خاص : ترجمة – محمد بناية :
بكل خطوة على الأرض يطير المئات من الذباب والناموس، وتنبعث رائحة العفن تزكم أنوف “محمد جان” و”رجب” و”أمان الله” و”بيدار”. إنها رائحة القذارة، رائحة أطلال القمامة تجري من تحتها مياه نهر هراز التي تحمل جيف الحيوانات. إنها مستودع “شاه زيد” للقمامة حيث لا حدائق ولا منازل, وإن وجدت فهي مهجورة، وتخلو مياه النهر من الأسماك لأنها مسمومة.
العمل في القمامة أفضل من البطالة..
يجلس العمال بين أكوام القمامة، يحمل بياض عيونهم الهم والحزن بين أكوام القمامة الصفراء: “نأتي إلى هنا في السابعة صباحاً وحتى الثانية عشر ظهراً ثم نعاود العمل من الواحدة حتى السابعة مساءً، وبعدها نذهب إلى بيوتنا”. هكذا قال “مراد” ذو الأيدي التي كساها اللون الأسود والعيون المكحولة, لصحيفة “شهروند” الإيرانية ضمن أحدث تقاريرها. سألناه: “أين منزلك ؟”, فأجاب: “استأجرت بيتاً من غرفة واحدة في منطقة “آمل”.
“مراد” مهاجر أفغاني, شأنه شأن جميع العاملين في هذا المكان. يعمل بين أطنان القمامة منذ وطأت قدماه إيران قبل ثلاثة أشهر؛ لكن هذا كما يقول: “أفضل بالنسبة له من البطالة”. يحصل “مراد” على عائد شهري يتراوح بين 700 – 800 ألف طومان. يقول: “هذا العمل جيد بالنسبة لنا نحن المهاجرون الذين لا نملك بيتاً ولا مالاً”.
“محمد جان” يمتطي أكياس القمامة، ويعمل على تصنيف قطع الحديد الصغيرة. “يجب أن تتنفس من فمك، لكني اعتدت الرائحة وأتنفس من أنفي”. وتقع زريبة مواشي على مسافة أقدام من هذا الموقع، وفيها يفتحون بطون المواشي ويخرجون كل ما فيها. يقول محمد جان: “العمل صعب جداً، وصعوبته في قذارته. كدت أفقد وعيي في البداية لكني تعلمت تدريجياً كيف أتنفس”. وهو من سكان “نيمروز” جلبته البطالة إلى هذا المكان.
ولا تختلف قصص “رجب” و”أمان الله” و”بيدار”، شباب في سن الخامسة أو السادسة عشر، يعملون في فرز البلاستيكات ووضعها في أكياس سوداء. يملئون الأكياس ثم يحملونها إلى البلدية ويحصلون على المال مقابل الأكياس, “ليست الحرب وإنما الجوع هو ما جاء بنا إلى هذا المكان. وربما نجمع في يوم ما مبلغ 20 ألف طومان ونعود إلى نيمروز”.
قصة عمرها ثلاثون عاماً..
الحقيقة أنه يوجد في كل مدن “مازندران” مستودع زبالة، وهذا أحدها وقد تسبب قبل 30 عاماً في منع مظاهر وأشكال الحياة بـ”شاه زيد”, عدا الغربان التي تنتقل بين أكوام القمامة والعمال المهاجرون الذين يصنفون القمامة في أجولة دون عناية بالرائحة العفنة. ويموج نهر “هزار” بالرائحة العفنة ثم يمضي في طريقه وصولاً إلى بحر “الخزر”، والمواطنون الذين يهربون من حر الصيف بالقفز في مياه بحر “الخزر” لا يعرفون شيئاً عن هذه القصة.
وحتى في فصل الشتاء, وسواء أمطر الجو أم لا تتسرب مياه “هراز” داخل التربة وتسمم المياه الجوفية، وهذا الأمر يتكرر منذ 30 عاماً بينما تتجاهل الحكومة هذا الموضوع.
وقد كثرت التحذيرات لكن دون جدوى. والمثال على ذلك، أن مساعد وزير الداخلية كان قد تحدث قبل يومين عن مشكلة دفن القمامة، وكيف تحولت هذه القضية إلى تحدي بالنسبة إلى جميع المدن الإيرانية, وقال: “يتم إنتاج 50 ألف طن زيالة يومياً، يتم دفن الربع فقط بشكل صحي بينما تُدفن نسبة الـ 75 المتبقية بشكل مقلق جداً”.
ليس لدينا مستودع قمامة كامل حتى الآن..
“نحن أصلاً لم نوافق على وجود مستودع قمامة، لأن المتسودع هو أدنى مستوى من عملية إدارة النفايات”. هكذا علقت “زهرا جباري” مكير مكتب الماء والتراب التابع لهيئة الحفاظ على البيئة، وأضافت, بحسب الصحيفة الإيرانية: “لا يمكن التكتم على مشكلة القمامة في مازندران، وهي على رأس أولوياتنا. وحتى الآن لم تصل بلدية مازندران إلى مستوى إدارة النفايات العادية, ونحن حالياً نتخذ بعض الإجراءات التي من شأنها إصلاح الوضع بالشكل الذي يمنع دون انبعاث الروائح الكريهة. والمدينة تعاني منذ سنوات مشكلة في إدارة النفايات بسبب المساحة الصغيرة. وقد منعنا في هيئة الحفاظ على البيئة إقامة مستودعات قمامة في المناطق الملوثة”.
وأردفت: “الإدارة التنفيذية للنفايات إنما تعني الحد من إنتاج القمامة، وتحويل القمامة إلى سماد، وإعادة تدوير ما يصلح ودفن ما لا يصلح بطريقة صحية. لكن هذا لم يحدث، وتلجأ البلدية إلى حرق القمامة أو تراكمها في المستودعات.. وليس لدينا حتى الآن في مازندران مستودع قمامة كامل ودائماً ما يتذرع مسؤولوا البلدية بصغر مساحة المحافظة”.