20 فبراير، 2025 11:03 م

على واشنطن أن تزيح الغشاوة عن عينيها .. “فورين بوليسي”: الصين لن تتعامل مع أفغانستان كـ”كنز دفين” !

على واشنطن أن تزيح الغشاوة عن عينيها .. “فورين بوليسي”: الصين لن تتعامل مع أفغانستان كـ”كنز دفين” !

وكالات – كتابات :

تناول “ماثيو بي فونايول”، زميل بارز في مشروع الطاقة الصيني، و”بريان هارت”، زميل مشارك مع مشروع الطاقة الصيني في “مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية”، كيف أن ثروات “أفغانستان” المعدنية، على الرغم من حجمها الهائل، لن تجذب كثيرًا من المستثمرين الأجانب، لا سيما الصينيين، بسبب المخاطر التي تتأتى من ممارسة الأعمال التجارية في “أفغانستان”، وذلك في مقالٍ نشرته مجلة (فورين بوليسي) الأميركية.

ليست كنزًا دفينًا !

يستهل الكاتبان مقالهما بالإشارة إلى أنه؛ في أعقاب انسحاب “الولايات المتحدة”، من “أفغانستان”، انتشرت سردية تُصوِّر “أفغانستان”، التي مزقتها الحرب؛ على أنها جائزة جيوسياسية جاهزة لاستيلاء “الصين” عليها. ووفقًا لهذا المنطق، تتطلع “بكين” بجشع إلى الثروة المعدنية الهائلة في “أفغانستان”، ويتلهف صانعو السياسة الصينيون ويبذلون قصارى جهدهم لإبرام عديدٍ من الصفقات مع حركة (طالبان). لكن هذا الاهتمام مبالغ فيه، لأن “أفغانستان” ليست كنزًا دفينًا، ومجرد النظر إليها من خلال العدسة الضيقة للمنافسة بين القوى العظمى، و”الصين”، عليها يجعل خيارات السياسة في “واشنطن” محدودة.

ويُوضح “فونايول” و”هارت”؛ أن الخطاب الحالي، بشأن طموحات “الصين” في “أفغانستان”؛ ينتهج سردية مألوفة. وتضع القوى الأجنبية عيونها على موارد “أفغانستان” المعدنية؛ منذ مدة طويلة. إذ أجرت “الإمبراطورية البريطانية” و”ألمانيا”، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين؛ مسوحات جيولوجية واسعة النطاق في البلاد. وبدورهم، أجرى السوفيات مسوحات منهجية في “أفغانستان”، خلال الحرب الباردة. وفي الآونة الأخيرة؛ أصدرت “وزارة الدفاع” الأميركية نتائج دراسة، عام 2010؛ خلُصت إلى أن رواسب “أفغانستان”، من “النحاس” والعناصر الأرضية النادرة و(الليثيوم) وأنواع مختلفة من المعادن؛ يُمكن أن تصل قيمتها إلى أكثر من تريليون دولار.

مخاطر التجارة في أفغانستان..

بيد أن هذه القوى لم تترجم الرغبة إلى عزيمة للاستفادة من ثروة “أفغانستان” المعدنية، لكن العديد من المحللين في الوقت الراهن يتوقعون أنه مع خروج “الولايات المتحدة” من الصورة، قد تكون “الصين” أول مَنْ يفعل ذلك. وهذا الاهتمام مُبرَّر بعض الشيء؛ لأن الشركات الصينية تستخدم كميات هائلة من الموارد المعدنية وتتوق للمزيد منها. ونظرًا لأن “الصين” تُعد بالفعل أكبر منتج للسيارات الكهربائية في العالم، فإن تعزيز تفوقها في هذه الصناعة المتنامية سيتطلب كميات كبيرة من (الليثيوم). وبالمثل، يعتمد عديد من الصناعات ذات الأهمية الكبيرة لمساعدة “الصين”، حتى تُصبح قوة عظمى في مجال العلوم والتكنولوجيا على العناصر الأرضية النادرة، وهي مجموعة من: 17 معدنًا تتميز بخصائص كيميائية فريدة.

ومع ذلك يُرجِّح الكاتبان أن “الصين” لن تُنفذ مشروعات تعدين في الريف الأفغاني؛ في أي وقت قريب. ويُمكن للشركات الصينية الحصول بسهولة أكبر على المعادن الحيوية من بعض المصادر البديلة، لأنها تعرف جيدًا حجم المخاطر والمشكلات التي تنجم عن ممارسة الأعمال التجارية في “أفغانستان”. كما أن “الصين” لديها بالفعل وفرة كبيرة من العناصر الأرضية النادرة داخل حدودها. ووفقًا لأحدث التقديرات، يوجد في “الصين”، حوالي: 37% من احتياطيات العناصر الأرضية النادرة على مستوى العالم؛ والتي يُعد استخراجها مُجْديًا اقتصاديًّا. ويحتوي مجمع “بيان أوبو” للتعدين، في منطقة “منغوليا” الداخلية، بـ”الصين”، على أكثر من: 48 مليون طن متري من العناصر الأرضية النادرة، مما يجعله أكبر مستودع معروفًا في العالم.

وبالموازنة، نجد أن التركيز الأساس للعناصر الأرضية النادرة في “أفغانستان”، الموجود داخل مجمع “خانشين” الكربوني، في مقاطعة “هلمند”، جنوب البلاد، يحتوي على الأرجح على حوالي: 1.3 مليون طن متري من العناصر الأرضية النادرة. وعلاوةً على ذلك، يُعتقد أن مجمع “خانشين” يحتوي أساسًا على العناصر الأرضية النادرة نفسها، وهي: (سيريوم ولانثانوم ونيوديميوم)، الموجودة في مجمع “بيان أوبو”. كما تُعد هذه العناصر جميعها جزءًا من مجموعة من العناصر الأرضية النادرة، “الخفيفة”، والتي توجد عمومًا بوفرة أكثر، وتُعد أقل قيمة من نظيراتها الأرضية النادرة، “الثقيلة”. وإذا كانت “أفغانستان” لديها رواسب ضخمة لعناصر أقل انتشارًا، فقد يكون لدى “الصين” حافز أكبر للعمل هناك.

السعودية لتعدين الليثيوم..

يُرجح الكاتبان أن عنصر (الليثيوم)؛ ربما يكون أكثر جذبًا للصينيين. وفي السابق، أصدرت “وزارة الدفاع” الأميركية مذكرة داخلية تصف “أفغانستان”؛ بأنها قد تُصبح: “المملكة العربية السعودية لتعدين الليثيوم”. ولا تمتلك “الصين” سوى: 7% تقريبًا من الاحتياطيات العالمية لهذا العنصر الكيميائي، وهي بذلك ليست غنية به، ولتلبية احتياجات “الصين” من (الليثيوم)، استثمرت شركات التعدين الصينية بالفعل بقوة في منطقة بـ”أميركا الجنوبية”؛ المعروفة باسم: “مثلث الليثيوم”. ويستحوذ هذا المثلث المكون من: “الأرجنتين وبوليفيا وشيلي”، على 58% من رواسب (الليثيوم) المكتشفة في العالم؛ و53% من الاحتياطيات المجدية اقتصاديًّا.

ويُشير المقال إلى أن شركة “جانفينغ ليثيوم” الصينية العملاقة؛ تُعد أحد المُسْهِمين الرئيسين في تطوير موقع منجم “كوشارى أولاروز” لعنصر (الليثيوم)، والذي من المقرر أن يُصبح أكبر مشروع جديد لمحلول (الليثيوم) الملحي، خلال العقدين الماضيين؛ عندما يبدأ إنتاجه في منتصف عام 2022. بينما دفعت شركة “تيانكي ليثيوم” الصينية الكبرى للتعدين؛ حوالي: 4.1 مليار دولار، في عام 2018، لشراء ما يُقدر: بـ 24% من مجموعة “سوسيداد كيميكا واي مينيرا دي تشيلي (SQM)” التشيلية للكيماويات، أكبر منتج لـ (الليثيوم) في العالم. وتراهن “الصين” كثيرًا على شراء (الليثيوم) من “أميركا الجنوبية”، ومن المرجح أن تلبي الشركات الصينية حاجتها لهذه المشروعات قبل التحقق من الرواسب غير المجرَّبة في “أفغانستان”.

ويُنوِّه الكاتبان إلى أن موقع “أفغانستان” القريب من “الصين” يُمكن أن يجعلها، من الناحية النظرية، أكثر إغراءً للمستثمرين الصينيين من غيرها من المواقع البعيدة. إلا أن عديدًا من مواقع الرواسب المعدنية في “أفغانستان” تقع في مناطق نائية ذات بنية تحتية محدودة، ولم تُسفر عقود من الحروب والأزمات الاقتصادية سوى عن مزيد من تفاقم مشكلة البنية التحتية. وكانت “الصين” على استعداد لتنفيذ مشروعات عالية المخاطر لدعم الاستثمارات الإستراتيجية في دول أخرى، مثل بناء البنية التحتية لاستخراج “النفط”، في “نيجيريا” و”جنوب السودان”، لكن من المؤكد أن البيئة الأمنية المعقدة بصورة فريدة في “أفغانستان” ستجعل قادة “الصين” السياسيين ورجال الأعمال حذرين بشدة.

الحوافز أقل من العقبات !

وفي الواقع أن الاستثمار الصيني في التعدين، في “أفغانستان”؛ باء بالفشل الذريع حتى الآن. وفي عام 2007؛ وقَّعت شركة مجموعة “الصين للمعادن”، (MCC)، المملوكة للدولة؛ صفقة بقيمة: 2.8 مليار دولار للحصول على عقد إيجار لمدة: 30 عامًا؛ لتعدين “النحاس” في موقع “مس عينك”، في “أفغانستان”. وأفادت التقارير أن مجموعة “الصين” للمعادن أنفقت: 371 مليون دولار لتطوير المنطقة، لكن العمل في المشروع انتهى من الناحية العملية. ودفع فشل المشروع في تحقيق أهدافه والوفاء بوعده، بالإضافة إلى عديد من اتهامات بالفساد، المسؤولين في الحكومة الأفغانية السابقة للتهديد بتعليق المشروع.

ويخلُص الكاتبان إلى أن “الصين”، في الوقت الحالي؛ لديها دوافع تحفِّزها على دخول السوق الأفغانية غير المستقرة بدرجة أقل من العوامل المثبطة والعقبات العديدة. ويمكن أن يتغير الوضع على الأرض بالطبع. وسوف تستفيد حركة (طالبان)، التي تسعى بشدة إلى تدعيم حكمها، من تدفق الاستثمارات الصينية. وإذا تمكن قادة (طالبان) من القضاء على التهديدات الأمنية وإفساح المجال لما يُشبه الاستقرار الاقتصادي، فقد ينجحون في إغراء “بكين” لفتح دفتر شيكاتها، لكن آفاق مثل هذا السيناريو ليست واعدة بأية حال من الأحوال.

وحتى إذا كثَّفت الشركات الصينية في نهاية المطاف استثماراتها في “أفغانستان”، فمن المرجح أن تأتي أولًا في شكل بنية تحتية أساسية تشتد الحاجة إليها، مثل الطرق والكباري وخطوط السكك الحديدية التي تروج لها الشركات الصينية على اعتبار أنها سمة من السمات المميزة لـ”مبادرة الحزام والطريق”.

وفي ختام مقالِهما يُؤكد الكاتبان؛ على أن “الصين” لن تندفع نحو الاستثمار في “أفغانستان”. ومن الحكمة أن يُدرك صانعو السياسة في “واشنطن” ذلك، وأن يتجنبوا الوقوع فريسة للتهديدات المُبالَغ فيها. وسيؤدي أي شيء خلاف ذلك إلى التعرض لخطر تشتيت الإنتباه واستنزاف الموارد، بالإضافة إلى الفشل في المنافسة مع “الصين” بشأن القضايا المهمة حقًا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة