على مشارف “2023” .. الحرب “الروسية-الأوكرانية”: كيف الخروج من الحلقة بعد غلقها !

على مشارف “2023” .. الحرب “الروسية-الأوكرانية”: كيف الخروج من الحلقة بعد غلقها !

وكالات – كتابات :

مع استمرار التدخل العسكري الروسي في “أوكرانيا”؛ منذ 24 شباط/فبراير 2022، وإصرار الطرفين على مواقفهما، تتنامى المخاوف الدولية بشأن استمرار أمد الحرب، وتتزايد الأسئلة المُقلقة بشأن: “المسّار الغامض” لهذا الصراع في عام 2023، وانعكاساته المختلفة على السّلم والأمن الدوليين بأبعادهما العسكرية والاقتصادية والغذائية وغيرها؛ بحسب ما استهل “د. إدريس لكريني”؛ أستاذ العلاقات الدولية وإدارة الأزمات في جامعة “القاضي عياض”، “المغرب”، مقاله التحليلي المنشور على موقع مركز (المستقبل) للأبحاث والدراسات المتقدمة.

ويصطدم التنبؤ بمستقبل الحرب الأوكرانية ومآلاتها، بمجموعة من الصعوبات التي يطرحها تسّارع الأحداث الميدانية، وتضارب المواقف المطروحة من قِبل هذا الطرف أو ذاك، إضافة إلى الخلفيات المُعلنة والمُضمرة للنزاع، وانعكاساته المُتداخلة؛ إقليميًا ودوليًا.

ويحاول هذا المقال طرح المسّارات المُحتملة للصراع “الروسي-الأوكراني”، في ضوء مجموعة من الاعتبارات.

حسابات متضاربة..

تبرز الوقائع والأحداث المتوالية أن ثمة معارك ضارية بأبعاد إستراتيجية واقتصادية، تتحكم فيها حسابات إقليمية ودولية، توازي الحرب الجارية في “أوكرانيا”.

فـ”روسيا” عبّرت؛ في عدة مناسبات ،عن انزعاجها من تمدد “حلف شمال الأطلسي”؛ الـ (ناتو)، في محيطها القريب، بعد أن تمكن الأخير من استقطاب عدد من الدول الأوروبية التي كانت تُحسّب على المعسكر الشرقي سابقًا، كما هو الشأن بالنسبة لـ”جمهورية التشيك والمجر وبولندا وبلغاريا ورومانيا وألبانيا”؛ بل وضمان عضوية عدد من الدول التي كانت تُشكل جزءًا من “الاتحاد السوفياتي” السابق، كما هو الأمر بالنسبة: لـ”إستونيا ولاتفيا وليتوانيا”.

وعلى الرغم من الإشكالات القانونية التي تُحيط بتدخل “روسيا” العسكري في بلدٍ مستقل ذي سّيادة وعضو في “الأمم المتحدة”، ضمن تعارض واضح مع مباديء القانون الدولي المتصلة بمنع استخدام القوة أو مجرد التهديد بها في العلاقات الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتسّوية المنازعات الدولية بسُبل سلمية؛ ظلت “موسكو” تُصر على أنها تُمارس حق الدفاع الشرعي في مواجهة تهديدات حقيقية وأخرى مُحتملة، تتسبب فيها توجهات نظام “كييف” نحو: “دعم النازيين الجُدد”، وتهديد المصالح القومية الروسية، وفقًا لتوصيف “موسكو”.

ويمكن اعتبار التدخل العسكري الروسي في “أوكرانيا” بمنزلة رسالة واضحة تُظهر أن “موسكو” مستعدة لكل الخيارات لوقف زحف حلف الـ (ناتو) نحو حدودها.

وقد ربطت “روسيا” تدخلها العسكري في البداية بتحقيق أهداف محددة، تم إجمالها في تدمير البُنّى العسكرية الأوكرانية كسبيل لضمان حيادها، قبل أن يتطور الأمر إلى تغيير واقع جغرافي من خلال السّيطرة على مناطق حيوية على الحدود الغربية لـ”أوكرانيا”، خاصةً بعد الإعلان عن مصادقة الرئيس؛ “فلاديمير بوتين”، في نهاية أيلول/سبتمبر 2022، على ضم أربعة أقاليم أوكرانية؛ هي: “لوغانسك ودونيتسك وزاباروغيا وخيرسون”، إلى السّيادة الروسية، بناءً على: “استفتاءات شعبية” نظمتها سلطات محلية موالية لـ”موسكو”.

وبالتوازي مع ذلك؛ ظلت “روسيا” تُقلل من أهمية النظام الدولي الذي تقوده “الولايات المتحدة”، وتؤكد وجود مجموعة من الإنحرافات والانتهاكات التي تورط فيها الغرب بقيادة “واشنطن”، منوّهة بأهمية إرساء نظام دولي تعدّدي يُتيّح لـ”موسكو” الاستئثار بأدوار عالمية وازنة تليق بمكانتها كقوة عظمى.

أما “أوكرانيا”؛ المدعومة اقتصاديًا وعسكريًا من جانب دول غربية وعلى رأسها “الولايات المتحدة”، فهي تُصرّ على عدم قبولها بالأمر الواقع الذي تُحاول “روسيا” فرضه داخل البلاد، وتؤكد على حقها في الدفاع عن سيّادتها وحرية اختياراتها السياسية والإستراتيجية وتوجهاتها الخارجية، كما تُشير إلى أنها مُصممة على المُضي قُدمًا نحو تحرير شبه جزيرة “القِرم”؛ التي ضمتها “روسيا” في عام 2014.

كما ترى “كييف” وعدد من الدول الغربية في التحرك العسكري الروسي، مجرد: “سلوك عدواني” ينم عن الرغبة في إعادة استعادة: “أمجاد الاتحاد السوفياتي السابق”؛ الذي كثيرًا ما تحسّر عليها “بوتين” في عدد من المناسبات.

مسّاران للحرب..

في ظل التطورات الراهنة، قد تتخذ الحرب “الروسية-الأوكرانية”؛ في عام 2023، أحد المسّارين المُحتملين التاليين:

01 – استمرار الحرب من دون حسّمها..

أمام الوضع الميداني الحالي؛ من المُرجح استمرار التصعيد بين طرفي الحرب. فـ”روسيا” تُريد أن تُبرز أنها قادرة على تحدي الغرب، وأن لديها كل المقومات التي تجعلها طرفًا وازنًا وأساسيًا في نظام دولي تعددي تطمح إليه.

في حين تسعى “الولايات المتحدة”، مدعومة في ذلك بعدد من الدول الغربية الأخرى، إلى تأكيد أنها القطب الأوحد المؤهل لقيادة النظام الدولي.

واستحضارًا لحجم الخسائر التي طالت “أوكرانيا”، بعدما تعرضت بُنيتّها التحتية للتدمير، وفقدت أجزاءً مهمة من أراضيها، وعددًا كبيرًا من جنودها وسّكانها المدنيين، فمن المتوقع أن “كييف” لن تستسلم، ولن تقبل بغير الاستمرار في الدفاع عن أراضيها، على أمل إعادة الأمور إلى نُصّابها، لاسيما أنها مدعومة بشكلٍ كبير من جانب القوى الغربية.

وفي ظل الجدل بشأن ما إذا كانت “كييف”؛ في هذه الظروف الضاغطة، تملك بالفعل سلطة قرارها، وبالتالي القدرة على اتخاذ قرارات تنسجم مع مصالحها الإستراتيجية بعيدًا عن أية إملاءات أو حسابات خارجية، فإن “الولايات المتحدة” لن تتردد في جعل هذه الأزمة مناسبة للدفع نحو: “التصعيد المحسّوب”؛ بالنظر إلى ما ستُجنّيه من انعكاسات إيجابية، مادامت بعيدة جغرافيًا عن موقع النزاع، مع رغبتها في إرهاق واستنزاف “روسيا” عسكريًا واقتصاديًا من جهة أولى، وإشعار الدول الأوروبية بأهمية التكتل إلى جانب “واشنطن” في إطار “حلف شمال الأطلسي” لمواجهة التهديدات الروسية، من جهة ثانية.

كما يظهر أيضًا أن “روسيا”؛ التي ربما غامرت بتدخلها العسكري وسخّرت لذلك إمكانيات بشرية واقتصادية ضخمة، لن تنسحب بشكلٍ سريع أو فجائي، أو تتراجع عن عملياتها، بعدما حققت تقدمًا على المستوى الميداني، وتعرضت في مقابل ذلك لعقوبات غربية قاسية.

وعلى الرغم من الإمكانيات العسكرية الهائلة المتوافرة لـ”موسكو”، فإنها لم تستطع كسب المعركة لصالحها حتى الآن، خاصةً مع صمود القوات الأوكرانية، بل وتقدمها أحيانًا في عدد من المواقع، كما أن “كييف” مُصرّة على الاستمرار في السّير قُدمًا نحو تحقيق أهدافها باستعادة أراضيها من القوات الروسية.

وتُمثل هذه المعطيات مؤشرًا على إمكانية إطالة أمد المعركة التي قد تأخذ شكل محاولة كل طرف لاستنزاف الآخر؛ بهدف إرغامه على التراجع والانصياع، والسّعي لاكتساب أوراق للضغط، خصوصًا أن احتمال استخدام السلاح النووي كأداة لحسم النزال، يظل غير مُرجح، سواء من الجانب الروسي أو الغربي.

02 – الدخول في مفاوضات لوقف الحرب..

شهدت الحرب في “أوكرانيا” تصعيدًا وتسّارعًا ملحوظًا في الأحداث، خلال الأسابيع الماضية، فقد كثّفت “روسيا” من عملياتها العسكرية، ولجأت إلى ضم أقاليم أوكرانية لسّيادتها، واستهداف البُنّية التحتية، ومنها محطات الكهرباء، في المدن الأوكرانية.

فيما استطاعت القوات الأوكرانية تحقيق تقدم ملموس في عدد من المناطق.

وبالرغم من الاتجاه نحو التصعيد العسكري على الأرض، من المؤكد أن الحرب أصبحت مكلّفة لكل أطراف.

فـ”روسيا”، بإمكانياتها العسكرية والاقتصادية، ليست قادرة على الاستمرار في عملياتها لمدة أطول، خاصةً مع ضغوط العقوبات الاقتصادية والسياسية التي فرضتها الدول الغربية على “موسكو”. فمع التطورات الخطيرة التي طالت المجال العسكري، أصبح من الصعب حسم المعارك، مثلما كان عليه الأمر في الماضي، حيث إن الأمر يقتضي أيضًا توظيف آليات موازية بأبعاد إعلامية واقتصادية وثقافية، وهو ربما ما فشلت فيه “روسيا” حتى الآن.

كما أن “أوكرانيا”، التي تعرضت لتدمير واضح لبُنيّتها التحتية المختلفة، بل ولإقتطاع أجزاء من أراضيها، غير قادرة وحدها على المُضي قُدمًا في مواجهة خصم عنيد، هدد عدة مرات باستعداده لاستخدام كل الخيارات العسكرية، بما فيها النووية.

أما الدول الغربية التي بادرت على امتداد الأشهر الأخيرة إلى فرض عقوبات مشددة على “موسكو” بهدف الضغط عليها في اتجاه وقف العمليات العسكرية، فقد بدأت تجد نفسها وجهًا لوجه أمام وضع صعب بفعل الانعكاسات القاسية التي أفرزتها الحرب من جهة، على مستوى تزايد حالات الهجرة واللجوء، والنتائج العكسية للعقوبات، لا سيما فيما يتعلق بتأمين حاجات الدول الأوروبية من واردات النفط والغاز وعدد من المنتجات الزراعية، ثم ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وتزايد نسّب الفقر داخل مجتمعاتها، وتوقف عدد من المصانع عن العمل، وتنامي المطالب الأوروبية الداعية لإرساء سياسات سّيادية مستقلة عن “الولايات المتحدة”، علاوة على تزايد فاتورة الدعم الكبير والمسّاعدات السّخية التي دأبت على توجيهها لـ”أوكرانيا” من أجل مسّاعدتها على الصمود في مواجهة القوات الروسية.

وهو ما يُحيل إلى أن الدول الأوروبية لا يمكن أن تستمر بقبول الوضع الراهن أو تفاقمه نحو الأسوأ، أو مجاراة “الولايات المتحدة” بحساباتها الإستراتيجية في مواقفها؛ وذلك بالنظر للتكلفة الضخمة التي ستتحمل جزءًا كبيرًا منها في كل الأحوال.

وبالتالي فإن التصعيد القائم حاليًا من أطراف الحرب الأوكرانية قد يصل بالصراع إلى: “نقطة الذروة”؛ التي تُمهد إلى عقد اتفاق: “ولو مؤقت” لوقف إطلاق النار، ثم الدخول بعد ذلك في مفاوضات لا شك أنها ستطول بالنظر إلى حجم الإشكالات المتراكمة، وامتلاك كل طرف أوراق ضغط سيحرص على توظيفها.

فـ”أوكرانيا” ستكون مُعززة بورقة العقوبات الغربية التي لا تخفى انعكاساتها على “روسيا”، فيما ستوظف هذه الأخيرة ورقة الوجود العسكري داخل عدد من المناطق الأوكرانية، ونقص إمدادات الطاقة لـ”أوروبا”، وهو ما قد يُفضي مستقبلاً إلى وضع ترتيبات ميدانية تطمينية بالنسبة لـ”موسكو”، كضمان حياد “كييف” أو الاتفاق على منطقة منزوعة السلاح على حدود “أوكرانيا”، مع رفع العقوبات عنها، في مقابل الانسحاب الروسي من المناطق الأوكرانية.

ختامًا؛ فإنه في كلا السيناريوهين، سواء تعلق الأمر بالاحتمال القائم على مواصلة التصعيد العسكري بإصرار طرفي الحرب الأوكرانية على سياسة: “شد الحبل” واستنزاف الخصم عسكريًا واقتصاديًا، أو الاحتمال الآخر المتعلق بإمكانية الجلوس إلى مائدة التفاوض في سبيل البحث عن توافقات؛ فإن الأمر سيستغرق وقتًا طويلاً حتى يتم إرساء سلام مستدام؛ بحسب ما يرى الكاتب.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة