18 أبريل، 2024 1:00 م
Search
Close this search box.

عن “الحشاشين”، والغزالي وابن رشد، وأشياء أخرى

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: بقلم- د. مالك خوري:

حين يقوم مسلسل باختزال (وخلافًا لواقع التاريخ) مساحة السّجال الفكري في مرحلة تاريخية معينة بين أشباه “حسن الصباح” (بعد أن أعيد رسّمه بشكلٍ كاريكاتوري كزعيم إخواني أو داعشي)، والإمام الغزالي (أعتى المناصرين للتأويل الدوغماتي للنصوص الدينية)، فأنت أمام محاولة جدية لإعادة التّدوير الإيديولوجي للفكر المحافظ والابن تيمي بين أجيال جديدة من مجتمعاتنا.

أهم النقاشات الفلسفية التي دارت في تاريخ الفكر الإسلامي تجسّدت في كتابي (تهافت الفلاسفة) للإمام الغزالي، وبالمقابل كتاب (تهافت التهافت) وهو الذي رد فيه ابن رشد بالتفصيل المنُّظم والمتكامل على الغزالي. ودافع ابن رشد بقوة عن فكر وفلاسفة مسلمين نافذّين والذين كانوا متأثرين في معظمهم بفلسفة أرسطو، مثل ابن سينا، وإلى درجة أقل الفارابي. وبغّض النظر عن موضوع ولادة ووفاة ابن رشد، بعد موت الغزالي. فالواقع التاريخي هو أن ابن رشد (1126-1198) وكتاباته ونقاشاته الفكرية شكلا الإطار الفكري العام الأكثر انتشارًا بين فلاسفة وعلماء تلك الفترة التاريخية. وكّون أن الغزالي كان أكثر حظوة لدى “الأنظمة” العباسية والسّلجوقية في حينه لم يكن غريبًا أخذًا بالاعتيار الطبيعة المحافظة والداعمة بلا تحفظ “لأولياء الأمور”. لكن ذلك لم يكن ليعني أن أفكاره وأفكار أوليائه التي كانت لها الحظوة لدى شعوب و”مثقفي” تلك الفترة. خصوصًا أن هذه الأفكار كانت أكثر معاصرة للفترة الأطول من تاريخ حركة الحشاشين نفسها والتي استمرت بين 1090 و1275، والتي استمرت بقوتها إلى ما بعد موت “حسن الصباح” بأكثر من 151 سنة !!

وبالنهاية فإن النقاشات حول ابن رشد على مستوى “مثقفي” تلك الفترات من ناحية، والتزايد الواضح للحركات الشعبية والسرية المعادية لتعسّف وظلم الحكام والأنظمة السّائدة من ناحية أخرى، يوفران لنا أسسًا أكثر منطقية لفهم الأجواء التي رافقت صعود حركة من طراز “الحشاشين” واستمرار قوتها (على عكس ما يوحي المسلسل)؛ حتى بعد موت مؤسسها “حسن الصباح”. ويجب أن لا ننسّى أن “حسن الصباح” نفسه كان عالمًا في الرياضيات والفلك، كما في العلوم الفلسفية.

وفي هذا الإطار يُصبح من الصعب القبول أن تننظيمًا مثل “الحشاشين” لم يكن لديه مبرر لوجوده إلا القتل والإرهاب والولاء للقائد القاتل (والذي هو نفسه لم يُرافق الحركة إلا في جزء محدود لوجودها). وهنا لا بد من الأخذ بالاعتبار أن سّرديات الحركة المتداولة كانت تتحدث دومًا عن وقوفها إلى جانب “الطبقات المسّتعبدة والمضطهدة ضد الحكام الظالمين”.

وللأسف فإن حتى فيلمًا مثل (Assassin’s Creed) يبدو أكثر قربًا إلى المنطق في محاولة فهم هوية حركة “الحشاشين” والمبررات التي وضعوها لوجودهم إحدى مقاطع الفيلم، يسّرد أحد السجانين المعادين للحركة أحد التعريفات المتداولة عن “الحشاشين”:

“كانوا مجتمعًا من المنبوذين، مجموعة من اللصوص، الذين يقتلون بأعصاب باردة… لكنهم كانوا حكماء، استخدموا هذا الصّيت لاخفاء تفانيهم لمباديء تفوق مباديء أقوى أعدائهم”.

فيما أعادت واحدة من شخصيات الفيلم التابعة للحركة ولعدة مرات ترداد المقولة الأكثر شهرة عن فهم وتبرير أعضاء الحركة لممارساتهم: “نحن نعمل في الظلام لنخدم في النور” !

مسلسل (الحشاشين) حّول كل الموضوع إلى بهرجة بصرية أساسها استعمال التقنيات السينمائية بطريقة لم يتعود عليها جمهورنا المتعطش إلى مشاهدة مسلسلات تاريخية جيدة الإخراج والتصّميم. وكنا لنُرحب بهذا كإنجاز نأمل أن يتكرر. إلا أن المسّاهمة في توسّيع جهل شعوبنا بتاريخها هو شيء لا يجب القبول به واعتباره مجرد شيء عادي ! فلنحترم جمهورنا، ونحترم تاريخنا. فهذا كل ما بقي لنا لنغرف منه لتلمّس آفاق مستقبلنا.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب