وكالات – كتابات :
في الوقت الذي يتراجع فيه نفوذ “فرنسا” في “إفريقيا”، كثف الرئيس؛ “إيمانويل ماكرون”، زياراته للدول العربية ولقاءاته بالزعماء العرب بشكلِ غير مسبوق عام 2022؛ إذ زار “ماكرون”: 06 دول عربية على الأقل، واستقبل في “باريس” عددًا من القادة العرب، كما التقى بآخرين في تجمعات دولية مختلفة، ما يعكس اهتمامه بالمنطقة العربية، التي احتضنت عدة مناسبات عالمية مثل: “قمة المناخ”، و”كأس العالم”، وأعادت الحرب الروسية في “أوكرانيا” تسّليط الضوء على حيوية الدور العربي في ضمان الأمن الطاقة الأوروبية.
“زيارات ماكرونية” لعواصم عربية تحت عناوين مختلفة..
كانت أولى زيارات “ماكرون” العربية، بعد إعادة انتخابه، بدأها من العاصمة الإماراتية؛ “أبوظبي”، في 15 آيار/مايو الماضي، لحضور جنازة رئيس البلاد؛ “خليفة بن زايد”.
لكن هذه الزيارة لم تخلُ من: “دبلوماسية الجنائز”؛ كما يقول تقرير لوكالة (الأناضول)، حيث التقى “ماكرون”، رئيس الإمارات الجديد؛ “محمد بن زايد”، والذي كانت أول رحلة له، بعد تعيّينه رئيسًا، إلى “باريس”، بعد نحو شهرين من هذا اللقاء وجرى توقيع العديد من الاتفاقيات المشتركة بين الطرفين وخصّيصًا بمجال الطاقة.
كما التقى “ماكرون”، في “أبوظبي”، بالرئيس الموريتاني؛ “محمد ولد الغزواني”، وبحث معه الأوضاع في “منطقة السّاحل”، التي تُعد “نواكشوط” أحد الأعمدة لـ”مجموعة السّاحل الخمسّة”، التي أسسّتها “فرنسا”: لـ”مكافحة الإرهاب” في المنطقة.
وأول زيارة رسمية لبلد عربي، قادت “ماكرون” إلى “الجزائر” لطي صفحة الخلاف الدبلوماسي و”التاريخي” والأمني والطاقوي بين البلدين، وجرت ما بين: 25 و27 آب/أغسطس الماضي.
نجحت الزيارة على الصعيد الدبلوماسي في إنهاء الجفاء بين حكومات البلدين، حيث التقى “ماكرون” بالرئيس الجزائري؛ “عبدالمجيد تبون”، وتم عقد أول اجتماع للقادة العسكريين والأمنيّين في البلدين؛ منذ استقلال “الجزائر”؛ في 1962، لكنها أبقت على العديد من الملفات عالقة ومؤجلة.
في 06 تشرين ثان/نوفمبر، توجه “ماكرون” إلى “شرم الشيخ”؛ في “مصر”، لحضور “قمة المناخ”؛ (كوب 27)، التي حضّرها عدد كبير من زعماء العالم، بينهم قادة عرب. والتقى “ماكرون” على هامش هذه الزيارة بالرئيس المصري؛ “عبدالفتاح السيسي”، والرئيس الجزائري؛ “عبدالمجيد تبون”.
ومن بوابة (الفرنكفونية)، زار “ماكرون”؛ “تونس”، التي احتضنت قمتها ما بين: 19 و20 تشرين ثان/نوفمبر، بجزيرة “جربة”؛ (جنوب شرق)، والتقى على هامشها بالرئيس التونسي؛ “قيس سّعيد”.
وفي كانون أول/ديسمبر الجاري؛ تأهل المنتخب الفرنسي إلى النصف النهائي ثم إلى نهائي كأس العالم لكرة القدم في “قطر”، وكانت مناسبة للرئيس الفرنسي لزيارة “الدوحة”؛ مرتين لحضور المباراتين، في 14 و18 من هذا الشهر، حيث كانت فرصة للقاء أمير قطر؛ “تميم بن حمد آل ثاني”.
وهذا اللقاء بين “ماكرون” و”تميم”، لم يكن الأول من نوعه هذا العام، إذ سبق للرئيس الفرنسي أن استقبل أمير “قطر”؛ في “باريس”، نهاية آيار/مايو الماضي.
وفي 20 كانون أول/ديسمبر الجاري، شارك الرئيس الفرنسي في “قمة بغداد 2″، بمنطقة “البحر الميت”؛ بـ”الأردن”، بمشاركة عشر دول، وكان على رأس المشاركين العاهل الأردني؛ الملك “عبدالله الثاني”، والرئيس المصري، ورئيس الوزراء العراقي الجديد؛ “محمد شيّاع السوداني”.
وكانت القمة مناسبة للقاء بين الملك “عبدالله”؛ و”ماكرون”، على هامش “قمة بغداد”، وبحث الطرفان: “التحديات في العراق وسوريا ولبنان، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية”.
حراك دبلوماسي في “باريس”..
لم تقتصر لقاءات “ماكرون” بالزعماء العرب بزيارتهم في بلدانهم، بل استقبل عددًا منهم في “باريس”. فخلال الصيف الماضي، استقبل “ماكرون”؛ في “باريس”، عددًا من الزعماء العرب على غرار ملك البحرين؛ “حمد بن عيسى آل خليفة”، ورئيس “الإمارات”، وأمير “قطر”، والرئيس المصري، وولي العهد السعودي؛ “محمد بن سلمان”، والرئيس الفلسطيني؛ “محمود عباس”.
كما استقبل “ماكرون”؛ ولي العهد السعودي في “باريس”، في تموز/يوليو الماضي، والتقاه مرة أخرى على هامش قمة “مجموعة العشرين”؛ بجزيرة “بالي” الإندونيسية؛ منتصف تشرين ثان/نوفمبر، واتصل به هاتفيًا قبيل انعقادها بفترة قصيرة.
“ماكرون” يُحاول تعويض تقلص النفوذ الفرنسي بالحضور عربيًا..
بحسب (الأناضول)، يُحاول “ماكرون” تعويض فشل سياسته في “إفريقيا”؛ وبالأخص في “مالي” و”جمهورية إفريقيا الوسطى”، بتكثيف حضوره في المنطقة العربية.
ففي 2022، التقى “ماكرون” معظم الزعماء العرب، ولم يستّثن منهم سوى قادة: “سوريا وليبيا والسودان والكويت وسلطنة عُمان والمغرب ولبنان”؛ رغم اتصالاته المباشرة مع بعضهم.
فالرئيس الفرنسي حريص على حضور مختلف المناسبات والمؤتمرات الدولية التي تعقد في المنطقة العربية، على غرار كأس العالم في “قطر”، رغم محاولات إثنائه عن الذهاب إليها في ظل حملة أوروبية منسّقة ضدها.
ويُحاول “ماكرون” أن يكون حاضرًا في مختلف القضايا والأزمات العربية حتى في الدول التي لم يلتق زعماءها، على غرار: “ليبيا وسوريا والسودان”.
وبعد أن لجأ إلى خيارات صدامية مع دول مغاربية؛ (الجزائر والمغرب وبدرجة أقل تونس)، على خلفية الحملة الانتخابية في بلاده، أعلنت “باريس” إنهاء أزمة التأشيرة مع “الجزائر والمغرب”، في زيارة قادت كلاً من وزير الداخلية الفرنسي إلى “الجزائر”؛ ووزيرة الخارجية الفرنسية إلى “المغرب”، في كانون أول/ديسمبر 2022.
أزمة الطاقة تدفع “ماكرون” لكسّب ودّ الدول النفطية..
في الوقت نفسه؛ من المتوقع أن تُعزز “فرنسا” علاقاتها مع دول الخليج و”الجزائر” في ملف الطاقة وبالأخص “الغاز” لتعويض “الغاز الروسي”؛ الذي ترك “فرنسا”؛ و”أوروبا” بشكلٍ عام، تبحث جميع الخيارات لتأمين نفسها هذا الشتاء القاسي.
أما بالنسبة لـ”المغرب”، فإنه من المقرر أن يزوره الرئيس الفرنسي في الربع الأول من العام المقبل، وفق وسائل إعلام مغربية، وهو ما من شأنه طي الأزمة الصامتة بين البلدين، والتي أدت إلى تأجيل الزيارة التي كانت مقررة في تشرين أول/أكتوبر الماضي.
ومن خلال هذا الحضور الفرنسي المكثف بالمنطقة العربية، يسعى “ماكرون” لإثبات أن بلاده ما زالت قوة عظمى وفاعلة، رغم تراجع دورها في “إفريقيا”، وأن بإمكانها أن تكون فاعلة في مختلف الأزمات الساخنة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ مثل “الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا”.
كما يُحاول “ماكرون” قطع الطريق أمام تزايد النفوذ الروسي والصيني في منطقة قريبة جغرافيًا إلى بلاده، التي تسعى أيضًا لتوفير موارد الطاقة لصناعتها، والأسواق لسّلعها.