثر من مناسبة أن الحاج أبي إسراء صار عبئاً حتى على السياسات الإيرانية، عبر تطرفه وتسرعه وإهماله الدائم للنصح وريبته الوسواسية حيال الجميع!
كل يوم ونحن نفكر بمفارقة نوري المالكي التي تدور حولها الأخطاء والخطايا، أن الرجل أصبح اولاً وقبل كل شيء، عبئاً على طائفته، وعلى شيعة العراق، قبل أن ينتشر شرر إرتجالاته إلى أي طرف آخر. فأكثر الاموات العراقيين هم شيعة، وأبرز الاصوات التي تحمست لعزله كانت شيعية، وصوت مرجعية النجف ظل يبين دونما كلل، أن الأخطاء الحكومية صارت أخطر على العراقيين، من أي مؤامرة قد يحوكها الخارج.
لذلك فإن الوقت يبدو مناسباً لغيتس ولشريحة واسعة من المحللين، للتعامل بدقة مع وصف المالكي بأنه مجرد “طائفي”، ذلك لأنه خارجٌ اليوم عن مطالب عقلاء الطائفة، الذين يشعرون بأن الحاج يورطهم في معارك مجانية مع معتدلي السنة والأكراد كذلك، ليقوم بمشاغلة فقراء الشيعة، عن كل الفشل في خطط الانفاق والتنمية، للبقاء في كرسيه، مستقويا بـ”غوغاء شعبية” على أهل الحل والعقد في الطائفة.
إن المالكي هو نموذج مثالي لأسوأ حالات التشبث بالسلطة مهما بلغ الثمن، وهو لا يمتلك تصوراً لمصالح طائفته، التي تنوء بدفع ضريبة خطاياه، بل يفقد توازنه ويختل نفسياً، أكثر مما كان يتوقع السيد غيتس.