خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
في الفترة ما قبل العام 2019م، اتبعت “الإمارات”، في إطار التشّبه بـ”أسبرطة الصغرى”، إجراءات تدخلية، وهجومية، ومكلفة في المحيط الإقليمي وفوق الإقليمي، لكن تدريجيًا طرأ تحول ملموس على السياسات الخارجية الإماراتية منذ العام 2021م، نتيجة المتطلبات الداخلية، والإقليمية، والدولية.
في الجزء الثاني من مقالة؛ “علي أسدي”؛ باحث دكتوراه في العلاقات الدولية بجامعة العلامة “طباطبائي”، والمنشورة على موقع “مركز الشرق الأوسط للبحوث العلمية والدراسات الاستراتيجية” الإيراني، يبحث عبر ثلاث خطوات في إجابة على الأسئلة التالي: ما هي ماهية التطورات التي طرأت على السياسة الخارجية الإماراتية؛ في الفترة (2019 – 2023م)، وما هي المكونات الرئيسة لذلك ؟.. ما هي تداعيات هذه السياسات على “الجمهورية الإيرانية” ؟..
العلاقات “الإماراتية-التركية”..
وفي إطار استكمال البنيان الجديد، اتجه فريق السياسة الخارجية الإماراتية صوب “الجمهورية التركية”؛ ورغم تضخم خلافات “أبو ظبي-أنقرة”؛ منذ “الربيع العربي” ودخول البلدان في توترات سياسية وعسكرية بالوكالة في “القرن الإفريقي” و”شرق البحر الأبيض المتوسط”، أدت إلى تراجع حجم التجارة بين البلدين إلى: 6.7 مليار دولار في العام 2021م، مقارنة بحوالي: 15 مليار دولار في العام 2017م، وهو أعلى معدل في تاريخ العلاقات التجارية بين البلدين، إلا أن استئناف العلاقات العامة مع “تركيا” كان مسألة هامة وتسّارعت وتيرتها بلقاء قيادات البلدين وصولًا إلى التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة؛ المعروفة باسم: “اتفاقية المشاركة الاقتصادية الشاملة”.
من هذا المنطلق؛ وبوعي من المصالح المترتبة على الجمع الجبري الإيجابي، قرر جهاز السياسية الخارجية الإماراتي تطبيع العلاقات مع “سوريا”، وتطوير العلاقات مع “مصر”، واستبدال الوجود الفعال في الحرب اليمنية بالوجود بالوكالة، والحد من التوتر مع “قطر”.
وبإمعان النظر يتضح إجراء تعديل على المواجهة ضد الإسلام السياسي على المستويات المحلية وفوق المحلية في السياسات الخارجية الإماراتية، وخفض التصعيد الإقليمي؛ كما كان الحال في الماضي، ونجحت في استقطاب الأطراف الفاعلية في النظام الدولي فيما يخص موضوع الإسلام السياسي والحرب على الإرهاب.
مع روسيا..
والضلع الآخر للتعامل الذكي والمتوازن؛ وأعني تنويع العلاقات وتطوير العلاقات الاقتصادية، والدفاعية، والأمنية مع الشرق، واتباع رؤية متوازنة بين الغرب والشرق، يمكن إدراكه بوضوح من التصويت الإيجابي لإدانة “روسيا” في الحرب على “أوكرانيا”؛ في قرار “الجمعية العامة للأمم المتحدة” مع الامتناع عن التصويت في اجتماع “مجلس الأمن”، ودعم “موسكو” قرار “الإمارات” المتضمن اطلاق وصف الإرهاب على (أنصار الله)، والمباحثات الهاتفية بين مسؤولين من “الإمارات وروسيا وأوكرانيا”، رفض مطلب الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، بشأن زيادة إنتاج النفط، وتحول “الصين” إلى الشريك التجاري الثاني لـ”الإمارات” بنحو: 50 مليار دولار.
وبالتوازي مع تطوير العلاقات مع الشرق جغرافيًا، شاركت “الإمارات”؛ في تشرين أول/أكتوبر 2021م، وبالتوازي مع الذكرى السنوية للتوقيع على “الاتفاق الإبراهيمي”، باجتماع مجازي رباعي مع: “الهند والولايات المتحدة وإسرائيل”، والموافقة على تشكيل تجمع اقتصادي دولي في إطار تطوير العلاقات الاقتصادية.
أخيرًا وفي إطار السياسات التجارية الإماراتية الجديدة، جرى تفعيل اتفاقية التجارة الحرة بين “أبوظبي” و”دلهي”، وكذلك الاتفاقيات مع دول: “بريطانيا، وتركيا، وكوريا الجنوبية، وإثيوبيا، وإندونيسيا، وإسرائيل، وكنيا”، في مجالات التجارة، والاستثمارات الخارجية المباشرة، والسياحة وغيرها، حتى تتمكن “أبوظبي” من التحول إلى مركزًا للتجارة والاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط.
الخطوة الثالثة..
التقييّم الاستراتيجي الجديد لصناع القرار الإماراتي سيكون له تداعيات على “الجمهورية الإيرانية”. وتشكيل الممر “الهندي-العربي-المتوسطي”، كبديل عن ممر الترانزيت الدولي “الشمال-الجنوب”؛ عن طريق ميناء “چابهار”، وبالتالي عدم تشكيل “منتدى التجارة الهندي” مع “روسيا وآسيا الوسطى” على السواحل الإيرانية، والتعامل مع هذا البلد كقوة تجارية واقتصادية في “غرب آسيا” من جانب الجهات الدولية الفاعلة الأخرى، ووصل الاقتصاد العراقي بالتركي والإماراتي وليس بـ”الجمهورية الإيرانية”، وإضعاف الأمن القومي الإيراني مع الأخذ في الاعتبار للوجود والنفوذ الإسرائيلي في الحدود المحيطة، وتحالف (كواد-2) من التأثيرات التي ستتعرض لها “الجمهورية الإيرانية”.
والسؤال الجدير بالاهتمام، هل سياسات “طهران” القائمة على المنطق الواقعي والرسم البياني لـ”التكلفة-العائد”، والاستجابة لاستراتيجيات وتكتيكات البلدان الصغيرة، تمثل نموذجًا جديدًا وترتيبًا للنظم الحديثة في منطقة الشرق الأوسط ؟!